هذه المواد الموسيقية تتسبب في حالة من التغيير المزاجي التدريجي والانتقال إلى حالة خطيرة تسبب فقدان الوعي أو الشعور وتورث الاضطراب في وظائف الدماغ، وحالة عدم الانتظام في انتقال الإشارات الكهربائية التي يطلقها المخ لأجزاء الجسم الأخرى، ومن ثم يمكن لهذه الموجات الصوتية ان تتسبب بشعور مماثل لمتعاطي المخدرات…
عرفت المخدرات الرقمية بأنها ملفات صوتية تتضمن نغمات أحادية أو ثنائية بترددات متشابهة أو متباينة يمكن ان يستمع إليها المستخدم فتجعل الدماغ يصل إلى حالة من الخدر أو النشوة تشابه ما تسببه المخدرات الحقيقية، وصممت هذه الملفات لمحاكاة حالة الهلوسة أو النشوة التي تحدثها المخدرات التقليدية وكذلك إيصال المتعاطي لحالة اللاوعي.
بعبارة أخرى هي إيقاعات صوتية معينة من شأنها ان تتسبب في غياب الوعي الذهني على نحو مماثل لما تحدثه عملية تعاطي المخدرات التقليدية كالحشيش والأفيون أو غيرهما، وبالغالب تكون هذه النغمات ثنائية الموجة حيث يستمع المتعاطي في إحدى الإذنين إلى موجة صوتية معينة وفي الإذن الأخرى إلى تردد بنحو أقل أو مختلف مع بعض الصور أو الأضواء أو إغماض العينين ما يجعل الدماغ في حالة من الإغماء أو التشوش إذ يسعى إلى الموازنة ما بين الصوتين فيعجز بسبب هندسة الصوت فيقع في حالة مماثلة للإغماء.
وفي عصرنا الحاضر حيث الوسائل التكنلوجية والتقنية الحديثة تتغلب في استعمالاتها اليومية على جميع الوسائل التقليدية وتستهلك جل وقت الفرد، وهي في الوقت عينه تعد وبحق ميداناً واسعاً للاتصال أو التواصل وتصلح ان تكون وسط للعمل والترويج وما إلى ذلك وقد تستغل من بعض الخارجين عن القانون للترويج أو لنقل بعض الوسائل الجرمية أو المواد المحظورة ومنها المخدرات الرقمية، فمن السهولة بمكان إنشاء بعض المواقع وتحت مسميات مضللة لبث أصوات أو نغمات لها تأثير مباشر على الحالة النفسية والعقلية لفئات اجتماعية لاسيما الشباب، ومن الممكن التدرج بهذه المواد للوصول بالضحية إلى حالة الخدر أو الانفصال عن الواقع وشيئاً فشيئا يبلغ حالة الإدمان والتعاطي اليومي ويساعد على ما تقدم شيوع استعمال الأجهزة الالكترونية كالهواتف النقالة والحواسيب المنتشرة في وقتنا الحاضر على نطاق واسع جداً، والمشاكل المصاحبة كالبطالة أو المعضلات الاجتماعية والأسرية.
ومن شأن هذه المواد الموسيقية ان تتسبب في حالة من التغيير المزاجي التدريجي والانتقال إلى حالة خطيرة في نهاية المطاف تسبب فقدان الوعي أو الشعور وتورث الاضطراب في وظائف الدماغ، وحالة عدم الانتظام في انتقال الإشارات الكهربائية التي يطلقها المخ لأجزاء الجسم الأخرى، ومن ثم يمكن لهذه الموجات الصوتية ان تتسبب بشعور مماثل لمتعاطي المخدرات التقليدية من نشوة أو رغبات معينة أو حالة الهلوسة أو الانفصام التام عن الواقع.
وحين نتساءل عن التنظيم القانوني لتجريم المخدرات الرقمية نجد ان اتفاقية الأمم المتحدة للمخدرات للعام 1961 وملحقاتها والبروتوكول الملحق للعام 1971 أشارت إلى الأنواع التقليدية الخطيرة من المخدرات وهذا ما سار عليه المشرع الوطني في العديد من البلدان ومنها المشرع العراقي الذي اعتبر بقانون المخدرات رقم (68) لسنة 1965 أن المادة المخدرة مادة طبيعية أو تركيبية مدرجة في الجداول ملحقة بالقانون أو الاتفاقية، وبالنتيجة تعد المخدرات الرقمية غير مدرجة في هذه القوائم المرفقة والسبب ان المخدرات التقليدية شيء مادي ملموس ومعروفة في مسمياتها ومصادرها النباتية أو الصناعية، بينما الموضوع محل البحث عندنا هو عبارة عن ملفات صوتية مخزنة بصيغة معينة ويتم تداولها بطريقة الكترونية أيضاً ولطبيعتها الخاصة استبعدت أول الأمر من مجال التجريم كما ان الرأي الفقهي ازاءها انقسم إلى اتجاهين وكان الاتجاه الغالب أنها مجرد عمل فني ويمكن استعمالها طبياً لمعالجة المرضى الذين يعانون من بعض الاضطرابات النفسية أو السلوكية.
بيد ان الرأي الراجح اليوم يميل إلى اعتبارها مخدرات ومن النوع الخطير لما تتسبب به من اضطراب في الجسم وما تقود إليه من آثار مدمرة للفرد والمجتمع حيث لوحظ علاقتها المباشرة بإفراز الجسم مواد هرمونية معينة، مثل هرمون السيروتونين وهو هرمون منظم للحالة المزاجية واستقرار مستواه في الجسم يمنح الفرد شعوراً بالرضا والسعادة واستقرار ملحوظ في الحالة المزاجية، أما الدوبامين فهو هرمون الشعور بالسعادة حيث يعمل على تحسين المزاج، وهو بمثابة مكافأة يطلقها الدماغ البشري عند فعل أشياء يحبها الفرد فيشعر بالسعادة.
ولما كانت الأصوات المنوه عنها كمخدرات تؤثر في القوى العقلية للفرد وتؤثر سلبا على الإدراك والوعي وترتد بالنتيجة على أجزاء الجسم بطريقة تشبه تأثير المخدر الحقيقي لذا هي تستثير إفراز الهرمونات المتقدمة، والأشد خطراً مما تقدم هو إدمان هذه المخدرات حيث ان الإدمان حالة يصل إليها الفرد بعد تكرار ارتكاب عمل معين مصحوبة برغبة شديدة في تكرار هذا الفعل وعدم الانقطاع عنه لأسباب قاهرة لا يملك الفرد مقاومتها، اذ يهيمن الوهم على الحالة الذهنية للفرد ويكون بالنتيجة مصحوباً بتغيرات فسيولوجية ونفسية عميقة ومعقدة.
فالمؤثرات الرقمية لا تقل خطورة عن المؤثرات التي تسببها المخدرات التقليدية بل ستكون أخطر لسعة وسرعة انتشارها وسهولة تداولها وما يصحبها من سرية فلا يمكن اكتشافها إلا بتتبع السلوك الفردي للمتعاطين أو المدمنين لا سيما ممن هم في مقتبل العمر إذ تقود إلى مخاطر صحية ونفسية واقتصادية واجتماعية خطيرة جداً، لذلك يتطلب الوقوف عند هذه الظاهرة وإيجاد السبل اللازمة للوقاية منها وكذلك للتخلص من آثارها، ويقع واجباً على الجميع وبالخصوص المؤسسات ان تأخذ دورها المعتاد في هذا الموضوع فالمؤسسات الاجتماعية والأسرية وكذلك الرسمية التربوية والأمنية والصحية مطالبة قبل غيرها بالتحرك العاجل لاحتواء هذا الخطر المحدق.
وقد شخص المتخصصون أهم المخاطر التي تتسبب بها هذه المخدرات على الجانب النفسي والجسدي فمن شأنها ان تبعد المتعاطي عن مجتمعة وأسرته وتتسبب له بحالة غير مستقرة في جسمه وصحته العقلية أو النفسية تتمثل في انخفاض ملحوظ بمستوى الطاقة والشعور بالتردد والتوتر والقلق الشديد وتقود بالمحصلة إلى الاكتئاب وإدمان السهر ما ينعكس سلباً على قواه الجسدية وعمل ووظائف جسمه الحيوية وان الأثر السلبي سينال من الأعضاء الأساسية مثل الكبد والكلية.
إضافة إلى ما تقدم من المخاطر النفسية التي قد تكون سببا في الانتحار أو الكآبة ما يحيق ضراراً حتمياً بالأسرة والآخرين، ويشير البعض إلى ان هذه النغمات يمكن ان يكون لها استعمال مزدوج حيث يمكن الاستفادة منها في المجالات الطبية بعد تقنين ما تقدم من استعمالاتها بموازاة ما نظمته قوانين الصحة العامة والقوانين المنظمة لمهنة الصيدلة من إباحة المتاجرة ببعض السلائف الكيميائية لإمكانية استعمالها في المجال الطبي استثناءً من أحكام قانون المخدرات العراقي النافذ رقم (50) لسنة 2017، بعبارة أكثر وضوحاً انه مع التنظيم القانوني المحكم يمكن ان نبلغ مرحلة الحياد لهذه المنتجات، ما حدى بالكثير من المختصين إلى تغيير وجهة نظرهم والنظر إليها على أنها نوع مستحدث من المخدرات إلا أن الانتفاع منها ممكن إن تم وفق أسس علمية محكمة قابلة للقياس والتقويم في أثرها على الفرد والمجتمع.
والبيئة العراقية اليوم وللأسف تساعد على انتشار أو استهلاك مثل هذه المخدرات ان لم يتم الالتفات مبكراً لمخاطرها بسبب عدم وجود أماكن يقضي فيها الشباب أوقات الفراغ، وأزمة السكن التي اضطرت الأسر إلى السكن في أماكن صغيرة وضيقة تفتقر إلى وسائل الراحة أو الاستجمام وممارسة العادات الاجتماعية والأنشطة اليومية للأطفال لذا تضطر الأسر إلى الإبقاء على الأطفال في المنازل، فيبحث المراهق عن متنفس لقضاء الوقت.
والبعض منهم يلجؤون إلى بعض الأماكن العامة التي تشهد ترويجا للبرامج الالكترونية والتواصل في العالم الافتراضي فتتزايد فرص التعرض لمغريات المخدرات الرقمية ولربما يقعون في شراك المتاجرين أو المروجين لها (المقاهي والكافيهات مثالاً)، كما تمثل الألعاب الالكترونية العنيفة بيئة خصبة للترويج لمثل هذا النوع من المخدرات ولها الدور البارز في كل ما تقدم وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بمختلف المواقع التي تروج لهذا النوع من المخدرات.
وعند الحديث عن المعالجات الممكنة نعتقد جازمين ان المواجهة ليست تشريعية أو قضائية أو رسمية فحسب فقد سبق وصدر قانون المخدرات والمؤثرات العقلية العراقي رقم (50) لسنة 2017 وتضمن العديد من المعالجات للمخدرات التقليدية إلا أنه جاء خاليا من أي معالجة للمخدرات المستحدثة وعلى رأسها الإلكترونية منها، وبما ان المخدرات من المفاهيم المتطورة بسبب ما تفضي إليه المركبات الكيميائية أو السلائف من مركبات أو منتجات تفضي إلى التخدير أو فقدان الوعي وغياب العقل، لذا عمد المشرع العراقي إلى تخويل وزارة الصحة إمكانية تعديل الجداول الملحقة بالقانون كلما أفضى التطور العلمي أو اهتدت الدراسات العلمية إلى مادة مماثلة.
لذا هي دعوة للمشرع لتعديل القانون المتقدم ومنح وزارة الصحة وبالتنسيق مع الجهات القطاعية الأخرى ومنها وزارة الداخلية وهيئة الإعلام والاتصالات ووزارة الاتصالات وجهاز الأمن الوطني تشخيص المواقع المختصة ببيع أو ترويج المخدرات الرقمية لحجبها عن الأفراد وملاحقة المتاجرين أو المروجين لهذه الآفة الخطيرة، ولابد من فتح آفاق التعاون مع الجامعات العراقية والمراكز العلمية المتخصصة والمؤسسات الصحية الخاصة لتشخيص العلاج المناسب وابتكار طرق الوقاية المناسبة أضف لأهمية دور الإعلام العراقي في التعريف بالظاهرة ومخاطرها.