مخاطر حذف منصة ترمب

 راج بيرسود

لندن ــ بدأت منصات وسائط التواصل الاجتماعي تنقلب أخيرا على دونالد ترمب. فمنذ حَـرَضَ رئيس الولايات المتحدة أنصاره على شن هجوم عنيف على مبنى الكونجرس الأميركي في كابيتول هِـل في السادس من يناير/كانون الثاني والذي أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، منعته عدة منصات، من Twitter (مكبر صوته المفضل لفترة طويلة) إلى Shopify (التي باع عليها بعض السلع)، من استخدامها. أما منصة Parler ــ المنصة غير المعتدلة التي أصبحت البوق المحبب لليمين المتطرف، وملاذ ترمب المحتمل ــ فقد أغلقت مؤقتا بعد أن قامت شركة أمازون بإزالة موقعها من خدمات استضافة المواقع.

حظيت الجهود المبذولة لإزالة منصة ترمب الرقمية بالإشادة والثناء على نطاق واسع باعتبارها خطوة ضرورية للتخفيف من “مخاطر المزيد من التحريض على العنف”، كما جاء في بيان تويتر. لكن هل يُـفضي استبعاد ترمب من وسائط التواصل الاجتماعي إلى جعل أميركا أكثر أمانا حقا؟ تشير الأبحاث النفسية الحديثة إلى أن الإجابة هي “كلا”. فالنرجسيون لا يستجيبون للاستبعاد الاجتماعي بصدر رحب.

من المؤكد أن الأمر لا يخلو من جدال كبير حول ما إذا كانت هذه التسمية تنطبق على ترمب. الواقع أن القسم 7.3 من مبادئ الأخلاق الطبية التي تصدرها الجمعية الأميركي للطب النفسي ــ والمعروف باسم “قاعدة جولد ووتر” ــ واضح في هذا الشأن: ينبغي للأطباء السريريين أن يمتنعوا عن الإدلاء برأيهم علنا حول الصحة العقلية للشخصيات العامة التي لم يقوموا بفحصها شخصيا.

لكن العديد من علماء النفس والأطباء النفسيين قاموا بتشخيص حالة ترمب رغم ذلك، وخلصوا إلى أنه نرجسي نموذجي كما تصفه الكتب الأكاديمية بالضبط. في عام 2017، قام 27 طبيبا نفسيا وخبيرا في الصحة العقلية بنشر كتاب يحذر من أن حالة ترمب العقلية ــ بما في ذلك نرجسيته ــ تفرض “خطرا واضحا وداهما” على الولايات المتحدة.

ليس من الصعب أن نعرف السبب. تنطوي النرجسية على احتياج عال بدرجة غير عادية إلى المديح والإعجاب، مقترنا بنظرة متضخمة لقدرات الشخص أو “تميزه وتفرده”. أنه ذلك النمط من الشخصية الأقل ميلا إلى قبول الهزيمة، كما كانت الحال في الانتخابات. من غير الممكن أن يعترف النرجسي بأنه أقل شعبية من شخص آخر ــ مثل نظيره السابق ــ أو أن أحد خصومه تفوق عليه.

إذا أُجـبِـر النرجسي على مواجهة مثل هذه الحقائق غير المريحة، فإنه يميل إلى الشعور بالتهديد والرد بعدوانية. والاستبعاد الاجتماعي قد يؤلم أي شخص، لكنه أمر لا يطاق من منظور النرجسي، ومن المرجح أن يستثير عنده ردة فعل عنيفة.

علاوة على ذلك، يمتد الخطر إلى ما هو أبعد من ترمب ذاته، لأن العديد من أنصاره ومؤيديه يظهرون ميولا نرجسية دون شك. وقد أكدت دراسات عديدة هذا، بما في ذلك دراسة نشرها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي جوشوا هارت وناثنيال ستيكلر من يونيون كوليدج.

كما يزعم هارت وستيكلر، فإن أحد الأسباب التي تجعل النرجسيين أكثر ميلا إلى دعم ترمب هو أنه “نرجسي مؤثر”، كما أن “الناس يميلون إلى الانجذاب نحو الآخرين الذين يشبهونهم، بما في ذلك القادة”. في عموم الأمر، تعكس النرجسية “مزيجا من انعدام الشعور بالأمان والعَـظَـمة”، والذي يجعل الأفراد أكثر ميلا إلى الاستبداد اليميني والهيمنة الاجتماعية ــ وكل من الأمرين، كما يزعم الباحثان، “يتوافق إيديولوجيا مع المحافظة السياسية وخاصة النسخة التي ينتهجها ترمب”.

أظهرت أبحاث أخرى أن انتشار سمات الشخصية النرجسية تزايد بشكل كبير في العقود الأخيرة بين مختلف الشرائح السكانية في الولايات المتحدة. يلقي بعض المراقبين اللوم عن هذا الاتجاه على ظهور وسائط التواصل الاجتماعي، وإن كانت الأدلة غير حاسمة حتى الآن.

على أية حال، من الواضح أن ترمب استخدم وسائط التواصل الاجتماعي لبناء عبادة شخصية أتباعها يتسمون بالنرجسية بشكل غير متناسب. لكن حظر ترمب من وسائط التواصل الاجتماعي لن يزيل الضرر. في أحسن الأحوال، تشبه هذه الخطوة إغلاق باب الإسطبل بعد فرار الخيول. وفي أسوأ الأحوال، هذا من شأنه أن يحفز الخيول على الركل والمقاومة بقوة أكبر.

رَبَـط الباحثون النرجسية بعدد من السلوكيات المناهضة للمجتمع، مثل العدوانية، والعنف المنزلي، والإكراه الجنسي. أظهرت دراسة حديثة أجراها فريق بقيادة فيكتوريا بلينكهورن من جامعة ليفربول جون مورس، أن الناس الذين سجلوا درجات أعلى بشكل كبير من النرجسية ينظرون إلى العنف بشكل أكثر إيجابية. ورغم أن الرجال كانوا أكثر ميلا إلى تسجيل درجات عالية، فإن النساء النرجسيات كن على ذات القدر من قبول العنف كنظرائهن من الذكور.

لذا، ربما يكون الهجوم على مبنى الكونجرس الأميركي ضاربا بجذوره في النفسية النرجسية بقدر ما يرجع إلى أسباب سياسية على الأقل. إذا كان الأمر كذلك، فإن نبذ ترمب وأنصاره اجتماعيا قد يزيد الأمور سوءا إلى حد كبير. الواقع أن دراسة حديثة أخرى شاركت فيها بلينكهورن وجدت أن النرجسي ربما يكون أكثر دعما للعنف بعد مواجهة الإقصاء الاجتماعي، وخاصة إذا تلقى “إشارات واضحة للنبذ”.

إذا كان نبذ النرجسيين لا يُـفضي إلا إلى توجيه آلامهم العاطفية نحو المزيد من العدوانية تجاه الآخرين، فمن الأهمية بمكان أن نتأكد من أن العنف ليس المنفذ الوحيد المتاح لهم. إن الانضمام إلى الأشخاص من ذوي التفكير المماثل، سواء في التجمعات السياسية أو في المجتمعات عبر الإنترنت، من الممكن أن يساعد النرجسيين على تجنب مواجهة مشاعر الضعف أو التعرض للخطر.

مكمن الخطر هنا إذن هو أن تجاهل العلوم السلوكية والإصرار على إبعاد ترمب والعديد من أنصاره اليمينيين المتطرفين من وسائط التواصل الاجتماعي ربما يكون أشد خطورة من السماح لهم بالاستمرار في الانخراط في مناقشات خاضعة للإشراف عن كثب حيث تُـزال التعليقات التي تحرض على العنف. إن العقلية النرجسية تنطوي ضمنا على استراتيجية دفاعية نفسية تولد العنف البدني. وعلى هذا، ففي حين قد تكون تلك المناقشات على الإنترنت جالبة للمشاكل، فإنها من الممكن أن تزودنا بالمعادل الرقمي لصمام إزالة الضغط، الذي يسمح للنرجسيين بالتنفيس عن غضبهم ــ وبالتالي يمنع انفجارا مميتا.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/psychology/25838

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M