مخاوف ايرانية: رسائل المرشد الأعلى الإيراني خلال لقائه مع الرئيس السوري

علي عاطف

 

كشفت التصريحات التي أدلى بها المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، خلال لقائه مع الرئيس السوري، بشار الأسد، يوم الأحد 8 مايو 2022 في العاصمة طهران عن أبعاد الرؤية الإيرانية للوضع الحالي في سوريا، وذلك بعد سنواتٍ من الإعلان عن إلحاق هزائم كبرى بالتنظيمات الإرهابية هناك. فقد واجهت الاستراتيجية والحضور الإيراني في سوريا منذ عام 2019 عقباتٍ عدّة تمثلت أبرزُها في تنامي النفوذ الروسي في سوريا على المستوى العسكري والسياسي وتضاءل الحضور الإيراني على هذين المستويين في الوقت نفسه.

ولم تقتصر التطورات على هذا الأمر فقط، بل إن المخاوف الإيرانية قد تزايدت بشأن مستقبل نفوذها داخل سوريا، بعدما أبدت حكومة الرئيس بشار الأسد رد فعل إيجابي تجاه التقارب مع الدول العربية. وتتعارض هذه التطورات، سواء على الميدان العسكري أو السياسي، مع ما تطمح إيران إلى القيام به والاستحواذ عليه داخل سوريا خلال فترة ما بعد انتهاء الحرب. بل إن هذه الطموحات تحمل في طياتها أهدافاً اقتصادية أخرى عند الحديث عن المشاريع المنتظرة لإعادة إعمار سوريا.

لذا، تسعى إيران إلى توثيق علاقاتها مجدداً مع الحكومة السورية بقيادة الأسد بعد فترة من التراجع النسبي في الانتشار العسكري محلياً وتراجع مستوى تأثيرها السياسي داخل الساحة السورية. وتأتي هذه المساعي في ظل تطورات دولية ملائمة توضحها أبعادُ وتداعياتُ الحرب الروسية الأوكرانية على مدى الحضور الروسي داخل سوريا. ومن أجل ذلك، تتبنى إيران مساعي حثيثة في الوقت الحالي لتكثيف حضورها في سوريا من بين أبرز وسائلها عقد لقاءاتٍ وزياراتٍ متعددة بين مسئولي النظام السوري ونظرائه في طهران من أجل الدفع قدماً لتحقيق هذه الطموحات.

وقد تمثلت أحدث هذه اللقاءات في الزيارة التي قام بها الرئيس السوري الأسد إلى طهران في الثامن من مايو الماضي حيث التقى مع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، والرئيس الايراني إبراهيم رئيسي. وخلال هذه اللقاءات، عبّرت تصريحات خامنئي بشكل ضمني عن مخاوف إيران إزاء التطورات العسكرية والسياسية الأخيرة في سوريا خلال الأعوام القليلة الماضية، كما رسمت خريطة أفكار لما تخطط إيران للقيام به وتنفيذه داخل سوريا خلال الأيام المقبلة.

كيف عبّرت تصريحات خامنئي عن مخاوف إيران وخططها المستقبلية في سوريا؟ 

كانت تصريحات المرشد الأعلى الإيراني خلال لقائه الرئيس السوري في طهران كاشفة بشكل كبير عما يجول في أذهان صنّاع القرار الإيرانيين بشأن طبيعة وأبعاد علاقات بلادهم بسوريا في الوقت الحالي والمستقبل. وكانت أبرز ما كشفت عنه ما يلي:

  1. محاولة استرضاء الرئيس السوري بشار الأسد: 

لقد أجبرت التطورات التي مرت بها سوريا خلال الأعوام الثلاث الماضية إيران على السعي للتودد واسترضاء الرئيس السوري بشار الأسد خلال الزيارة الأخيرة، وأيضاً خلال بعض الزيارات الأخرى السابقة التي التقى فيها مسئولون من الطرفين، مثل اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مع مسئولين سوريين كبار في العاصمة دمشق أواخر شهر مارس 2022.

فكما سبق القول، كان النفوذ الروسي ينمو بشكل واسع داخل المشهد السوري، وفي الوقت الذي تم استبعاد إيران فيه تدريجياً منه. وعلى سبيل المثال، اضطرت إيران للانسحاب من بعض المواقع العسكرية لصالح روسيا، ما اتبعه تراجع من حيث التأثير بشكل رئيس على قرارات الرئيس الأسد السياسية.

وإن كان هذا الأمر يشكل دافعاً لأن تسترضي طهران دمشق، فإن قيادة بعض الدول العربية جهود التقارب السوري- العربي خلال فترة ما بعد 2019 قد سبب قلقاً غير مسبوق فيما يتعلق بشكل العلاقات الإيرانية السورية منذ أن تعززت على المستوى الثنائي مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي حينما نجحت الثورة الإيرانية عام 1979 في الإطاحة نظام الشاه محمد رضا بهلوي.

ويفسر هذا من جانب أسباب تتابعَ اللقاءات الإيرانية السورية خلال الفترة الأخيرة بالتزامن مع اللقاءات العربية السورية، والتي كان من بينها زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات حيث تم الإعلان عنها في 18 مارس الماضي وقد أعقبتها زيارةٌ لوزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان إلى دمشق يوم 23 من الشهر نفسه.

وقد كشفت تصريحاتُ خامنئي خلال لقائه الأخير مع الأسد عن السعي لهذا الاسترضاء حينما أشار خامنئي في خضم حديثه حول بعض “الأسباب المختلفة للمقاومة وانتصار سوريا في حرب دولية”، حيث قال بشأنها إن “أحد أهم هذه الأسباب الاعتقاد الراسخ لصاحب السعادة نفسه (الأسد)، وإن شاء الله تستطيعون بهذا الاعتقاد إعادة بناء ما تم تخريبه بسبب الحرب؛ لأن هناك أعمالاً كبيرة تنتظركم”.

ويُلاحَظ هنا أن هذه اللهجة استرضائية أكثر منها خطابية. وهي تختلف عن لهجة الخطاب الإيراني تجاه الرئيس السوري الأسد قبل حوالي ثلاثة أعوام، والتي كانت تركز كثيراً على الدور الإيراني الواسع في دعم الأسد، أما الآن فهي تركز على دور الأسد نفسه بشكل أكبر عما كان عليه في الماضي.

وعلى سبيل المثال، كان المستشار العسكري الأعلى للمرشد الإيراني، يحيي رحيم صفوي، قد تباهي في إحدى تصريحاته عام 2015 أن “إيران هي من تقود الحرب في سوريا” وأن “مشاركة في الحرس الثوري في القتال مصيرية للغاية”، علاوة على تشديده على أن “إيران منعت سقوط بشار الأسد”.

  1. انتقاد التقارب العربي السوري: 

كان انتقاد المرشد الإيراني خامنئي للتقارب العربي مع سوريا واضحاً خلال تصريحاته في اللقاء الأخير مع بشار الأسد في طهران. فقد زعم أن الدول العربية لم تدعمْ سوريا خلال الأزمة وأن طهران قد تحركت على النقيض من ذلك.

لقد ادعى المرشد الإيراني في تصريحاته أن “عدداً من قادة الدول المجاورة لنا ولكم، يلتقون مع قادة الكيان الصهيوني ويحتسون القهوة معاً ولكن شعوب هذه الدول قد ملأت الشوارع عدداً وهتافاً ضد الصهاينة في يوم القدس، وهذا هو واقع المنطقة اليوم”. ودعا خامنئي حسب زعمه إلى “تحديد المستقبل بناءً على تجارب الماضي” وذلك اعتماداً على ” وقوف بعض الدول في الجبهة المناوئة لسوريا خلال الأعوام الماضية”.

وتحمل هذه التصريحات من دون شك انتقادات غير مباشرة للدول العربية التي تحاول إعادة سوريا إلى محيطها ودائرتها العربية، وهو حتماً ما لا يلقى قبولاً لدى إيران. فالأخيرة وإن كانت تنتقد سياسات دول ذات سيادة، إلا أنها لا تعني هذا الأمر على وجه التحديد، بل تريد “الاصطياد في الماء العكر” من حيث الادعاء بأنها هي وحدها المعنية بقضية فلسطين وأن الدول العربية الأخرى لا تراعي المصالح السورية، حسب ما تريد طهران تصويره.

وعلى أي حال، فإن حدة هذه الانتقادات تفسرها النتائج التي قد تترتب على مثل هذا التقارب العربي مع سوريا، حيث سيعني على الناحية الأخرى حصاراً للدور الإيراني في سوريا وتقييد تحركات وكلاءها على الأرض هناك الذين يأتي على رأسهم “لواء فاطميون” و”لواء زينبيون”، علاوة على حضور عناصرَ إيرانية من الحرس الثوري نفسه.

  1. تذكير سوريا بدعم إيران العسكري لها في الحرب: 

يرتبط هذا بالعنصر سالف الذكر، حيث إن المرشد الإيراني الأعلى خامنئي قد ذكّر بشار الأسد بموقف طهران إزاء بلاده خلال فترة الحرب السورية الأخيرة. وهو يريد من هذا مزيد من النفوذ والامتيازات داخل سوريا نظير هذا الدعم العسكري.

فقد تطرق المرشد الإيراني إلى أسماء بعض القادة العسكريين الإيرانيين الذين قاتلوا أو أداروا المعارك الإيرانية في سوريا خلال فترة الحرب، ومن بينهم قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني وحسين همداني الذي يُوصف بأنه “العقل المدبر” للعمليات العسكرية الإيرانية في سوريا قبل مقتله عام 2015 بإحدى ضواحي مدينة حلب شمال غربي سوريا.

وقال خامنئي إن سليماني وهمداني كانا ينظران إلى “قضية سوريا كواجب مقدس”، حسب تعبيره. بل إن المرشد الإيراني ذهب إلى القول بأن سليماني كان لديه “حماس خاص لسوريا”، مضيفاً أن “أداؤه في سوريا لم يكن يختلف عن أدائه في (حرب) الدفاع المقدس ذات الثماني سنوات”. ويقصد بذلك الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) والتي شارك فيها سليماني وقاد لاحقاً خلالها فوج “ثار الله 41”.

  1. الرغبة في انخراط الشركات الإيرانية في عمليات إعادة إعمار سوريا: 

كان الاختلاف بشأن عملية إعادة إعمار سوريا أحد أسباب التوترات التي طرأت على العلاقات الروسية الإيرانية خلال السنوات القليلة الماضية. إذ أن طهران تخطط لأن تشارك مؤسسات وشركات تابعة لها في عملية إعادة الإعمار هذه؛ من أجل تحقيق هدفين:

  • الأول: المنفعة الاقتصادية، من حيث العوائد الاقتصادية التي ستجنيها الشركات الإيرانية، خاصة الحكومية أو المساهمة فيها، من الانخراط في هذه العملية الاقتصادية.
  • الثاني: ترسيخ النفوذ السياسي داخل سوريا، علاوة على الثقافة الإيرانية. فحسب تقارير متنوعة، أقامت إيران عدة مراكز ثقافية ومذهبية داخل سوريا وداخل العاصمة خلال السنوات التي تلت دخولها على خط الحرب الداخلية السورية.

ولما كانت التحولات داخل المشهد السوري قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي لا تبشر بإمكانية استحواذ إيران وشركاتها على دور بارز أو حتى كبير في مجال إعادة إعمار سوريا، فقد رأت طهران أن الوقت قد حان بعد اندلاع الحرب المُشار إليها لأن تنخرط في عملية إعادة إعمار سوريا.

لذا، فإننا نجد المرشد الإيراني يصرّح في حديثه مع الرئيس الأسد قائلاً إن علاقات البلدين “مهمة للغاية” لهما ولا يجب تركها تضعف “بل يجب أن نعززها إلى الحد الممكن”. وقد رد الرئيس السوري الأسد على هذا المطلب الإيراني قائلاً إنه “يمكن إعادة بناء خسائر الحرب”.

الخلاصة،

جاءت تصريحات المرشد الإيراني خامنئي واضحة وموجّهة ومرتبط أيضاً بما شهدته وتشهده الساحة السورية من تطورات تفرد لها إيران أهمية خاصة؛ نظراً للأهمية الاستراتيجية الكبرى التي تملكها سوريا عند الحديث عن النفوذ الإيراني في إقليم الشرق الأوسط.

ونتيجة لمخاوف إيران الجمة والكبيرة من عودة سوريا إلى الدائرة العربية، فإنه من المتوقع أن تكثّف إيران من حضورها في سوريا خلال الفترة المقبلة مستغلة انشغال الروس في الحرب مع أوكرانيا، حيث ستحاول طهران من خلال ذلك الوقوف أمام محاولات العودة السورية للدائرة العربية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19873/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M