مخرجات بوزنيقة.. بداية الحل أم بداية التعقيد؟

محمود قاسم

 

أعلن وزير خارجية المغرب “ناصر بوريطة” في ختام أعمال اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين (6+6) أن “أن المشاورات الخاصة باللجنة قد حققت توافقاتمهمة نحو تنظيم الانتخابات في ليبيا”. الأمر ذاته أعلنه رئيس وفد مجلس النواب الليبي “جلال الشويهدي” خلال مؤتمر صحفي للجنة، حيث قال: “تم التوافق بين وفدي اللجنة على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية”، ما أكده رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة “عمر بوليفة” بأنه “تم الاتفاق على القوانين، ولم يبق إلا الإصدار الرسمي للقانونين من قبل مجلس النواب لتفعيلهما رسميًا”.

وقد أثار هذا الإعلان ردود فعل متباينة؛ إذ رأى البعض أن ما أُنجز في المغرب يمكن أن يقود إلى انفراجة في المشهد الليبي المتعثر؛ لكون مخرجات اللجنة ملزمة ونهائية. فيما رأى آخرون أن مخرجات بوزنيقة ما هي إلا بداية لتعقيد جديد في الأزمة الليبية، ولن تسفر عن شيء سوى مزيد من التأزم والخلاف؛ وذلك في ظل وجود رفض بين عدد من القوى الفاعلة لمخرجات بوزنيقة وما اتُفق عليه.

وكان حزب العدالة والبناء (الذراع السياسية للإخوان) قد أعلن رفض مخرجات لجنة الحوار، في الوقت ذاته أعلن تجمع قادة ثوار ليبيا (كيان ميليشياوي يضم عددًا من الجماعات المسلحة غرب ليبيا) رفضه مخرجات الحوار؛ لعدم منعها ترشح “خليفة حفتر” و”سيف القذافي”، وهدد في بيانباللجوء إلى العنف و”المقاومة المسلحة” حال تمرير القوانين التي تسمح لهما بالترشح.

مخرجات جولة بوزنيقة

أقرت اجتماعات بوزنيقة التي عقدتها اللجنة المشتركة 6+6 قانونًايتكون من 89 مادة للانتخابات الرئاسية، وقانونًا للانتخابات التشريعية من 94 مادة. وفيما يتعلق بالملامح العامة لما اتُفق عليه -وفقًا للمسودة المسربة- سواء فيما يتعلق بانتخاب الرئيس أو أعضاء مجلسي النواب والشيوخ فقد جاءت على النحو التالي:

أولًا) ترشح مشروط لمقعد الرئيس: وضع القانون مجموعة من الشروط فيما يتعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية بوصفها إحدى القضايا التي حالت دون إجراء الانتخابات خلال السنوات الماضية؛ إذ أتاح القانون لمزدوج الجنسية الترشح للانتخابات، وفي حال دخوله جولة الإعادة فسيكون مطالبًا بتقديم ما يفيد عدم حملة جنسية دولة أخرى، أو طلب مختوم من سفارة الدولة المانحة للجنسية يفيد بتقدم المرشح بطلب للتنازل عن الجنسية.

وفيما يرتبط بترشح العسكريين، نصت المسودة أن يصبح المرشح –مدنيًا كان أو عسكريًا- مستقيلًا من منصبة بمجرد قبول ترشحه للانتخابات. ولم يحدد القانون وضع المرشحين المستقيلين في حال عدم الفوز في الانتخابات؛ إذ ضمن القانون السابق للعسكريين عودتهم لمناصبهم في حال خسارة الانتخابات. وترك القانون كذلك الباب مفتوحًا أمام ترشح “سيف الإسلام القذافي”، حيث نص ” أنه يجب ألا يكون المرشح للرئاسة محكومًا عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولن تحول هذه المادة دون ترشح “سيف القذافي” خاصة بعدما تم تبرئته بعد الطعن على الحكم الذي كان يتهمه بالمشاركة في قمع المحتجين 2011.

ثانيًا) حتمية الجولة الرئاسية الثانية: بصورة مغايرة لكافة الأعراف والقوانين الانتخابية المعمول بها في كافة النظم الانتخابية، تجاهل القانون الانتخابي الأغلبية المطلقة التي تسمح للمرشح الحاصل على 50%+1 من أصوات الناخبين بالفوز بمقعد الرئيس، وذلك بعدما نصت مسودة القانون على ضرورة خوض المرشحين لجولة إعادة بغض النظر عن نسبة الأصوات التي حصل عليها أي من المرشحين. وعليه استبعد القانون حسم الانتخابات من جولتها الأولى، حيث سيخوص المرشحان الحاصلان على أعلى الأصوات جولة انتخابية ثانية يفوز فيها من يحصل على أعلى الأصوات.

ثالثًا) اقتران الانتخابات التشريعية والرئاسية: اقترنت الانتخابات الرئاسية بالبرلمانية؛ إذ نص القانون على ضرورة أن تُجرى انتخابات مجلس الأمة بغرفتيه مع الجولة الثانية من انتخابات رئيس البلاد، بعد 35 يومًا من تاريخ انتهاء الطعون وصدور الأحكام القضائية النهائية الخاصة بالتأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. واشترط القانون في حال إذا ما تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية تحت أي ظرف من الظروف، فإن انتخابات مجلس الأمة تصبح والعدم سواء. الأمر الذي من شأنه أن يطيح بالدعوات التي تدعو إلى إجراء الانتخابات البرلمانية كونها أقل تعقيدًا من الانتخابات الرئاسية، كمقدمة لبناء الثقة، على أن يتولى البرلمان المنتخب إعداد القاعدة الدستورية ومن ثم إجراء الاستفتاء عليها قبل خوض الانتخابات الرئاسية.

رابعًا) تأجيل الانتخابات للعام المقبل: وفقًا لنصوص مسودة القانون المسربة، فلن تُجرى الانتخابات الليبية خلال العام الجاري، وهو الأمر الذي يصطدم بطموحات عدد كبير من الليبيين وكذلك المبعوث الأممي في ليبيا “عبد الله باتيلي” الذي كان يراهن على إجراء الانتخابات خلال عام 2023، حيث قال في وقت سابق أنه “يمكن إجراء الانتخابات في نهاية العام 2023، إذا جرى وضع القوانين الانتخابية بنهاية يونيو المقبل”. فقد نصت المسودة على إجراء الانتخابات خلال 240 يومًا من إصدار القوانين الانتخابية، وعليه فإذا ما صدق مجلس النواب على القوانين الانتخابية، ومن ثم دخولها حيز النفاذ، فلن يكون عامل الوقت كافيًا لإجراء تلك الانتخابات هذا العام.

توافقات منقوصة

على الرغم من إعلان أعضاء اللجنة المشتركة استكمال التوافق بشأن مواد القوانين الانتخابية، فإن الإعلان النهائي أثار مزيدًا من الجدل وطرح عدة تساؤلات بشأن ما إذا كانت تفاهمات بوزنيقة خطوة في المسار الصحيح أم أنها مقدمة لتعقيد يمكن أن يذهب بالمشهد الليبي إلى طريق مسدود؛ فقد أظهرت اللحظات الأخيرة في المغرب أن ما تم قد لا يخرج عن كونه تفاهمًا هشًا بين ممثلي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب.

وبدا من الإعداد الذي قام به المغرب للمؤتمر الصحفي لأعضاء اللجنة المشتركة أن الأمور كانت تسير في اتجاه صحيح، خاصة بعد توجيه دعوة لسفراء الدول الأجانب لحضور الإعلان عن الاتفاق، إلا أن مشهد اللحظات الأخيرة قد حال دون استكمال عملية التوافق، خاصة بعدما غادر كل من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة دون التوقيع بالأحرف الأولى على ما أُنجز من تفاهمات.

وقد دلل موقف رئيسي المجلسين أن توافقهما في السابق كان اضطراريًاعلى خلفية تلويح المبعوث الأممي خلال جلسة إحاطة في مجلس الأمن في فبراير الماضي بإمكانية تشكيل لجنة لإعداد القوانين الانتخابية حال استمرار حالة الانسداد وعدم قدرة الفرقاء الليبيين على إنجاز تلك المهمة.

ويبدو أن خلافًا نشب بين “صالح” و”المشري” فيما يتعلق بضوابط الترشح لمنصب الرئيس، ما ترجمته تغريدة المشري على تويترالتي أعرب فيها عن أمله في زيادة التفاهم حول بعض النقاط من خلال اللجنة في اجتماعات قادمة. الأمر الذي يشير بصورة ضمنية إلى عدم قدرة تفاهمات بوزنيقة على إحداث الاختراق المطلوب بين الجانبين.

ويبدو أن هذا الخلاف منطقي؛ في ظل رغبة الطرفين في إطالة أمد البقاء في المشهد السياسي؛ إذ إن أية ترتيبات سياسية من شأنها أن تنتج قوانين تقود للانتخابات ستكون على حساب الأطراف السياسية المسيطرة على المشهد الراهن، فضلًا عن أنها ستنتج سلطة ومجالس جديدة تتجاوز الفاعلين الحاليين.

ولم يتوقف الخلاف فقط على الصدام بين رئيسي المجلسين؛ إذ امتد لأعضاء مجلس النواب بعدما عبّر 61 نائبًا عن انحراف اللجنة عن مهامها على خلفية زيادة عدد أعضاء مجلس النواب، وهي المهمة التي لم تكن ضمن مهام اللجنة وفقًا لهؤلاء النواب. من ناحية أخرى، عبر 54 عضوًا من المجلس الأعلى للدولة عن رفض أية مخرجات قد تنتجها اللجنة المشتركة 6+6؛ وذلك لعدم دستوريتها وفقًا لما جاء في البيان الذي أُعلن عنه يوم 4 يونيو 2023.

ضغوط محتملة

لم يحضر المبعوث الأممي “عبدالله باتيلي” المؤتمر الصحفي للجنة المشتركة في المغرب، ويبدو أنه كان يستشعر أن التوافقات التي نجمت عن تلك الاجتماعات ستصطدم بعدم التوافق بين مكونات اللجنة. وفي رده على أعمال لجنة 6+6، دعا المبعوث الأممي الأطراف الليبية إلى عدم المماطلة والعمل على معالجة المواد الخلافية، وتأمين الاتفاق السياسي اللازم لإجراء الانتخابات. ولعل إحاطة المبعوث الأممي القادمة في مجلس الأمن يوم 19 يونيو الجاري، قد تشكل ضغطًا على أعضاء اللجنة المشتركة للتوافق قبل هذا التاريخ، والذي قد يستغله “باتيلي” للإعلان عن فشل الأطراف الليبية في التوافق فيما بينهما، ومن ثم إعلان مبادرته لإدارة المرحلة الانتقالية.

من ناحية أخرى، أعرب المبعوث الأمريكي لدى ليبيا “ريتشارد نورلاند” عن تأييد دعوة “باتيلي” لليبيين لإنجاز الخطوات اللازمة لإجراء الانتخابات العامة. وخاطب أطرافًا ليبية في رسالة مبطنة أوضح فيها أنه “سيحصلون على الشرعية من خلال الانتخابات فقط”، وحذر من جهود “استغلال الانقسامات الداخلية، وإحباط جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات”.

ورغم أنه لم يحدد أطرافًا بعينها فإن رسالته تحمل عدة دلالات، منها: تأكيد المبعوث الأمريكي وحرصه على إنهاء حالة الهشاشة السياسية والانتقال إلى مرحلة أكثر تقدمًا عبر إجراء الانتخابات، فضلًا عن أنها موجهة لأية محاولات أو ترتيبات سياسية لا ترتبط بتحديد موعد لإجراء الانتخابات وفق جدول زمني محدد وواضح، خاصة في ظل تصاعد التقارير مؤخرًا حول رغبة مجلس النواب والدولة في تشكيل حكومة مصغرة للإشراف على الانتخابات، أو ما يرتبط بإمكانية تشكيل حكومة ائتلافية أو دمج الحكومتين في حكومة واحدة. وعليه، قد تشهد الفترة القادمة ضغوطًا دولية وإقليمية على الأطراف الداخلية وأعضاء مجلسي النواب والدولة بشأن إنجاز القوانين والتوافق بشأن القضايا العالقة بينهما.

في الأخير، اتسم المشهد الليبي وتفاعلاته طيلة السنوات الماضية باتساع الفجوة بين مكوناته، وغياب التوافقات التي من شأنها أن تضع حدًا لدوامة التكرار التي سيطرت على مجمل التطورات، خاصة ما يرتبط بالتفاهمات المرتبطة بإنهاء المرحلة الانتقالية واستكمال المسار السياسي الذي دائمًا ما يُجهض بسبب الحالة الصراعية بين الأطراف المحلية المنخرطة في الأزمة.

ويبدو أن مسألة التوافق ستظل العائق الأكبر أمام أي تسوية سياسية منتظرة في ليبيا؛ فعلى الرغم من الآمال التي علقها المتابعون على اجتماعات اللجنة المشتركة (6+6) في بوزنيقة وقدرتها على أن تضع صيغًا مشتركة بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، فإن الاجتماعات التي استمرت في المغرب ولمدة أسبوعين لم تفضِ إلى تقارب في وجهات النظر؛ فقد عاد المجتمعون إلى ليبيا دون التوافق على القضايا الخلافية التي ذهبوا بها إلى المغرب والتي تشكلت اللجنة للتعاطي معها.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/77791/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M