بدأت عملية مخيمات الصيف بتحركات إسرائيلية موسعة في الضفة الغربية في محاولة لمنع ما وصفته إسرائيل بانفجار الضفة بعد محاولات إيران إشعال هذه الجبهة كنوع من الرد على اغتيال إسماعيل هنية “رئيس المكتب السياسي ” لحركة المقاومة الإسلامية حماس “سابقًا” وكذلك في إطار استنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي وتشتيت قدراته تارة عن طريق حزب الله في عملية موسعة شنها الحزب خلال الأسبوع الجاري وتارة عن طريق تحريك فصائل المقاومة لشن عمليات ” فردية ” في الضفة الغربية.
حيث تستمر عمليات اقتحام مخيمات الضفة الغربية لليوم الثاني على التوالي وقد اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس، ومخيم العروب شمالي الخليل في توقيتات متزامنة وقد أفادت مصادر محلية أن القوات الإسرائيلية اقتحمت نابلس بعدة آليات مرت عبر حاجز المربعة جنوبي المدينة، وتمركزت في منطقة نابلس الجديدة، ثم تحركت باتجاه حي رفيديا حيث داهمت إحدى البنايات. كما ذكرت المصادر أن عددا كبيرا من آليات الجيش الإسرائيلي اقتحمت مخيم العروب وانتشرت في عدد من أحيائه، وجابت شوارع وأزقة في المخيم.
استمرار نهج الاغتيالات
أعلن الجيش الإسرائيلي في سياق استمرار مسلسل الاغتيالات – مقتل قائد كتيبة طولكرم محمد جابر والملقب بـ “أبو شجاع” بالإضافة إلى أربعة مسلحين أخرين، خلال اشتباكات مع أفراد الوحدة الشرطية الخاصة. وأوضح الجيش الإسرائيلي أن “أبو شجاع” كان “قائد كتيبة طولكرم” وذلك في مخيم نور شمس، وكان متورطاً في العديد “من العمليات الإرهابية” حسب الاحتلال الإسرائيلي، ومن ضمنها عملية إطلاق النار في شهر يونيو الماضي والتي أسفرت عن مقتل المواطن الإسرائيلي أمنون مختار. كما أعلنت قوات جيش الاحتلال القضاء على خمسة مقاتلين فلسطينيين كانوا يختبئون داخل مسجد في طولكرم بالضفة الغربية المحتلة.
كما أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت 20 مواطنا فلسطينيا على الأقل، من بينهم أطفال، منذ بدء عدوانها الواسع على الضفة الغربية فجر الأربعاء. وأوضحت الهيئة والنادي – في بيان أذاعته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) الأربعاء – أنّ قوات الاحتلال تواصل تنفيذ عمليات تحقيق ميداني في بلدات ومخيمات محافظات طولكرم، وجنين، وطوباس، ورام الله، والبيرة، طالت العشرات من المواطنين، ورافقها اعتداءات وانتهاكات جسيمة ومروعة بحق المواطنين، حيث تركت عمليات التعذيب والتنكيل آثارا واضحة على أجساد المعتقلين الذين أفرج عنهم لاحقا. وذكرت أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت أكثر من 10 آلاف و300 مواطن فلسطيني من الضّفة بما فيها القدس، منذ بدء حرب الإبادة المستمرة والعدوان الشامل على أبناء الشعب الفلسطيني في السابع من أكتوبر الماضي.
أما حصيلة العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية فقد وصل عدد الجرحى إلى 20 شخصاً حسبما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية والهلال الأحمر الفلسطيني، كما ارتفع عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي إلى 663 قتيل ونحو 5600 إصابة.
وحذرت وزارة الصحة الفلسطينية من حصار الجيش الإسرائيلي للمستشفيات في جنين وطولكرم، وقالت إن الجيش يقوم بتفتيش جميع المركبات المتجهة إلى المستشفيات، مما يعيق عمل الطواقم الطبية ويهدد حياة المصابين. وقامت القوات الإسرائيلية باحتجاز الكوادر الطبية في مخيم الفارعة في طوباس عند اقتحامها للمخيم، ومنعت مركبات الإسعاف من دخول المخيم أو الوصول إليه.
كيف ترد فصائل المقاومة.. والواقع العملياتي في الضفة
تبقى الخيارات المتوافرة أمام المقاومة للرد على عمليات الاقتحام الموسعة لمخيمات في الضفة الغربية في أكبر عملية عسكرية ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2002 محصورة في خيارين، حيث يتوجب على الفصائل الفلسطينية تشكيل لجان مقاومة شعبية لحماية البلدات والمخيمات والاشتباك مع المستوطنين وجيش الاحتلال، إضافة إلى ضرورة التحضير لانتفاضة ثالثة بمقاربة جديدة.
وذلك لأن ما يحدث في الضفة الغربية حاليًا هو جزء من مخطط أكبر تم الإعلان عنه من خلال تصريحات وزير المالية المتطرف سموتريش، ولسوء الحظ فإن ما يصرح به سموتريش أو إيتمار بن غفير على فظاعته وتطرفه يتم التعامل معه كسياسة داخل الائتلاف الحكومي الذي يحكم إسرائيل حتى عام 2026 إذا لم يؤدي حدث ما إلى الإطاحة بهذا التحالف الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال.
وما يعد خطيرًا في ممارسات الاحتلال الإسرائيلي منذ عملية طوفان الأقصى أن العمليات تتم على مسارين، المسار الأول عبر قوات الاحتلال الإسرائيلي والآخر عبر المستوطنين المتطرفين الذين تم تسليحهم بشكل كبير بعد أربعة أشهر من الحرب في غزة من خلال صفقة عقدها إيتمار بين غفير وزير الأمن القومي مع الولايات المتحدة. وذلك إضافة إلى عمليات عسكرية خاصة نفذت في مخيمات جنين ونور شمس وغيرها. حيث يمكن وصف عملية مخيمات الصيف بأنها موسعة جغرافيا، وأيضا من حيث حجم القوات المشاركة وطريقة التعامل، كان هناك عملية إسقاط جوي نفذها جيش الاحتلال بغرض الإرهاب واستعراض القوة وتعد هذه الهجمات ترجمة وتنفيذا لما اقترحه قائد المنطقة العسكرية الوسطى بالجيش الإسرائيلي آفي بلوت -قبل أسابيع- عندما طالب بمناورة عملياتية شمالي الضفة مثل ما حدث بغزة. وبطبيعة الحال فسوف يستهدف الاحتلال تدمير البنية التحتية بشكل ممنهج في مناطق شمالي الضفة (كهرباء، ماء، اتصالات، صرف صحي) إلى جانب محاولة الوصول إلى المقاتلين.
حيث تشير التقديرات إلى أن هذه العملية التي وصفها جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنها سوف تستمر لمدة أيام تأتي في إطار تدمير ما وصف بالبنية التحتية للأذرع العسكرية الفلسطينية وقد كانت متوقعة في ظل عدد من الإرهاصات على غرار زيادة عدد الاقتحامات للمخيمات والبلدات الفلسطينية وخاصة جنين ونور شمس وطوباس. ومن ضمن تلك المؤشرات، سماح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بإعادة استخدام سلاح الجو (مسيرات، عمودي، مجنح) بمناطق الضفة. وإضافة إلى ذلك، فقد شهدت الأشهر الأخيرة زيادة في وتيرة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وحديث وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير عن ضرورة البدء ببناء معبد يهودي (كنيس) بداخله.
وعلى الرغم من أن بعض التقديرات قد ذهبت إلى أن إسرائيل تريد السيطرة على الضفة الغربية وبدء مخطط التهجير القسري هناك فإنه ليس من دواعي المنطق أن ما فشلت إسرائيل فيه في غزة سوف تنجح فيه في الضفة الغربية، مع الأخذ بالاعتبار أنها واجهت مقاومة أشرس في قطاع غزة في الوقت الذي سوف تواجه فيه إسرائيل في الضفة مجموعة من الشباب المقاتلين نظموا أنفسهم هناك ضمن كتائب صغيرة وبقدرات محدودة، لذلك فإنه من غير الوارد الدخول بمعارك طاحنة مثلما جرى في قطاع غزة. حيث يمكن الإشارة إلى أن المعطيات الميدانية في الضفة مختلفة فعلى الرغم أن غزة محاصرة، إلا أنها كانت تخلو من أي وجود إسرائيلي مما سمح لكتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- بإنشاء كتائبها المناطقية المختلفة، فضلا عن وحدات أخرى متخصصة في الرصد والمراقبة والإعلام وغيرها.
حيث تشهد مخيمات الضفة مستويات مرتفعة من الفقر والبطالة وقد أصبحت هذه المخيمات، ومخيم جنين على وجه الخصوص، قواعد للعديد من الجماعات الفلسطينية المسلحة الجديدة كما تشير إسرائيل. وذلك في محاولة من طهران لإبقاء إسرائيل محاصرة في أكبر عدد من الجبهات.
أبرز ردود الأفعال
اجتذبت العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية العديد من ردود الأفعال المنددة على المستويين الإقليمي والدولي حيث أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قيام القوات الإسرائيلية بعمليات عسكرية واسعة النطاق في محافظات جنين وطولكرم وطوباس شملت شن غارات جوية مما أدى إلى وقوع خسائر في الأرواح، بما في ذلك بين الأطفال وإلحاق ضرر بالبنية التحتية المدنية، ودعا إلى وقف فورى لتلك العمليات.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، دعا الأمين العام، إسرائيل إلى الامتثال لالتزاماتها ذات الصلة بموجب القانون الدولي الإنساني واتخاذ تدابير لحماية المدنيين وضمان سلامتهم، وحث قوات الأمن الإسرائيلية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وعدم استخدام القوة المميتة إلا في حال عدم التمكن من تجنبها من أجل حماية الأرواح. وشدد “جوتيريش” على ضرورة أن يتمكن جميع الجرحى من الوصول إلى الرعاية الصحية وأن يتمكن عاملو الإغاثة من الوصول إلى جميع المحتاجين للمساعدة، وأكد أن هذه التطورات الخطيرة تشعل الموقف المتفجر بالفعل في الضفة الغربية المحتلة ويزيد تقويض السلطة الفلسطينية. وأعرب الأمين العام، عن قلقه العميق أيضا بشأن الأفعال والتصريحات الخطيرة والاستفزازية الأخيرة التي أدلى بها وزير إسرائيلي في الأماكن المقدسة بالقدس.
وشدد الأمين العام على أهمية الحفاظ على الوضع الراهن لتلك الأماكن. وقال: “في نهاية المطاف فإن إنهاء الاحتلال والعودة للعملية السياسية ذات المغزى التي ينتج عنها تحقيق حل الدولتين هما السبيل الوحيد لوضع حد للعنف”. وأضاف أن الأمم المتحدة ستواصل العمل مع جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف والسعي لتهدئة تصعيد الوضع الراهن وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وفي نفس السياق قال الناطق باسم الخارجية الامريكية ان الإدارة الامريكية تشعر بقلق بالغ إزاء الحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية. وأضاف: نحن ندرك الاحتياجات الأمنية الحقيقية لإسرائيل، والتي تشمل مكافحة “النشاط الإرهابي” في الضفة الغربية على حد قوله، مضيفا “في الوقت نفسه، ما زلنا نصر على أن تتخذ السلطات الإسرائيلية التدابير اللازمة لحماية جميع المدنيين من الأذى في الضفة الغربية – تماما كما نحثهم على القيام بذلك في غزة”.
كما أصدرت إدارة بايدن الدفعة السادسة من العقوبات التي تستهدف عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، حيث أدرجت على القائمة السوداء مجموعة تضم حراسًا متطوعين للبؤر الاستيطانية غير القانونية وحارس أمن مدني لمستوطنة مشتعلة شاركت في الهجمات ضد الفلسطينيين.
جاءت العقوبات المفروضة على منظمة هاشومير يوش (حراس يهودا والسامرة)، وضد إسحاق ليفي فيلانت، كبير ضباط الأمن في مستوطنة يتسهار في شمال الضفة الغربية، بعد أيام من هجومين عنيفين شنهما مستوطنون في بلدات فلسطينية في الضفة الغربية أسفرا عن مقتل فلسطينيين. ولم يتم إلقاء القبض على أحد في الهجوم الأخير بالقرب من بيت لحم.
الداخل الفلسطيني ومعركة المسيرات
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الهدف من عملية مخيمات الصيف هو القضاء على البنية التحتية العسكرية للفصائل والتي باتت تشكل تحديًا حقيقياً لفرض الأمن في الضفة الغربية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن تل أبيب ربما تستهدف ما هو أبعد من ذلك ويرتبط بمشروع التهجير الذي يشكل في الضفة تهديداُ وجودياً للأردن. وفي هذا السياق فإن مخطط التهجير لن يتوقف عند غزة والضفة ولكنه سيطال عرب 48 ، ونتنياهو يتذرع حاليا بحديث دونالد ترامب عن أن الوقت قد حان لتوسيع إسرائيل.
والحل الرئيسي لا يمكن تجاوز الداخل الفلسطيني فيه من حيث ضرورة الالتفات إلى الوضع الداخلي وإنهاء الانقسام وصياغة مشروع وطني جامع، وفي التوقيت الحالي فإنه يجب ألا تفلح مساعي تل أبيب في تكريس الانفصال بين الضفة وغزة.
خاصة أن الاحتلال يوظف كل طاقاته لكسر المقاومة بكل فصائلها سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، حيث تنتهج إسرائيل مؤخرا تكتيكا جديدا لمواجهة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، عبر استخدام “المسيرات”. ومؤخرا، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالنت أن “القيود رفعت قبل أشهر عن عمليات طائرات سلاح الجو الإسرائيلي” في الضفة بزعم محاولة “إحباط العمليات المسلحة والإرهاب المتفاقم بتوجيهات من إيران وحزب الله”. وتوعد غالانت بأنه “إذا لزم الأمر سنوسع ذلك، بهدف القضاء على الجماعات المسلحة في مخيمات اللاجئين وتحسين الأمن في المستوطنات”، حسب غالانت.
وقد فوجئ سكان مخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة، مساء الاثنين الماضي، بسماع أصوات أربعة انفجارات متتالية ناتجة عن قصف إسرائيلي عبر طائرة مسيرة، أدت لاستشهاد 5 فلسطينيين. حيث لم تكن عملية الاغتيال هذه في نور شمس الأولى في الضفة الغربية ولا حتى في المخيم نفسه، غير أن الجيش الإسرائيلي صعَّد من عمليات القصف الجوي في الأشهر الأخيرة. وبأدوات بسيطة، يحاول المقاومون في مخيمات شمالي الضفة التشويش على سلاح الجو الإسرائيلي عبر نصب غطاء (شوادر) يغطي أزقة وشوارع المخيمات. ففي مخيم نور شمس ومثله في مخيمات طولكرم وجنين والفارعة قرب طوباس تغطى غالبية الشوارع بمثل هذا الغطاء.
وعادة ما تتعرض الآليات العسكرية الإسرائيلية المقتحمة لمخيمات شمالي الضفة لتفجير عبوات ناسفة تسفر عن تدميرها أو عطبها وإصابة جنود، وأحيانا مقتلهم. وبشكل عام فإن الجيش الإسرائيلي يرى في عملياته عبر سلاح الجو حماية للجنود وتوفير عناء تنفيذ عمليات برية بقوات مدرعة قد تتعرض لمقاومة وتفجير لآلياته، وفيه إنجاز المهام بسرعة فائقة. وهو ما يشير ضمنياً إلى تنامي قوة الفصائل الفلسطينية إلى الحد الذي يجعل من الصعوبة تنفيذ تل أبيب لعلميات اقتحام برية خوفاً من الخسائر ولكن من دروس الماضي فإن الفصائل سوف تتكيف مع هذا النوع من التغير العملياتي في تدخل الجيش الإسرائيلي في الضفة.
المصدر : https://ecss.com.eg/47752/