تقديم :
اضحى لمفهوم الديبلوماسية الدينية ضرورة اكاديمية بالغة الأهمية وهو كمفهوم وان كان حاضرا على مستوى التطبيق منذ قرون خلت ، الا انه وعلى مستوى التنظير من خلال الوعي بالدين وقوته واعتماده من منطلق برغماتي ، امر مستجد، ولكونه كذلك، فهذا يعني بداهة ان الديبلوماسية الدينية يمكن اعتمادها لتسوية النزاعات وخلق السلام وتعزيز الامن ونشرهما على المستوى الدولي والإقليمي لكل دولة ولكل شعب من الشعوب، وهذا هو المطلوب والمرغوب من الديبلوماسية بشكل عام، ومن الديبلوماسية الدينية من خلال فواعلها والياتها ووسائلها التي يأتي الدين في عمقها وجوهرها باعتباره أداة تقرب بين الأديان التوحيدية مثلا، بل ويمكن للدين التوحيدي ان يكون أيضا أداة لتعزيز وتقريب الشعوب بينها والتواصل مع مختلف الأديان والمعتقدات ، سواء مع معتنقي الأديان التوحيدية أي فيما بينها او غيرها من الأديان غير التوحيدية ، او مع من لا يعتنق أي دين ، لاسيما ان الانسان لا يمكن له ان يعيش بدون دين ولذا فان اللاديني نفسه يعتنق دين اللادين؟ .
في سبيل بحثنا عن تعريف الديبلوماسية نعتقد اننا اذا عرفناها بكونها ” ادفع بالتي هي احسن ” احسنا الوصف ، وفي محاولة البحث في خبايا المفهوم ، اوردنا العديد من التعاريف ، وصحيح جدا ان مختلف التعاريف تدور حول السلم والامن الدوليين كأحد اهم وظائف الديبلوماسية ، غير اننا سندفع بالقول ان ذلك يدخل ربما في سياق المدارس المثالية والتي تنظر لما ينبغي ان تكون عليه العلاقات الدولية بين مختلف الفواعل السياسية والدولية من دول ومنظمات وافراد ، بينما من مقترب واقعي فإن الديبلوماسية الدينية قد تكون أيضا ديبلوماسية دينية سلبية ، ونقصد بهذا ، ان يكون الدين احد الوسائل التي تستعملها الدول خدمة لمصالحها السياسية والوطنية ، و وسيلة لزيادة النزاعات والقلاقل والمشاكل داخل الدول غير الحليفة او الدول الأعداء ، باعتماد التمويلات التي تصب في زيادة الصراع الديني او ودعم الطائفية والمعتقدات التي تغذي النزعات الدينية التي يكون هدفها تمزيق الدول وتخريبها من الداخل بغية تحقيق اهداف سياسية من وراء ذلك ، من قبيل تقسيم الدول الى دويلات واقاليم يصارع بعضها بعضا ، وهو ما أشار اليه الاسقف جون برايسون شاين، القس الثامن في ابرشية واشنطن قائلا:” يمكن للدين في القرن الواحد والعشرين أن يكون قوة تمكن المصالحة والاستقرار السياسي أو اسفينا يعزز الانقسام…وقد حان الوقت الان لاستخدامه في المصالحة وصنع السلام الديبلوماسي”.
ولقد ابتدأنا السلسة المعنونة ب” مدخل نحو الديبلوماسية : الدين في صنع السياسة الخارجية ” ، بجمهورية ايران الإسلامية ، حيث شكلت الثورة الإسلامية فيها ، نقطة مفارقة وخصوصا بعد سقوط ما يسمى بنظام الخلافة، لتصبح محط انظار الكثيرين من زعماء الدول ، وزعماء الحركات الإسلامية ومن ليبراليين ومن مجتمع دولي .
غير اننا وقبل الانطلاق في تحديد معالم ومحددات السياسة الإيرانية الخارجية ، كان لا مناص من تقريب القارئ بداية الى مصطلحات ومفاهيم تنتمي لحقل السياسة والعلاقات الدولية والقانون العام ، وعليه كان من الضرورة المنهجية ان نعرف بداية ماهية الدبلوماسية وتاريخها ، أنواعها بحيث استشكل على البعض هذا التنوع الحاصل بين مختلف الديبلوماسيات فحاولنا تقديم معايير معرفية لمحاولة احتواء مختلف هذه الديبلوماسيات المتعددة .
كما حاولنا الإشارة الى نقطة نعتقد انها بالغة الأهمية وهي دور الدين في الغرب فلربما يجهل او قد يختلف معنا القارئ في هذا، غير اننا سنورد بعضا من الأدلة والحجج لنرى ان الدين لم يخفت ولم يختف بتاتا في التجربة الأوروبية والغربية ، بل كان حاضرا في كثير من المحطات التاريخية والازمنة ، فان قيل هذا كلام لا غبار عليه لكن تم دفنه بعدها ، فالإله قد مات ، نقول ان هذا الامر هو ما قد نختلف فيه ، فان الغرب قام بإعادة موضعته ليكون في صالح الانسان بدل ان يقف عائقا امام الحياة ، غير انه ومع ذلك لا يزال يشكل بعدا من ابعاد العقل اللاواعي وليتجلى في السلوك الخارجي للإنسان الغربي ، او للدولة الغربية بتجليات مختلفة ، فيظهر في لحظات معينة بشكل واضح جدا وقد يتوارى في احايين أخرى
وفي الفصل الثاني تم تحديد مجال الاشتغال وهو الديبلوماسية الدينية الإيرانية فتم بداية سؤال الهوية والتعرف على ايران من خلال محاولة معرفة من هي ايران ؟ ثم بعد ذلك الى أي حد يشكل الدين فاعلا أساسيا في صنع القرار السياسي الخارجي والعقل الإيراني عموما ، ثم الاشتغال عمليا على علاقة ايران بجوارها و ذلك من خلال كيف تتعامل ايران مع دور الجوار من السعودية والبحرين والعراق والامارات العربية المتحدة وقطر بل وكيف صارت ايران تحاول وهي تنجح في ذلك بان تضع لها موطئ قدم في القارة الافريقية محور لربما حروب المستقبل وهي القارة السمراء الغنية والتي تتجه لها اعين الدول الكبرى والقوية وصارت محل نزاع بين الأوروبيين والاسيويين والروس .