مُحَمَّد جَواد سُنبَه
كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي
[email protected]
أكثر من عشر سنوات، و العراق يقاتل الارهاب، الذي تنوعت تسميات مصادره، من تنظيم القاعدة، الى داعش. و في كلّ فترة القتال، بين العراقيين و الارهابيين، كانت تجري على مستويين:
الأول: القتال التقليدي، بين القوات العراقية و قوات داعش.
الثاني: النوع الآخر من القتال، الذي اختصّ به داعش، هو القيام بالتفجيرات الارهابية، بين المواطنين الابرياء.
في كارثة الكرادة التي حدثت، بعد منتصف ليل يوم 2 تموز 2016، كان تكتيك داعش فيها مختلفاً تماماً، عن التفجيرات التي قام بها التنظيم قبل هذا التفجير. و اذا كانت هجومات داعش، تُبنى على الأسس التالية:
1. اختيار التوقيت المناسب لتنفيذ الجريمة.
2. اختيار الهدف بدقة للقيام بتنفيذ الهجوم عليه.
3. استخدام مواد متفجرة تقليدية و معروفة هي، الـ(تي أن تي) و الـ(سي فور).
لكن تنظيم داعش قد استخدم، في تفجير منطقة الكرادة، متفجرات غير التي اعتاد على استخدامها، في العمليات السابقة. و هي مادتي: الـ(تي أن تي) و الـ(سي فور). إِنَّ سلسة مراحل تفجير مواد الـ(تي أن تي ) و الـ(سي فور) تكون كما يلي:
1. لحظة تنفيذ الانفجار بتشغيل الصاعق، و حصول الانفجار.
2. عصف شديد يحدثة الانفجار، فتتطاير شظايا العبوات، و هذا العصف يدفع بشدة الاجسام القريبة من نقطة الانفجار، باتجاهات مختلفة.
3. انطلاق كتلة نار كبيرة تتزامن مع الانفجار، تتجه بشكل عمودي (الى الأعلى)، بسبب ضغط الهواء الجانبي، الذي يدفع كتلة النار للاعلى، نتيجة لارتفاع درجة حرارة محيط كتلة النار بصورة مفاجئة. يصاحب ذلك تطاير القطع و الاجزاء، نتيجة الانفجار و العصف، و يشتعل منها ما هو قابل للاشتعال.
4. يترك الانفجار حفرة في الارض في المكان الذي حدث فيه .
في انفجار الكرادة الأخير، كانت معطيات التفجير مختلفة تماماً عن سابقاتها. و يمكن تحليلها من خلال مشاهدة المقاطع الفديوية المسجلة اثناء الحادث، و المرفقة روابطها اسفل المقال.
يظهر في هذه التسجيلات ما يلي:
1. انفجار.
2. لم تكن كتلة نار الانفجار متجهة عمودياً، و انما انتشرت باتجاهات مختلفة، لتصل الى البنايات الابعد من نقطة الانفجار. و هذه النقطة تختلف تماماً، عما ذكر في الفقرة (3) أعلاه .
3. شدّة التدمير كانت كبيرة جداً، مقارنة بالتفجيرات السابقة، التي كانت تقوم بها عصابات داعش. و هذا الدمار ليس بسبب عصف الانفجار، و انما بسبب النيران المنبعثة من الانفجار.
4. عدم ترك حفرة عميقة في الارض تحت السيارة التي انفجرت.
التوقعات:
حسب تصوري البسيط، اعتقد ان مواد التفجير المستخدمة في هذه المرة، تتحوي على عنصرين هما:
1. مواد التفجير التقليدية الـ(تي أن تي ) أو الـ(سي فور).
2. اضافة لمادة (النابالم)، التي سببت الحرائق و انتشارها، بمختلف الاتجاهات. و من المعروف عند المختصين، ان مادة (النابالم)، لها قوام يكون ذا كثافة عالية و لزج جداً. و هذا ما يجعل مادة (النابالم)، تستمر في الاشتعال لفترة ليست بالقصيرة، بعد التصاقها بالاجسام التي تقع عليها و تحرقها. و لكون الفسفور أحد عناصر مادة (النابالم)، لذا فبمجرد أن يتعرض (النابالم) للاوكسجين، و لحرارة الجو، فانه يشعل تلقائياً.
وهذا ما يفسر انتشار الحرائق، بالتتابع من مكان الى آخر، بسبب تناثر مادة (النابالم)، على الاجسام و الاماكن. فاستمرت الحرائق بشكل متسلسل، و لفترة أطول من فترة أي حريق تقليدي.
ملاحظة:
لا أدري هل قامت مديرية الأدلة و التحقيقات الجنائية، بجمع عينات من مخلّفات التفجير، لغرض تحليلها مختبرياً، لمعرفة مكونات مواد او مادة التفجير، و مقارنتها بمواد التفجير التقليدية السابقة؟.
ختاماً:
على القيادات الامنية، عدم التعامل مع هذا الموضوع، كتعاملها مع ما اعتادت عليه في الأحداث السابقة. و عليها القيام بجمع العينات، من مكان الحادث، و القيام بفحصها و تحليلها مختبرياً، لمعرفة مكوناتها، للوصول للنتائج التالية:
1. ان التعرف على مكونات مواد الانفجار، سيقدّم دليلاً قاطعاً، هل انفجار الكرادة، كان ضمن امكانيات داعش التقليدية المعروفة أم لا ؟.
2. اذا كانت الاجابة تنحصر، بأن الانفجار يختلف عن الانفجارات التقليديّة السابقة، فهنا يجب التحري بأن هناك جهة او جهات، متقدمة من الناحية العلمية و التقنية، تعاونت مع داعش لتنفيذ هذه الجريمة الشنيعة.
من غير المستبعد، ان هناك جهة دولية متنفذة في العراق، متعاونة مع داعش بشكل مباشر. و أنا شخصياً أشك بالجانب الأمريكي، الذي اثبتت التجارب بأنه الطرف، الذي يؤمّن دائماً الغطاء لداعش، تحت حجج و ذرائع مختلفة.
و ربما تدمير القوات العراقية مؤخراً، لقسم من رتل السيارات التابع لداعش، الذي أراد الخروج من عامرية الفلوجه، باتجاه الجزيرة الغربية. و كان الموقف الامريكي يتبنى رغبة السماح، بخروج الرتل دون التعرض له، من قبل القوات العراقية.
ربما كان لهذا الحادث، ردّة فعل تولدت عند الجانب الأمريكي، فتعاون مع داعش لتنفيذ تفجير الكرادة الآثم، لكسر إرادة الحكومة العراقية، وضمان تبعيتها للارادة الأمريكيّة على الدوام.
التحقيقات العلمية المعمقة، و الدراسات الاستقصائية للحادث، من قبل مختصين أَكفّاء، (إذا ما حصلت)، فانها ستكشف للعراقيين، كل الخفايا و الاسرار، التي تقف وراء مجزرة الكرادة، عندما تُحدد نوعية المواد المستخدمة، في الانفجار.
مشكلتنا الكبرى ليس الإرهاب ولا إمريكا ولا داعش بل تفوق ذلك بكثير وهي غياب المحاسبة والعقاب للمقصر مهما تكررت وتعددت الجرائم.ولا تحدد التحقيقات جهة مقصرة بعينها، وهذا هدفه حتى لا يحاسب المقصر.