د. عمر الحسيني
قبل اثني عشر عامًا، في قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة في كوبنهاجن، قدمت الدول الغنية تعهدًا بتحويل 100 مليار دولار سنويًا إلى الدول الأقل ثراءً بحلول عام 2020، لمساعدتهم على التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من ارتفاع درجات الحرارة. إلا أن هذا الوعد لم ينفذ بعد. كما أظهرت تقارير رسمية أن هدف الـ100 مليار دولار بعيد المنال، وهو ما تمت مناقشته بصورة مستفيضة خلال قمة جلاسكو للمناخ COP26 في نوفمبر الماضي. كما أن مضاعفات التردي في حل القضية المناخية زاد من الحاجة إلى تريليونات الدولارات كل عام لتحقيق هدف اتفاقية باريس لعام 2015 المتمثل في تقييد الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية.
فقد قدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ احتياج العالم إلى ما بين 1.6 تريليون دولار إلى 3.8 تريليونات دولار سنويًا لتجنب ارتفاع درجات الحرارة. وهو ما يزيد صعوبته، خاصة مع الاستمرار في دعم الاعتماد على الوقود الأحفوري. حيث تلقى حوالي 554 مليار دولار سنويًا بين عامي 2017 و2019، وفقًا لأحد التقديرات.
فشل الدول الغنية في توفير التمويل
تكمن المشكلة في عدم الاتفاق على كيفية قياس تعهدات الدول بدقة. إذ ساهمت الدول الغنية بمبلغ 80 مليار دولار في تمويل المناخ للبلدان النامية فقط في عام 2019، ارتفاعًا من 78 مليار دولار في عام 2018. وجاءت معظم هذه الأموال من المنح أو القروض العامة، التي تم تحويلها إما من بلد إلى آخر بشكل مباشر، أو من خلال صناديق متعددة الأطراف. وأشارت تقارير بنوك التنمية إلى أن تمويل المناخ المقدم للبلدان النامية قد انخفض في 2020. ويرجع ذلك جزئيًا إلى جائحة كوفيد-19.
بعد هذه الأرقام جاءت تقارير أخرى لتصفها بأرقام مبالغ فيها إلى حد كبير. إذ قدرت منظمة أوكسفام الخيرية للمساعدات الدولية التمويل العام للمناخ بما يتراوح بين 19 مليار دولار و22.5 مليار دولار فقط في عام 2017-2018، أي حوالي ثلث التقديرات المنسوبة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويرجع ذلك إلى أن منظمة أوكسفام تحتسب، إلى جانب المنح، الفوائد المتراكمة من الإقراض بمعدلات أقل من السوق، وليس القيمة الكاملة للقروض. كما أن بعض الدول تعتبر بشكل خاطئ مساعدات التنمية على أنها موجهة نحو مشاريع المناخ. فاليابان، على سبيل المثال، تتعامل مع القيمة الكاملة لبعض مشاريع المساعدة على أنها ذات صلة بالمناخ حتى عندما لا تستهدف العمل المناخي حصريًا. كذلك تم الإبلاغ عن بعض مشاريع بناء الطرق كمساعدات مناخية، مع تضمين معظم أو كل تكاليفها في تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويتفق العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مع منظمة أوكسفام. إذ في عام 2015، عارضت وزارة المالية الهندية تقدير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 62 مليار دولار لتمويل المناخ في عام 2014، قائلة إن الرقم الحقيقي كان 1 مليار دولار.
وقدرت حصة الولايات المتحدة من التمويلات بنسبة 40 إلى 47٪ من إجمالي الـ 100 مليار دولار، وذلك أخذًا في الاعتبار الثروة أو الانبعاثات السابقة أو السكان. لكن متوسط مساهمتها السنوية من 2016 إلى 2018 كان حوالي 7.6 مليارات دولار فقط، بحسب تقديرات معهد الموارد العالمية. كما أن أستراليا وكندا واليونان كانت أقل بكثير مما كان ينبغي أن تساهم به. من ناحية أخرى. على الجانب الآخر قامت اليابان وفرنسا بتحويل أكثر من حصتها العادلة، على الرغم من أن كل تمويلهما تقريبًا جاء في شكل قروض قابلة للسداد، وليس منحًا.
عدم توازن مخارج التمويل
ذهب معظم تمويل المناخ إلى مشاريع للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد هدفت اتفاقية باريس إلى تحقيق توازن بين مشاريع التخفيف من آثار التغيرات المناخية وتلك التي تساعد الناس على التكيف معها. ولكن تم تخصيص 20 مليار دولار فقط لمشاريع التكيف في عام 2019، أي أقل من نصف الأموال المخصصة لمشروعات التخفيف. وتقدر الأمم المتحدة أن البلدان النامية تحتاج بالفعل إلى 70 مليار دولار سنويًا لتغطية تكاليف التكيف فقط. كما ستحتاج إلى 140 مليار دولار إلى 300 مليار دولار في عام 2030.
ويفضل المانحون مشاريع التخفيف لأن النجاح فيها واضح وقابل للقياس من خلال حساب حجم انبعاثات الكربون، في حين أنه ليس من السهل تحديد التكيف الناجح. كما يرى السياسيون في البلدان المتقدمة أنهم يحصلون على مزيد من الثناء من الدول الأخرى، ومن الناخبين المحليين، على الإنفاق لتقليل الانبعاثات، في حين يُنظر إلى مساعدات التكيف على أنها تساعد فقط بلدانًا متلقية محددة. والسبب الآخر لعدم التوازن بين التخفيف والتكيف هو أن الأموال تقدم بشكل متزايد كقروض بدلًا من المنح. إذ إن التمويل الخاص، على وجه الخصوص، دائمًا ما يذهب إلى مشاريع التخفيف التي يمكن أن تولد عوائد على الاستثمار، مثل مزارع الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية.
كما يذهب معظم تمويل المناخ أيضًا إلى البلدان المتوسطة الدخل، وليس البلدان الأشد فقرًا والأكثر ضعفًا التي لا تتلقى مشاريع لبناء القدرات والتدريب كافية في هذا الشأن. وحتى الأموال التي تذهب إلى أشد البلدان احتياجًا قد لا تصل إلى هدفها. ففي يوليو من عام 2021، أفاد المعهد الدولي للبيئة والتنمية في لندن بأنه حاول تتبع التمويل لمشاريع التكيف في البلدان الـ46 الأقل نموًا، فوجده يمثل 5.9 مليارات دولار فقط بين عامي 2014 و2018. أي إنه أقل من 20٪ من المبلغ الذي صرحت الدول المتقدمة بأنها منحته.
الحاجة إلى خطط تمويلية جديدة
لطالما كان يُنظر إلى رقم 100 مليار دولار على أنه مجرد حد أدنى، يجب زيادته بمرور الوقت. لكن بعض الدول المتلقية للمنح ترى أنه من الأفضل قبول رقم ثابت في الوقت الحالي، إذا حددت الدول الغنية بوضوح كيف سيتم الوفاء به بمنهجية واضحة قابلة للقياس والمتابعة. ودعت مجموعة V20، المكونة من وزراء المالية من 48 دولة معرضة لتغير المناخ، إلى وضع خطة بقيمة 500 مليار دولار على مدى خمس سنوات، بما في ذلك المزيد من التمويل القائم على المنح، مع ضمان ما لا يقل عن 50٪ من التمويل للتكيف. كما تريد العديد من البلدان تمويلًا إضافيًا للخسائر والأضرار، ومساعدة الأشخاص الذين يعانون من خسائر لا رجعة فيها مرتبطة بالمناخ ولا يمكن التكيف معها.
وتقوم بعض الدول -بالفعل- بوضع ميزانياتها الخاصة لتغير المناخ. فعلى سبيل المثال، صرحت حكومة بنجلاديش بأن إنفاقها المتعلق بالمناخ بلغ حوالي 3 مليارات دولار، أي حوالي 7٪ من الميزانية الإجمالية للحكومة، أو 0.73٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتنفق الأسر الفقيرة في المناطق الريفية في بنجلاديش 2 مليار دولار سنويًا على منع الكوارث المتعلقة بالمناخ أو إصلاح الأضرار التي تسببها، وفقًا لتحليل منظمة أوكسفام.
المزيد من الوعود
أعلنت عدة دول، على رأسها كندا واليابان وألمانيا، خلال العالم الجاري، تأكيد التزامها بالمساهمة بمبلغ 100 مليار دولار سنويًا حتى عام 2025. وكذلك في سبتمبر الماضي، تعهد الاتحاد الأوروبي بـ 5 مليارات دولار إضافية بحلول عام 2027. ووعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن الولايات المتحدة ستقدم 11.4 مليار دولار في التمويل السنوي بحلول عام 2024، مما يجعلها أكبر مساهم منفرد في تمويل المناخ إن وافق الكونجرس الأمريكي. كما استجابت بعض الحكومات للدعوة إلى التركيز على زيادة تمويل مشروعات التكيف. فستخصص الدنمارك 60٪ من تمويلها للمناخ لمشروعات التكيف. ويشمل هذا الالتزام بمعادلة كفة مشروعات التكيف دول أخرى، بما في ذلك هولندا والمملكة المتحدة.
لكن الوعود السابقة غير المحققة تجعل من الصعب على الدول الغنية إقناع الدول النامية بأنها جادة في الوفاء بتعهداتها. حيث إن الوباء وآثاره الاقتصادية جعل الحكومات تركز على الإنفاق في مجالات مثل الصحة العامة، مما يجعل التطلعات المتوسطة إلى طويلة الأجل لـتمويل مشروعات مجابهة التغيرات المناخية غير مؤكدة.
.
رابط المصدر: