- إهود يعاري
- سايمون هندرسون
- حنين غدار
بعد ما يقرب من عقد من الجهود الدبلوماسية الحثيثة، نجحت الولايات المتحدة في التوسط لإبرام اتفاق بين إسرائيل ولبنان لبدء مفاوضات رسمية بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما. وباستثناء حدوث تغيير في موقف بيروت في اللحظة الأخيرة، من المقرر أن تبدأ المحادثات في أوائل تشرين الأول/أكتوبر بعد انتهاء الأعياد اليهودية. وبرعاية وفد أمريكي، سيلتقي ممثلو الدولتين في مقر “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”) في الناقورة. كما سيحضر الجلسات مقرر للأمم المتحدة بناء على إصرار لبنان، لكن ملاحظاته لن تُرفع إلى الأمم المتحدة بسبب اعتراض إسرائيل.
وتم تحقيق الانفراجة بعد أن قام مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر بزيارة القدس وبيروت في وقت سابق من هذا الشهر. وللتغلب على الخلافات المستمرة بين الطرفين بشأن الأساس القانوني وشكل المفاوضات، أرسلت الحكومة الأمريكية خطابات جانبية قدّمت فيها ضمانات لكلا البلدين. وتتعلق إحدى المشاكل العالقة بإمكانية الربط بين القرارات البحرية والترسيم النهائي للحدود البرية بينهما، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة الصغيرة التي تسميها إسرائيل جبل دوف، بالقرب من مزارع شبعا على سفوح جبل الشيخ.
وكان قد تم أساساً تفويض وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس بإبلاغ لبنان بأن حكومته مستعدة لتقسيم 860 كيلومتر مربع من الأراضي البحرية المتنازع عليها بنسبة 58:42 لصالح بيروت. ويتطلع اللبنانيون إلى شركة “توتال” الفرنسية لبدء عمليات الحفر في “البلوك رقم 9” المجاور للمنطقة المتنازع عليها، بينما تُعدّ إسرائيل مناقصات دولية في بلوك “ألون د” المجاور.
انقر على الخريطة للحصول على نسخة أكبر.
إن المتحدث الرئيسي باسم الجانب اللبناني في هذه العملية هو رئيس مجلس النواب المسلم الشيعي نبيه بري، الذي تصرَّف بموافقة الرئيس ميشال عون، ويفترض أيضاً بالموافقة الضمنية لـ «حزب الله». ومن المرجح أن الانهيار المالي الذي يشهده لبنان أدى إلى تسريع الجهود التحضيرية لوزارة الخارجية الأمريكية. ومن ناحية أخرى، يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه بمجرد الموافقة على خط ترسيم الحدود وبدء لبنان في التنقيب عن الغاز الطبيعي، فسوف يتضاءل الخطر على منصات الغاز البحرية الإسرائيلية بشكل كبير.
وبينما تتعاون مصر والأردن مع إسرائيل في مشاريع الغاز منذ بعض الوقت، شكّل التعامل مع لبنان معضلة. فتحديات الحدود البحرية هي ذات طبيعة قانونية وجيولوجية على السواء. ويتمثل الشرط الاعتيادي الأول في الاتفاق على الحدود البرية من أجل تحديد مكان التقائها بالبحر. لكن في هذه الحالة، لا تزال النقطة الحدودية (الفاصلة) ذات الصلة – “روش هنيكرا”/”رأس الناقورة” – منطقة متنازع عليها من الناحية الفنية وتنتهي بجرف أبيض شاهق من دون شاطئ.
فضلاً عن ذلك، وفي حين أن قبرص المجاورة لها حدود بحرية متفق عليها مع إسرائيل، إلا أن محاولاتها للوصول إلى اتفاق مشابه مع لبنان تعثرت بسبب الضغوط التركية على بيروت. ورداً على ذلك، قررت نيقوسيا المستاءة رسم حدودها مع إسرائيل من الجهة الجنوبية للخط الذي كانت تأمل في رسمه مع لبنان. ومن وجهة نظر بيروت، فإن ما يسمى بـ “النقطة الثلاثية” التي تلتقي فيها المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الثلاث تقع أبعد من ذلك جنوباً. وبالتالي، ستتم مناقشة هذا الجزء المتنازع عليه من الأرض خلال المحادثات المقبلة.
ولم تقم إسرائيل بعد بالتنقيب في المنطقة المتنازع عليها، لكن الاستكشافات القريبة في الجنوب أضفت تفاؤلاً باحتمال وجود مكامن موارد هيدروكربونية بكميات تجارية في أعماق قاع البحر. وعلى الرغم من أنه قد ينتهي الأمر بمثل هذه المكامن بتجاوز أي حدود بحرية قد يتمّ التوصل إليها خلال الأسابيع المقبلة، إلا أن هذه التعقيدات تنشأ في العديد من الأماكن حول العالم، وهناك نماذج قانونية للاستغلال المشترك.
وبالنظر إلى الوضع المالي السيئ في لبنان، تُعتبر المحادثات بمثابة خبر سارّ للبلاد لأن الحدود المتفق عليها يمكن أن تعود بالفائدة على الاقتصاد على المدى الطويل. ومع ذلك، قد يتم إبطال هذه الفوائد إذا ما سُمح لـ «حزب الله» بالحفاظ على نفاذه الحالي إلى معظم الوزارات الرئيسية في لبنان، لأن الحزب وحلفاءه سيستفيدون من دون شك من تحقق أي عائدات من النفط والغاز. فمن ناحية إذاً، من المهم حماية اتفاق ترسيم الحدود البحرية من الضغوط الأمريكية المتعلقة بعملية الإصلاح السياسي في لبنان. ومن ناحية أخرى، من الضروري أن تفهم واشنطن أن الطبقة السياسية الفاسدة هي التي ستستفيد فقط من الاتفاق ما لم يتم إجراء تغييرات جادة في الهيكل السياسي للبنان – مما يعني دعم الانتخابات المبكرة وسن قانون انتخابي جديد، فضلاً عن تنفيذ الإصلاحات المنصوص عليها خلال اجتماع باريس في كانون الأول/ديسمبر الماضي ومؤخراً أيضاً.
ولطالما أجاد «حزب الله» شراء الوقت عندما يكون محاصراً. ومع تراكم العقوبات ضد الحزب وحلفائه المحليين وإيران، يخشى بعض المراقبين في لبنان من أن تكون المحادثات البحرية مجرد آخر محاولة لتعطيل أي إصلاحات فعلية وتجميد المزيد من الضغوط الخارجية. لذلك يجب على واشنطن أن تواصل جهودها لفرض عقوبات على أفراد من الطبقة السياسية الفاسدة وأن تُظهِر للشعب اللبناني أن هذه الصفقة تصبّ في مصلحته وليس في مصلحة محور «حزب الله».
وأخيراً، من المهم ملاحظة أن الدافع نحو إبرام اتفاق بحري محتمل لا يندرج ضمن عملية التطبيع الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية أخرى. ومن وجهة نظر «حزب الله» والحكومة اللبنانية الحالية، لن يعكس ترسيم الحدود البحرية أي تغيير في موقفهما تجاه إسرائيل أو الحدود البرية لـ “الخط الأزرق” الذي رسمته الأمم المتحدة في أعقاب حرب تموز/يوليو عام 2006. ومع ذلك، قد يزيل خطراً واحداً على الأقل، وهو: أن أي مواجهة مستقبلية مع «حزب الله» ستطال بالضرورة حقول الغاز البحرية لإسرائيل.
رابط المصدر: