الشيخ عبدالله اليوسف
ترك الإمام الحسين (عليه السلام) بثورته الخالدة تاريخاً مشرقاً في مسيرة الأمة الإسلامية، وتراثاً عظيماً في التضحية والإيثار والفداء من أجل الدين، وتقديم أهل بيته وأولاده وأصحابه قرابين في سبيل الله تعالى، فلم يشهد التاريخ ثورة كثورة الإمام الحسين في أهدافها وتضحياتها ومنطلقاتها ورموزها، فهي بحق ثورة استثنائية في كل مشاهدها وصورها الدامية، ورسالتها المعبرة بكل قوة وشجاعة عن الحق والحرية والإصلاح.
والإمام الحسين (عليه السلام) قام بكل واجباته ومسؤولياته، وضحى بنفسه في سبيل الله، من أجل بقاء الدين، ومحاربة الفساد والظلم والانحراف؛ إذ نقرأ في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) (أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وأطعت الله حتى أتاك اليقين)
لكن السؤال المهم هو: ما هي مسؤولياتنا نحن تجاه الإمام الحسين (عليه السلام) في هذا العصر وفي كل عصر؟
للإجابة على هذا التساؤل يمكنني أن أشير إلى أبرز المسؤوليات والواجبات المهمة التي يجب علينا القيام بها تجاه الإمام الحسين (عليه السلام) وهي:
1ـ التمسك بالقيم والمبادئ:
ثار الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل أن يبقى الدين سليماً من التحريف والتضليل الذي مارسه بنو أمية، حيث انتشر في عهد يزيد الفساد علناً، وحُرِف الدين عن أصوله وفروعه، فأراد الإمام أن يسجل بنهضته درساً عملياً للحفاظ على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، وهذا هو واجبنا أيضاً أن نتمسك بالمبادئ والقيم والمثل والأخلاق التي باتت في خطر في ظل انتشار القنوات الفضائية المنحلة، وما يقدمه الإنترنت من مواقع مخلة بالآداب والأخلاق، وانتشار الوسائل الجديدة والمتنوعة في نقل الصور الإباحية، والأفلام المروجة لثقافة العري والتحلل.
إن على كل واحد منا أن يسعى وبمقدار ما يستطيع من أجل تكريس المبادئ والقيم والأخلاق في البنية الاجتماعية، ويتم ذلك عبر التمسك بها، ونشرها في كل مكان، ومحاربة الرذيلة والفساد والميوعة التي يبثها الإعلام الفاسد إلى بيوتنا ومجتمعاتنا. فلنستذكر في ذكرى ثورة الإمام الحسين المبادئ والقيم التي من أجلها ضحى بنفسه، ولنعمل نحن أيضاً من أجل الدفاع عنها بمختلف الوسائل التي تناسب كل واحد منا.
2 ـ الاقتداء بسيرة الإمام الحسين:
سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) سيرة مشرقة وعظيمة، فالإمام الحسين (عليه السلام) قمة في الأخلاق، ومَثَل أعلى في العبادة والارتباط بالله، ومضرب المثل في الشجاعة والتضحية من أجل الدين، وعلينا لاقتداء بسيرته العظيمة؛ أن نقتدي بأخلاقه، وأن نقتدي بعبادته، وأن نقتدي بتضحياته، وأن نقتدي بصبره وقوته وشجاعته.
والذي يحب الإمام الحسين (عليه السلام) حقاً عليه أن يسير على نهجه، وأن يستمر على منهجه فلا يكفي لمن يحبه أن يبكي عليه، أو يلطم صدره وخده حزناً عليه، أو يحضر مأتمه… وإن كان كل ذلك مطلوباً وفيه ثواب وأجر عظيم، ولكنه إذا تحول إلى مجرد طقوس ميكانيكية، وعادات اعتدنا عليها بلا هدف أو غاية فإنها تفقد أي تأثير على من يمارسها بهذه الصورة السلبية، تماماً كمن يصلي ولكن صلاته لاتنهاه عن الفحشاء والمنكر، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ أما إذا كانت صلاتك لاتنهاك عن ارتكاب المحرمات، فعليك أن تشك في قبول صلاتك!
وكذلك إذا كنت تعزي على الإمام الحسين (عليه السلام)، وتبكي عليه أيام عاشوراء، وتلطم صدرك وخدك بكل قوة، ولكن أفعالك أبعد ما تكون عن منهج الإمام الحسين (عليه السلام) أو سيرته، فعليك أن تشك في قبول أعمالك!
فإذا كنت من محبي الإمام الحسين (عليه السلام) حقاً؛ فاقتدِ بأفعاله وأقواله، وتخلق بأخلاقه، وسر على نهجه، وحافظ على أركان الدين ومعالمه، ولا تترك واجباً، ولا تعمل محرماً، في كل أيام السنة وليس فقط في أيام عاشوراء كما يفعل بعض الناس!
3 ـ التعريف بالثورة الحسينية:
إن من أهم مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين (عليه السلام) هو التعريف بثورته ونهضته المباركة، ويشمل التعريف منطلقات الثورة الحسينية وأهدافها ووسائلها وغاياتها، وما حدث فيها من معركة بين الحق والباطل يفوق حد التصور، والتعريف بشخوص هذه الثورة الحسينية لكل الناس.
ومن المهم للغاية أن يحتوي التعريف بالثورة الحسينية على قراءة تحليلية وليس مجرد قراءة سردية، لأن المنهج الأول هو الكفيل بإيصال أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بكل وضوح، ويساعد الأجيال المعاصرة على استيعاب الدروس والعبر لهذه الثورة المباركة.
ويجب علينا الاستفادة من الوسائل الحديثة كالقنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية والمجلات والصحف والأقراص المدمجة وغيرها للتعريف بثورة الإمام (عليه السلام) لكل شعوب الأرض وأممها.
ومن المفيد جداً أن يبادر التجار وأصحاب الأموال إلى وقف أوقاف خاصة للقيام بمثل هذه الأعمال الصالحة، كأن نوقف وقفاً لتأسيس قناة فضائية للحديث عن الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته وسيرته، أو نوقف وقفاً لترجمة ما كتب عن الإمام الحسين (عليه السلام) بكل لغات العالم. وإذا كان في الماضي توقف الأوقاف لإقامة المآتم الحسينية، أو لإطعام المستمعين أو الزوار الطعام على حب الإمام الحسين (عليه السلام)، فإن الأوقاف في هذا الجانب كثيرة جداً، أما في هذا العصر فعلينا أن نساير التطور والتقدم العلمي والتقني للتعريف بالإمام الحسين (عليه السلام) وثورته وأهل بيته عبر الاستفادة من الوسائل الحديثة في التعريف بالنهضة الحسينية.
4ـ الارتباط بمنهج الإمام الحسين (عليه السلام):
الإمام الحسين (عليه السلام) كباقي الأئمة الأطهار (عليه السلام) رسموا لنا منهجاً للتعرف على الإسلام المحمدي الأصيل، وعلينا أن نسير على ذلك، ونرتبط بمنهجهم الذي من سار عليه نجا، ومن تخلف عنه غرق وهوى.
وكي يرتبط أبناؤنا بالإمام الحسين (عليه السلام) علينا أن نعلمهم محبة الإمام (عليه السلام)، وأن نصطحبهم إلى مجالس العزاء والتعزية، ونشجعهم على قراءة زيارة وارث، ونشرح لهم معاني هذه الزيارة الراقية، كما أن من الضروري أن نوضح لهم تفاصيل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافها النبيلة.
والارتباط بمنهج الإمام الحسين (عليه السلام) يعني اتباع خط الإمام وفكره ومنهجه العلمي والعملي، أما ادعاء محبة الإمام ومودته بدون السير على نهجه فلا يعدو كونه حباً أجوفاً بلا معنى أو قيمة حقيقية.
5 ـ قراءة سيرة الإمام الحسين (عليه السلام):
وهذه المسؤولية من أضعف الإيمان، إذ يجب على كل واحد منا أن يقرأ ما يستطيع قراءته من كتب تتحدث عن السيرة العطرة لسبط رسول الله، وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي (عليه السلام).
ومن المخجل حقاً أن نرى بعض شبابنا وشبائبنا يعرف الكثير عن المشاهير في عالم الرياضة والفن والتمثيل، أو أسماء المشاركين في ستار أكاديمي أو سوبر ستار، لكنه لا يعرف عن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) إلا العنوان فقط ومع ذلك يدعي مثل هؤلاء لأنفسهم أنهم من محبي الإمام الحسين (عليه السلام)!!
إن من أولى مسؤولياتنا تجاه الإمام الحسين (عليه السلام) أن نعرف سيرته، ونقرأ ما نستطيع مما كتب عنه، فليسأل كل واحد منا نفسه: كم كتاب قرأت عن الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وما هي المعلومات التي أعرفها عن سيرته العطرة؟ وماذا أعرف عن أخلاقه أو عبادته أو زهده أو جهاده أو شجاعته أو صبره؟!
وأترك لك أن تجيب بنفسك عن نفسك!
6- المشاركة في العمل الحسيني:
كل مؤمن يتحمل مسؤولية في المشاركة في العمل الحسيني، وذلك بمقدار ما يمكنه في سبيل ذلك الهدف النبيل في تعريف الأجيال الحاضرة والقادمة بسيرة الإمام المباركة، ونهضته العظيمة،. فليعمل كل واحد منا بما يستطيع من أجل ذلك. ويمكن الإشارة إلى بعض ما يمكن القيام به:
1 ـ تأليف الكتب عن الإمام الحسين (عليه السلام)، أو ترجمة ما كتب عنه بمختلف اللغات العالمية.
2ـ تأسيس مواقع على الإنترنت للتعريف بالإمام الحسين (عليه السلام)، وبمختلف اللغات الحية.
3 ـ المساهمة عبر المحاضرات أو العزاء أو التمثيل، ونشرها من خلال القنوات الفضائية الملتزمة، ومواقع الإنترنت المتاحة، ومختلف وسائل الإعلام الحديثة.
4ـ التبرع المالي لطباعة الكتب التي تتحدث عن الإمام الحسين (عليه السلام)، أو أي شيء آخر يخدم التعريف بالإمام وسيرته ويحتاج إلى دعم مالي.
5 ـ الاستفادة من التقنيات الالكترونية الجديدة للتعريف بالإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته الخالدة.
.
رابط المصدر: