جميل عودة ابراهيم
تتسابق الدول المتقدمة والمتأخرة، والدول المتحضرة والنامية على تبني مفهوم (التنمية الاجتماعية المستدامة) بل أضحى الأفراد؛ والجماعات؛ والتنظيمات المختلفة هي الأخرى تتنافس فيما بينها للوصول إلى غايات التنمية الاجتماعية المستدامة كل بحسبه ومكنته. وفلسفة التنمية الاجتماعية المستدامة هي إحداث تغير منظم في حياة الناس بهدف الانتقال بهم من (الوضع الثابت) إلى (وضع أعلى وأفضل) وذلك من خلال استغلال الموارد البشرية والمادية استغلالا أمثل في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والبيئة والإدارية وغيرها.
التنمية لغة هي النمو وارتفاع الشيء من مكانه إلى مكان آخر. والتنمية اصطلاحاً: هي عبارة عن تحقيق زيادة سريعة تراكميّة ودائمة عبر فترة من الزمن في الإنتاج والخدمات، نتيجة استخدام الجهود العلميّة لتنظيم الأنشطة المشتركة الحكوميّة والشعبية. أو التنمية الاجتماعية هي: كل الإجراءات، والعمليات، والأنشطة المنظمة التي تهدف إلى تحسين حياة الناس (الأفراد، الجماعات، التنظيمات)
وتشمل التنمية الاجتماعية الشاملة مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر: القضاء على الفقر، والحد من أوجه عدم المساواة، وتوليد فرص العمل، وتعزيز التعاونيات والأسرة ودور المجتمع المدني والمسنين والشيخوخة والشباب والإعاقة والشعوب الأصلية.
تعرف هيئة الأمم المتحدة التنمية بأنها (العمليات التي بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالي والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن)، ويسترشد عمل الأمم المتحدة في مجال التنمية الاجتماعية بعدد من الاتفاقات الدولية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، إعلان كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية، وبرنامج عمل مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية، وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، وبرنامج العمل العالمي للشباب، ووثيقة نتائج الاجتماع الرفيع المستوى المعني بالإعاقة والتنمية، وخطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة، وأهداف السنة الدولية للأسرة، والسنة الدولية للتعاونيات، وعقد للأمم المتحدة الثالث للقضاء على الفقر.
والتنمية الاجتماعية قد تتعلق بمعالجة المشكلات والتحديات التي تواجه المجتمع المحلي. فعلى سبيل المثال أن القرية الفلانية لا توجد فيها مدرسة ابتدائية، مما يضطر الأطفال إلى الذهاب إلى القرية الأخرى، وهو ما يتسبب بمشاكل كثيرة للتلامذة ولذويهم، منها مشكلات مالية وأخرى بدنية، بسبب المسافة البعيدة بين القرتين. فيتعاون الأهالي والحكومة على توفير مدرسة لتلاميذ القرية بان يتبرع الأهالي بالأرض، وبالعمل، وبعض المال، بينما تتكفل الحكومة باستكمال الموافقات اللازمة لبناء المدرسة، وتهيئة إدارتها، وكتبها ومستلزماتها من رحلات وغيرها.
وقد تتعلق التنمية الاجتماعية بالرؤية المستقبلية أو الصورة المستقبلية التي ينبغي أن تكون هذه القرية أو هذه المحلة، أو هذه المنطقة أو هذه البلدة في خلال (5) سنوات القادمة أو (10) سنوات القادمة أو (20) سنة القادمة. فمثلا فان الصين في إطار فلسفة التنمية الاجتماعية التي اعتمدها، فان في كل ولاية أو مقاطعة من مقاطعاتها توجد بناية حديثة وكبيرة في مدخل كل مقاطعة، وهي عبارة مديرية تخطيط أو مركز ثقافي كبير، تضم ثلاثة أجنحة يتحدث عن بعد زمني معين. فالجناح الأول يتحدث عن ماضي المدينة وتاريخها، ونشأتها وحضارتها، وصناعتها وماضيها مصور وموثق مع منتجات ومصنعات ذلك الزمن. والجناح الثاني يتحدث عن حاضر المدينة كما هي دون زيادة أو نقصان. والجناح الثالث يتحدث عن مستقبل المدينة بعد 5 سنوات أو 10سنوات أو 15 سنة، أي ما ينبغي أن تكون عليه المدينة في المستقبل.
والسؤال هنا من يتحمل مسؤولية تحقيق التنمية الاجتماعية؟ هل تتحملها الحكومة لوحدها؟ هل يتحملها المجتمع لوحده؟ أم هي مسؤولية مشتركة؟ هناك ثلاثة آراء وهي:
1. التنمية مسؤولية الحكومة ومؤسساتها كافة: هذا الرأي يرى أن الحكومة ومؤسساتها هي المسؤول الوحيد عن توفير التنمية الاجتماعية المستدامة التي يحتاجها المجتمع كافة مثل (الصحة، والتعليم والتربية، والسكن، والاتصالات، والخدمات العامة (الماء، والكهرباء، والنفايات) والطرق العامة، والبيئة، والوظائف، والزواج، والسفر…) لماذا؟
لأن الحكومة تمتلك سلطة الأمر والنهي، وهي (تشريع القوانين، وتصدر القرارات) و(تخطط وتنفيذ وتتابع) ولأن الحكومة تمتلك مؤسسات كثيرة وضخمة، لا يضاهيها أحد في المجتمع. ولأن الحكومة تمتلك قوة اقتصادية هائلة من (الثروة الطبيعة، والأراضي، وأموال الضرائب والرسوم، وأجور الخدمات وغيرها)، ولأن الحكومة لديها قوة بشرية كبيرة من (المفكرين، والمخططين، والموظفين وغيرهم)، ولأن الحكومة تمتلك آليات لا يمتلكها أحد غيرها.
2. التنمية مسؤولية المجتمع: هذا الرأي يرى أن المجتمع ممثلا في (الفرد، والأسرة، والمنظمات، والمؤسسات، والنقابات والاتحادات، والقطاع الخاص) هو المسؤول الوحيد عن تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة. لماذا؟
وذلك لأن الحكومة مسؤولة عن الدفاع عن البلاد، وعن حفظ الأمن الداخلي، وعن السياسات العامة، وعن قضايا التنظيم والتنسيق الأساسية. ولأن من يحتاج إلى التنمية الاجتماعية ليست الحكومة، بل المجتمع، وهو مسؤول عن توفير احتياجاته من (الصحة، والتعليم والتربية، والسكن، والاتصالات، والخدمات العامة (الماء، والكهرباء، والنفايات) والطرق العامة، والبيئة، والوظائف، والزواج، والسفر…) كما أن ثروة المجتمع (المادية والبشرية) أكبر بكثير من ثروة الحكومة. وأن التنمية التي يحدثها المجتمع أفضل وأرسخ وأقوى (وأكثر استدامة) من تلك التي تحدثها الحكومة.
3. التنمية مسؤولية مشتركة: هذا الرأي يرى أنه لا تتحقق التنمية الاجتماعية إلا بشراكة مستمرة بين الأفراد؛ والجماعات؛ والتنظيمات من جهة، وبين الحكومة ومؤسساتها من جهة ثانية. لماذا؟
لأن المجتمع اختار حكومته، حتى تتولى بالنيابة عنه تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة. وعليه؛ فالحكومة هي المسؤول الأول عن إنجاز التنمية الاجتماعية من جهة. وإن الحكومة لوحدها غير قادرة على تلبية كل احتياجات المجتمع، وعليه؛ فهي غير قادرة على تحقيق التنمية الاجتماعية من جهة ثانية. وإن المجتمع هو المستفيد الأول من تلبية احتياجاته وتحقيق التنمية.
وعليه؛ فهو أيضا يتحمل مسؤولة تحقيق التنمية فمثلا إذا كانت هذه البلدة تحتاج إلى ثلاث مدارس حتى تستوعب تلاميذها والحكومة قادرة أن تبني وتدير مدرستين فقط. فيقوم المجتمع ممثلا بأفراده وجماعاته ومنظماته بتبني وإدارة المدرسة الثلاثة، وإذا كانت هذه البلدة تحتاج إلى مستشفى، لأن الحكومة قد بنت مستشفى كبير في مركز المدينة فيأتي دور المجتمع لبناء مركز صحي أو مستشفى ويديره، فيسد احتياج البلدة وسكانها إلى المستشفى الصحي. وهكذا.
يتضح مما تقدم أن الخيار الأفضل أن التنمية الاجتماعية هي تنمية مشتركة بين المجتمع والحكومية، وهي مسؤولية مشتركة بينهما كل بحسب قدرته ومكنته. فالحكومة مسؤولة عن التنمية الاجتماعية وهي تؤديها عن طريقين هما:
– الأول: في الأغلب تؤديها مجانا (دون مقابل) مثال الأجنحة الحكومية في المستشفيات الحكومية.
– الثاني: في بعض الأحيان تؤديها بأجور رمزية مثال الأجنحة الخاصة في المستشفيات الحكومية.
والمجتمع المؤلف من الأفراد والجماعات والتنظيمات هو الأخر مسؤول عن التنمية الاجتماعية وهو يؤديها عن طريقين هما:
– الأول: في الأغلب يؤديها مقابل أجور مثل كل الشركات الخاصة والمعامل وغيرها التي تنتج بضاعة وتبيعها بثمن أو تقدم خدمة مقابل أجور محددة.
– الثاني: في بعض الأحيان يؤديها مجانا (دون مقابل) مثل كل الأفراد والجماعات والمنظمات التي تقدم خدماتها مجانا من باب الأعمال الخيرية أو الأعمال التطوعية، أو التكافل الاجتماعي أو المسؤولية الاجتماعية.
وفي الحقيقية لو وضعت سياسات محددة وواضحة لتنمية الأعمال الخيرية والتطوعية التي يقدمها المجتمع على شكل مبادرات تطوعية أو مشروعات خيرية، وأسندت بالخدمات المجانية التي تقدمها الحكومة ومؤسساتها لاستطعنا أن نحدث خرقا كبيرا في مراحل التنمية الاجتماعية المستدامة، سواء في طريق حل المشكلات والتحديات والاحتياجات القائمة أو في طريق ما ينبغي أن تكون عليه دولتنا بعد (10) سنوات مثلا.
.
رابط المصدر: