اعداد : محمد أوبالاك، محام وباحث في القانون الدولي.
نظرا للتطورات الهامة التي شهدها التنظيم الدولي على مر العصور، خاصة التطور الذي عرفه هذا التنظيم، إبان نهاية الحرب العالمية الثانية وما يليها من سنوات، إذ عدت المنظمات الدولية إلى جانب الدول، من بين أهم الفاعلين الدوليين ، فأضحت هذه الكيانات الدولية تتمتع بقوة رائدة، باعتبارها شخص من أشخاص القانون الدولي، من جهة، ولما تلعبه من دور نشيط وبارزً على المستوى الدولي، من جهة أخرى.
بيد أن مسالة تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية من عدمها، هو ما جعل الجدل الفقهي والقانوني، ينصرف إلى المطالبة بتوفر هذه المنظمات الدولية على مجموعة من الشروط، التي تجعل المجتمع الدولي يعترف بأنه، وإن كانت المنظمات الدولية تتوفر على الشخصية القانونية، فإنها مع ذلك يبقيها في مرتبة أدنى من مرتبة الدول.
بيد أنه و لكي تتمتع المنظمة الدولية بمقومات الشخصية القانونية الدولية، لابد من توافر مجموعة من الشروط، ، التي سوف تجعلها تتحمل المسؤولية الدولية، عن الأعمال غير المشروعة الناتجة عن تنفيذ مهامها المنصوص عليها باتفاقيات و دساتير و صكوك إنشائها.
إن الموضوع المقترح والمنصرف إلى مناقشة الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية كوكالة دولية متخصصة في المجال الصحي،هو بمثابة محاولة استنتاج الأجوبة التي تتمحور حول: مدى قابلية تحميل منظمة الصحة العالمية المسؤولية الناتجة عن الأعمال غير المشروعة الناتجة عن عدم نجاحها في تشخيص خطــــورة وباء”كوفيد-19″ [2] ومعرفة سرعة تفشيه، وفشلها في عدم تقدير نجاعة مجموعة من العلاجات، في الحد من عدد الإصابات وعدد الوفيات[3].
إنه وفي سبيل حسن طرحنا ومناقشتنا للموضوع، سوف نقوم بتجريب مجموعة من النصوص القانونية والاتفاقية العامة والخاصة المتعلقة بهذه المنظمة، وهو ما سوف يجعلنا نخصص المبحث الأول للحديث عن ماهية الشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية، ليكون المبحث الثاني مجالا للحديث عن الشخصية القانونية الدولية لمنظمة الصحة العالمية، من جهة، وعلاقتها بالأعمال غير المشروعية التي تتحمل مسؤوليتــــها ثم معرفة طريقة (إجراءات) مساءلتها قضائيا، من جهة ثانية.
المبحث الأول: الشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية:
أجمع جانب من الفقه على اعتبار الشخصية القانونية هي من بين التقنيات، التي تمنح الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، كما أنها تعني من ناحية أخرى، قدرة الكيان المعني على المساهمة – بما له من سلطة شارعة وتعاقدية – على إرساء قواعد القانون الدولي[4].
ومع بروز دور المنظمات الدولية[5] كشخص من أشخاص القانون الدولي، منذ ظهور عصبة الأمم (كأول هيئة دولية عامة)، التي عدت النواة الأولى التي دشنت الدور الفاعل للمنظمات الدولية فيما بعد[6]، أصبح التفكير جديا في منح الشخصية القانونية للمنظمات الدولية، بناء على اعتراف القانون بهذه الشخصية، وهو الأمر الذي سوف يترتب على هذا الاعتراف، حسن مزاولة المنظمات للمهام الموكولة إليها، باعتبارها أحد الفاعلين الدوليين الرئيسيين، ابتداء من تنفيذ مهامها وانتهاء بانقضاء هذه المهام أو زوال سببها، تبعا للمقاربات التي تمس الجانب السوسيولوجي والمؤسساتي والمركزي لهذه المنظمات، استنادا إلى كونها فاعل رئيسي في المجتمع الدولي، ومحرك محوري في المجتمع الدولي ومترجم فعلي لتطور مجلات عمل العلاقات الدولية[7].
إذا كانت الدولة ما تزال هي الفاعل الرئيسي في المجتمع الدولي، فالمنظمات الدولية أو الهيئات الدولية، كأشخاص غير الدول، تعد فاعلا أساسيا في المجتمع الدولي، بناء على الأنشطة والمهام التي تمنح لها، استنادا على ما يضمن في اتفاقية/دستور إنشائها من بنود تحدد مهامها وصلاحياتها.
أولا: عناصر قيام المنظمة الدولية:
بيد أنه لقيام أية منظمة دولية بالمهام الموكولة إليها، لا بد من توافر ثلاثة عناصر أساسية[8]:
الصفة الدولية: المتمثلة في وجود واقعي لدولة مستقلة ذات سيادة تربطها بالمنظمة المنشأة اتفاقية أو معاهدة.
الإرادة الذاتية: وهي التي تجعل المنظمة التي تم إنشاؤها، تستقي إرادتها من إرادة الدول المكونة لها، وهو ما يمكن من الحديث عن إرادات دولية مختلفة وإرادة منظماتية واحدة.
الاستمرارية: أي أن استقرار عمل المنظمة رهين بدوامها واستمراريتها، في القيام بالمهام المتفق حولها من خلال النظام الأساسي المنشئ لها، إذ أن المنظمة تظل مستمرة ما دامت المصالح قائمة، وما دام للدول الأعضاء القناعة باستمرارها.
إلا أن ما يقربنا أكثر من موضوع منح المنظمات الدولية الشخصية القانونية، هو التدقيق في مسألة سرد أنواعها تبعا لقوة بنود اتفاقية/دستور تأسيسها، وأهمية الميادين والمجالات التي تتخصص فيها كل منظمة على حدا، من سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وصحي، وهو ما سوف يحتم علينا الأخذ بمقتضيات النظرية العامة للمنظمات الدولـــــية، وبالتالي تبني مجموعة من المعايير الأساسية المنصوص عليها في هذه النظرية، والتي يمكن إجمالها في المعايير الثلاثة التالية[9] :
معيار السلطات: من حيث شساعتها أو محدوديتها، أي من حيث القوة الإلزامية للقرارات الصادرة عنهــــــا والسلطات الذاتية التي تباشرها، بمحيد عن إرادة الدول الأعضاء.
معيار العضوية: من حيث هي منظمات دولية عالمية (منظمات دولية عامة)، أو منظمات إقليمية محلية، فالمنظمات الدولية العالمية تنخرط فيها كل الدول المستقلة ذات السيادة بناء على مبدأ المساواة في السيادة والتي نجد على رأسها “منظمة الأمم المتحدة” التي تحقق جميع الأهداف السيــاسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع الدولي، وهي المنظمة العالمية التي تضم جميع دول المعمور، بغض النظر عن أعراقها وإثنياتها وثقافاتها ولغاتها، وتوجــهاتها الســـــياسية وإيديولوجياتها الاقتصادية.
معيار الأهداف: وهو ما يركز على الاختصاصات والمهام التي على أساسها يتم إنشاء المنظمة الدولية أو الوكالة الدولية المتخصصة.
إلا أن الجدير بالذكر، هو أن المنظمات الدولية وعلى الرغم من اختلاف أهدافها العامة والخاصة، فإنها – بشكل أو بآخر – تتفق حول مبدأ رئيسي واحد، وهو استهداف خدمة مصالح المجتمع الدولي، وتحقيق التعاون بين الدول.
وتتخذ هذه المنظمات صفة منظمات دولية عامة أو وكالات دولية متخصصة منبثقة من هذه المنظمات الدولية العامة[10]، كانبثاق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير كوكالتين دوليتين متخصصتين من المنظمة الدولية العامة “منظمة الأمم المتحدة”، أو ظهور منظمة الصحة العالمية (موضوع مناقشتنا)، أو انه وبطريقة أقل أهمية، قد تتخذ هذه الكيانات شكل منظمات إقليمية، أو مرافق عامة دولية كمحكمة العدل الدولية[11].
بيد أن التكييف المتداول في الفقه الدولي، هو التكييف الذي يعتبر المنظمات الدولية بكل أصنافها ومهامها، ذات كيان مستقل مع مراعاة عدم الخلط بين الشخصية الدولية والأهلية الدولية[12]، فإن كانت الدول كاملة السيادة تتوفر على الشخصية الدولية والأهلية الدولية الكاملة، فإنه على العكس من ذلك فالمنظمات الدولية قد تتوفر على الأهلية في ممارسة مهامها كهيئة يعهد إليها بإنجاح مهام التفاوض بين الدول ورسم خارطة طريق التعاون الدبلوماسي في إطار علاقات الدول داخل المجتمع الدولي و الانفراد ببعض الاستقلال المحدود في إبرام المعاهدات الشارعة أو التعاقدية[13]، لكن هذا كله قد لا يمنح للمنظمات الدولية الشخصية الدولية المستقلة عن إرادة الدول المنصرفة إلى خلق كيان دولي يمثلها، مع مراعاة وجود استثناءات لهذه القاعدة، إذ برزت بعض القضايا العملية، التي بررت وجود بعض الاستقلالية بين المنظمة الدولية الأم والوكالة الدولية المتخصصة المنبثقة عنها، في اتخاذ بعض القرارات من باب تقسيم المهام، مع أن الكيانين الدوليين منبثقتين من إرادة دول ذات سيادة.[14]
وللتوسع أكثر في موضوع أحقية تمتيع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، فإننا سوف نتحدث عن دعائم قيام الشخصية القانونية الدولية بصفة عامة، ثم ننتقل بشكل خاص، للحديث عن تطور مفهوم الشخصية القانونية الدولية ليشمل المنظمات الدولية:
دعائم قيام الشخصية القانونية الدولية:
يجمع جانب من فقه القانون الدولي العام، على أن معيار الشخصية القانونية الدولية، يقوم على نوعين من أنواع من الأهلية[15]:
- أهلية الوجوب.
- أهلية التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات.
- أهلية الوجوب:
اختلف فقه القانون الدولي العام حول أهمية الاعتراف بالنسبة للوحدة الدولية، ومدى تأثيره على قيام شخصيتها القانونية الدولية، فذهب الاتجاه التقليدي إلى أن الاعتراف هو الذي ينشئ الدولة، وينشئ شخصيتها القانونية في مواجهة من يعترف بها من الدول، وأنها لا تعتبر موجودة في نظر من لم يعترف بها من الوحدات الدولية الأخرى. وقد كانت هذه النظرية التي تعرف باسم النظرية المنشئة مقبولة عندما كانت فكرة المجتمع الدولي المغلق سائدة، ولكن في عصر التنظيم الدولي، فإن الاتجاه الغالب في فقه القانون الدولي يأخذ بالنظرية المقررة في الاعتراف، تلك النظرية التي تقول أن الوحدة الدولية توجد متى اجتمعت عناصرها الموضوعية من إقليم وشعب وسلطة حاكمة ذات سيادة، وأن الاعتراف ليس إلا قوة مقررة لحقيقة قائمة، وان أهمية الاعتراف هذا، لا تنصرف إلى الشخصية القانونية للدولة، وإنما تظهر أهمية الاعتراف في مجال العلاقات الدولية بين وحدات المجتمع الدولي.
وهكذا فإن وجود الوحدة الدولية مستكملة أركانها الموضوعية من شعب وإقليم وسلطة ذاتية مستقلة، يجعل هذه الوحدة قادرة على الدخول مع غيرها في اتفاقات منشئة لقواعد قانونية دولية، ويجعلها في الوقت نفسه مخاطبة بأحكام القانون الدولي، ومن ثم شخصا قانونيا دوليا[16].
- أهلية التمتع بالحقوق، وأهلية الالتزام بالواجبات:
تعد القدرة على اكتساب الحقوق وأداء الالتزامات، أو ما يسمى بالتمتع بالأهلية القانونية الدولية، من بين أهم مميزات الشخصية القانونية الدولية.
لذا نجد أن فكرة الأهلية القانونية عند بعض من جمهور الفقهاء الدوليين، هي إحدى أركان الشخصية القانونية الدولية إلى جانب القدرة على إنشاء القواعد القانونية الدولية، مما يمكننا من تصور الحقوق والالتزامات المختلفة في المجال الدولي، سواء تم تضمينها في اتفاقية دولية (ثنائية أو متعددة الأطراف) بين أشخاص القانون الدولي، أو بتصرفات انفرادية صادرة عنها.
وقد قام بعض الفقهاء بمحاولة تعداد الحقوق الدولية الثابتة لشخص القانون الدولي العام كالآتي:
- حق إبرام المعاهدة؛
- حق المشاركة في خلق وتكوين القواعد القانونية الدولية الاتفاقية والعرفية، وذلك بالتعاون مع غيرة من الأشخاص الأخرى؛
- حق التمثيل الدبلوماسي، أي إرسال واستقبال الوفود والبعثات الدبلوماسية والدولية؛
- حق تقديم المطالبات الدولية، بمعنى أن يكون مدعيا أو مدعى عليه أمام المحاكم الدولية؛
- التمتع بالمزايا والحصانات الدولية والدبلوماسية.
أما الالتزامات الدولية التي تكون على عاتق الشخص القانوني الدولي، فهي :
- ضرورة احترام قواعد القانون الدولي؛
- تنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية؛
- عدم استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية، إلا في الحدود التي يقرها القانون الدولي؛
- تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية؛
- الالتزام بعدم التدخل في شؤون الأشخاص الدولية الأخرى؛
- الالتزام باحترام حقوق الأشخاص الدولية الأخرى.
- أن تكون الوحدة قادرة على إنشاء قواعد قانونية دولية، بواسطة التراضي مع غيرها من الوحدات المماثلة على إنشاء هذه القواعد:
بيد أنه وللتذكير، نجد أن قواعد القانون الدولي، تقسم من حيث الشكل إلى قواعد مكتوبة وغير مكتوبة، فأما المكتوبة فتأخذ في الغالب من الأحيان شكل الاتفاقيات الدولية والتصرفات الانفرادية المكتوبة كالاحتجاج والاعتراف بواسطة مذكرة دبلوماسية تحريرية أو دساتير وصكوك، وأما القواعد غير المكتوبة، فمثالها القواعد الدولية العرفية.
كما أنه، لا يمكن أن يسهم في خلق القواعد القانونية الدولية، من لم يكن من أشخاص القانون الدولي العام، الممثلين بشكل أساسي في الدول والمنظمات الدولية، بناء على ما ضمن بالمادة 38/1 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والتي اعتبرت أن ذلك من بين مصادر قواعد القانون الدولي العام، فأشارت إلى أن: “وظيفة المحكمة هو أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها استنادا لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:
- الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحة، من جانب الدول المتنازعة.
- العرف الدولي المقبول بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
- مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
- أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام من مختلف الأمم.
وأنه على أساسه، فإن الجهة التي تصر عنها هذه المصادر الرئيسية، هي بالتأكيد أشخاص القانون الدولي العام ممثلة بالدول والمنظمات الدولية(5).
ثانياً: تطور مفهوم الشخصية القانونية الدولية ليشمل المنظمات الدولية:
كانت الدول وحدها – كما سبق الإشارة- هي أشخاص القانون الدولي العام، ولكن مع وجود العديد من التنظيمات التي تضم عددا من الدول من أجل تحقيق غرض معين، وكون هذه المنظمات تباشر تصرفات قانونية معينه، جعل السؤال عن تطور الشخصية القانونية لهذه المنظمات، سؤالا يطرح بشكل مستمر وملح.
تقوم المنظمات الدولية بنشاطاتها ووظائفها على مستويين: النظام القانوني الدولي، والنظم القانونية الداخلية للدول، مما يعنى أن لحظة تمتع المنظمة الدولية في شخصيتها القانونية تبدأ منذ اعتراف النظام القانوني المعني بها كشخص من أشخاصه.
وفيما يلي عرض للاعتراف بالشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية:
- الاعتراف بالشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية:
شهدت نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مولد اتجاه فقهي جديد يدعو إلى إضفاء الشخصية القانونية على المنظمات الدولية، واعتبارها من أشخاص القانون الدولي العام.
وقد بقى هذا الاتجاه الفقهي يتردد قوة وضعفا، وعندما جرى وضع عهد عصبة الأمم، الذي لم يشر إلى مدى تمتع العصبة بوصف الشخصية القانونية، ومع ذلك فقد نصت المادة الأولى من اتفاق المقر بين العصبة وسويسرا عام 1926 ، صراحة على أن العصبة “التي تتمتع بالشخصية الدولية والأهلية القانونية لا يمكن – كقاعدة وطبقا لأحكام القانون الدولي- أن تخاصم أمام المحاكم السويسرية دون موافقتها الصريحة”.
ولم يختلف الأمر بالنسبة للأمم المتحدة، فقد جاء بمقتضيات المادة (104) من الميثاق، خاليا من أي إشارة للشخصية الدولية، واكتفى بالتأكيد على تمتع الهيئة في إقليم كل دولة عضو من أعضائها بالأهلية القانونية اللازمة لقيامها بوظائفها ولتحقيق مقاصدها.
وعليه أثارت صياغة هذه النصوص الخلاف والجدل، وتساءل جانب من الفقه عما إذا كان تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية، يسري في دائرة القوانين الوطنية وحدها، أم يمتد إلى النطاق الدولي.
2 . الاعتراف القضائي بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية:
وقد ظل الأمر كذلك، إلى أن تم حسمه من طرف محكمة العدل الدولية في رأيها الإفتائي الشهير الصادر في 11 أبريل 1949، والذي ذهب بوضوح إلى تمتيع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية.
استمدت نظرية ” الشخصية القانونية الدولية” للمنظمات الدولية الحكومية بعض من شرعيتها كذلك، وكما سبقت الإشارة إليه أعلاه، من خلال ما نص عليه قضاء محكمة العدل الدولية 1949، إذ أنه في هذه السنة أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري الخاص بالتعويض عن الأضرار المتكبدة في خدمة الأمم المتحدة، وهو الرأي الذي اعترفت فيه بالشخصية القانونية للأمم المتحدة، مؤكدة أن الدول ليست وحدها أشخاص القانون الدولي العام، لأن الهيئات الدولية ( المنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة)ن التي نشأت نتيجة لتطورات الظروف الدولية، يمكن اعتبارها أشخاصا قانونية ذات طبيعة متميزة عن طبيعة الدول، تتمتع بأهلية قانونية خاصة تتناسب مع اتساع مجالها أو ضيقه، وتبعا للأهداف التي أنشئت المنظمة من أجل تحقيقها.
بيد أنه وقبل التطرق لتدخل القضاء الدولي في مسالة الاعتراف بالشخصية الدولية للمنظمات الدولية، فإنه من الأجدر التطرق للجدل الفقهي المتعلق بالصفة القانونية لتقاضي أي كيان دولي يؤدي مهاما محددة في ظل المجتمع الدولي المحتكم إلى مقتضيات القانون الدولي، سواء كانت منظمة دولية أو وكالة دولية متخصصة[17].
ولقد عبر الفقيه “كلسن Kelsen”، عن الفكرة، بقوله:”القانون لا يبحث في مصطلحات (الحقوق والالتزامات) حسب، بل أنه يحتاج لأن يكون قادرا على أن يشير بوضوح، إلى من يملك هذه الحقوق وتفرض عليه تلك الالتزامات” .
ومن باب إبراز المواقف والتوجهات المختلفة لمبدأ الإقرار بشخصية المنظمات الدولية أو رفض المبدأ برمته، لا باس من استعراض آراء جانب من فقهاء القانون الدولي الذين يمثلون مدارس مختلفة في القانون الدولي والمنظمات الدولية، والذي سوف نقسمهم لفريق رافض لتميع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية، وفريق آخر مؤيد لفكرة منح المنظمات الدولية الشخصية القانونية، وذلك في ما يلي:
– الرافضون لمبدأ تمتيع المنظمات الدولية بالشخصية والأهلية القانونية:
يرى جانب من الفقه الدولي الرافض لمبدأ منح المنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة الشخصية والأهلية القانونية ، بناء على أن فكرة الشخصية القانونية الدولية التي تنبع منها الأهلية القانونية، لا تعطى إلا للدول كاملة السيادة، كون القانون الدولي يحكم العلاقات بين الدول فقط ولا ينصرف إلى العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية التي ترى النور وتلغى وجودا وعدما للدول المؤسسة لها ، زيادة على أن الشخصية القانونية هي استعارة من القانون الدولي للحيل القانونية التي يستعين بها القانون الداخلي في تطبيق أحكامه .
غير أن ما يرسخ الاتجاه الرافض هذا، هو ما نجده بمقتضيات المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، التي تنص علـــــــى أن:” للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة”، وهو ما يوقع هذه المادة في شرك الخلط بين مفهوم الشخصية الدولية والأهلية القانونية، المسألة التي ترتبت عنها، أخذ ورد قانوني وفقهي موسع، تطرق لسبر أغوار اللبس الذي يكتنف هذه النقطة القانونية والواقعية الدقيقة.
– المؤيدون لفكرة تمتيع المنظمات الدولية بالشخصية والأهلية القانونية:
إن المؤيدين لفكرة توفر المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة المتفرعة عنها على الشخصية القانونية، دافعوا عن المبدأ بقوة، مستندين في ذلك على مبررات واقعية، وكان من بين هؤلاء، الفقيهين الإيطاليين” بروسبيرو فيدوزي” و”جيدو فيزيناتو”، اللذين عبرا أواخر القرن التاسع عشر من القرن الماضي، عن فكرة توفر المنظمات على الشخصية القانونية بحكم الواقع على الرغم من معارضة النصوص القانونية النظرية لذلك، وهو الطرح الذي بنى عليه مجموعة من الفقهاء اللاحقين عنهما، الإقرار بتمتع بعض المنظمات الدولية بالشخصية القانونية، وبالتالي تمتعها بالأهلية القانونية، واتخذوا من بنك التسويات الدولية واللجنة الأوربية للدانوب نموذجين لذلك .
وأنه وعلى الرغم من المنع الصريح المضمن بالمادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، لأية منظمة أو وكالة دولية متخصصة، في اللجوء إلى التقاضي بصفتها هذه، فإننا نجد زيادة على توفر مجموعة من الفصول والمواد الواردة في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية وكذا الوكالات الدولية المتخصصة بناء على ممارستها لمهامها ولاختصاصاتها المختلفة والحقوق النابعة عنها والالتزامات التي تتحملها، بعض الإجابات العملية عن هذه النقطة، وهو ما سوف نستقيه مما عرضته محكمة العدل الدولية من خلال وثائق صادرة عنها، والتي كانت عبارة عن بعض الفتاوى الصادرة عنها بين سنتي: 1991/1948، والتي نورد منها على سبيل المثال لا الحصر، الفتوى الصادرة بتاريخ: 10 أبريل 1949، المتعلقة بالتعويض عن الأضرار المتكبدة في خدمة الأمم المتحدة، وهي القضية التي أحيلت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (قرار الجمعية العامة المؤرخ في الثالث دجنبر من سنة 1948).
وأنه وعلى الرغم من المنع الصريح المضمن بالمادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، لأية منظمة أو وكالة دولية متخصصة، في اللجوء إلى التقاضي بصفتها هذه ، فإننا نجد زيادة على توفر مجموعة من الفصول والمواد الواردة في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية وكذا الوكالات الدولية المتخصصة بناء على ممارستها لمهامها ولاختصاصاتها المختلفة والحقوق النابعة عنها والالتزامات التي تتحملها ، بعض الإجابة العملية عن هذه النقطة، في ما عرضته محكمة العدل الدولية من خلال وثائق صادرة عنها، والتي كانت عبارة عن بعض الفتاوى الصادرة عنها بين سنتي: 1991/1948، والتي نورد منها على سبيل المثال لا الحصر، الفتوى الصادرة بتاريخ: 10 أبريل 1949، المتعلقة بالتعويض عن الأضرار المتكبدة في خدمة الأمم المتحدة، وهي القضية التي أحيلت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (قرار الجمعية العامة المؤرخ في الثالث دجنبر من سنة 1948)، والذي ناقش فيه نقطتين أساسيتين[18]:
تعلقت النقطة (الأولى) بتعرض وكيل للأمم المتحدة في أدائه لواجبه إلى ضرر في ظروف تقع فيها مسؤوليته على عاتق دولة ما، هل يكون لدى الأمم المتحدة، بوصفها منظمة، الأهلية لأن تقيم دعوى دولية ضد الحكومة المسؤولة، شرعية كانت أو فعلية، بغية الحصول على التعويض المستحق عن أضرار لحقت(أ) بالأمم المتحدة، (ب) بالمتضرر أو بالأشخاص المستحقين بواسطته؟
ثانيا: في حالة ما إذا كان الرد على النقطة (أ) بالإيجاب، كيف يمكن التوفيق بين الدعوى المرفوعة من الأمم المتحدة وما قد يكون هناك من حقوق للدولة التي يكون المتضرر أحد رعاياها؟
وقد كان الجواب في ما يخص (أولا) المتضمن للـــــــمسألتين (أ) و(ب) وبعد أن أقامت المحكمة فارقا بين ما إذا كانت الدولة المسؤولة عضوا في الأمم المتحدة وإذا لم تكن، وقد ردت المحكمة بالإجماع على المسألة الأولى(أ) بالإيجاب، أما فيما يتعلق بالمسألة (ب) فقد رأت المحكمة بأغلبية 11 صوتا مقابل 4 أصوات، أن للمنظمة الأهلية لرفع دعوى دولية سواء كانت الدولة المسؤولة عضوا في الأمم المتحدة أو لم تكن.
في حين كان الجواب عن النقطة (الثانية)، بكون المحكمة رأت بأغلبية 10 أصوات مقابل 5، أن الأمم المتحدة عندما ترفع دعوى، بوصفها منظمة، للحصول على تعويض عن ضرر لحق بوكيلها، فليس بإمكانها فعل ذلك إلا إذا استندت دعواها على الإخلال بالتزامات واجبة لها، واحترام هذه القاعدة من شأنه عادة أن يحول دون تعارض دعوى الأمم المتحدة وما قد يكون لدولة جنسية الوكيل من حقوق، وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يرتكز هذا التوفيق على اعتبارات تنطبق على كل حالة بالذات، وعلى الاتفاقات التي تعقد بين المنظمة والدول فرادى.
إن الجدير بالذكر، هو أن الحجة التي لجأت إليها محكمة العدل الدولية أضحت مقبولة بشكل واسع في الفكر القانوني المعاصر، ولم تعد تطبق بشأن الأمم المتحدة فحسب، با نجد أنه ضمن بالاتفاقيات والدساتير المنشئة للمنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة، نصوصا مماثلة أو مشابهة للنصوص التي وردت في ميثاق الأمم المتحدة بشأن أهليتها القانونية[19].
3.الطبيعة الخاصة للشخصية القانونية للمنظمة الدولية:
إذا كان الرأي الغالب في الفقه يذهب إلى التسليم بتوافر وصف الشخصية القانونية للمنظمة الدولية، فإن الاتفاق يكاد يكون تاما بين هذه الغالبية الفقهية، على أن تلك الشخصية إنما هي شخصية من نوع خاص، وليست هي بذاتها تلك الشخصية القانونية التي تتمتع بها الدول.
وهناك جانب من الفقه يقسم الشخصية القانونية للمنظمات الدولية على شخصية قانونية داخلية وشخصية قانونية دولية[20]، فالشخصية القانونية الداخلية هي التي تمنح للمنظمة الدولية بأراضي الدولة التي يوجد فوقها مقر هذه المنظمة أو الدولة التي تزاول بها هذه المنظمة المهام المنوط بها من خلال التوسع في قراءة مقتضيات المادتين 104 و 105 من ميثاق الأمم المتحدة، في حين تتلخص الشخصية القانونية الدولية في ما تم استيقاؤه من الفتوى الصادرة بتاريخ: 10 أبريل 1949، المشار إليها أعلاه[21].
وقد نبهت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري – المشار إليه أعلاه- إلى ذلك مؤكدة أن الاعتراف بالشخصية القانونية الدولية لمنظمة ما لا يمكن أن يعني اعتبارها بمثابة الدولة فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وأن كل ما يعنيه مثل ذلك الاعتراف هو اكتساب المنظمة للحقوق وتحملها بالالتزامات بالقدر اللازم لممارستها لوظائفها على النحو الذي استهدفته الدول الأعضاء من وراء انشائها.
فالرأي الغالب والذي تسايره مقررات لجنة القانون الدولي منذ سنة 1963، في اعتبار المنظمات الدولية متوفرة على الشخصية الدولية وعلى صفة تحمل المسؤولية الدولية تجاه الدول وتجاه باقي المنظمات الدولية.[22]
إذن فإن الشخصية القانونية الدولية التي تتمتع بها المنظمة الدولية، هي شخصية قانونية من نوع خاص، لها عدة أوصاف، يمكن إجمالها في ما يلي:
شخصية مشتقة:
تعد الشخصية الدولية التي تتمتع بها المنظمات الدولية شخصية مشتقة، وذلك خلافا للشخصية الأصلية الثابتة للدول بمقتضى القانون الدولي، فوصف شخصية المنظمات الدولية بالمشتقة يعني في المقام الأول أن الشخص الوحيد ” الطبيعي” أو “الأصيل” في النظام القانوني الدولي هو الدولة (المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية: للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة)، وأن المنظمات الدولية هي بمثابة كائنات محكومة بقواعد قانونية مصدرها إرادة الدول، أي بمعنى آخر، المنظمات الدولية تنشأ بإرادة الدول بموجب اتفاق دولي مهما كانت التسمية المطلقة عليه، وتحدد حدود شخصيتها ومداها وطبيعتها وحياتها في ضوء تلك الإرادة المنشئة لها.
فالمنظمة الدولية تتلقى اختصاصاتها وسلطاتها من المعاهدة المنشئة لها، وهي لا تتمتع إلا بالاختصاصات تلك، وبالاختصاصات اللازمة لها لتحقق غاياتها ومقاصدها المحددة لها بالمعاهدة المنشئة.
وتجدر الإشارة إلى أن الصفة المشتقة لشخصية المنظمات الدولية لا تعني عدم امتلاك المنظمة لوظائف قانونية في مواجهة الدول التي أنشأتها، بل يعني أن سند وجود المنظمة واختصاصاتها، هو إرادة الشخص الأصيل للقانون الدولي، ألا وهو الدول.
شخصية وظيفية:
تختلف الشخصية الدولية للمنظمات الدولية عن تلك الثابتة للدول، في أن الأولى تكون محدودة في حدود الوظائف المسندة إليها بمقتضى القانون الدولي، فالدول ذات السيادة تتمتع بشخصية دولية غير منقوصة، أما المنظمات الدولية فلا تتمتع إلا بشخصية قانونية محدودة في حدود غاياتها ووظائفها بالصورة التي حددتها الدول الأعضاء.
فالشخصية الدولية للمنظمات الدولية تفهم في ضوء المعاهدة ( الاتفاقيات والدساتير والصكوك)، المنشئة لمنظمة دولية معينة، لأن هذه المعاهدة هي التي تحدد غايات المنظمة واختصاصاتها بشكل صريح، وعادة ما تخضع المعاهدة المنشئة – كغيرها من المعاهدات الدولية – إلى التفسير الذي يتم في ضوء القواعد العام للتفسير المقررة في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، وقد يتنوع هذا التفسير باختلاف الجهة التي تقوم به، فتفسير المحاكم الدولية لنصوص المعاهدة المنشئة في معرض نظرها لنزاع ما، قد يختلف تماما عن التفسير المقرر لتلك النصوص الصادرة عن أجهزة المنظمة المختصة بموجب القرارات التفسيرية للمعاهدة المتخذة من جانبها[23].
يتضح من الفكرة السابقة أن المعاهدة المنشئة لا تكفي لوحدها في تحديد مضمون الشخصية الوظيفية للمنظمات الدولية، فهي تكون عرضة أثناء نفاذها لمجموعة من العوامل التي تؤثر في طبيعة الشخصية القانونية للمنظمة وفي مضمونها.
مما يرتب في حقيقة الأمر القول إن الشخصية القانونية الدولية هي شخصية وظيفية ليست ذات مضمون قانوني محدد سلفا.
لها نطاق شخصي:
المعاهدات الدولية المنشئة للمنظمات الدولية لا تعدو أن تكون ” اتفاقا بين أغيار” بالنسبة للدول غير الأعضاء، ولا تكون بذلك ملزمة لهم. وإذا كان من المقبول بأن تتمتع الأمم المتحدة بشخصية قانونية موضوعية، فالأمر ليس كذلك بالنسبة لغيرها من المنظمات الدولية، فالدول غير الأعضاء في هذه المنظمات ليست ملزمة البتة بالاعتراف الصريح أو الضمني بها. وإن كان لا يوجد من الناحية العلمية أي حائل يمنع الدول غير الأعضاء في منظمة دولية ما، من الاعتراف بها كشخص دولي في مواجهتها.
لها آثار تثبت الشخصية القانونية الدولية:
تمارس المنظمات الدولية مظاهر شخصيتها القانونية الدولية على صعيد القانون الدولي، وتتمتع بالأهلية القانونية اللازمة لها للقيام بوظائفها وأعمالها كأحد أشخاص القانون الدولي، ومن المظاهر المترتبة على الشخصية الدولية، من بينها التمتع بمجموعة من الصلاحيات القانونية، ونجد من بين هذه الصلاحيات:
صلاحية تكوين القواعد الدولية الاتفاقية:
تمارس المنظمات الدولية دورا هاما في مجال إنشاء القواعد الدولية الاتفاقية، فقد غدت الاتفاقيات الدولية التي تكون المنظمات الدولية طرفا فيها شائعة ومألوفة في الحياة الدولية ولعل إبرام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات[24] المبرمة بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية ذاتها لعام 1986 وكذا دليل المعاهدات المعد من طرف اللجنة السادسة للقانون الدولي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة[25]، خير دليل على الدور الحيوي الذي تتمتع به هذه الاتفاقيات في تكوين قواعد القانون الدولي المعاصر، وتستمد أهلية المنظمات الدولية في إبرام المعاهدات الدولية من خلال المعاهدة المنشئة للمنظمة أو من خلال القواعد الناظمة لعمل ووظائف المنظمة.
ومن الجدير بالذكر، أن المنظمات الدولية قد تمارس أهليتها في إبرام الاتفاقيات الدولية حتى مع عدم وجود نص صريح يخولها ذلك على أساس لزومية هذه الأهلية لقيامها بوظائفها ومهامها.
من المهم أيضا، الإشارة إلى أن المنظمات الدولية لا تتمتع بأهلية مطلقة لإبرام المعاهدات الدولية، فأهليتها في هذا المجال تكون مقيدة بعدد من القيود تتمثل في وجود أن تكون الاتفاقات المعقودة من طرفها متعلقة بوظائفها ومجالات عملها، وفي أن يباشر إبرام الاتفاقات الجهاز المختص داخل المنظمة.
من الجدير بالذكر، أن نطاق الأهلية القانونية الخاصة بالمنظمات الدولية ليس متماثلا بالنسبة للمنظمات الدولية جميعها، فهذا النطاق يختلف من منظمة إلى أخرى، بالنظر للغايات والوظائف الموكلة للمنظمة الدولية، فأهليتها القانونية خاضعة لمبدأ التخصص، إذ يترتب على ذلك، أنه إذا كانت المنظمات الدولية تشترك في صلاحية إبرام الاتفاقات الدولية وتكوين قواعد القانون الدولي الاتفاقي، فهي ليست سواء في الصلاحيات الأخرى الممنوحة لها، فهناك بعض المنظمات الدولية لا تقف حدود شخصيها القانونية عند إبرام الاتفاقيات الدولية، بل تذهب إلى أبعد من ذلك؛ فتشمل عددا من المسائل والمواضيع الأخرى اللازمة لتحقيق المنظمة لأهدافها، إذ أنه على سبيل المثال تتمتع الأمم المتحدة بصلاحية إنشاء قوات دولية تعمل تحت إدارتها[26].
- حق التعاقد مع الحكومات المختلفة أو مع الأفراد العاديين.
- حق التمليك للمنقولات والعقارات.
- حق التقاضي أي رفع الدعاوي أمام المحاكم الداخلية التي قد تتفرع عن العقود التي تعقدها مع الحكومات أو الأفراد.
- التمتع بعدد من الحصانات والامتيازات:
تتمتع المنظمات الدولية بمجموعة من الحصانات والامتيازات في مواجهة الدول والتي تعد أساسية وحيوية حتى تتمكن المنظمات الدولية من ممارسة اختصاصاتها ووظائفها بفاعلية وبمعزل عن أي تأثير قد يصدر من الدول ضدها للتأثير على إرادتها المستقلة. وميمكن تلخيصها فيما يأتي:
- الحصانة القضائية: المنظمات الدولية وموظفوها، معفون من الخضوع للقضاء المحلي، ويتمتع بهذه الحصانة أيضا مندوبو الدول في المنظمات الدولية، على أنه يلاحظ بالنسبة للآخرين أن الدول تستثني رعاياها بمعنى أنها تقتصر هذه الحصانة على المندوبين الذين لا يكونون من رعاياها هي.
- حرمة المباني التي تمثلها المنظمة الدولية.
- معاملة رسائل المنظمات الدولية معاملة مشابهة لرسائل البعثات الدبلوماسية[27]، بمعنى أنه لا يجوز فرض أية رقابة عليها. كما أن للمنظمات الدولية استعمال الرمز(الشفرة) في مراسلاتها وبرقيتها.
ولها أن تستعمل الحقائب الدبلوماسية.
- للمنظمات الدولية الحق في منح جوازات سفر أو مرور لموظفيها تعترف بها وتقبلها سلطات الدول الأعضاء في تلك المنظمات كوثيقة صالحة للسفر.
إن الجدير بالذكر، أنه وعلى الرغم من وجود تشابه في بعض الجوانب بين الحصانات والامتيازات الممنوحة للبعثات الدبلوماسية التابعة للدول، وبين تلك المقررة لصالح المنظمات الدولية، فثمة اختلافات وفوارق جوهرية بينهما منها:
- تكون الحصانات والامتيازات الدولية أكثر شمولا وأوسع نطاقا من الحصانات والامتيازات الدبلوماسية عندما يكون الشخص المتمتع بالحصانة من مواطني دولة الاستقبال، حيث تقتصر حصانة الأخير الدبلوماسية على الحصانة الشخصية والقضائية والتي تبقى رهينة بإرادة دولة الاستقبال.
- تكون الحصانة الدبلوماسية في مواجهة الاختصاص الإقليمي لدولة الاستقبال، فيظل عضو البعثة الدبلوماسية خاضعا للاختصاص الشخصي للدولة التي أرسلته. أما بخصوص الحصانات الدولية، فليس ثمة دولة إرسال ولا اختصاص مماثل للاختصاص الشخصي للدولة المرسلة؛ فالعلاقة بين الموظف الدولي والمنظمة الدولية التابع لها هي علاقة وظيفية وليست علاقة جنسية.
- تكمن أهم ضمانة بالنسبة للحصانات والامتيازات الدبلوماسية في مبدأ المعاملة بالمثل، وهي ضمانه جزائية ليست متاحة البتة بموجب القانون الدولي للمنظمات الدولية بالنسبة للحصانات والامتيازات الدولية.
المبحث الثاني: الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية ومسؤوليتها الدولية وإجراءات مساءلتها قضائيا:
أنه وقبل التطرق لمسألة توفر منظمة الصحة العالمية على الشخصية القانونية المستمدة من دستور/اتفاقية إنشائها، وكذا التطرق للمسؤولية الدولية الناتجة عن الفعل غير المشروع في إطار تنفيذ مهامها وإجراءات مساءلتها قضائيا، فإنه لا بأس من التطرق إلى تاريخ وظروف إنشاء هذه المنظمة.
أولًا: تاريخ وظروف إنشاء منظمة الصحة العالمية[28]:
اجتمع مؤتمر منظمة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو في أبريل 1945، و لم تكن هناك خطط لإدراج الصحة ضمن مجالات النشاط التي حددها الميثاق، ومع ذلك، أُدرجت أحكام بشأن هذا الموضوع بناء على اقتراح وفد البرازيل، وتم الاتفاق على فكرة عقد مؤتمر لإنشاء منظمة صحية دولية، وتم قبول الفكرة لعقد مؤتمر لتأسيس منظمة صحية دولية[29]. في الثاني من فبراير 1946، أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة لجنة فنية تحضيرية لهذا الغرض، مؤلفة من خبراء من ستة عشر دولة (8 أوروبية، و 5 أمريكية ، و 2 آسيوية ، وواحدة أفريقية)، زيادة على استشاري وممثلو المكتب الصحي للبلدان الأمريكية. وقد تم اقتراح أربع مسودات من دستور المنظمة، خلال بدئ الأشغال بباريس في الفترة المتراوحة بين 18 مارس و 5 أبريل من سنة 1946، مع أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بشأن مسألة الترتيبات الإقليمية مع المنظمات القائمة، ولا بشأن تحديد مقر لهذه المنظمة، والذي كان من المقرر جعله بمقربة من مقر منظمة الأمم المتحدة بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه لم يتم الحسم في منح المنظمة الناشئة الاستقلال المالي والمؤسسي. واقترحت اللجنة الفنية على وجه الخصوص الدعوة إلى المؤتمر المقبل للدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة ، وسلطات المراقبة المتحالفة في ألمانيا واليابان وكوريا. وقد أيد المجلس الاقتصادي والاجتماعي توصياته بشأن استيعاب برنامج الصحة والسلامة المهنية في منظمة الصحة العالمية واستئناف وظائف وكالة الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ. في غضون شهر، أكملت مهمتها الرئيسية:اجتمع مؤتمر الصحة الدولي في نيويورك في 19 يونيو 1946. تمت دعوة خمس دول أعضاء في الأمم المتحدة، و 16 دولة غير عضو كمراقبين، و 5 سلطات إشراف: ألمانيا وكوريا واليابان، وقد أرسلت العديد من المنظمات الدولية 6 ممثلين. وقد تم تطوير دستور منظمة الصحة العالمية، مع تبني ترتيبات نقل مهام مكتب برنامج بناء السلام، وأنشأ لجنة مؤقتة مكلفة بالعمل التحضيري، لتتم مناقشة طريقة إجراءات قبول الدول غير الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، هل عن طريق الأغلبية البسيطة أو أغلبية الثلثين؟ ليتم اختيار الحل الأول ، كما تم مناقشة مسألة تعليق الحق في التصويت والخدمات التي تتمتع بها الدولة العضو، إذا لم تف بالتزاماتها المالية أ تفعيلا لمقتضيات المادة 7 من الدستور. ليتم التوقيع على دستور منظمة الصحة العالمية في 22 يوليو 1946 بمدينة نيويورك، ولتدخل بنود الدستور حيز التنفيذ في 7 أبريل 1948، بمجرد مصاقة 26 دولة من الدول الأعضاء الـ 61 الموقعة، وهو اليوم الذي تم اختياره كمناسبة للاحتفال بيوم الصحة العالمي سنويا[30] . اجتمعت جمعية الصحة العالمية الأولى، في جنيف بقصر الأمم في 24 يونيو 1948، حيث تم استقبال وفود أكثر من 53 دولة من الدول الأعضاء، بالإضافة إلى مراقبين من تسع دول غير أعضاء، من بينهم سلطات المراقبة من الحلفاء في ثلاث مناطق:ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وكذا منظمة الأمم المتحدة، وخمس وكالات دولية متخصصة، ومنظمة الصحة للبلدان الأمريكية. انتخبت الجمعية الدول الأعضاء الثماني عشرة المخولة لهم سلطة تعيين الأشخاص الذين سيعملون كأعضاء في المجلس التنفيذي، كما وافقت على اقتراح المجلس لانتخاب أول مدير عام للمنظمة، وهو “الدكتور بروك تشيشولم” من دولة كندا. كما تم بمناسبة المؤتمر، إنشاء برنامج يقوم على توصيات اللجنة المؤقتة، كما تم التصويت على ميزانية المنظمة، واختريت مدينة جنيف السويسرية، مقرا لمنظمة الصحة العالمية.
ثانيا: الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية، من خلال المقتضيات القانونية والاتفاقية:
تم التوقيع على دستور (بمثابة قانون اتفاقي) إنشاء منظمة الصحة العالمية، بتاريخ 22 يوليو 1946 بمدينة نيويورك، لتدخل بنود الدستور حيز التنفيذ، بتاريخ 7 أبريل 1948، وهو الميثاق الذي يتضمن 82 مادة، تستهل بديباجة وتتوزع على 19 مادة[31].
إن توقيع دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية، جاء بالتوافق بين تصدير دستور المنظمة ومقتضيات الفصل التاسع المتعلق بالتعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة المادتين 55 و 57 منه.
بيد أنه ولأغراض منهجية تهم الموضوع المقترح في شقه المتعلق بمنظمة الصحة العالمية من حيث توفرها على الشخصية القانونية التي تمنحها سلطة تنفيذ المهام[32]، وبالتالي تحمل مسؤوليتها تجاه الدول التي تنفذ لفائدتها هذه المهام، المبررة لإمكانية مقاضاتها، تبعا لأي استشارة أو تقرير أو خبرة طبية قد يصدر عنها، وهي لا تتضمن بيانات وحقائق حقيقية وناجعة، بشأن أي مرض أو وباء، ك وباء كوفيد-19 المنتشر حاليا في أغلب دول العالم.
لذا، فإننا وقبل التطرق إلى مقتضيات دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية، سوف نشير إلى المقتضيات العامة المتعلقة بإنشاء الوكالات المتخصصة عامة، وبمنظمة الصحة العالمية كوكالة دولية متخصصة في السهر على رعاية الصحة العامة لمواطني دول العالم بصفة خاصة، وهو الأمر الذي نجده واضحا من خلال مقتضيات اتفاقية بشأن الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الوكالات الدولية المتخصصة، كما أقرتها جمعية الصحة العالمية الأولى في 17 يوليـو 1948 (السـجلات الرسـمية لمنظمـة الصحة العالمية رقم 13، الصفحتان 97 و332)، وذلك من خلال مجموعة من أقسام هذه الاتفاقيات، والتي نورد منها على سبيل التقريب[33]:
القسم 3:
تتمتـــع الوكـــالات المتخصصـــة بالشخصـــية القانونيـــة، ولهـــا الأهليـــة فـــي:
(أ) التعاقد،
(ب) اقتناء الممتلكات الثابتة والمنقولة والتصرف فيها،
(ج) التقاضي
القسم 8 :
تراعــي كــل وكالــة متخصصــة أثنــاء ممارســتها لحقوقهــا بمقتضــى القســم 7 سالف الذكر أية ملاحظات توجهها إليها حكومة أيـة دولـة طـرف فـي هـذه الاتفاقيـة، وذلك بالقدر الذي ترى أن فـي وسـعها الاسـتجابة بـه لهـذه الملاحظـات دون إضـرار بمصالحها الخاصة.
القسم 16
لا تمـنح الامتيـازات والحصـانات لممثلـي الأعضـاء لمنفعـتهم الشخصـية، بـل لتأمين استقلالهم في ممارستهم لوظائفهم فيما يتعلق بالوكـالات المتخصصـة. ومـن ثـم فلـيس مـن حـق العضـو فقـط، بـل ومـن واجبـه أن يرفـع الحصـانة عـن ممثليـه فـي أيـة حالــة يــرى فيهــا العضــو أن الحصــانة ســتعوق ســير العدالــة وأن رفعهــا لــن يضــر بالغرض الذي منحت من أجله.
القسم 19
إن موظفي الوكالات المتخصصة:
- يتمتعون بالحصانة القضائية في جميع ما يصدر عنهم بصفتهم الرسـمية مـن أعمال أو أقوال أو بيانات مكتوبة
القسم 21
بالإضــافة إلــى الامتيــازات والحصــانات المبينــة بالقســمين 19 و20، يتمتــع المــدير العــام لكــل وكالــة متخصصــة وكــذلك أي موظــف ينــوب عنــه أثنــاء غيابــه بـــنفس الامتيـــازات والحصـــانات والإعفـــاءات والتســـهيلات التـــي تعطـــى للمبعـــوثين الدبلوماســيين، طبقــا للقــانون الــدولي، وذلــك فيمــا يخــتص بشخصــه وزوجــه وأولاده القصر.
القسم 22:
تمـنح الامتيـازات والحصـانات للمـوظفين لصـالح الوكـالات المتخصصـة فقـط، ولــيس للمنفعــة الشخصــية للأفــراد أنفســهم. ولكــل وكالــة متخصصــة الحــق فــي رفــع الحصــانة عــن أي موظــف كمــا أن عليهــا أن ترفعهــا فــي أيــة حالــة تــرى فيهــا أن الحصــانة ســوف تعــوق ســير العدالــة وأن مــن الممكــن رفعهــا دون إخــلال بمصــالح الوكالة المتخصصة.
القسم 23:
تتعاون كل وكالة متخصصـة فـي كـل وقـت مـع السـلطات المختصـة بالـدول الأعضاء في سبيل تسهيل حسن سير العدالة وضمان مراعـاة لـوائح الشـرطة ومنـع حــدوث أي اســتغلال ســيئ للامتيــازات والحصــانات والتســهيلات المــذكورة فــي هــذه المادة.
المادة السابعة – سوء استغلال الامتيازات
القسم 24:
إذا رأت أية دولة طرف في هذه الاتفاقية أنه قـد حـدث سـوء اسـتغلال لامتيـاز أو حصـانة ممنوحـة بموجـب هـذه الاتفاقيـة، تجـرى مشـاورات بـين تلـك الدولـة والوكالـة المتخصصـة المعنيـة للتحقـق مـن وقـوع مثـل هـذا الاسـتغلال السـيئ ومحاولـة تجنـب تكراره إذا ثبت وقوعه، وإذا لم تؤد هذه المشاورات إلـى نتيجـة مرضـية للدولـة وللوكالـة المتخصصة المعنية، فيرفع الأمر إلى محكمة العـدل الدوليـة لتحديـد مـا إذا كـان هنـاك سـوء اسـتغلال لامتيـاز أو حصـانة وذلك طبقا للقسم 32، وإذا تبـين لمحكمـة العـدل سـوء الاســـتغلال، فمـــن حـــق الدولـــة الطـــرف فـــي هـــذه الاتفاقيـــة والتي تأثرت من جراء سوء الاستغلال المذكور، فـي علاقاتهـا مـع هـذه الوكالـة، أن توقـف مـنح الامتيـاز أو الحصـانة التـي أسـيء اسـتعمالها، وذلـك بعـد إخطـار الوكالـة بذلك.
المادة التاسعة – تسوية الخلافات
القسم 31:
على كل وكالة متخصصة أن تعتمد طرقا مناسبة لتسوية الأمور الآتية:
(أ) الخلافات الناشئة عن العقود أو أية خلافات أخـرى تخضـع لأحكـام القـانون الخاص، وتكون الوكالة المتخصصة طرفا فيها؛
(ب) الخلافـات التـي يكـون طرفـا فيهـا أي موظـف بوكالـة متخصصـة يتمتـع بسـبب منصــبه الرســمي، بالحصــانة إذا لــم تكــن الحصــانة قــد رفعــت طبقــا لأحكــام القسم 22.
القسم 32:
تحــال كــل الخلافــات الناشــئة عــن تفســير الاتفاقيــة الحاليــة أو تطبيقهــا إلــى محكمة العدل الدولية، إلا إذا اتفق الأطراف في حالة معينة علـى الالتجـاء إلـى وسـيلة أخرى لتسـوية الخـلاف، وإذا نشـأ خـلاف بـين إحـدى الوكـالات المتخصصـة مـن جهـة وبين دولة عضو من جهة أخرى، يطلب رأي استشاري بشـأن أيـة نقطـة قانونيـة تكـون قــد أثيــرت طبقا للمادة 96 مــن ميثــاق الأمــم المتحــدة والمــادة 65 مــن النظــام الأساسـي لمحكمــة العـدل، وللأحكــام المناسـبة الـواردة فــي الاتفاقـات المعقـودة بــين الأمم المتحدة والوكالة المتخصصة المعنيـة، وتقبـل الأطـراف رأي المحكمـة بوصـفه نهائيا.
القسم 33:
تطبــق المــواد الموحــدة علــى كــل وكالــة متخصصــة مــع مراعــاة أيــة تعــديلات ناتجـــة عـــن الـــنص النهـــائي (أو المـــنقح) للملحـــق المتعلـــق بتلـــك الوكالـــة كمـــا هـــو منصوص عليه في القسمين 36 و38.
القسم 34:
يجب أن تفسر أحكام الاتفاقية فيما يتعلـق بكـل وكالـة متخصصـة علـى ضـوء الاختصاصات المنوطة بتلك الوكالة بمقتضى وثيقتها الدستورية.
القسم 39:
أحكـام هـذه الاتفاقيـة لا تحـد أو تمـس بـأي حـال الامتيـازات والحصـانات التـي أعطتها أو قد تعطيها أية دولة لأية وكالـة متخصصـة بسـبب وجـود مقرهـا أو مكاتبهـا الإقليميـة فـي أرض تلـك الدولـة. ولا يصـح تفسـير هـذه الاتفاقيـة علـى أنهـا تمنـع أيـة دولة طرف بها من أن تعقد مع أيـة وكالـة متخصصـة اتفاقـات إضـافية مـن شـأنها أن تعــدل أحكــام هــذه الاتفاقيــة أو أن توســع أو تحــد مــن نطــاق الامتيــازات والحصــانات الممنوحة بمقتضاها.
الملحق السابع – منظمة الصحة العالمية.
تنطبـــق المـــواد الموحـــدة علـــى منظمـــة الصـــحة العالميـــة (المســـماة فيمـــا يلـــي “المنظمة”).
عودة منا إلى مناقشة مضمنات دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية، من باب حديثنا عن الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية، ولأسباب منهجية، سوف نكتفي بقراءة مقتضيات المواد 2 و19 و21 و 22 و28 و 66 و68 و 75 من دستور منظمة الصحة العالمية، وذلك على النحو التالي:
تنص المادة 2 (الفقرات ذات الحروف فاء وقاف وراء وشين وتاء) من الفصل الثاني، المتعلقة بوظائف /مهام،منظمة الصحة العالمية على:
تمارس المنظمة لتحقيق هدفها الوظائف التالية:
……..
……..
(ف) تقديم المعلومات والمشورة والمساعدة في حقل الصحة؛
…….
(ق) وضع تسميات دوليـة للأمـراض ولأسـباب الوفـاة، ولممارسـات الصـحة العامـة، ومراجعة هذه التسميات كلما دعت الضرورة؛
…….
(ر) توحيد طرق التشخيص بالقدر اللازم؛
(ش) وضــع معــايير دوليــة للمنتجــات الغذائيــة والحياتيــة والصــيدلية ومــا شــابهها، وتقريرها ونشرها؛
(ت) وبصفة عامة، اتخاذ كل ما يلزم لبلوغ هدف المنظمة.
ومن باب إقرار الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية، نجد أن المادة 19 من الفصل الخامس من دستور المنظمة، المتعلق بجمعية الصحة العالمية، تشير إلى أنه:
لجمعيــة الصــحة ســلطة إقــرار الاتفاقيــات أو الاتفاقــات المتعلقــة بأيــة مســألة تـدخل فـي اختصـاص المنظمـة. ويتطلــب إقـرار هـذه الاتفاقيـات أو الاتفاقـات، موافقــة جمعيـة الصـحة بثلثـي الأصـوات، وتصـبح نافـذة بالنسـبة لكـل دولـة عضـو، متـى قبلتهـا طبقا لقواعدها الدستورية.
ومن أجل سبر أغوار المهام الموكولة إلى منظمة الصحة العالمية، نجد المقتضيات التي تنص عليها المادة 21 من الفصل الخامس نفسه، من دستور المنظمة، المتعلق بجمعية الصحة العالمية، تشير إلى أنه:
لجمعية الصحة سلطة إقرار الأنظمة المتعلقة بما يلي:
(أ) الاشتراطات الصحية وإجـراءات الحجـر الصـحي وغيرهـا مـن الإجـراءات، التـي يراد بها منع انتشار الأمراض على الصعيد الدولي؛
(ب) التسميات المتعلقة بالأمراض وأسباب الوفاة وممارسات الصحة العامة؛
(ج) المعايير المتعلقة بطرق التشخيص لتطبيقها على الصعيد الدولي؛
(د) المعــايير المتعلقــة بســلامة ونقــاء وفعاليــة المنتجــات الحياتيــة والصــيدلية ومــا يماثلها من منتجات متداولة في التجارة الدولية؛
(ه) الإعـلان عـن المنتجـات الحياتيـة والصـيدلية ومـا يماثلهـا مـن منتجـات متداولـة في التجارة الدولية وبيان أوصافه.
ولتنفيذ الأنظمة والتدابير المتعلقة بالصحة العالمية داخل أقاليم الدول الأعضاء، نجد أن المادة 22 من الفصل الخامس عينه، من دستور المنظمة، المتعلق بجمعية الصحة العالمية، قد نصت على أن:
الأنظمـة التـي يـتم إقرارهـا طبقـا للمـادة 21 تعتبـر نافـذة بالنسـبة لجميـع الـدول الأعضاء بعد تلقـي إشـعار بتصـديق جمعيـة الصـحة عليهـا، وتسـتثنى مـن ذلـك الـدول الأعضاء التي قد تبلغ المـدير العـام برفضـها إياهـا أو بتحفظاتهـا عليهـا، فــي خــلال المدة المحددة في الإشعار.
لنجد أن المادة 28 (البند ذي الحرف طاء) من الفصل الخامس كذلك، تشير ومن باب الوظائف التي يناط بها للمجلس التنفيذي للمنظمة، إلى أن:
وظائف المجلس هي:
(ط) القيـام، فـي نطـاق وظـائف المنظمـة ومواردهـا الماليـة، باتخـاذ تـدابير الطـوارئ لمواجهــة الأحــداث التــي تقتضــي إجــراء فوريــا، وللمجلــس بصــفة خاصــة أن يخـول المدير العام لأوبئـة، المـدير العـام اتخـاذ الخطـوات اللازمـة لمكافحـة الأوبئة، والمشاركة في تنظيم الغـوث الصـحي لضـحايا الكـوارث، وإجراء الدراسـات والأبحـاث التـي يوجه نظر المجلس إلى صفتها العاجلة أي مـن الـدول الأعضـاء أو المـدير العام.
وبانتقالنا إلى مقتضيات الفصل الخامس عشر المتعلق بالأهلية القانونية والامتيازات والحصانات، خاصة المادة 66 من دستور المنظمة، التي تشير في الشق المتعلق بترجمة الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية على أرض الواقع، إلى أنه:
تتمتع المنظمة في أراضي كل دولـة عضـو بالأهليـة القانونيـة اللازمـة لتحقيـق هدفها وممارسة وظائفها.
وهو ما سوف تؤكده مقتضيات المادة 67 من نفس الفصل الخامس عشر من دستور المنظمة، والتي أشارت، إلى أنه:
(أ) تتمتــــع المنظمــــة فــــي أراضــــي كــــل دولــــة عضــــو بالامتيــــازات والحصانات اللازمة لتحقيق هدفها وممارسة وظائفها.
(ب) يتمتع كذلك ممثلو الدول الأعضاء، والأشـخاص المعينـون للعمـل فـــي المجلـــس، وموظفـــو المنظمـــة التقنيـــون والإداريـــون، بالامتيـــازات والحصـــانات الضرورية لحرية ممارسة وظائفهم المتعلقة بالمنظمة وهو ما يتوافق ومقتضيات المادة 68 من نفس الفصل، التي أشارت على أنه:
تحــــــدد هــــــذه الأهليــــــة القانونيــــــة والامتيــــــازات والحصــــــانات فــــــي اتفــــــاق مسـتقل تعـده المنظمـة، بالتشـاور مـع الأمـين العـام للأمـم المتحـدة، ويعقـد بـين الـدول الأعضاء.
لنصل في الختام إلى مقتضيات الفصل الثامن عشر المتعلق بتفسير أو وسائل تطبيق بنود دستور إنشاء المنظمة، نجد أن مقتضيات المادة 75 منه، المتعلقة بالتدابير الإجرائية التي على الدولة المتضررة القيام بها، في سبيل مساءلة المنظمة عن الأضرار التي قد تنتج عن سوء تنفيذ المهام بشكل سوي، حيث أشارت هذه المادة إلى أنه:
أي مســـألة أو نـــزاع بشـــأن تفســـير هـــذا الدســـتور، أو تطبيقـــه لا تـــتم تســـويته بالمفاوضة أو بوساطة[34] جمعية الصحة[35]، يحال إلى محكمة العـدل الدوليـة[36]، طبقـا لنظام المحكمة الأساسي، ما لم تتفق الأطراف المعنية على طريقة أخرى للتسوية.
مع الإشارة ومن باب الاستثناء من المقتضيات العامة من المادة 75 أعلاه، نجد أن المقتضيات الخاصة المنصوص عليها في الاتفاقية المبرمة بين منظمة الصحة العالمية ومركز الجنوب[37]، والتي تتضمن تفسيرا واضحا للعبارة الأخيرة من المادة 75 أعــــلاه: ” ما لم تتفق الأطراف المعنية على طريقة أخرى للتسوية“، وهي العبارة العبارة التي تشير إليها المادة 1:
إن منظمة الصحة العالمية (المسماة فيما يلي “المنظمـة”)، مـن جهـة؛ ومركـز الجنوب، من الجهة الأخرى؛
ويسميان على حدة ومعا، فيما يلي بالترتيب، “الطرف” و”الطرفان.”
مــع مراعــاة أن هــدف منظمــة الصــحة العالميــة هــو أن تبلــغ جميــع الشــعوب، هــو أن تبلــغ جميــع الشــعوب أرفــع مســتوى صــحي ممكــن، وأن تحقيــق هــذا الهــدف يقتضــي أن تعمــل المنظمــة بوصفها سلطة التوجيه والتنسيق فيما يتعلق بالشؤون الصحية الدولية؛
وكـذلك مــع مراعـاة أن مركـز الجنــوب منظمــة حكوميـة دوليـة للبلـدان الناميـة أنشــئت كثمــرة مــن ثمــار عمــل وخبــرة لجنــة الجنــوب، بمــا فــي ذلــك تقريرهــا المعنــون “التحــدي الــذي يواجهــه الجنــوب”، وذلــك بهــدف تعزيــز المشــورة الخاصــة بالسياســات وتعزيز التعاون فيما بين البلدان النامية في جهودها المبذولة مـن أجـل تحقيـق التنميـة الاقتصادية المستدامة؛
والتي تحددها بجلاء مقتضيات المادة 8 من الاتفاقية، عندما أشارت إلى أنه:
تسوية النزاعات
يسوى أي نـزاع أو خـلاف أو مطالبـة ممـا قـد يترتـب علـى تفسـير هـذا الاتفـاق أو تطبيقــه وديــا عن طريق التفاوض بين الطرفين، وإذا أخفقت مساعي التفاوض الودي، يحال أي نزاع من هذا القبيل، بناء على طلب أي من الطرفين إلى التحكيم، وفقا لقواعد التحكيم السارية للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي[38].
ثالثا: المسؤولية الدولية لمنظمة الصحة العالمية على الأعمال الموكولة إليها:
استنادا على توفر المنظمات الدولية على الشخصية الدولية التي تحدد حقوقها والتزاماتها، فإن هذا ما يجعلها مسؤولة عن الأعمال المشروعة وغير المشروعة التي تقوم بها، سواء كانت هذه الأعمال إيجابية (القيام بعمل)، أم كانت سلبية (الامتناع عن عمل)[39].
وإن الحديث عن مسؤولية المنظمة الدولية عن خرق الالتزامات الدولية المنبثقة من اتفاقية/دستور إنشائها أو الناتجة عن أعمال غير مدرجة ضمن بنود اتفاقية الإنشاء، – بغض النظر عن منشأ الالتزام وطابعه-، عملا بمقتضيات المادة 38 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية أو من خلال مشروع لجنة القانون الدولي[40] المتعلقة بمسؤولية المنظمات الدولية على أعمالها غير المشروعة، التي تضمنها المشروع المنجز من قبل هذه اللجنة، والتعاليق الرسمية والهامشية التي واكبت هذا المشروع (البالغة 67 مادة)[41]، هو حديث عن مجموعة من التعاريف الفقهية والاتفاقية والقضائية، التي أعطيت لمسؤولية المنظمات الدولية عموما والتي سوف نتخذها كقياس عند تطرقنا لمسؤولية منظمة الصحة العالمية، سواء في القانون الداخلي للدول أو في القانون الدولي، أو في أعمال المعاهد العلمية واللجان القانونية[42].
- مفهوم المسؤولية الدولية والعمل غير المشروع للمنظمة الدولية:
إن دراستنا لمفهوم مسؤولية المنظمات الدولية عموما ومسؤولية منظمة الصحة العالمية على وجه الخصوص، سوف يجرنا للحديث عن المسؤولية الناتجة عن القيام بالفعل غير المشروع، والذي سوف نفصله في ما يلي:
- مفهوم المسؤولية الدولية للمنظمة الدولية:
وباعتبار المسؤولية الدولية من مقتضيات المبادئ العامة للقانون الدولي، لأنه من الطبيعي وجود نظام يحكم الانتهاكات والاخلالات التي يرتكبها أشخاص القانون الدولي، سواء كانت دولة معترف لها بالسيادة القانونية أو منظمة دولية، إذ أن مساهمة أحكام المسؤولية داخل كل نظام قانوني، تعتبر الحجر الأساس في تطور هذا النظام وازدهاره، ولا تقتصر أحكام هذه المسؤولية على نظام قانوني بعينة، أو فرع من فروع القانون أو بمجال محدد منها، وإنما تمتد لتشمل سائر فروع القانون المختلفة، وهو ما تبناه جانب من الفقه، الذي نجد من بينهم الفقيه “بادفان” الذي ذكر أن: “المسؤولية أصبحت جزءا أساسيا من كل نظام قانوني، وأن مدى فاعلية النظام القانوني تتوقف على مدى نضج ونمو المسؤولية فيه”[43].
وقد عرف مجموعة من الفقهاء المسؤولية الدولية، بعدد من التعاريف، فنجد من عرفها “بأنها الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون الدولي على عدم احترام أحد أشخاص هذا القانون لالتزاماته الدولية”.[44]
وعرفت أيضا “بأنها ما ينشأ نتيجة عمل مخالف لالتزام قانوني دولي، ارتكبه أحد الأشخاص في حق شخص دولي آخر، وأن غايته تعويض ما يترتب على هذا العمل من ً القانون الدولي”.
كما عرفها الدكتور محمد طلعت الغنيمي بأنها: “نظام قانوني يكون بمقتضاه على الدولة التي ينسب إليها فعل غير مشروع طبقا للقانون الدولي، التزام بإصلاح ما ترتب على ذلك الفعل حيال الدولة التي ارتكب هذا الفعل ضدها”[45].
إلا أن المنهج الدقيق للمسؤولية الدولية، هو الذي ميز بين تعريف المسؤولية في الفقه الداخلي[46]، والمسؤولية في القانون الدولي، ففي الفقه الداخلي (القانون المدني)، الذي نجد ما أورده الفقيه “عبد الرازق السنهوري” في معرض تعريفه للمسؤولية في القانون المدني بقوله: “التعويض عن الضرر الناشئ عن فعل غير مشروع”، في حين عرفها الأستاذ “حسين عامر” بأنها:”اقتراف أمر يستوجب مؤاخذة فاعله”، وعرفها الدكتور “سليمان مرقص” بأنها:”حالة الشخص الذي ارتكب أمرا تستوجب المبادئ والقواعد المطبقة في المجتمع المؤاخذة عليه”ن ليعرفها الدكتور حسن علي الذنون بأنها: “إلزام من أحدث ضررا غير مشروع بالغير بتعويض هذا الضرر”.[47]
لنجد أن تعريف المسؤولية في فقه القانون الدولي، هو ما قال به الفقيه والقاضي الإيطالي “أنزيلوتي” بأنها: “فكرة العمل غير المشروع تقتضي توافر عنصرين: الفعل أو الواقعة المادية الخارجية، والقاعدة القانونية التي يوجد (الفعل) في تناقض معها…إن العمل الدولي غير المشروع، هو عمل يتناقض مع القانون الموضوعي الدولي”، ليعرفها الفقيه “باول فوشيل” بأنها: “من يحصل على فائدة من شخص أومن شيء موضوع تحت سلطاته، يجب أن يتحمل النتائج السيئة التي يتسبب فيها هذا الشخص أو هذا الشيئ…”، ليتفق الفقيهين “شتروب” و”جانكوفيك” على ارتباط المسؤولية – بحكم أنها التزام يقع على عاتق الدولة -، بارتكاب الفعل غير المشروع، بضرورة التعويض عنه جبرا للضرر، ليعتبرها الفقهاء “كلسن” و”إيغالتون” و”دي فيشر” و”روسو”، بكونها المبدأ الذي ينشىء التزاما أو الوضع القانوني الذي يترتب عن الإخلال به، إصلاح الضرر.[48]
- العمل غير المشروع الصادر عن المنظمة الدولية:
بيد أننا ونحن بصدد مناقشة التعريف المنسوب للمسؤولية سواء في شقها المتعلق بالقانون الخاص (القانون الداخلي) أو بشقه المتعلق بالقانون العام (القانون الخارجي)، تصادف هذا النقاش ارتباط المسؤولية بالفعل غير المشروع[49] ، سواء من خلال القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل، بناء على المسؤولية الدولية المباشرة أو غير المباشر، مع مراعاة الحديث عن الفعل غير المشروع شقه العقدي أو التقصيري أو حتى الجنائي، المبني عن الركن المعنوي المؤسس بدوره على مبادئ حسن نية أو سوء نية للمنظمة الدولية، التي ترتب المسؤولية الدولية العمدية وغير العمدية، وهو الفعل غير المشروع الذي قد ينتج عن الخطأ أو عن نظرية المخاطر، كما سوف يأـتي شرحه في ما يلي:
- نظرية الخطأ:
أنه بناء على نظرية الخطأ الدولي حسب التفسير الفقهي وتفسير القانون الدولي والقضاء الدولي، سوف نجد أن التفسير الفقهي الذي تزعمه الفقيه “جنتياس” الذي استمد ملامح نظرية الخطأ من المبادئ العامة للقانون المدني،ى ليؤسس لقواعدها الفقيه الهولندي”غروسيوس”، في حين كان تفسير القانون الدولي لنظرية الخطأ[50] من خلال ما قال به الفقيه “أوبنهايم” والذي اعتبر أن فعل الدولة الضار بدولة أخرى، لا يعد مع ذلك بمثابة تقصير دولي إن لم يرتكب عن عمد أو بسوء نية أو بإهمال مؤثم.
بيد أن القضاء الدولي ناقش نظرية الفعل غير المشروع الناتج عن الخطأ من خلال بت القضاء الدولي في مجموعة من القضايا، كقضية “يومانس” سنة 1880 التي قضت بمسؤولية المكسيك عن إهمال حماية الأمريكيين وقصرت في ملاحقة المجرمين ومعاقبتهم، ثم حكم محكمة التحكيم الدولية سنة 1912 بخصوص إلزام الدولة العثمانية (تركيا الحالية) بأداء تعويضات لروسيا بناء على تأسيس ذلك التعويض على خطا تركيا في حق روسيا، زيادة عن قضية تهريب الجنود الفرنسيين من قبل السفارة الألمانية بالمغرب، وكذا قضية قناة كورفو[51] .
وأنه وقياسا على نظرية الخطأ المتعلق بمسؤولية الدولة على نظرية الخطأ في نطاق المنظمات الدولية سواء المتعلق بالخطأ المصلحي (المرفقي)، الذي ينسب للهيئة أو للمؤسسة الدولية، والخطأ الشخصي الذي ينسب للموظف الدولي (السامي والعادي)، وهو ما كان الأساس الذي تم بمقتضاه تدوين قواعد المسؤولية الدولية الناتجة عن الفعل غير المشروع للمنظمات الدولية، من طرف لجنة القانون الدولي، وهو التدوين التي مر بأربعة مراحل أساسية:
- المرحلة الأولى (مرحلة المقرر غارسيا أمادور): التي استغرقت الفترة ما بين 1955 و 1961.
- المرحلة الثانية (بناء على قرار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، رقم: 1765/ د-17): التي استغرقت الفترة ما بين 1969 و 1979.
- المرحلة الثالثة (بناء على تضمين المادة 19 من مشروع المسؤولية الدولية للأخطاء الناتجة عن الجنايات والجنح الدولية): التي استغرقت الفترة ما بين 1982 و 1998.
- المرحلة الأخيرة (تدوين المسؤولية الدولية برئاسة كراوفود): التي ابتدأت من سنة 1998 والتي لازالت جارية إلى حد الساعة.
- نظرية المخاطر:
والتي تعني تقرير المسؤولية الدولية عن أفعال هي في أصلها مشروعة ولكنها ترتب نتائج ضارة للغير، أي وفقا للتسمية التي أقرتها لجنة القانون الدولي (المسؤولية الدولية عن الأضرار الناتجة عن أفعال لا يحظرها القانون الدولي)، وهي نظرية مستمدة من الشريعة الأم للقانون المدني، التي تنادي بالمسؤولية الموضوعية، والتي تعني – مثلا وتقريبا للصورة – في القوانين المدنية للدول، والتي سوف نتخذ منها على سبيل المثال ما جاء بقانون الالتزامات والعقود المغربي، عند أخذه بنظرية الخطأ المفترض، الذي على أساسه يتم تحميل المسؤولية لحارس الشخص القاصر أو للمرفق العمومي أو للشيء أو للحيوان، عن الأفعال غير المشروعة المسببة للضرر (المادي والمعنوي) من قبل الموجودين تحت حراسة الشخص العاقل العادي الذكاء (الفصول 85 و 85 مكرر و 86 و 87 و88 و89 و90 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، أو من خلال ما يستشف من القوانين المتعلقة بالتعويض عن حوادث السير وحوادث الشغل لكل طرف مدني متضرر).
وقد فسر جانب من الفقه فكرة المسؤولية من دون خطأ، والذين كان على رأس هؤلاء الفقهاء، الفقيه “لاب” الذي ربط بين تبعات المسؤولية والقيام بفعل له مخاطر على المجتمع، وهي نفسها الفكرة التي أكدها الفقيه “ساليلس” من خلال تأسيس المسؤولية على مجرد التسبب في إحداث الضرر، بصرف النظر عن الخطر، وهي نفسها النظرية التي أخذ بها الفقيه “بولوك” للقول بالمسؤولية المطلقة التي يجدر قبولها.
غير أنه ومن باب توضيح الصورة أكثر للقول بنظرية المخاطر (المسؤولية المطلقة/الخطأ المفترض) في نطاق مسؤولية المنظمات الدولية عن الأعمال غير المشروعة، فإنه تجدر الإشارة إلى كون مناط تحمل المسؤولية عن الأعمال غير المشروعة المسببة للضرر، تنبني – وجوبا – على ضرورة وجود قواعد اتفاقية تكتسي صفة دستور أو صك رام إلى إنشاء منظمة دولية معينة محددة المهام والمسؤوليات (التدابير الوقائية التي تهدف استشعار المخاطر والتخفيف من الضرر وإصلاحه زيادة على تقديم تعويض مادي ومعنوي جابر له).
وهو ما سوف نحاول تبيانه من خلال استعراضنا – بشكل واقعي- لمجموعة من مظاهر مسؤولية منظمة الصحة العالمية عن أعمالها غير المشروعة، في سبيل اقتراحها لتدابير وقائية وأخرى علاجية خاطئة، لم تنجح في الحد من مخاطر تفشي وباء “كوفيد-19”.
ثالثا: مظاهر مسؤولية منظمة الصحة العالمية خلال وباء “كوفيد-19”:
تقريبا للصورة وجعلها أكثر واقعية، ومن باب الربط بين الشق النظري الذي خصصناه للشخصية القانونية للمنظمة الدولية ومسؤوليتها الدولية عن أعمالها غير المشروعة (نظريتي الخطأ والمخاطر)، وبين الموضوع المقترح “مسؤولية منظمة الصحة العالمية في ومن كوفيد-19″، سوف نحاول تجريب ما سبق وأن أدرجناه من مفاهيم ونصوص قانونية واتفاقية وتفاسير فقهية وقضائية،على الأفعال غير المشروعة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في زمن تفشي وباء الكورونا أو الفيروس التاجي أو ما يسمى علميا بـ”كوفيد-19″، بداية من تاريخ ظهور هذا الفيروس لأول مرة بمدينة يوهان أواخر دجنبر من سنة 2019، ثم مرورا بتفشيه بالدول الأوربية وعلى رأسها إيطاليا، وانتهاء باستقراره في أغلب دول العالم، وذلك سواء كانت تلك الأعمال غير المشروعة ثابتة في حق المنظمة، أو كانت أعمالا لازالت محل خلاف.
واستهلالا لمناقشتنا للنموذج المقترح، سوف نستشهد بالخطاب الملقى خلال الشهر الثاني من بداية تفشي وباء “كوفيد-19″، من قبل المدير العام لمنظمة الصحة العالمية السيد “تيدروسأدهانوم غيبريسوس”، وهو نص الخطاب الذي نشر بالموقع الرسمي للمنظمة بتاريخ: 25 مارس 2020، إذ نص هذا الخطاب على مجموعة من التدابير المستعجلة، التي يلزم على الدول المتضررة اتخاذها، مخاطبا العالم[52]:
“صباح الخير أو مساء الخير جميعا أينما كنتم.
ما زالت الجائحة تُحدث خسائر فادحة ليس في مجال الصحة فقط بل في العديد من مناحي الحياة.
فيوم أمس، اتخذت حكومة اليابان واللجنة الأولمبية الدولية قراراً صعباً ولكن حكيماً بتأجيل الألعاب الأولمبية والألعاب الأولمبية للمعاقين لهذا العام.
وإني أتوجه بالشكر لرئيس الوزراء آبي وأعضاء اللجنة الأولمبية الدولية لما قدموه من تضحية من أجل حماية صحة الرياضيين والمتفرجين والمسؤولين.
ونحن نتطلع إلى دورة العام القادم من الألعاب الأولمبية والألعاب الأولمبية للمعوقين التي نأمل أن تشهد احتفالاً أكبر وأفضل بإنسانيتنا المشتركة، وإني أصبو من الآن للمشاركة فيها.
لقد تخطينا الكثير من الجائحات والأزمات من قبل، وسوف نتخطى هذه أيضاً.
والسؤال هو: ما حجم الثمن الذي سندفعه؟
فقد خسرنا حتى الآن 000 16 حياةً، ونعلم أننا سنخسر المزيد. أما كم هو هذا المزيد، فذلك يتوقف على القرارات والإجراءات التي نتخذها الآن.
وقد نفذت العديد من البلدان تدابير غير مسبوقة، بتكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة، من أجل إبطاء وتيرة تفشي كوفيد-19، من بينها تعطيل المدارس والمؤسسات التجارية، وإلغاء الفعاليات الرياضية وتوجيه الناس إلى التزام البيت والحفاظ على سلامتهم.
ونتفهم أن هذه البلدان تحاول الآن تقييم متى وكيف يمكن تخفيف هذه التدابير. والإجابة تعتمد على ما تفعله البلدان أثناء تطبيق هذه التدابير التي تعمّ جميع سكانها.
فمطالبة الناس بالتزام البيت وتقييد حركتهم يساعدان على كسب الوقت وتخفيف الضغط على النُظم الصحية.
ولكن هذه التدابير بحد ذاتها لن تطفئ سعير الأوبئة المندلعة في البلدان.
والهدف الحقيقي من هذه الإجراءات هو التمكين من تنفيذ التدابير الهادفة الأكثر دقة التي يلزم تنفيذها لوقف انتقال العدوى وإنقاذ الأرواح.
ونحن نناشد البلدان التي فرضت ما يسمى بتدابير “الحظر الشامل” إلى الاستفادة من هذا الوقت لمهاجمة الفيروس.
فنحن بهذه التدابير قد فتحنا الباب لفرصة ثانية، والسؤال هو كيف سنستغل هذه الفرص”.
ليواصل خطابه الرسمي بتوصيته باتخاذ بعض الإجراءات، والتي أشار إليها من خلال قوله:
“هناك ستة إجراءات رئيسية نوصي باتخاذها:
أولاً، زيادة وتدريب ونشر القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية والصحة العامة؛
ثانياً، تطبيق نظام لتقصي كل حالة يشتبه في إصابتها بالعدوى على مستوى المجتمع المحلي؛
ثالثاً، رفع الإنتاج والقدرات والوفرة في مجال الفحص؛
رابعاً، تحديد المرافق التي ستُستخدم لمعالجة المرضى وعزلهم وتهيئتها وتجهيزها؛
خامساً، وضع خطة وإجراءات واضحة للحجر الصحي على المخالطين؛
سادساً، توجيه تركيز الأجهزة الحكومية بأكملها على كبح تفشي كوفيد-19 والسيطرة عليه.
وهذه التدابير هي الطريقة الأفضل لكبح الانتقال ووقفه حتى لا ينشط الفيروس من جديد عندما تُرفع القيود المفروضة.
فآخر ما يحتاجه أي بلد هو أن يفتح المدارس والمؤسسات التجارية ليضطر إلى إغلاقها من جديد بسبب عودة الفيروس إلى الانتشار.
وتطبيق تدابير صارمة لتقصي الحالات وعزلها وفحصها ومعالجتها وتتبع مخالطيها ليس أفضل وأسرع طريقة للتحرر من القيود الاجتماعية والاقتصادية القاسية فحسب، وإنما هو أيضاً أفضل طريقها لتفادي الحاجة إلى فرضها أساساً.
هناك أكثر من 150 بلداً وإقليماً ما زال عدد الحالات فيها يقل عن 100 حالة.
وإذا طبقت هذه البلدان الإجراءات الصارمة نفسها الآن، فإن لديها الفرصة لمنع الانتقال المجتمعي المحلي وتفادي التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الأفدح التي اضطرت بلدان أخرى إلى تكبدها.
وينطبق هذا بشكل خاص على العديد من البلدان الأضعف التي قد تنهار نُظمها الصحية تحت وطأة الأعداد الهائلة من المرضى التي شاهدناها في بعض البلدان التي تشهد انتقالاً محلياً للعدوى.
وقد انضممت اليوم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ووكيل الأمين العام لتنسيق الشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، والمديرة التنفيذية لليونيسيف، هنرييتا فور، من أجل إطلاق المناشدة الإنسانية العالمية لدعم البلدان الأكثر هشاشةً التي تعاني بالفعل من أزمات إنسانية حادة منذ سنوات.
ما نشهده اليوم أكثر بكثير من مجرد أزمة صحية، ونحن في الأمم المتحدة ملتزمون بالعمل معاً كمنظومة واحدة لحماية الفئات الأضعف من سكان العالم من هذا الفيروس وعواقبه الوخيمة.
ونحن نرحب أيضا بدعوة الأمين العام إلى وقف عالمي لإطلاق النار. فنحن جميعا نواجه تهديدا مشتركاً والسبيل الوحيد لدحره هو التعاضد معاً كإنسانية واحدة، لأننا جميعاً ننحدر من عرق بشري واحد.
ونشعر بالامتنان للمتبرعين للصندوق التضامني للاستجابة لكوفيد-19، الذين زاد عددهم عن 000 200 فرد ومنظمة. وقد حصد الصندوق منذ إطلاقه قبل أقل من أسبوعين، أكثر من 95 مليون دولار. وأودّ في هذا السياق أن أعرب عن جزيل شكري لشركة على تبرعها السخي بمبلغ 10 ملايين دولار اليوم.
ورغم القلق الذي يساورنا بشأن البلدان الأشد عرضة للخطر خاصةً، فإن لدى جميع البلدان فئات سكانية هشة، من بينها كبار السنن وكبار السن هم منهل الحكمة في مجتمعاتنا. وهم أعضاء أعزاء وقيّمون في أسرنا ومحيطنا.
ولكنهم أيضا أكثر عرضة للمضاعفات الخطرة لكوفيد-19.
ونحن نستمع إليهم وإلى من يعملون معهم ومن أجلهم لتحديد أفضل الطرق التي يمكننا بها دعمهم.
نحن بحاجة إلى العمل معاً لحماية كبار السن من الفيروس ولضمان تلبية احتياجاتهم من الطعام، والوقود، والأدوية والتواصل البشري.
فالتباعد الحسي لا يعني التباعد الاجتماعي.
علينا جميعاً أن نحرص على السؤال بشكل منتظم عن آبائنا وأجدادنا وجيراننا وأصدقائنا أو أقاربنا الذين يعيشون وحدهم أو في دور الرعاية، بأي طريقة متاحة لنا، لطمأنتهم على عمق محبتنا لهم ومدى اعتزازنا بهم.
ذلك مهم في جميع الأوقات، ولكن أهميته تزداد أثناء الأزمات.
وأخيراً، إن جائحة كوفيد-19 قد سلطت الضوء على حاجتنا إلى طرق اتصال قوية ومبتكرة بشأن الصحة العامة.
ففي العام الماضي، أعلنت المنظمة عن أول مهرجان سينمائي عن موضوع الصحة للجميع. وقد فاقت المشاركات كل توقعاتنا من حيث العدد والجودة والتنوع.
فقد استلمنا أكثر من 1300 مشاركة من 110 بلدان، ونعلن اليوم قائمة قصيرة تضم 45 فيلماً قصيراً متميزاً عن مواضيع صحية حيوية.
كما نعلن عن إنشاء هيئة تحكيم مرموقة لاختيار المشاركات الفائزة من القائمة القصيرة، حيث نعتزم الإعلان عن الفائزين في أيار/مايو المقبل.
وسنعرض جميع الأفلام التي أدرجت على القائمة القصيرة خلال الأسابيع القادمة على موقعنا الإلكتروني وعبر قنوات التواصل الاجتماعي.
فخلال هذه الأوقات العصيبة، تشكل الأفلام ووسائل الإعلام أداة قوية ليس لإيصال الرسائل الصحية الهامة فحسب، وإنما أيضا لتقديم دواء ناجع لكل داء، هو الأمل.
شكرا لكم”.
من الوهلة الأولى يبدو الخطاب الذي أدلى به أكبر وأهم شخصية بمنظمة الصحة العالمية، واقعيا ومتصالحا مع الذات، إذ أنه تم الاعتراف أمام جميع دول العالم، بالعجز التام عن معرفة مصدر الوباء وخطورته وطرق الشفاء منه، إلا أن ما سوف يأتي لاحقا من توصيات هذه المنظمة، من باب أن دستورها المنشئ ونظامها الأساسي، يمنحها القوة الإلزامية والمصداقية في سبيل تدبير الشق الصحي لكافة دول المعمور (الدول الأعضاء وغير الأعضاء)، سواء كان ذلك في الظروف العادية، أو في الظروف الاستثنائية، كظروف تفشي وباء “كوفيد-19، موضوع مقالنا.
أنه وبناء على الوقائع التي سوف نستشهد بها، لمحاولة إثبات مسؤولية منظمة الصحة العالمية جراء قيامها بأعمال غير مشروعة تجاه دول العالم، في معرض اقتراح التدابير الوقائية للحد من تفشي الفيروس أو اقتراح العلاجات الممكنة لإيقاف نزيف الوفيات، وكذا اقتراح سبل تقوية مناعة المصابين جراء انتقال العدوى لأسباب مختلفة، وهو ما قد نعتبره محاولة – متواضعة- ومن باب الاجتهاد في إعطاء ما يشبه استشارة قانونية، بخصوص هذه الأعمال، والمسؤولية/المسؤوليات الناتجة عنها، مستعينين في ذلك بتطبيق ما سبق وأن أشرنا إليه من نصوص قانونية واتفاقية وأراء فقهية (مقتضيات دستور المنظمة ونظامها الأساسي وبنود اتفاقياتها الثنائية مع مركز الجنوب، ومواد مشروع لجنة القانون الدولي المتعلق بالأفعال غير المشروعة للمنظمات الدولية).
في معرض حديث الجريدة “عربي بوست” في شكلها الرقمي، من خلال مقالها المعنون بـ: “سبعة أخطاء فاضحة لمنظمة الصحة العالمية أدت لانتشار كورونا، وهذا ما يجب عليها عمله لإنقاذ العالم”، وهو المقال الصحفي الذي سوف نتخذه كنموذج تطبيقي لما سبق وأن ناقشناه في المبحث الأول من هذا الموضوع[53].
نقول، أشار المقال إلى أن غضبا عالميا من أخطاء منظمة الصحة العالمية في أزمة كورونا، يتزايد يوماً بعد يوم، وهو ما بدا واضحاً من تهديد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بتعليق مساهمة بلاده في ميزانية المنظمة[54]،
وقد تزامن هجوم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، على منظمة الصحة العالمية، مع انتقادها من طرف العديد من البلدان والمنظمات غير الحكومية أيضاً شنت حملة ضدها، بما في ذلك الهند وتايــوان (بالرغم من أن هذه الدولة ليست عضواً في منظمة الصحة العالمية).
وجاء الهجوم الأكثر شراسة من اليابان، الدولة التي تعد واحدة من أكبر المساهمين في مالية المنظمة، مقارنة بباقي أعضاء منظمة الصحة العالمية.، إذ اتهم نائب رئيس الوزراء الياباني “تارو أسو”، منظمة الصحة العالمية بمجاملة الصين، ما أدى إلى تفشي وباء “كوفيد-19″، وقال متهكماً إنه “يجب إعادة تسمية منظمة الصحة العالمية، لتصبح “منظمة الصحة الصينية”، وذلك أثناء مخاطبته لمجلس النواب في طوكيو، داعيا إلى استقالة “تيدروس أدهانوم غيبريسوس”، مدير المنظمة، بسبب سوء التعامل مع الوباء[55].
من خلال تحليلنا لهذا المقال، سوف نجد مجموعة من المعطيات، لو أنها استندت في مسالة التصريح بها على مقتضيات قانونية واتفاقية تخص مسؤولية منظمة الصحة العالمية على أعمالها غير المشروعة، لوجدنا تصريحات رئيسي أكبر دولتين في العالم، هي تصريحات أكثر منطقية وأكثر واقعية، بعيدا عن المزايدات والملاسنات المجردة عن أي محتوى قانوني التي أدليا بهاز
إذ أنه لو ثبتت فعلا صحة الاتهامات الموجهة إلى منظمة الصحة العالمية بخصوص تواطئها مع الصين، وتسترها عن ظهور وباء “كوفيد-19” وإحجامها عن التحذير من خطورته قبل تفشيه، باعتبارها وكالة دولية متخصصة في مجال الصحة تمتلك إمكانية القيام بالإجراءات الاستباقية، كما تملك وكالات إقليمية تابعة لها بما فيها دولة الصين نفسها، زيادة على أنها منظمة لها القدرة المادية والمعنوية للتعاقد مع أفضل الخبراء والعلماء الأكاديميين المشهود لهم بالكفاءة وتراكم لهم التجارب العلمية في مجال علم الفيروسات، التي تعد من نفس عائلة فيروس الكورونا[56].
فإننا تبعا لذلك، سوف نكون أمام مسؤولية منظمة دولية، ناتجة عن قيامها بأعمال غير مشروع، مع عدم إغفال الحديث عن مسؤولية تتقاسمها وكالة دولية متخصصة مع دولة ذات سيادة، وهو ما يطلق عليه في القانون الدولي بـ “حالة إسناد المسؤولية”[57].
وأن هذا ما سوف يجعلنا نتحدث عن نقطة هامة بشأن تواطؤ منظمة الصحة العالمية مع الصين، بخصوص الزعم بالتستر عن حقيقة وباء “كوفيد-19″، وهو ما يترجم في ممارسة الصين للتوجيه والسيطرة على منظمة الصحة العالمية ودفعها للقيام بعمل غير مشروع، وذلك اعتبارا لنطاق هذا العمل، والآثار المترتبة عنه، المبرر لاقتراح طريقة (إجراءات) تسمح للدولة/الدول المضرورة، بالمطالبة بالتعويض عن جبر الضرر الناتج عن العمل غير المشروع :
- نطاق المسؤولية عن العمل غير المشروع المؤسس على تواطؤ منظمة الصحة العالمية مع الصين:
يمكن اعتبار ممارسة الصين كدولة قوية للتوجيه والسيطرة على قرارات منظمة الصحة العالمية، لدفعها القيام بعمل غير مشروع (التستر عن وجود مرض معد خطير وسرعة تفشيه والتسبب في الوفيات)[58]، وهو العمل الذي أضر ضررا بليغا بمصالح مادية ومعنوية لدول أعضاء (اليابان والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال)، والذي يجد مناط عدم مشروعيته في ما تم ذكره بالباب الخامس المتعلق بمسؤولية الدولة فيما يتصل بتصرف صادر عن منظمة دولية، خاصة المادة 58 من مسؤولية المنظمات الدولية المضمن بمشروع لجنة القانون الدولي “مسؤولية المنظمات الدولية عن أعمالها غير المشروعة”[59] التي تشير إلى أنه:
تقديم دولة للعون أو المساعدة إلى منظمة دولية في ارتكاب فعل غير مشروع دولياً:
1 -تكون الدولة التي تعين أو تساعد منظمة دولية على ارتكـاب فعـل غـير مـشروع دولياً من جانب هذه الأخيرة مسؤولة عن ذلك دولياً إذا:
(أ) فعلت الدولة ذلك وهي تعلم بالظروف المحيطة بالفعل غير المشروع دولياً؛
(ب) وكان هذا الفعل سيشكل فعلاً غير مشروع دولياً لو ارتكبته تلك الدولة.
2 -الفعل الذي تقوم به الدولة العضو في منظمة دولية وفقاً لقواعد المنظمة لا ينـشئ في حد ذاته المسؤولية الدولية لتلك الدولة بموجب هذه المادة.
بيد أنه وبعد الأخذ بعين الاعتبار ونحن نطلع على مقتضيات الفقرتين 1 و 2 من المادة 58 أعلاه، فإن ذلك سوف يجعلنا ننتبه إلى كون ممارسة الصين كدولة ذات سيادة وعضو بالمنظمة، للتوجيه والسيطرة على منظمة الصحة العالمية لارتكاب هذه الأخيرة للعمل غير المشروع، يرتبط بطبيعة هذه المنظمة كوكالة دولية متخصصة، كما يرتبط بمهامها وصلاحياتها وقواعدها الداخلية، من خلال الدستور المنشئ والنظام الأساسي وبعض اتفاقياتها الثنائية مع الدول والمنظمات الدولية وعلاقتها بمجموعة الدراسات والمجموعات العلمية والمؤسسات المتعاونة[60]، التي توجهها في اتخاذ القرارات الحاسمة، وهو ما يعد بمثابة معايير ذات بعد نظر، في توضيح توزيع المسؤولية الدولية عن ارتكاب هذا العمل، بين الدولة العضو (الصين) والوكالة الدولية المتخصصة (منظمة الصحة العالمية).
- الآثار المترتبة عن العمل غير المشروع، المؤسس على تواطؤ منظمة الصحة العالمية مع الصين:
بغض النظر عن الخلاف الدائر بين فقهاء القانون الدولي بخصوص أسس المسؤولية الدولية ونطاقها، وهو نفسه الخلاف الذي ينصرف إلى تحديد ماهية الآثار المترتبة عن مسؤولية المنظمة الدولية عن أعمالها غير المشروع، بناء على توجيه وسيطرة دولة معينة، إذ ذهب جانب من الفقه إلى المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالغير (الدولة المضرورة من العمل غير المشروع) بسب انتهاك قاعدة آمرة مضمنة بدستور إنشاء المنظمة، أو انتهاك لمبدأ عام تحميه مقتضيات القانون أو العرف الدوليين، ليذهب الجانب الأخر من الفقه إلى المطالبة بوجوب إصلاح (جبر) الضرر، معتبرة أن جبر الضرر أوسع من التعويض عنه.[61]
وبناء على نظرية النتائج القانونية للمسؤولية الدولية ومسؤولية المنظمات الدولية على السواء، فإننا سوف نقف عند تكاتف نوعين من الآثار القانونية الناتجة عن مسؤولية الوكالة الدولية المتخصصة (منظمة الصحة العالمية) ومعها دولة الصين، وهي الآثار القانونية المباشرة وغير المباشرة:
إن الآثار التي تترتب بمجرد قيام المنظمة الدولية بالعمل غير المشروع المنتج للضرر المحتج به من طرف الدولة/الدول أو المنظمة/المنظمات المضرورة، هو الأمر الذي على أساسه الذي يتم تطبيق مقتضيات منطوق المواد من 28 إلى 40، من مشروع مسؤولية المنظمات الدولية، والتي تستدعي القيام بعدة أمور، حسب كل مادة على حدا.
فالمادة 28 من المشروع، تتحدث عن النتائج القانونية المبينة بالباب الثالث المتعلق بمضمون المسؤولية الدولية للمنظمة الدولية، حينما أشارت إلى:
النتائج القانونية للفعل غير المشروع دولياً
تنطوي المسؤولية الدولية للمنظمة الدولية التي تترتب على فعـل غـير مـشروع دو ليـاً طبقـاً لأحكام الباب الثاني على النتائج القانونية المبينة في هذا الباب
في حين نصت مقتضيات المادتين 29 و 30 من نفس الباب، على:
استمرار واجب الوفاء
لا تمس النتائج القانونيـة لفعـل غـير مـشروع دوليـاً بموجـب هـذا البـاب باسـتمرار واجـب المنظمة الدولية المسؤولة الوفاءَ بالالتزام الذي انتُهك.
الكف وعدم التكرار
على المنظمة الدولية المسؤولة عن الفعل غير المشروع دولياً التزام بأن:
(أ) تكف عن الفعل، إذا كان مستمراً؛
(ب) تقدم التأكيدات والضمانات الملائمة بعدم التكرار، إذا اقتضت الظروف ذلك.
في حين نجد المادة 31 من نفس الباب تتحدث عن جبر الضرر[62]، حيث أشارت على أن:
الجبر
1 -على المنظمة الدولية المسؤولة التزام بالجبر الكامل للضرر النـاجم عـن الفعـل غـير المشروع ً دوليا
2 -يــشمل الــضرر أي خــسارة، ماديــة كانــت أو معنويــة، تــنجم عــن الفعــل غــير المشروع دولياً الذي ترتكبه المنظمة الدولية.
إذ انه بناء على المواد 28 و29 و30 و31 من المشروع، فإنه يتعين على منظمة الصحة العالمية متابعة جميع مهامها المنصوص عليها بدستور إنشائها خاصة المادة 2 منه، مع الالتزام بعدم تكرار (الكف) العمل غير المشروع، وفي حالة مطالبة الدولة/الدول المضرورة بتعويضات عن جبر الضرر، فإن منظمة الصحة العالمية ملزمة باحترام مقتضيات المادتين التاليتين من المشروع:
المادة 32:
مدى انطباق قواعد المنظمة
1 -لا يجـوز للمنظمـة الدوليـة المـسؤولة أن تـستند إلى قواعـدها لتبريـر عـدم الامتثـال لالتزاماتها القائمة بموجب هذا الباب.
2 -لا تخـلّ الفقـرة بانطبـاق قواعـد المنظمـة الدوليـة علـى العلاقـات بـين المنظمـة والدول والمنظمات الأعضاء فيها.
المادة 33
نطاق الالتزامات الدولية المبينة في هذا الباب
1 -تكون الالتزامات التي تقع علـى المنظمـة الدوليـة المـسؤولة والمبينـة في هـذا البـاب واجبة تجاه دولة أو أكثر، أو منظمة أخرى أو أكثر، أو اجتماع الدولي ككل، تبعـاً، بوجـه خـاص، لطبيعة الالتزام الدولي ومضمونه وللظروف التي وقع فيها الانتهاك.
2 -لا يخل هذا الباب بـأي حـق، ينـشأ نتيجـة للمـسؤولية الدوليـة للمنظمـة الدوليـة، وقد يترتب مباشرة لأي شخص أو كيان آخر من غير الدول أو المنظمات الدولية.
و بالتالي سوف تكون مسألة جبر الضرر مؤسسة على المقتضيات المضمنة بنفس المشروع، والتي تتعلق بما يلي:
الفصل الثاني
جبر الضرر
المادة 34:
أشكال الجبر يكــون الجــبر الكامــل للــضرر النــاجم عــن الفعــل غــير المــشروع دوليــاً عــن طريــق الــرد والتعويض والترضية، سواء بأحدها أو بالجمع بينها، وفقاً لأحكام هذا الفصل.
المادة 35:
الرد على المنظمة الدولية المسؤولة عن فعل غير مشروع دولياً التزام بالرد، أي إعادة الحالـة إلى مـا كانت عليه قبل ارتكاب الفعل غير المشروع دولياً، بشرط أن يكون هذا الرد وبقدر ما يكون:
(أ) غير مستحيل مادياً؛
(ب) غير مؤدٍ لعبء لا يتناسب إطلاقاً مع المنفعة المتأتية من الرد بدلاً من التعويض.
المادة 36:
التعويض
1 -على المنظمة الدوليـة المـسؤولة عـن فعـل غـير مـشروع دوليـاً التـزام بـالتعويض عـن الضرر الناتج عن هذا الفعل، بالقدر الذي لا يمكن فيه إصلاح هذا الضرر عن طريق الرد.
2 -يغطـي التعـويض أي ضـرر يكـون قـابلاً للتقيـيم مـن الناحيـة الماليـة، بمـا في ذلـك الكسب الفائت وبالقدر الذي يمكن به إثبات هذا الكسب الفائت.
المادة 37:
الترضية
1 -على المنظمة الدولية المسؤولة عن فعل غير مشروع دولياً التزام بتقديم ترضية عن الضرر الذي ترتب على هذا الفعل بالقدر الذي لا يمكن فيه إصـلاح هـذا الـضرر عـن طريـق الـرد أو التعويض.
2 -يجــوز أن تتخــذ الترضــية شــكل الإقــرار بالانتــهاك، أو التعــبير عــن الأســف، أو الاعتذار الرسمي، أو أي شكل آخر مناسب.
3 -يجب ألا تكون الترضية غير متناسبة مع الضرر، ولا يجوز أن تتخـذ شـكلاً مـذلاً للمنظمة الدولية المسؤولة.
المادة 38:
الفائدة
1 -تدفع عند الاقتضاء فائدة على أي مبلغ أصلي واجب الدفع بمقتضى هذا الفـصل من أجل ضمان الجبر الكامل. ويحدد سعر الفائدة وطريقة الحساب على نحو يحقق تلك النتيجة.
2 -يبدأ سـريان الفائـدة مـن التـاريخ الـذي كـان يجـب فيـه دفـع المبلـغ الأصـلي حـتى تاريخ الوفاء بالتزام الدفع.
المادة 39:
المساهمة في الضرر
تراعى، عنـد تحديـد الجـبر، المـساهمة في الـضرر بالفعـل أو التقـصير، عـن عمـد أو إهمـال، مـن جانب الدولة المضرورة أو المنظمة الدولية المضرورة أو أي شخص أو كيان يلتمس له الجبر. A/66/10 11-52772 76
المادة 40:
ضمان الوفاء بالالتزام بالجبر
1 -تتخذ المنظمـة الدوليـة المـسؤولة جميـع التـدابير المناسـبة وفقـاً لقواعـدها لـضمان قيـام أعضائها بتزويدها بالوسائل التي تمكّنها من الوفاء بالتزاماهتا بموجب هذا الفصل على نحو فعّال
2 -يتخـذ أعـضاء المنظمـة الدوليـة المـسؤولة جميـع التـدابير المناسـبة الـتي قـد تقتـضيها قواعد المنظمة من أجل تمكين المنظمة من الوفاء بالتزاماتها بموجب هذا الفصل.
وتبقى مسالة من هي الجهة التي عليها دفع التعويض عن جبر الضرر الناتج عن العمل غير المشروع الذي قامت به منظمة الصحة العالمية بتواطؤ من الصين (إن ثبت التواطؤ)، هي مسالة معرفة حدود المسؤولية من جهة، والأطراف المتورطة فيها، والقدرة المالية لكلا الطرفين، كون منظمة الصحة العالمية لن تكون عامرة الذمة بالحجم الذي تكون عليه دولة رائدة اقتصاديا كالصين.
- طريقة (إجراءات تحريك الدعوى) المطالبة بالتعويض عن جبر الضرر الناتج عن العمل غير المشروع:
بعد مناقشة نطاق المسؤولية عن العمل غير المشروع الذي قامت به منظمة الصحة العالمية نتيجة تواطئها مع الصين والآثار (المباشرة وغير المباشرة) لهذا العمل، سوف يلزمنا مناقشة طريقة (إجراءات تحريك الدعوى) المطالبة بالتعويض عن جبر الضرر الناتج عن العمل غير المشروع الذي قامت به منظمة الصحة العالمية.
انه وبعد التأكد من موانع رفع الدعوى في مواجهة منظمة الصحة العالمية ودولة الصين، هذه الموانع التي تتمثل في عدم ثبوت ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان في ما من شأنه اعتباره سبقية علم بوجود هذا الوباء، أو يثبت انتفاء مساهمتها في صنع هذا الفيروس، أو ما قد ينصرف إلى صدور موافقة من جانبهما، عن هذا التواطؤ، أو يسجل تهربها من تحمل جانب من المسؤولية لأسباب معينة[63].
أو بعد التأكد من عدم وجود شروط معفية من رفع الدعوى كالقوة القاهرة وحالة الشدة وحالة الضرورة، فإن أي ظروف وملابسات غير هذه المذكورة كموانع أو شروط إعفاء، فإن غيرها من المعطيات لا تحول دون رفع الدعوى.[64]
إن الجدير بالذكر، ونحن في معرض اقتراح طريقة لرفع دعوى المطالبة بالتعويض عن جبر الضرر في مواجهة منظمة الصحة العالمية ودولة الصين، أنه لا يجوز رفع الدعوى بالموازاة مع اتخاذ تدابير مضادة خلافا لمقتضيات المادة 51 من مشروع مسؤولية المنظمات الدولية عن الأعمال غير المشروعة، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت وبشكل إنفرادي إيقاف المساهمات المالية التي تقدمها للمنظمة، وذلك دون إشارتها إلى أن ما قامت به، هو بمثابة حمل منظمة الصحة العالمية على الامتثال لالتزاماتها المضمنة بدستور إنشائها، وهو ما يعد خرقا لسابق مصادقة الولايات المتحدة الأمريكية عن جميع مقتضيات دستور إنشاء المنظمة وما ضمن بمشروع مسؤولية المنظمات الدولية عن أعمالها غير المشروعة عملا بمقتضيات المادة 78 من دستور المنظمة[65]، والأكثر من هذا وذاك خرق الولايات المتحدة الأمريكية لبنود الاتفاقية المبرمة بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة الصحة للبلدان الأمريكية (المادة 10 من الاتفاقية)[66].
والجدير بالذكر، فإن تصرف الولايات المتحدة الأمريكية هذا، يناقض ما جاءت به نظرية الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية)، التي تأخذ بها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، إذ أن “رونالد ميتشل” أحد فقهاء هذه المدرسة، تحدث عن حاجة الدول للشفافية العالية والتكاليف المخفضة للتطبيق، والإيمان بخطر العقوبات، والتركيز على منع الانتهاكات بطريقة فاعلةن بدلا من مجرد ردعها، كما تحدثت “مارتا فينمور” عن استقلالية المنظمات الدولية (المؤسسات الدولية) في انجاز المهام الموكولة إليها بحرفية و نجاعة، لإنجاح عملية إيمان الدول بجدوى هذه المؤسسات، وبالتالي تفادي انتقادها وتعريضها للمساءلة والمحاكمة.[67]
استنادا إلى ما سبق ذكره، فإن الحق في التقاضي هو حق كوني مشروع، مما لا يجدر معه – بأي حال من الأحوال- حمل فرد أو دولة إلا في حدود معينة (المونع والشروط المعفية) على عدم ممارسة هذا الحق، خاصة وأنه حق ممنوح للمنظمات الدولية حسب ما ضمن باتفاقيات ودساتير وصكوك إنشائها، مع أنها مجرد كيانات من صنع الدول التي تنص دساتيرها وقوانينها التنظيمية والإجرائية، على ممارسة حق التقاضي (وطنيا ودوليا).
إن أول إجراء من إجراءات رفع الدعوى في مواجهة أي منظمة دولية على العموم، وفي مواجهة منظمة الصحة العالمية على الخصوص، هو مباشرة مسطرة الاحتجاج (سبل الانتصاف) المنصوص عليها بالمادتين 64 و 65 من مشروع مسؤولية المنظمات الدولية عن الأعمال غير المشروعة[68]، اللتين أشارتا إلى أنه:
المادة 64
قاعدة التخصص
لا تـسري هـذه المـواد إذا كانـت الـشروط المتعلقـة بوجـود فعـل غـير مـشروع دوليـاً، أو بمضمون أو إعمال المسؤولية الدولية للمنظمة الدولية أو الدولة فيما يتعلق بتصرف منظمـة دوليـة، خاضعة لقواعد خاصة من قواعد القـانون الـدولي وفي حـدود خـضوعها لتلـك القواعـد.
وقـد تـرد قواعد القانون الدولي الخاصـة هـذه في قواعـد المنظمـة المطبقـة علـى العلاقـات بـين المنظمـة الدوليـة وأعضائها.
المادة 65
مسائل المسؤولية الدولية التي لا تنظمها هذه المواد
تظل قواعد القانون الدولي الواجبة التطبيق سارية علـى المـسائل المتعلقـة بمـسؤولية المنظمـة الدولية أو الدولة عن الفعل غير المشروع دولياً في الحالات التي لا تنظمها هذه المواد.
وأنه بالإطلاع على الفقرة الثانية من المادة 64 من المشروع، التي أشارت إلى أنه: ” وقـد تـرد قواعد القانون الدولي الخاصـة هـذه في قواعـد المنظمـة المطبقـة علـى العلاقـات بـين المنظمـة الدوليـة وأعضائها”، إذ أن تفعيل هذه العبارة في الدعــــــــــــوى – المفترضة – التي كان على الولايات المتحدة الأمريكية رفعها ضد منظمة الصحة العالمية، سوف يجعلنا نحتج بمقتضيات المادة 75 من دستور إنشاء هذه المنظمة، كون هذه المادة هي القاعدة التي تطبق على العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية كعضو، وهو ما سوف يجعل الدولة الأمريكية تمتثل لهذه المقتضيات بحذافيرها، تفعيلا للقوة الملزمة لدستور إنشاء المنظمة منذ المصادقة على بنودها، وهي – حسب- منطوق المادة 75 من دستور المنظمة[69]:
أي مســـألة أو نـــزاع بشـــأن تفســـير هـــذا الدســـتور، أو تطبيقـــه لا تـــتم تســـويته بالمفاوضة أو بوساطة[70] جمعية الصحة[71]، يحال إلى محكمة العـدل الدوليـة[72]، طبقـا لنظام المحكمة الأساسي، ما لم تتفق الأطراف المعنية على طريقة أخرى للتسوية.
مع مراعاة سابق التزام منظمة الصحة العالمية من خلال بنود اتفاقيتها مع منظمة الأمم المتحدة من خلال ديباجة الاتفاقية والمادة 10 من نفس الاتفاقية، اللتان أشارتا على أنه:
تنص المادة 57 من ميثاق الأمم المتحدة علـى أن تقـام علاقـة بـين الوكـالات المتخصصــة التــي تنشــأ بالاتفــاق بــين الحكومــات والتــي تضــطلع بمقتضــى مواثيقهــا الأساســية بمســؤوليات دوليــة واســعة فــي الميــادين الاقتصــادية والاجتماعيــة والثقافيــة والتربوية والصحية والميادين المتصلة بها وبين الأمم المتحدة.
وتـنص المـادة 69 مـن دسـتور منظمـة الصـحة العالميـة علـى أن تقـام علاقـة بـين المنظمـة والأمـم المتحـدة بوصـف المنظمـة إحـدى الوكـالات المتخصصـة المشـار إليها في المادة 57 من الميثاق. وبناء ً عليه، اتفقت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية على ما يلي:
المادة العاشرة
– العلاقات مع محكمة العدل الدولية
1 -توافــق منظمــة الصــحة العالميــة علــى أن تقــدم أيــة معلومــات قــد تطلبها محكمة العدل الدولية بمقتضى المادة 34 من النظام الأساسي للمحكمة[73].
2 -تــرخص الجمعيــة العامــة لمنظمــة الصــحة العالميــة بــأن تطلــب مــن محكمة العدل الدولية فتاوى في المسائل القانونيـة التـي تظهـر فـي نطـاق اختصاصـها عدا المسائل التي تتعلق بالعلاقات المتبادلة بـين المنظمـة والأمـم المتحـدة أو وكـالات متخصصة أخرى.
3 -يجـوز تقـديم مثـل هـذه الطلبـات إلـى المحكمـة مـن جمعيـة الصـحة أو من المجلس التنفيذي بناء ً على ترخيص من جمعية الصحة
4 -حين تطلب منظمة الصـحة العالميـة فتـوى مـن محكمـة العـدل الدوليـة تبلغ بذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
مع التذكير بمقتضيات المادتين 76 و 77 من دستور المنظمة، سواء استفتاء المنظمة لمحكمة العدل الدولية عملا بمقتضيات الفقرتين 2و 3 من المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، بخصوص الطرف الذي له حق تمثيل المنظمة أمام محكمة العدل الدولية في حالة طلب أ فتوى، وهو ما تشير إليه المادتين:
المادة 76
للمنظمـة أن تسـتفتي محكمـة العـدل الدوليــة فـي أيـة مسـألة قانونيـة تنشـأ فــي نطــاق اختصــاص المنظمــة، وذلــك بتــرخيص مــن الجمعيــة العامــة للأمــم المتحــدة أو بترخيص يستند إلى أي اتفاق بين المنظمة والأمم المتحدة.
المادة 77
للمــدير العــام أن ينــوب عــن المنظمــة فــي المثــول أمــام المحكمــة بشــأن أيــة إجــراءات تترتــب علــى طلــب إصــدار فتــوى. ويتخــذ المــدير العــام الترتيبــات اللازمــة لعرض القضية علـى المحكمـة، بمـا فـي ذلـك الترتيبـات الخاصـة بعـرض الحجـج التـي تستند إليها مختلف الآراء المتعلقة بالموضوع.
خاتمة:
حيث إن المستشف من خلال الموضوع الذي اقترحناه للدرس والمناقشة، من خلال تطرقنا لمجموعة من المقتضيات القانونية/الاتفاقية والفقهية، التي ناقشنا على ضوئها المسائل المتعلقة بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية (منظمة الصحة العالمية نموذجا)، وهي الشخصية القانونية التي تمنح الطرف المضرور إمكانية مساءلة منظمة معينة، عن الأعمال غير المشروعة التي يمكن أن تقوم بها بناء على نظريتي الخطأ والمخاطر.
كما أن الموضوع المقترح كان مناسبة، لإقران مسألة نجاح رفع أي دعوى، وجوبا وعدما (سواء من طرف الولايات المتحدة الأمريكية واليابان اللذين اتخذناهما نموذجا للدراسة أو من طرف أي دولة عضو أو غير عضو ثبت تضررها بشكل مباشر أو غير مباشر)، يرتبط بمسألة الإلمام التام بالمقتضيات العامة والخاصة التي تمس قانون المنظمات الدولية (اتفاقيات ودساتير وصكوك إنشاء المنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة)، وكذا المبادئ العامة للقانون الدولي والمعاهدات الدولية.
لنخلص إلى أن الدول التي صاغت دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية (الأصلي والمعدل)، جعلته أولا: يتخذ صيغة الإذعان (خاصة في مواجهة الدول التي انضمت فيما بعد للدستور إنشاء المنظمة لما بعد سنة 1948)، ثم قامت ثانيا: بمنح المنظمات الدولية الحصانة[74]، ثم تضمينها ثالثا: عدة مواد جعلت هذه المنظمة تتفادى المحاكمة المباشرة أمام هيئة قضائية وطنية أو دولية، إلا بعد الإذعان لمبدأ التدرج في إجراءات مساءلة المنظمة عن الأعمال غير المشروعة التي قد تقوم بها بمناسبة تنفيذ مهامها.
إنها إجراءات – إن صح التعبير – تحاول ضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من جهة، تجعل طرفي الدعوى يجنحان للطرق السلمية في حل المنازعات (التفاوض والوساطة) التقنيتين اللتين تعرفان عدم التوازن بين الأطراف المتفاوضة أو قيمة الوسطاء المقترحين للمساعي الحميدة، تبعا لمراكز قوى الأطراف المتنازعة والمتدخلة لفض النزاع وديا، كما تجعل بعض الأطراف المتنازعة (مقتضيات المادة 8 من اتفاقية مركز الجنوب)، وبشكل إلزامي ومؤسسي تخضع لإجراءات وشروط الطرق البديلة لحل النزاع المتمثل في مسطرة التحكيم، الذي يعهد بها إلى لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال)، وهي في الأصل هيئة مماثلة لمنظمة الصحة العالمية، تابعة لمنظمة الأمم المتحدة .
وأنه عدم التوصل لأي اتفاق بالطرق السلمية والبديلة، يتم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، التي تعد محكمة غير عليا، كما أنها جهة تعطي الآراء الاستشارية غير الملزمة، زيادة على أنها مجرد هيئة دولية شقيقة لجميع المنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة، التي تعود بمقتضى المادة 57 من ميثاق الأمم المتحدة، على رحم نفس الأم (المنظمة الأمم المتحدة ).
كما أنه من جهة أخرى، تشكل جميع هذه الإجراءات، نوع من كسب الجهد والوقت في إصدار المقرر التحكيمي أو الفتوى الاستشارية التي تواجه بمعضلة التنفيذ، وهو ما قد يؤدي إلى جعل الطرف المضرور يأخذ الوقت الكافي للتفكير في الإقدام أو عدم الإقدام على مساءلة منظمة الصحة العالمية عن الأعمال غير المشروعة التي تقوم بها، أو الاكتفاء – فقط – برد فعل سياسي سلبي، غير مرتكز على أساس قانوني سليم (الاحتجاج أو الامتناع عن المساهمة في ميزانية المنظمة)، وهو رد الفعل الذي تختلف قوته بناء على مركز كل دولة على حدا، بناء على قوتها الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية، وكذا بناء على حجم وأهمية مساهماتها في مالية صندوق المنظمة.
[1] يرمز لمنظمة الصحة العالمية باللغة الفرنسية بـ: OMS، وباللغة الانجليزية بـ: WHO.
[2] يجدر تسجيل التحفظ، مراعاة لمضمنات التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية: https://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/331671/WHO-COVID-19-lPC_DBMgmt-2020.1-spa.pdf
[3] يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الإخبارية الأخرى مقطعًا لتقرير من قناة OTV اللبنانية، إضافة إلى بعض المنشورات المكتوبة الأخرى، مفادها أن أطباء إيطاليا بعد إجرائهم لتشريح جثث ضحايا كورونا كشفوا أنه لا وجود للفيروس، بل هي مجرّد تجلطات دموية تسببها بكتيريا، وأنّ علاجها بسيط لا يحتاج إلى أجهزة تنفس ولا إلى وحدات عناية مركزة، مما يستنتج منه أن منظمة الصحة العالمية قد عرّضت العالم للخداع والإذلال.
[4] فاتن فايز الصفتي وفردوس محمد: الشخصية القانونية الدولية لمنظمة الأمن والتعاون الأوربي OSCE، المركز العربي للدراسات والبحوث.
[5] يطلق عليها كذلك الهيئات الدولية، وهو ما نجده بالفقرة 2 من المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وما شرحه الفقيه علي صادق أبوهيف بمؤلفه: القانون الدولي العام، منشأة المعارف بالأسكندرية، الصفحة 270 وما يليها.
[6] عبد الكريم عوض خليفة: قانون المنظمات الدولية، دار الجامعة الجديدة، الطبعة الأولى لسنة 2013، صفحة الاستهلال.
[7] Serge SUR : Relations internationales, Domat politique, Montchrestien, 3éme édition, les pages 18,19 et 20.
[8] عبد السلام صالح عرفة: المنظمات الدولية و الإقليمية، الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع و الإعلان، الطبعة الأولى لسنة 1993، الصفحة الصفحة 27 وما يليها.
[9] عبد السلام صالح عرفة، نفس المرجع السابق، الصفحة 31 و ما يليها.
[10] وسام نعمت إبراهيم السعدي: الوكالات الدولية المتخصصة: دراسة معمقة في إطار التنظيم الدولي المعاصر، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى 2013، الصفحة 16 وما يليها.
[11] وسام نعمت إبراهيم السعدي: الوكالات الدولية المتخصصة: دراسة معمقة في إطار التنظيم الدولي العالمي المعاصر، دار الفكر الجامعي، طبعة 2014، الصفحة 13 وما يليها، وللمزيد من التوسع المرجو الإطلاع على مؤلف علي صادق أبو هيف: الصفحة 265 وما يليها.
[12] عماد خليل إبراهيم: مسؤولية المنظمات الدولية عن أعمالها غير المشروعة، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى لسنة 2013، الصفحة 24 وما يليها.
[13] مستقى من تعريف ميثاق الأمم المتحدة للمهام التي تناط بالمنظمات الدولية داخل المجتمع الدولي.
[14] محمد أوبالاك: رسالة لنيل شهادة الماستر المتخصص في الاستشارة القانونية خلال الموسم الجامعي 2015/2014 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، حول موضوع “الدور الاستشاري لصندوق النقد الدولي”، والذي تبنى من خلالها رأي فقيه القانون الدولـــــــــــي ” دومنيك كارو “Dominique CARREAU، بخصوص مسالة تنازع الاستقلالية بين منظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي بخصوص قضية دولة جنوب إفريقيا.
[15] فاتن فايز الصفتي وفردوس محمد: نفس المرجع السابق.
[16] الدكتور علي صادق أبو هيف: القانون الدولي العام، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1971.
[17] محمد أوبالاك: الوكالات الدولية المتخصصة والحق في التقاضي، الموقع الالكتروني للحوار المتمدن، العدد 5613.
[18] لا يخلو أي بحث أو مقال قانوني تطرق للشخصية القانونية للمنظمات الدولية من ذكر هذه الفتوى كاستشهاد حي عن منح المنظمات الدولية الشخصية القانونية.
[19] ومع ذلك، فإنه لا يمكن تغافل مقتضيات المادة 57 من ميثاق الأمم المتحدة، بخصوص ما تشير غليه من الارتباط الواقعي والقانوني لمجموعة من المنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة بمنظمة الأمم المتحدة التي تعد المنظمة الأم لأغلب هذه الكيانات الدولية.
[20] الدكتورة نادية الهواس: المنظمات الدولية: أية فعالية في واقع دولي متقلب؟، مؤسسة آفاق، الطبعة الأولى لسنة 2019، الصفحة 47 وما يليها.
[21] حولية لجنة القانون الدولي، 1963، المجلد الثاني، الوثيقة 161/4.CN/A و 1.Add ،الفقرة 172 ،ص 184.
[22] التقرير الأول عن مسؤولية المنظمات الدولية: لجنة القانون الدولي، الدورة الخامسة والخمسون ، جنيف خلال فترات تبتدئ من 05 ماي وتنتهي في 08 غشت من سنة 2003 تحت رقم المرجع: A/CN.4/532.
[23] أشار دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية في المادة 75 منه، إلى أن تفسير أي اتفاقية خاصة بتنفيذ مهامها، يعهد بها للتفاوض ثم الوساطة، قبل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ليكرر نفس المقتضى في اتفاقيته مع دول الجنوب حينما نص على التفاوض والوساطة ثم التحكيم.
[24] اعتمدت من قبل المؤتمر الأمم المتحدة بشأن قانون المعاهدات الذي عقد بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2166 المؤرخ في 5 كانون الأول/ديسمبر 1966، ورقم 2287 المؤرخ في 6 كانون الأول/ديسمبر 1967، وقد عقد المؤتمر في دورتين في فيينا خلال الفترة من 26 آذار/مارس إلى 24 آيار/مايو 1968 وخلال الفترة من 9 نيسان/ابريل إلى 22 آيار/مايو 1969، واعتمدت الاتفاقية في ختام أعماله في 22 أيار/مايو 1969، وعرضت للتوقيع في 23 أيار/مايو 1969، ودخلت حيز النفاذ في 27 كانون الثاني/يناير 1980، وقد كان من المشاركين به منظمة الصحة العالمية بشأن قانون المعاهدات المبرمة بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية. بشأن القانون (2000): https://apps.who.int/iris/handle/10665/83649
[25] هو دليل معد من طرف اللجنة السادسة للقانون الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة: https://treaties.un.org/doc/source/publications/THB/Arabic.pdf
[26] محمد أوبالاك: نفس المرجع السابق.
[27] تطبق في حقهم مقتضيات معاهدتي فيينا المتعلقة بالبعثات الدبلوماسية (السفراء والقناصلة) لسنتي 1961 و 1963.
[28] Yves Beigbeder : L’organisation mondiale de la santé, Nouvelle éditions Internationale .
[29] إن التعاون الدولي في مجال الصحة سبقه إلى الوجود المكتب الدولي للصحة العامة وكذا المكتب الصحي للبلدان الأمريكية سنة 1902 الذي تحول في ما بعد إلى منظمة الصحة للدول الأمريكية، والتي في ظل منظمة عصبة الأمم خلال فترة العشرينيات من القرن الماضي، حاولت هذه المنظمة التحرك دوليا من أجل إنشاء “منظمة الصحة” والتي أصبحت تسمى في ما بعد “منظمة الصحة العالمية”، ينظر بشأنه الدكتور خالد أنصاري يوسف: الوظيفة التشريعية لمنظمة الصحة العالمية، دار الجامعة الجديدة، الطبعة الأولى، الأسكندرية، 2012، الصفحتين: 17 و18.
[30] على سبيل المثال، انضم المغرب إلى منظمة الصحة العالمية بتاريخ: 14/05/1956.
[31] أنظر كتيب الوثائق الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، الطبعة التاسعة والأربعون لسنة 2020، بناء على التعديلات المعتمدة في 31 ماي 2019ك file:///C:/Users/master/Downloads/BD_49th-ar.pdf%20(4).pdf
[32] وسام نعمت إبراهيم السعدي : نفس المرجع السابق، الصفحة 122 وما يليها.
[33] أنظر كتيب الوثائق الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، الطبعة التاسعة والأربعون لسنة 2020، بناء على التعديلات المعتمدة في 31 ماي 2019: file:///C:/Users/master/Downloads/BD_49th-ar.pdf%20(4).pdf
[34] التفاوض والوساطة هي من بين طرق التسوية الودية لفض المنازعات التي قد تنشأ بين دولة ومنظمة أو بين منظمة وأخرى، المنصوص عليها بالقانون الدولي العام، أنظر بهذا الشأن، علي صادق أبوهيف: نفس المرجع السابق، من الصفحة 729 إلى الصفحة 741 ، كما يرجى الإطلاع على:
Pierre-Marie DUPUY : Droit international public, Dalloz, 7éme édition, les pages de 358 à 393.
[35] حسب مقتضيات المادتين 9 و 18 من الفصل الخامس من دستور منظمة الصحة العالمية، تعد جمعية الصحة العالمية هي أعلى جهاز لاتخاذ القرار في منظمة الصحة العالمية، وتجتمع تلك الجمعية مرة في كل عام وتحضرها وفود من جميع الدول الأعضاء في المنظمة، وتعد الوظيفة الرئيسية للجمعية هي تحديد سياسات المنظمة، كما تتولى أيضاً تعيين المدير العام ومراقبة السياسات المالية التي تنتهجها المنظم، وهو ما يؤكده النظام الداخلي لمنظمة الصحة العالمية من خلال المادة 33 منه التي أشارت على اللجنتين الرئيسيتين لجمعية الصحة العالمية،
[36] الفقرتين 2 و 3 من المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
[37] أنظر كتيب الوثائق الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، الطبعة التاسعة والأربعون لسنة 2020، بناء على التعديلات المعتمدة في 31 ماي 2019: file:///C:/Users/master/Downloads/BD_49th-ar.pdf%20(4).pdf
[38] في عالم يتزايد ترابطه الاقتصادي، أصبح الكثيرون يسلّمون بأهمية تحسين الإطار القانوني لتسهيل التجارة والاستثمار الدوليين. ولجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال)، التي أنشئت بمقتضى قرار الجمعية العامة 2205 (د-21) المؤرخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 1966 (انظر المرفق الأول)، تضطلع بدور هام في تطوير ذلك الإطار عملا بالولاية المسندة إليها في تعزيز مناسقة قانون التجارة الدولية وتحديثه تدريجيا،(1) بإعداد صكوك تشريعية وغير تشريعية في عدد من مجالات القانون التجاري الأساسية وترويج استخدام تلك الصكوك واعتمادها: https://uncitral.un.org/ar/homepage
[39] عماد خليل إبراهيم: مسؤولية المنظمات الدولية عن أعمالها غير المشروعة، منشورات زين الحقوقية، الطبعة الأولى 2013، الصفحة 261.
[40] تسمى باللجنة السادسة التي تعتبر بمثابة القسم القانوني لدى الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، وهي المسؤولية عن جمع وتدوين كل ما يخص مواضيع القانون الدولي.
[41] الفصل الخامس بمقتضى الوثيقة ذات المرجع : A/66/10، لمزيد من الإطلاع يرجى تصفح الموقع الإلكتروني:
https://legal.un.org/ilc/reports/2011/arabic/chp5.pdf
[42] عماد خليل إبراهيم: نفس المرجع السابق، الصفحات 151 و 152 و 262.
[43] فلك هاشم عبدالجليل المهيرات: المسؤولية الدولية للمنظمات الدولية في القانون الدولي العام، رسالة للحصول على درجة الماجستير في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط لسنة 2016ـ الصفحة 19.
[44] عبد العزيز محمد السرحان: القانون الدولي, دار النھضة العربية، 1986 القاهرة، الصفحة 385.
[45] فلك هاشم عبدالجليل المهيرات: نفس المرجع السابق، الصفحة 22.
[46] هناك من الفقهاء من تحدث عن القانوني الداخلي لاتفاقيات ودساتير إنشاء المنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة.
[47] عماد خليل إبراهيم: نفس المرجع السابق، الصفحة 142 وما يليها.
[48] عماد خليل إبراهيم: نفس المرجع السابق، الصفحة 144 وما يليها.
[49] لقد اجمع الفقه الدولي على أن الفعل غير المشروع يعني كل مخالفة للالتزام الدولي الذي تفرضه قاعدة من قواعد القانون الدولي سواء أكانت اتفاقية أم عرفية أم مبدأ من مبادئ القانون العام، بناء على صدوره عن أحد أشخاص القانون الدولي وان يكون مخالفا لقاعدة قانونية دولية آمرة.
[50] يتجاذب تفسير نظرية الخطأ في القانون الدولي ثلاث تيارات إحداها مؤيد وثانيها رافض والثالث توفيقي، لمزيد من التوسع يرجى الإطلاع على: عماد خليل إبراهيم: نفس المرجع السابق، الصفحة 211 وما يليها,
[51] عماد خليل إبراهيم: نفس المرجع السابق، الصفحة 218 وما يليها.
[52] https://www.who.int/ar/dg/speeches/detail/who-director-general-s-opening-remarks-at-the-media-briefing-on-covid-19—25-march-2020
[53] https://arabicpost.net/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%AD%D8%A9/2020/04/08/%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7/
[54] بالرغم من أن هناك من يتحدث عن أهداف مبيتة للرئيس الأمريكي، لتبرير فشله في إدارة الأزمة، الذي أوصل بها بلاده، لتصبح الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات.
[55] عرف البرلمان الإيطالي ردود فعل قاسية بخصوص تصرف منظمة الصحة العالمية، مشيرا إلى أن أكاذيبها بخصوص فيروس كورونا واقتراحها تشخيصات وعلاجات غير علمية، يبرران جعلها في مرمى المساءلة والمحاكمة.: https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9/%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D8%B1%D8%B3%D8%A8%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%86-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-/1809755
[56] تنتمي فيروسات كورونا إلى فُصيلة الكوراناويات المستقيمة ضمن فصيلة الفيروسات التاجية ضمن رتبة الفيروسات العشية، كما تُعد فيروسات كورونا فيروساتٍ مُغلفة مع جينومِ حمضٍ نووي ريبوزي مفرد السلسلة موجب الاتجاه، كما تمتلك قفيصة بنواة حلزونية متماثلة. يبلغ حجم جينوم فيروسات كورونا حوالي 26 إلى 32 كيلو قاعدة، وهو الأكبر بين فيروسات الحمض النووي الريبوزي (RNA virus).
كما أنه تم تحديد عناصر أخرى من هذه العائلة بما في ذلك: فيروس كورونا سارس سنة 2003، فيروس كورونا البشري NL63 سنة 2004، فيروس كورونا البشري HKU1 سنة 2005، فيروس كورونا ميرس سنة 2012، وفيروس كورونا الجديد 2019-nCoV، ومعظم هذه الفيروسات لها دور في إحداث عدوى جهاز تنفسي خطيرة.
[57] عماد خليل إبراهيم: نفس المرجع السابق، الصفحة 418 وما يليها.
[58] إن الحديث عن الملابسات والظروف المتعلقة بتفشي الفيروس، ثم تبادل التهم بين الأطراف الثلاثة (الصين والولايات المتحدة الأمريكية ومنظمات الصحة العالمية)، يجعلنا نأخذ هذه الملاسنات على محمل الشك، الذي قد يفضي إلى اتهام الكيانات الثلاثة (مجتمعة)، بتوريط دول العالم في لعبة خطيرة عنوانها الهلع والخوف والترقب، هو حديث قد يفضي إلى إجماع دولي حول تحميل هذه الكيانات الثلاث، مسؤولية قيامها بالعمل غير المشروع، بناء على مبدأ تشطير المسؤولية، استنادا على حجم مساهمة كل طرف في صناعة الفيروس ونشره.
[59] الفصل الخامس بمقتضى الوثيقة ذات المرجع : A/66/10، لمزيد من الإطلاع يرجى تصفح الموقع الإلكتروني:
https://legal.un.org/ilc/reports/2011/arabic/chp5.pdf
ولمزيد من تفسير للمادة 58، يرجى تصفح كتاب الدكتور عماد خليل إبراهيم، الصفحة 446 وما يليها.
[60] نص أقره المجلس التنفيذي في دورته التاسعة والسـتين (القـرار مت69ق21 (مـع التعـديلات التـي تم إقرارها في دورته الخامسة بعد المائة (القرار مت105ق7)).
[61] عادل أحمد الطائي: القانون الدولي العام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى لسنة 2009، الصفحات من 290 إلى 303.
[62] للإطلاع بتفصيل عن تفسير المواد المتعلقة بجبر الضر، كتاب عماد خليل إبراهيم: الصفحات من 466 إلى 484.
[63] تناقلت مجموعة من التقارير الصحفية العالمية أن للولايات المتحدة في صنع “فيروس كورونا” مختبريا بمدينة يوهان الصينية، إما بتعاون مع الصين أو بشكل سري، لمزيد من الإطلاع نقترح -على سبيل المثال المقال- المنشور بصحيفة اليوم السابع، الرابط الالكتروني: https://www.youm7.com/story/2020/5/1/%D9%81%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B2-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D9%88%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A3%D9%86/4751976
[64] عنان عمار: ملخص محاضرات ألقيت على طلبة الحقوق – بن عكنون- جامعة الجزائر العاصمة، السنة الجامعية 2009/2008 ، انظر بتفصيل أكثر كتاب عماد خليل إبراهيم، الصفحة 486 وما يليها.
[65] يعد هذا تصرفا مبني عن سوء النية الذي جعل أعضاء لجنة القانون الدولي خلال مناقشتهم للتدابير المضادة، يعربون عن قلقهم من استغلال الولايات المتحدة الأمريكية لهذه التدابير بشكل غير قانوني لفرض سياساته كدولة قوية:.
لمزيد من التوسع، يرجى الإطلاع على كتاب عماد خليل إبراهيم: نفس المرجع السابق، الصفحة 527 وما يليها.
[66] أنظر كتيب الوثائق الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، الطبعة التاسعة والأربعون لسنة 2020، بناء على التعديلات المعتمدة في 31 ماي 2019: file:///C:/Users/master/Downloads/BD_49th-ar.pdf%20(4).pdf
[67] تيم دان وميليا كوركي وأخرون: نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع، ترجمة ديما الخضرا، منشورات المركز العربي للابحاث ودراسات السياسات، الطبعة الاولى، سنة 2016، الصفحة 316 وما يليها.
[68] مع مراعاة مقتضيات المواد من 42 إلى 50 من نفس المشروع، وكذا مقتضيات الفقرات 3و4و5 من المادة 65 من اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية لسنة 1969.
[69] تتوافق مقتضيات المادة 75 من دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية، مع مقتضيات المادة 66 من اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية لسنة 1969.
[70] التفاوض والوساطة هي من بين طرق التسوية الودية لفض المنازعات التي قد تنشأ بين دولة ومنظمة أو بين منظمة وأخرى، المنصوص عليها بالقانون الدولي العام، أنظر بهذا الشأن، علي صادق أبوهيف: نفس المرجع السابق، من الصفحة 729 إلى الصفحة 741 ، كما يرجى الإطلاع على:
Pierre-Marie DUPUY : Droit international public, Dalloz, 7éme édition, les pages de 358 à 393.
[71] حسب مقتضيات المادتين 9 و 18 من الفصل الخامس من دستور منظمة الصحة العالمية، تعد جمعية الصحة العالمية هي أعلى جهاز لاتخاذ القرار في منظمة الصحة العالمية، وتجتمع تلك الجمعية مرة في كل عام وتحضرها وفود من جميع الدول الأعضاء في المنظمة، وتعد الوظيفة الرئيسية للجمعية هي تحديد سياسات المنظمة، كما تتولى أيضاً تعيين المدير العام ومراقبة السياسات المالية التي تنتهجها المنظم، وهو ما يؤكده النظام الداخلي لمنظمة الصحة العالمية من خلال المادة 33 منه التي أشارت على اللجنتين الرئيسيتين لجمعية الصحة العالمية،
[72] الفقرتين 2 و 3 من المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
[73] خاصة الفقرتين 2 و 3 من المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والمادة 36 منها مع مراعاة المادة 30 التي تحيل على لائحة إجراءات عمل هذه المحكمة، للإطلاع على لائحة محكمة العدل الدولية التي تم إقرارها سنة 1978، يرجى تصفح الموقع الرقمي التالي: https://www.un.org/ar/common/share/icjrules.pdf
[74] مع مراعاة أن الحصانة الممنوحة للمنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة هي (حصانة مقيدة) من قبيل حمايتها من الاعتداءات والانتهاكات التي قد تتعرض لها من أفراد ودول ومنظمات حكومية وغير حكومية، ولا تنصرف إلى تحصينها من المساءلة القانونية عن أعمالها غير المشروعة ومطالبتها بأداء التعويض المناسب (أنظر فتوى محكمة العدل الدولية بتاريخ: 29 ابريل 1999 بموجز الأحكام والفتاوى والأوامر /2000/1997).
رابط المصدر: