إعداد : داليا عريان ـ باحثة في المركز الأوروبي Dalia Essa Erian Twitter
تستمر تصعيد اللهجة بين تركيا واليونان بشأن أزمة الحدود البحرية والنزاع في شرق المتوسط رغم المحادثات المتواصلة بين الطرفين، الأمر الذي يعجل بضرورة إيجاد تسوية سريعة لهذا الخلاف منعا من أن يتحول إلى صراع عسكري بين عضوي حلف الناتو في هذا التوقيت الراهن. ومن هنا تظهر أهمية الدور الأوروبي الفعال في احتواء هذه الأزمة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين خاصة بعد أن علقت تركيا كافة اللقاءات الثنائية مع المسؤولين اليونانيين وألغت ” المجلس الاستراتيجي” في مطلع يونيو 2022 وهو بمثابة برنامج للتعاون الثنائي مع اليونان.أمن دولي ـ الصراع على الغاز شرق المتوسط وانعكاساته على أمن أوروبا . بقلم داليا عريان
الموقف الأوروبي بقيادة ألمانيا من صراع شرق المتوسط
أدرك الاتحاد الأوروبي مع اندلاع الحرب الأوكرانية ضرورة تبني سياسة الحوار في صراع منطقة شرق المتوسط والتنافس الثنائي بين تركيا واليونان على موارد الطاقة بالمنطقة، وتضمنت أغلب تصريحات المسؤولين الأوروبيين نداءات عاجلة للتعامل مع حدود المنطقة بالمفاوضات والنوايا الجيدة لاسيما مع اتجاه الموقف الفرنسي ناحية اليونان أكثر. وفي الوقت الذي أرجعت فيه فرنسا موقفها في هذه الأزمة بهدف الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، أبدت ألمانيا تحفظها على الاتفاق الفرنسي اليوناني خاصة فيما يتعلق ببند المساعدات العسكرية المتبادلة بين البلدين ما دفع برلين إلى تكثيف جهودها عبر الاتصالات واللقاءات بالمسؤولين الأتراك واليونانيين لإخماد أي فتيل لحرب محتملة.
طالب المستشار الألماني أولاف شولتس في الأول من يونيو 2022 تركيا بضبط النفس في تصعيدها مع اليونان خاصة وأن المرحلة تتطلب وقوف أعضاء حلف الناتو معا، وجاءت تصريحات شولتس بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن يلتقي مسؤولين يونانيين واتهامه لهم بعدم الصدق. وأكد المتحدث باسم الحكومة الألمانية أن بلاده ملتزمة بحل القضايا المفتوحة بين أنقرة وأثينا في حوار خاص وعلى أساس القانون الدولي.
وامتدت المباحثات الألمانية لتهدئة الخلاف التركي ـ اليوناني إلى زيارة مزدوجة إلى تركيا واليونان لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لمناقشة تداعيات التنقيب في شرق المتوسط وأجواء الحرب الأوكرانية بهدف تحويل اهتمامات الجانبين من التوتر القائم بينهما إلى الخلاف الراهن بين روسيا والغرب، وصلت بيربوك إلى أثينا في 28 يوليو 2022 للتأكيد على أن التكاتف بين أعضاء الناتو ضرورة ملحة الآن أكثر من أي وقت مضى. وشددت في 29 يوليو 2022 على أن جزر بحر إيجة هي جزر يونانية مطالبة اليونان بالالتزام بحقوق الإنسان على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في أزمة اللاجئين مع تركيا.
ورفعت المسؤولة الألمانية شعار ” التماسك بين حلفاء الناتو ” خلال زيارتها المزدوجة للرد على أي انتقادات تركية بشأن تضامنها مع اليونان في ملف الجزر، ووصف وزير الخارجية التركي مولود أوغلو موقف ألمانيا بأنه غير محايد كدور وسيط في النزاع، لذا حرصت بيربوك على الإشادة بموقف تركيا من استقبال اللاجئين، ونوهت في 31 يوليو 2022 إلى جهود تركيا في دمج اللاجئين بالمجتمع والتعليم ومنح الأطفال حقوقهم في الاستمتاع برفاهية الحياة، مشددة على الدور الإقليمي لتركيا في البحر الأسود ورعايتها للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا ودور الوساطة في ملف استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية، للتأكيد على أن تركيا حليف مهم في الناتو وأن وحدة الحلف هي أقوى من أي خصام بين أعضائه.
قراءة مستقبلية للصراع في شرق المتوسط
تكمن مشكلة نزاع شرق المتوسط كونه ممتد وقابل للتصعيد بالتصريحات الحادة بين طرفي الأزمة، ورغم أن الصراع في المتوسط يعود لسنوات إلا أن أبعاده الآن أصبحت أكثر خطورة وتحمل مؤشرات تصعيد أكبر في المستقبل وتتمثل في هذه العوامل: –
– زيادة السباق حول أعمال التنقيب عن الغاز والبترول في شرق المتوسط في ظل أزمة الطاقة ما يعمق النزاع على الحدود البحرية بين تركيا واليونان.
– استمرار الحرب الكلامية بين أنقرة واليونان وتمسك كل طرف بشروط متشددة دون ترك مساحة للتفاوض.
– استقواء اليونان بحلفائها في الاتحاد الأوروبي وضرب وحدة الناتو في توقيت بالغ الخطورة.
– مواقف فرنسا المنحازة لليونان وإبرامها صفقات عسكرية تحسبا لأي هجوم تركي ضد اليونان.
– لجوء تركيا إلى أدوات ضغط على التكتل الأوروبي من بينها ملف اللاجئين والأزمة الأوكرانية وعلاقاتها بروسيا.
– ظرفية التوتر الأخير بين أثينا وأنقرة في المتوسط وتزامنها مع الحرب الأوكرانية التي تشكل تهديد كبير لحلف الناتو وتبعاتها من أزمات اقتصادية وسياسية راهنة.
-احتمالية دخول روسيا طرفا في الصراع لصالح تركيا التي تلعب دور الوسيط في الحرب الأوكرانية وتتقارب الرؤى مع موسكو.
– غياب منطقة شرق المتوسط عن اهتمامات وأولويات الولايات المتحدة ما يلقي على أوروبا أعباء أكثر في مهمة منع حدوث أي صدام عسكري محتمل ويدفعها لتجميد الموقف بين طرفي النزاع وليس حله بشكل جذري.
تقييم الدور الأوروبي
يصبح الموقف الأوروبي وتحديدا موقف ألمانيا هو عامل التوازن الأخير والحاسم في قضية شرق المتوسط التي قد تتسبب في حدوث أزمة داخلية في أوروبا في حال التصعيد لتشابك مصالح 3 دول بالاتحاد في مقدمتها اليونان ثم قبرص وفرنسا في شرق المتوسط. ويعي مسؤولو الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتهم مسؤولي ألمانيا أهمية خفض حدة التوتر بين اليونان وتركيا عبر إبراز دور الدولتين الهام داخل الناتو لإعلاء المصلحة العامة للحلف في هذه اللحظة على حساب المصالح الخاصة لأعضائه، وإرسال رسائل مباشرة بالزيارات المتتالية إلى البلدين وحث الطرفين للتوقف عن التراشق بالألفاظ.أمن دولي ـ انعكاسات الصراع في شرق المتوسط على وحدة الناتو . بقلم داليا عريان
ومنذ 10 سنوات تلعب الوساطة الأوروبية دورا رئيسيا في تحجيم الصراع بين أثينا وأنقرة خاصة وأن باريس تتبنى سياسة مغايرة لبرلين في هذه الأزمة ما يزيد مخاوف أوروبا من دخول الخلاف التركي – اليوناني إلى مرحلة التصعيد العسكري وانخراط دول أوروبية أخرى فيه، الأمر الذي يدفع أوروبا إلى زيادة القنوات الدبلوماسية للتفاوض والتركيز على وضع أطر جديدة متفق عليها بين الدول المطلة على شرق المتوسط بشأن أعمال استكشاف حقول الغاز.
وحظي ملف شرق المتوسط باهتمام أوروبا بشكل عام وألمانيا على وجه الخصوص في الأشهر القليلة الماضية كونه أحد البدائل للغاز الروسي ما يصب في صالح تهدئة الأزمة اليونانية التركية ويسمح بعقد المزيد من اللقاءات الثنائية بين طرفي الصراع برعاية أوروبية مع إمكانية ضغط ألمانيا على حلفاء الناتو لمناقشة آليات حلحلة هذه الأزمة في اجتماعات الحلف عبر طرح تداعيات الخلاف عليه.
تقييم الموقف التركي
الموقف التركي في الأزمة فينقسم إلى 4 جوانب، الجانب الأول يتعلق باختيار تركيا توقيت التصعيد الآن مع اليونان لعدة أسباب من بينها العوامل الداخلية الخاصة بالانتخابات التركية المقبلة والوضع الاقتصادي ورغبتها في استغلال الأزمة لإعادة الروح القومية لدى الأتراك.
الجانب الثاني هو استغلال تركيا ابتعاد الولايات المتحدة عن شرق المتوسط وظروف الحرب الأوكرانية لإثبات وجودها في المنطقة وصقل دورها إقليميا ودوليا كمصدر لتوريد الغاز لأوروبا من جانب واستخدام ورقة الوسيط في الأزمة الروسية الأوكرانية للضغط في الملفات الخلافية مع اليونان من جانب آخر.
الجانب الثالث يتعلق برفض تركيا التام للتفاوض مع اليونان إلا في حالة نزع السلاح من جزر إيجة وفقا للاتفاقيات الدولية ومن ثم تتمسك بموقفها في التنقيب عن حقول النفط والغاز بشرق المتوسط وترفض التحركات اليونانية في المنطقة نفسها.
الجانب الرابع يرتبط بمعارضة تركيا لدخول أي طرف ثالث في خصامها مع اليونان سواء كان الناتو أو الاتحاد الأوروبي لحل خلافاتهما المتشابكة، وتعتبر تركيا أن المعاهدات القديمة تسمح بإزاحة التوتر بشكل ثنائي وأن الدعم المقدم لليونان من أي دولة يعقد الوضع أكثر.
– سيناريوهات محتملة وانعكاساتها على أمن أوروبا
مع استمرار التهديدات المتبادلة بين اليونان وتركيا في شرق المتوسط، يصبح الصراع أمام عدة سيناريوهات محتملة: السيناريو الأول هو تهدئة شكلية عقب انتهاء الاستحقاقات الانتخابية في البلدين لفترة محدودة برعاية أوروبية، ولكن لن تدوم هذه الهدنة كثيرا مع تفاقم أزمة الطاقة وارتفاع أسعارها عالميا جراء الحرب الأوكرانية ما يضر بأمن الطاقة الأوروبي.
السيناريو الثاني هو طرح أوروبا لحوار إقليمي واسع لوضع قواعد جديدة بشأن التنقيب في شرق المتوسط بشكل يسمح للدولتين بهذه الأنشطة، وربما يواجه هذا الطرح رفض بعض الدول المطلة على المتوسط ما يعرقل التوافق عليها.
السيناريو الثالث يتعلق باستمرار الحشد العسكري في المنطقة وعمليات التنقيب عن حقول الغاز في ظل انشغال أوروبا بأوكرانيا ما يؤدي إلى استعانة اليونان بدول مثل فرنسا لدعمها عسكريا لتقع أوروبا في مأزق من احتمالية لجوء تركيا إلى دول مثل روسيا إلى صفها في النزاع، ويسفر بشكل تدريجي عن صدام عسكري بين اليونان وتركيا ما يهدد أمن أوروبا على الأصعدة العسكرية والسياسية وملف الطاقة.أمن شرق المتوسط … هل من مواجهة عسكرية مابين تركيا و اليونان ؟ بقلم جاسم محمد
التقييم
بدون شك تلقي الخلافات بين أثينا وأنقرة بظلالها على الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يعاني فيه من خلافات داخلية بشأن الحرب الأوكرانية ويبحث فيه عن بدائل للغاز الروسي ما يربك المشهد أمام التكتل الأوروبي. وتدفع جميع شواهد المرحلة إلى ضرورة تناول النزاع في شرق المتوسط بأدوات وسياسيات أكثر فعالية نظرا لأن تفاقم الأوضاع في المنطقة الآن بين حليفين الأطلسي يزيد الطين بلة على الدول المطلة على المتوسط من ناحية وعلى الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى خاصة وأنه مصدر مهم لنقل الغاز لأوروبا.
ويجب أن تأخد الجهود الأوروبية منحى جديد في التعامل مع أزمة تركيا واليونان بضم وسطاء آخرين في شرق المتوسط للاتفاق على آليات تحكم أنشطة التنقيب عن حقول النفط والغاز والضغط على أنقرة وأثينا للجلوس إلى التفاوض والعودة إلى مرحلة ما قبل عام 2020 واشتعال الموقف بينهما في الحدود البحرية ومسألة قبرص وموارد المتوسط. وربما تسعى برلين لإقناع باريس بتهدئة مواقفها من الأزمة منعا لدخولها كطرف في التوتر الراهن بشرق المتوسط ما يسمح بزيادة قنوات التواصل مع تركيا ويمنع بناء أي تكتلات موازية مضادة قد تهدد أمن ووجود التكتل الأوروبي.
الهوامش
ألمانيا تدعو تركيا لضبط النفس تجاه اليونان بعد تصاعد التوتر
German foreign minister offers praise and criticism on visit to Greece and Turkey
Baerbock’s Aegean islands remarks in Greece anger Turkey
بيربوك تزور اليونان وتركيا وتدعوهما للتهدئة ووقف التصعيد
Turkey: Germany must be impartial in disputes with Greece
ألمانيا تدعم اليونان في نزاعها مع تركيا بشأن جزر بحر إيجة
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: