مستقبل أفريقيا في ظل التصحر والجفاف

 رشا رمزى

 

تتسبب التغيرات المناخية في الكثير من الأزمات في جميع مناطق العالم، لكن الأكثر تضررًا هي قارة أفريقيا على الرغم من كونها الأقل مساهمة في التلوث البيئي الذي تسبب في كوارث بيئية عديدة كان أهمها الجفاف الذي أدى لتصحر المئات من الأفدنة في الأراضي الأفريقية. لذا يعتبر الجفاف والتصحر لب التحديات والتهديدات الخطيرة التي تواجه التنمية المستدامة في أفريقيا. هذه المشاكل لها آثار سلبية بعيدة المدى على صحة الإنسان، والأمن الغذائي، والنشاط الاقتصادي، والبنية التحتية، والموارد الطبيعية والبيئة، والأمن الأفريقي. حيث يُصنف ثلثا أفريقيا على أنها صحاري أو أراض جافة. وتتركز هذه في منطقة الساحل والقرن الأفريقي وكالاهاري في الجنوب. أفريقيا معرضة بشكل خاص لتدهور الأراضي وتتحمل أكبر تأثير للجفاف والتصحر.

الجفاف

على الرغم من أن للجفاف عدة تعريفات، فإن العنصر الأساسي في هذه التعريفات هو نقص المياه. بشكل عام ، يُعرَّف الجفاف بأنه فترة ممتدة – موسم، أو سنة، أو عدة سنوات – من انخفاض معدل هطول الأمطار مقارنة بالمتوسط ​​الإحصائي متعدد السنوات لمنطقة ما. ينتج عن هذا الانخفاض نقص المياه لبعض الأنشطة أو المجموعات أو القطاعات البيئية. لذا يتضمن التعريف الأكثر تعمقًا للجفاف أربع تعريفات فرعية تشمل الجفاف الخاص بالأرصاد الجوية، والجفاف الهيدرولوجي، والزراعي، والجفاف الاجتماعي والاقتصادي.

من ناحية أخرى، يُعرَّف التصحر بأنه عملية تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، نتيجة عوامل مختلفة، بما في ذلك التغيرات المناخية والأنشطة البشرية. يتجلى تدهور الأراضي من خلال تآكل التربة وندرة المياه وانخفاض الإنتاجية الزراعية وفقدان الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي والجفاف والفقر.

أما فيما يتعلق بالجفاف، فقد شهدت القارة تكرار حدوث حالات جفاف بمعدلات متراوحة ما بين شدة الجفاف إلى المتوسطة. لذا يعد الجفاف إحدى أهم الكوارث المرتبطة بالمناخ في إفريقيا وسيؤدي إلى تفاقم حدوث الكوارث المرتبطة بالمناخ بما في ذلك الجفاف أيضًا.

مشاكل التربة

في بداية يوليو 2022، لوحظ أن رطوبة التربة في أغلب الدول الافريقية أكثر جفافًا من المتوسط ​​في وسط وغرب إثيوبيا وأوغندا وكينيا الساحلية وتنزانيا وبعض المناطق في الصومال. حيث تظهر بعض الحالات الشاذة الإيجابية في وسط وشرق إثيوبيا؛ لكنها ليست واعدة من حيث التعافي فيما يتعلق بفترة الجفاف الطبيعية. فقد أدت فترات الجفاف المتكررة وفشل العديد من مواسم الأمطار المتتالية إلى جفاف أكثر من المعتاد. كما أثر الجفاف طويل الأمد على الصومال والمناطق الساحلية في كينيا وتنزانيا ووسط شرق إثيوبيا.

وبعد عامين من مواسم أمطار بمعدلات دون المتوسط؛ تسببت ظروف الجفاف الشديدة والمستمرة إلى نقص حاد في رطوبة التربة وأثرت على القطاع الزراعي ومع تزايد خطر اندلاع حرائق الغابات. فعلى سبيل المثال؛ في الأشهر الـ 24 الماضية (يوليو 2020 يونيو 2022)؛ تراكم عجز حاد في الصومال (20٪ وفقًا لمجموعة بيانات CHIRPS، و 45٪ وفقًا لتحليل ECMWF ERA5)) قدرت أعلى القيم المحلية، حتى 70٪ (50٪) بناءً على تحليل ECMWF ERA5 (CHIRPS).

بالإضافة إلى فشل موسمي المطر إلى حد كبير عام 2021 وكان موسم الأمطار الثاني سيئًا للغاية أيضًا في عام 2020، مما أدى إلى عجز حاد في هطول الأمطار من نهاية عام 2020 إلى نوفمبر 2021. ففي النصف الثاني من عام 2021، شهدت بعض المناطق الصغيرة أعلى من المعتاد هطول الأمطار، مما أدى إلى انخفاض طفيف في العجز، ولكن أدى النقص الحاد والمتزايد في هطول الأمطار إلى تفاقم مشاكل التربة السيئة بالفعل.

أثر الجفاف والتصحر

يشكل كلا من تدهور الأراضي والتصحر؛ أسبابًا رئيسة للعديد من المشكلات الاجتماعية والسياسية أهمها الهجرة البشرية القسرية واللاجئين البيئيين، والصراعات المميتة على استخدام الموارد الطبيعية المتضائلة، وانعدام الأمن الغذائي والمجاعة، وتدمير الموائل الحرجة وفقدان التنوع البيولوجي، والنزاعات الاجتماعية – الاقتصادية عدم الاستقرار والفقر والتقلبات المناخية من خلال تقليل إمكانات عزل الكربون.

وتعد آثار الجفاف والتصحر من بين الأحداث والعمليات الأكثر تكلفة في إفريقيا وانتشار الفقر، إذ تعتمد نسبة كبيرة من اقتصادات أفريقيا على القطاعات الحساسة للمناخ بشكل رئيس مثل الزراعة البعلية، بجانب البنية التحتية السيئة، وأعباء الأمراض الثقيلة، والاعتماد الكبير على الموارد الطبيعية والاستغلال غير المستدام لها، والصراعات، مما يجعل القارة معرضة بشكل خاص للآثار المدمرة للتغير المناخي.

ومن المؤكد أن الفقراء والدول الجزرية الصغيرة النامية؛ هي التي تتحمل العواقب في الغالب، ففي هذه المناطق تتحمل النساء والأطفال على وجه الخصوص العبء الأكبر عندما تتدهور موارد الأراضي ويبدأ الجفاف. ونتيجة للجفاف والتصحر المتكرر، ما زالت أفريقيا تشهد انعدام الأمن الغذائي بما في ذلك المجاعات المدمرة وندرة المياه وسوء الصحة والصعوبات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية والسياسية. مما يؤدي لانتشار الأمراض من فقر الدم وأمراض النمو؛ فضلًا عن انتشار الأوبئة نظرا لعدم توفر المياه.

  • خسائر اقتصادية

يتسبب الجفاف والفيضانات في 80% من الخسائر في الأرواح و 70% من الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالأخطار الطبيعية في أفريقيا جنوب الصحراء. حيث انخفضت قيمة سوق الأوراق المالية، وانخفض إنتاج التصنيع بنسبة 9%، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11%. على سبيل المثال، في كينيا، كلف جفاف 2020-2001 الاقتصاد حوالي 2.5 مليار دولار. كنسبة من الاقتصاد الوطني وتعتبر هذه خسارة كبيرة للغاية ويمكن اعتباره 2.5 مليار دولار من التنمية الضائعة، مما أثر على بناء المستشفيات والمدارس.

  • التصحر

قدرت اتفاقية مكافحة التصحر أن حوالي ستة ملايين هكتار من الأراضي المنتجة تُفقد كل عام منذ عام 1990، بسبب تدهور الأراضي. ومع توقع خسارة ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة في إفريقيا بحلول عام 2025؛ يؤدي تدهور الأراضي حاليًا إلى خسارة في المتوسط ​​أكثر من 3% سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

ففي إثيوبيا، تُقدّر خسارة الناتج المحلي الإجمالي بسبب انخفاض الإنتاجية الزراعية بحوالي 130 مليون دولار سنويًا. أما في أوغندا، يهدد تدهور الأراضي في الأراضي الجافة بتدمير اقتصاد البلاد وتصعيد الفقر. وذلك لأن هذه الأراضي الجافة تشكل ممر الأبقار في أوغندا، والذي يمثل أكثر من 90% من قطيع الماشية الوطني، ويساهم الإنتاج الحيواني بنسبة 7.5% في الناتج المحلي الإجمالي و17% في الناتج المحلي الإجمالي الزراعي. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2025 سينضم جنوب إفريقيا أيضًا إلى معظم البلدان في شمال إفريقيا التي يمكن تصنيفها بالفعل على أنها تعاني من ندرة مطلقة في المياه اليوم.

– توقعات خطر حرائق الغابات

خطر حرائق الغابات هو نتيجة مباشرة لارتفاع درجات الحرارة الشاذة والجفاف، بالإضافة إلى توافر وقود الحرائق (القمامة الجافة والخشب). وقد كشف نظام معلومات Wildfire العالميGWIS)) خدمات التنبؤ بخطر الحرائق في جميع أنحاء العالم؛ وظهرت أعلى درجات الخطر في معظم أنحاء الصومال والجزء الجنوبي الشرقي من إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا حتى 16 أغسطس

  • نقص الغذاء

وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 18 مليون شخص في شرق إفريقيا من انعدام الأمن الغذائي بسبب أحد أشد موجات الجفاف في التاريخ الحديث الحادثة حاليا. ويقدر عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية بـ: 7 ملايين في إثيوبيا، و 4 ملايين في كينيا، و 5 ملايين في جنوب السودان. كما تم الإبلاغ عن حالات وفاة مرتبطة بالجفاف. الامر الذي يعرض المزارعون لخطر فقدان ماشيتهم، بسبب نقص العلف، فضلًا عن الديون و/أو الفرار إلى مخيمات النازحين. وقد تفاقم تأثير الجفاف بسبب التضخم في أسعار الغذاء والوقود. يأتي هذا الجفاف بعد أربعة مواسم متتالية حيث لم تهطل الأمطار مما قلل من فرصة التعافي. لذا وضع الوضع الحالي ضغوطًا على الناس في المنطقة وخاصة الفئات الأضعف مثل النساء والأطفال. فعلى سبيل المثال في كينيا؛ أظهرت ظروف الغطاء النباتي شذوذًا سلبيًا هذا الموسم 2021/2022 في الشمال/الشرقي، والمناطق الساحلية والداخلية الجنوبية. وتزداد ظروف الغطاء النباتي الرعوي سوءًا في جميع أنحاء البلاد حيث يحتاج السكان إلى قطع مسافات أطول للحصول على مياه الشرب.

  • الفئات المهمشة

تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 230 مليون أفريقي سيواجهون ندرة المياه، وسيعيش 460 مليون في البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي بحلول عام 2025 وهو وضع سيزيد من تفاقم التصحر والأمن الغذائي الخطير والتخلف الاقتصادي. ولذلك فإن حالة النساء والأطفال المسؤولين عن جلب المياه للأسر تزداد سوءًا بسبب الجفاف والتصحر، كما يمكن أن تضيف هذه ساعات العمل إلى يوم عمل مشحون بالكامل بالفعل.

التحديات

على الرغم من التحرك والوعي العالمي بمسألة المياه والتصحر؛ فإن القارة تواجه العديد من التحديات والقيود التي أعاقت التقدم في وضع وتنفيذ تدابير لمكافحة التصحر والتخفيف من آثار الجفاف. تشمل أهمها ما يلي:

1 – لا يزال ارتفاع مستوى الفقر يشكل التحدي  والعائق الرئيس أمام تنفيذ تدابير التصدي للجفاف والتصحر في أفريقيا.

2- كان ومازال وسيستمر في المستقبل تقلب المناخ عقبة رئيسة أمام أنشطة الإدارة المستدامة للأراضي؛ لذا من المتوقع أن يكون له آثار مدمرة في المنطقة.

3- تواجه البلدان صعوبات في تحقيق التكامل / الإدماج الفعال لخطط مكافحة الجفاف والتصحر في أطر التنمية الوطنية والميزانية. وهذا يساهم في التقدم المحدود في حشد مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين والاستثمارات من أجل تنفيذ برامج العمل الوطنية وبرامج الإدارة المستدامة للأراضي الأخرى. وتتمثل هذه العقبات في ضعف التنسيق والتعاون، وعدم كفاية الإرادة السياسية، والافتقار إلى الفهم العميق والتقدير المتعمق للجفاف والتصحر، ولا سيما صلاتهما بالحد من الفقر وفوائدهما، والقيود المؤسسية بما في ذلك تلك المتعلقة بـ “النفوذ”، ونقص الأدوات وسيادة خطر “الإدماج الزائد” الذي يجب معالجته.

4- هناك أيضًا نقص في التآزر والتنسيق في تنفيذ الاتفاقية المتعلقة بالصحراء والجفاف، وهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر واتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

5- إن القدرات المؤسسية الضعيفة، بما في ذلك الهياكل المؤسسية الضعيفة والقدرة غير الكافية من الموارد البشرية؛ يقيدان إدماج شواغل الجفاف والتصحر في التخطيط القطاعي ويعيق التعاون والتنسيق عبر القطاعات ومتعدد التخصصات. علاوة  على نقص القدرات لدى المكاتب المركزية الوطنية الخاصة بتنسيق وتخطيط وتنفيذ برامج وأنشطة مكافحة التصحر، بالاضافة لافتقارها للدعم التشريعي؛ ونقص الموارد المالية والبشرية المطلوبة.

6- لا يزال إصلاح السياسات والتشريعات وإنفاذها لضمان الانسجام وضمان الملكية القانونية الواضحة وحقوق الوصول إلى الأراضي والمياه والموارد الطبيعية الأخرى مهمة شاقة. فالحقوق القانونية وحقوق الملكية غير الواضحة للأرض هي واحدة من الحقوق الأساسية التي تجعل الفقراء غير راغبين في الاستثمار في ممارسات الاستخدام المستدام للأراضي على المدى الطويل مثل إعادة التحريج، والحراجة الزراعية، وتدابير الحفاظ على التربة والمياه.

الحلول وفرص الخروج من الأزمة

أثبت العقدان الماضيان أن العالم كيان واحد يتأثر ويؤثر في بعضه البعض؛ فانتهاكات المناخ تحديدًا التي تمت في مناطق جغرافية، أثرت على مناطق أخرى ليس لها دخل بها. كما أن نتائج هذه الانتهاكات من هجرات ونزوح أثرت على دول مجاورة للدول التي تأثرت بالتغيرات المناخية. وبالتالي فمن الواضح أن الحد من الجفاف والتصحر كأحد نتائج التغيرات المناخية هو واجب على الكل من أفراد لحكومات ومؤسسات وطنية ودولية العمل على مجابهة هذه الاثار. وفيما يلي بعض المقترحات:

  • الحد من زيادة الاحترار الذي يتسبب في ارتفاع درجة حرارة البحار لكونه سببا رئيسا في تغير خريطة الأمطار المسبب للجفاف والتصحر وما يتبعهما من مشكلات بيئية ومناخية أخرى.
  • العمل على نشر نظم الإنذار المبكر بالأخطار البيئية في دول العالم أجمع؛ مع توفير التمويل اللازم لجمع البيانات وتحليلها من أجل تيسيير وضع خطط للحد من الأثار السلبية على مستوى الافراد والحكومات.
  • العمل على نشر ثقافة الحفاظ على البيئة على مستوى الأفراد والشركات والمؤسسات؛ وكيفية العمل على الحد من الجفاف والتصحر وعلاج أثارهما.
  • العمل من قبل المؤسسات والمانحين الدوليين على توفير التمويل اللازم للدول الافريقية لمقاومة والحد من الجفاف والتصحر؛ ولمنع الدول المعرضة والتي لم تحدث هذه الظواهر بها.
  • وضع استراتيجيات تعمل على تكثيف استخدام الموارد الطبيعية، لتطوير سبل عيش متنوعة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73899/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M