أيهم مقدسي
مقدمة
بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن صفقة كوشنر أو ما بات يسمى بصفقة القرن وتحديده لملامح أساسية لخارطتها([1])، يثار التساؤل عن وجود مؤشرات ودلالات لدور قادم للمملكة الأردنية الهاشمية كلاعب رئيسي في أي مستقبل لحل القضية الفلسطينية سواء وفق تسويات كوشنر – صفقة القرن أو ضمن تفاهمات وسناريوهات أخرى سيتم إيجادها كبدائل للصفقة، بالتالي فإن الأردن أمام استحقاقات قادمة قد تمهد لتحويل دبلوماسيته من دبلوماسية ناعمة إلى أكثر فاعلية ليس فقط بسبب توجهات الإدارة الأمريكية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وطبيعة العلاقات مع إسرائيل، بل أيضًا فيما يرتبط بها من مسار التصعيد ضد إيران بعد مقتل قاسم سليماني وانعكاساته على دول الخليج والعراق والمنطقة ككل، لذلك فإن الأردن حاليًا بات أمام محيط مليء بالأزمات والأحداث، سواء من الشمال جهة سورية، أو الغرب من جهة فلسطين، وشرقًا في العراق، وجنوبًا دول الخليج، وعليه فمن المتوقع حدوث تغييرات على صعيد السياسة الخارجية للأردن وفق ما بات يسمى بصفقة القرن.
وقد يترافق ذلك مع تبدل في سياسات المملكة الداخلية، خصوصًا في ظل وجود تيارات وقوى عدة تطالب بإجراء تعديلات على مستوى الحكم وعلى مستوى سياسات الدولة، بالإضافة إلى حدوث احتجاجات سابقة في بعض البلدات والمحافظات الأردنية، كالكرك والسلط، ضد غلاء الأسعار ورفع الضرائب وبعض السياسات الحكومية الأخرى، حيث يعاني المجتمع تفاقمًا في نسبة البطالة بين الشباب وارتفاع معدل الفقر([2]).
عدا عن وجود معارضة لدى شريحة من الشعب الأردني على سياسات الحكومة فيما يتعلق بطبيعة العلاقة مع إسرائيل، وقد ظهر ذلك في احتجاجات الخريف الماضي التي كان سببها صفقة غاز أبرمتها الحكومة مع إسرائيل عام 2016 على أن يتم تطبيق بنودها كاملة في عام 2020، على الرغم من تصويت البرلمان الأردني على إلغائها ورفضها بشكل كامل([3]).
جاء ذلك بعد رضا شعبي على قيام الحكومة بإعادة رسم خارطة البلاد الجغرافية من جديد، بعد أن أعلن الملك عبد الله الثاني، فرض كامل السيادة على منطقتي الباقورة والغمر، اللتين كانتا تتبعان لإسرائيل مدة 25 عامًا([4]).
وبين الرضا على هذه الخطوة والاحتجاج على صفقة الغاز ستكون الحكومة الأردنية أمام خيارات داخلية صعبة خصوصًا إذا ما توجهت الدبلوماسية الخارجية للبلاد نحو الدخول في صفقة القرن، ما قد يؤدي إلى زيادة الاستياء الشعبي وتجدد الاحتجاجات وانخراط العشائر العربية في الضفة الشرقية على نطاق أوسع فيها بعد أن كانت محصورة في الماضي بالمواطنين الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية باتت اليوم تظهر في قلب المنطقة الجنوبية الأردنية، حيث الولاءات العشائرية لا تزال قوية، وقد لا تتوقف حينها مطالب المحتجين على معارضة توجهات الحكومة بل قد تطال المطالبة بتغيير شكل الحكم في الأردن، خصوصًا وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد أعلن في شهر سبتمبر/ أيلول 2019 عن عزمه ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت لإسرائيل في حال فوزه في الانتخابات البرلمانية([5]).
مستقبل نظام الحكم بين الحراك السياسي وتوجهات الشارع
عام 2015، قام الملك عبد الله الثاني بتسليم الراية الهاشمية([6]) للقوات المسلحة -الجيش العربي، لافتًا لانتباه المراقبين حول طبيعة هذه الخطوة وأهدافها ودلالاتها، وحينها نشر الديوان الملكي الهاشمي فيديو ومجموعة من الصور تظهر مراسم تسليم الراية للجيش العربي، خلال مراسم عسكرية مهيبة في ساحة قصر الحسينية بمناسبة أعياد الجلوس والجيش والثورة العربية الكبرى؛ وكان من اللافت ظهور عدد من الجنود الملثمين بـالشماغ الأحمر المقلوب، -يعني الشماغ المقلوب بالعرف البدوي الأردني الرجل الذي يطلب ثأرًا ويريد الحرب من أجله- وجاء الحدث بعد أيام من توجيه القائد الأعلى للقوات المسلحة بضرورة اتباع طريقة جديدة للتجنيد([7]).
وقد فسر هذه الخطوة مراقبون بأن: “الطريقة الملكية اعتادت على إيصال الرسائل التي تكون فيها الكثير من الترميز والدلالات من دون مباشرة واضحة وهو ما يفهمه الأردنيون جيدًا”([8])، وأن تسليم الراية كان مفاده رفع التأهب على المستوى السياسي والعسكري والشعبي لأن الأردن سيكون مقبلًا على استحقاقات كبيرة تتطلب مشاركة تلك الأوساط الأسرة الهاشمية للتعامل معها، وأيضًا ما دفع الملك إلى إعطاء الراية للجيش هو رسالة إيكال مهمة له لحماية الحكم الهاشمي.
وبالعودة إلى تاريخ الأردن، فقد تشكلت الإمارة الهاشمية في الأردن والضفة الغربية عام 1921، وقد حكمها الهاشميون بقيادة الملك عبد الله الأول، وقام بتشكيل دولة دائمة من مجتمعٍ قبلي بدوي بعد خلافات مع وجوه قبلية وقام بتطوير الأنظمة المؤسسية للأردن الحديثة، وأصدر أول قانون في الأردن عام 1928. وكانت هذه الإمارة الملجأ الأخير للأسرة الهاشمية بعد الإطاحة بالحكم الهاشمي في العراق وسوريا بانقلاب عسكري على يد عبد الكريم قاسم في العراق عام 1958، بعد أن قُتل الملك فيصل الثاني وخاله عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد، ثم أعلنت على خلفيتها الجمهورية ونهاية حكم الهاشميين للعراق، وقبلها نهاية حكم الملك فيصل في سوريا على يد الانتداب الفرنسي عام 1920 عقب معركة ميسلون.
واستقلت المملكة الأردنية الهاشمية عن بريطانيا عام 1946، وبعد اغتيال الملك عبد الله الأول في القدس استلم ابنه الملك طلال الحكم لفترةٍ قصيرة، ثمّ أعلن ابنه الأكبر حسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية عام 1952 الذي سقطت في عهده القدس والضفة الغربية بيد الإسرائيليين عام 1967، وبعد وفاته تولى الملك عبد الله الابن الأكبر للملك حسين حكم المملكة الأردنية الهاشمية([9]).
كان النظام الأردني على مدى التاريخ قادرًا على تحمل السخط الشعبي من خلال اعتماده على “دعم سكان الضفة الشرقية وهم الأردنيون الذين سكنوا المنطقة قبل وصول اللاجئين الفلسطينيين الأوائل عام 1948. وقد وقف هؤلاء السكان إلى جانب النظام الهاشمي خوفًا من وصول أغلبية من ذوي الأصول الفلسطينية إلى السلطة إذا ما وقعت ثورة في البلاد. لكن على مدى الأعوام الماضية، عانت المملكة من احتجاجات مستمرة تركزت حول مسائل التباطؤ الاقتصادي وانتشار الفساد وهي قضية ربما تعمل للمرة الأولى على توحيد المحتجين من سكان الضفة الشرقية ومن ذوي الأصول الفلسطينية”([10]).
ولا تزال المشاكل الاقتصادية المرتبطة بملفات فساد حكومية تمثل مشكلة حساسة في الأردن، وهي مسألة لها دويها وأثرها بين أنصار الملكية القبليين ومنتقديها الإسلاميين وغيرهم الذين أصبحوا ضمن ائتلاف معارضة لا يشمل معارضي النظام الملكي الإسلاميين الدائمين فحسب، بل أيضًا عددًا متزايدًا من سكان الضفة الشرقية وعلى الرغم من أن التوجهات المعارضة في صفوف هذه المجموعات التي باتت تعرف باسم – الحِراك، ربما لا تكون واسعة الانتشار بين قبائل المملكة، إلا أن أعضاءها متماسكون ورفعوا انتقادات غير عادية ضد الملك عبد الله منذ عام 2012([11]). وهو ما دفع الأخير إلى القيام بعدة إقالات وتعيينات رؤساء الوزراء ووصلت إلى سبعة رؤساء وزراء في السنوات الماضية كان آخرها استقالة رئيس الحكومة السابق هاني الملقي، ثم استقالة مجلس وزراء خلفه عمر الرزاز([12]).
وكانت هذه الخطوات من الملك تهدف إلى “نزع فتيل المسيرات والمظاهرات([13]) من خلال مجموعة من التوجهات كالإنفاق المعتمد على الاقتراض والإصلاح الدستوري الجاد لكن المحدود. ويبدو أيضًا أن الخوف من الفوضى على غرار ما حدث في سوريا قد ثبط عزيمة العديد من الأردنيين الذين كان يحتمل أن يكونوا من المحتجين. وبالمثل احتوى العاهل الأردني المعارضة من خلال القيام بأشكال أخرى من الضغط، بما في ذلك شن حملة متواصلة من الاعتقالات”([14]).
أيضًا لم تشمل السياسات الملكية احتواء حركة الشارع المعارض فحسب، بل هدفت إلى حماية أركان الأجهزة السيادية للدولة فقد قام الملك العام الفائت 2019، بإحالة اللواء عدنان الجندي من إدارة المخابرات العامة الأردنية إلى التقاعد، وتعيين اللواء أحمد حسني حسن مديرًا للدائرة خلفًا له، كما تم قبول الديوان الملكي لاستقالة عدد من كبار المستشارين وكبار موظفيه، وتعيين عدد من المستشارين الجدد للعاهل الأردني، في إطار ما سُميت إعادة الهيكلة بالديوان([15]).
وبناء على ماسبق فإن القيادة الأردنية تدرك أن الوضع الداخلي محتقن على صعيد الشارع من جهة وعلى صعيد قوى سياسية وعشائرية تناهض توجهات الدولة من جهة أخرى، لذلك يحاول العاهل الأردني السعي قدر الإمكان لسد الثغرات التي من الممكن أن تتسع لتصبح فجوات تهدد نظام الحكم، لذلك فإن القيادة الأردنية تحاول أن تبقي دائرة التغييرات على الحكومة وبعض المسؤولين المتنفذين في قيادة الاستخبارات والديوان الملكي، بهدف إبقاء سقف أي احتجاجات أو معارضة سياسية ضمن هذه الدائرة دون أن تخرج إلى سقف أعلى وهو المساس بالحكم الهاشمي والمطالبة بتغيير نظام الحكم. خصوصًا في ظل ترقب الأوساط السياسية والشعبية في الأردن للخطوات العملية التي ستتلو الموقف الرسمي الرافض لصفقة القرن التي أعلن عنها ترمب، وقد خرجت مظاهرات في مناطق عدة مناهضة لمضامينها([16])، لذلك لم تعد استمالة الشارع بالنسبة للقيادة الأردنية مرتبطة فقط بالوضع الداخلي والسياسات الحكومة الداخلية إنما أيضًا بالتوجهات الدبلوماسية للبلاد([17]).
صفقة القرن والمخاوف الأردنية
أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مؤخرًا عن رفض بلاده لصفقة القرن وتأكيده على أن “حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الشامل والدائم، وأن المواقف الثابتة للمملكة إزاء القضية الفلسطينية والمصالح الوطنية الأردنية العليا هي التي تحكم تعامل الحكومة مع كل المبادرات والطروحات المستهدف حلها”([18]). ودعوة رئيس اتحاد البرلمانات العربية ورئيس البرلمان الأردني، عاطف الطراونة، لعقد مؤتمر، تحت شعار “دعم ومساندة الأشقاء الفلسطينيين في قضيتهم العادلة، قضية العرب والمسلمين” لبحث صفقة القرن([19]). ووفق ما جاء في تفاصيل الصفقة فإن ما يرتبط منها بالأردن ما يلي([20]):
1. تسهيل سفر الفلسطينيين من وإلى المملكة، والسماح للأردنيين والأجانب بالدخول إلى فلسطين، وتسري على ذلك اللوائح والقوانين الأردنية.
2. توصي الولايات المتحدة بتشكيل لجنة أمنية أعضاؤها من الولايات المتحدة وفلسطين ومصر والسعودية والإمارات والأردن، للتنسيق ومراجعة سياسات مكافحة الإرهاب.
3. تطوير أنظمة حماية الحدود بين الأردن وفلسطين ومصر وإسرائيل.
4. تأسيس مجلس يطلق عليه (مجلس المشرفين)، من ممثل أمريكي وأردني وفلسطيني وإسرائيلي، يهدف لتحسين آليات عبور الحدود ومعاملة العابرين، وتُقدِّم اللجنة تقاريرها إلى الأردن وفلسطين ومصر وإسرائيل، وتقاريرها غير ملزِمة.
5. إنشاء منطقة حرة بين الأردن وفلسطين يتم الاتفاق على مكانها لاحقًا، ويتم إنشاء مطار لخدمتها في الأردن.
6. بموافقة الأردن يجوز لدولة فلسطين استخدام وإدارة جزء من ميناء العقبة دون المساس بالسيادة الأردنية، وتكون الأردن مسؤولة عن الجوانب الأمنية، ويسري عليها القوانين الأردنية.
7. تسمح إسرائيل لفلسطين بتطوير منتجع على الشاطئ الشمالي من البحر الميت دون المساس بسيادة إسرائيل، بحيث لا يؤثر على اتفاقيات توزيع الموارد الطبيعية بين الأردن وإسرائيل في البحر الميت.
8. إنشاء هيئة مشتركة أردنية فلسطينية إسرائيلية، لتعزيز السياحة الدينية في الأماكن المقدسة، وتكون عائداتها للدول الثلاث.
9. تعاون أردني إسرائيلي لتحقيق أمن الحدود.
10. تعاون أمني أردني فلسطيني إسرائيلي لحماية حدود إسرائيل، وإذا تعذر ذلك يحق لإسرائيل التصرف وحدها.
11. يتم ربط غزة بالشركاء التجاريين؛ الأردن ومصر ولبنان وإسرائيل.
12. تبلغ حصة الأردن من الأموال المرصودة للصفقة حوالي 7.3 مليار دولار، مقسمة على عشرة أعوام، وسيتم تنفيذ مشاريع عملاقة؛ كخط سكك حديد، والباص السريع من الزرقاء لعمان، وناقل البحر الأحمر، بالإضافة إلى عدة صناديق لإنعاش اقتصاد المملكة الأردنية.
وعلى الرغم من مناهضة عمان للصفقة إلا أن الإدارة الأمريكية تسعى لتمريرها وتطبيقها على أرض الواقع وفق الخريطة التي تم رسمها، والتي أيضًا تعزز مخاوف عمان بعد وعود بنيامين نتنياهو بضم غور الأردن حيث تغطي هذه المنطقة تقريبًا ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة وستقطع جميع الاتصالات بين المملكة والدولة الفلسطينية المزعومة، ثم يتم تقليصها إلى عدد قليل من المناطق المتفرقة التي ستكون مرتبطة فيما بينها عن طريق مسالك وأنفاق تتجنب المستوطنات. عدا عن أن “الفلسطينيين في الأردن يشكلون حاليًا نحو 50 إلى 55 بالمائة من عدد سكان الأردن وبالتالي فإن أي انتقال لمزيد من الفلسطينيين إلى الأردن سيغير التركيبة السكانية وسيحول الأردنيين أنفسهم إلى أقلية في بلادهم لن تزيد عن 20 بالمائة. كما أن المملكة تتعامل بحساسية تجاه أي تغييرات في وضع القدس ولا سيما بعد قرار إدارة ترامب الاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل. فمنذ عام 1924 تولت الأسرة الهاشمية الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، فيما يبدو أن الملك الأردني يشعر بقلق بالغ من خطة كوشنر والتي قد تهدد هذه الوصاية، خاصة مع التلويح بإمكانية سحب هذا الملف من الأردن على أن يتولاه المغرب أو السعودية”([21]). وهو ما يهدد النظام الملكي في الأردن بشكل مباشر.
الدبلوماسية الأردنية مع إسرائيل
لا يبدو أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية في أفضل أحوالها، حيث اعتبر الملك عبد الله الثاني العام الماضي أن العلاقات تمر بمرحلة هي الأسوأ حتى أن البعض اعتبر أن هذا التوتر يهدد اتفاقية وادي عربة للسلام بين الجانبين الموقعة عام 1994([22])، لكن على الرغم من وجود ملفات ظهر فيها الخلاف الحاد بين الدولتين -كقضية اعتراض الأردن على بناء إسرائيل لمطار يبعد 18 كم عن مدينة إيلات، وكقضية المحتجزين الأردنيين اللذين عبرا إلى الضفة الغربية وتم احتجازهما ثم إطلاق سراحهما([23]) إلا أن قضايا كبرى كانت محل توافق أهمها:
1. اتفاقية الغاز
مطلع 2020 وصلت أولى دفعات ضخ الغاز إلى الأردن، وفق اتفاقية وقعت عام 2016 بين شركتي الكهرباء الوطنية الأردنية (نيبكو) ونوبل جوردان ماركيتينغ NBL لاستيراد الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي على سواحل البحر المتوسط([24]). وتنص الاتفاقية على تزويد الأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، بقيمة عشرة مليارات دولار على مدار 15 عامًا، اعتبارا من الأول من يناير/ كانون الثاني 2020([25]).
وتعتمد الأردن على مصر لوارداتها من الغاز بنسبة 80%، بيد أن هذه الواردات تضررت بسبب تعرّض الأنابيب بين الدولتين للتخريب والتفجير على يدّ جماعات مسلحة في شبه جزيرة سيناء حتى باتت غير قابلة للتصليح، ما دفع الحكومة الأردنية إلى المضي قدمًا بتنفيذ الصفقة مع إسرائيل بهدف التخفيف من فاتورة الكهرباء بمعدل 600 مليون دولار سنويًا([26]). وعليه لن تتمكن الحكومة بسهولة من التخلي عن الاتفاق مع إسرائيل على الرغم من المعارضة الشعبية لها، لأن البدائل لدى الحكومة غير متوفرة وهو ما سيؤدي إلى إلحاق الضرر أكثر باقتصاد البلاد.
2. قضية الباقورة والغمر
قام الجيش العربي (الأردني)، برفع العلم الأردني في أراضي الباقورة في أواخر عام 2019، معلنًا انتهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الغمر والباقورة وفرض السيادة الأردنية الكاملة عليها، بعد 25 عامًا من توقيع اتفاقية السلام مع تل أبيب، ولم تعترض الأخيرة أو تتحفظ على تسليم المنطقتين إلى الحكومة الأردنية على الرغم من أنه كان لديها خيار التوجه إلى التحكيم الدولي للنظر في أحقية تملكهما([27]).
وكان الأردن وافق وقت توقيع اتفاق سلام وادي عربة على انتفاع إسرائيل من أراضي المنطقتين بعدما ظلتا تحت السيطرة الإسرائيلية لمدة 45 عامًا. وتبلغ مساحة الباقورة 820 دونما في شرقي نقطة التقاء نهر الأردن مع نهر اليرموك، احتلتها إسرائيل عام 1950، أما الغمر، فتقع في وادي عربة بين جنوب البحر الميت وخليج العقبة، بمساحة 4235 دونما، احتلتها إسرائيل خلال الفترة 1968-1970 ثم تم الاعتراف بحق السيادة الأردنية على المنطقتين سياسيًا، لكن على أن يتم تسليم إعادة المنطقتين بعد مرور 25 عامًا. ومن المتوقع أن تقوم الأردن باستثمار الباقورة والغمر في مشاريع زراعية وسياحية كون أنهما خصبتين وتحويان كميات كبيرة من المياه الجوفية ما يعني أن استعادتهما ستكون قيمة مضافة إلى الاقتصاد الأردني من جهة وإلى طبيعة العلاقات الإسرائيلية الأردنية من جهة أخرى([28]).
بالنتيجة فإن العلاقات الأردنية الإسرائيلية انتقلت إلى مرحلة جديدة أكثر فاعلية من ذي قبل على مستوى قضايا هامة متعلقة باتفاقيات محورية تمثل أولوية بالنسبة للسياسات الأردنية، لذلك فإن واقع العلاقات العملي يخالف حجم التجاذب الدبلوماسي الإعلامي بين الدولتين، وستجد عمّان نفسها أمام ضغوطات في العلاقة مع تل أبيب بعد إعلان مناهضتها لصفقة القرن، لكن من غير المتوقع أن تتجه إسرائيل إلى رفع مستوى هذه الضغوطات لتشمل _على سبيل المثال_ إلغاء اتفاقية الغاز أو عودتها للسيطرة على الباقورة والغمر.
خلاصة
تعتبر خيارات القيادة الأردنية محدودة في المواكبة بين تحقيق الاستقرار الداخلي سياسيًا واقتصاديًا وبين التمسك بموقفها من صفقة القرن مع عدم إحداث ضرر بالغ بالعلاقات مع الجانب الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، خصوصًا وأن الحكومة الأردنية تعتمد بشكل كبير على منح المساعدة الأمريكية لدعم الموازنة العامة والتي تم تقديم آخرها في نهاية العام الماضي 745 مليون دولار([29]) لتبلغ بذلك حجم المساعدات خلال سنة 2019 المقدمة للأردن 1.1 مليار دولار. لذلك ستواجه المملكة ضغوطات أمريكية للقبول بصفقة القرن ولو بشكل غير معلن مقابل زيادة في مقدار المنح المالية المقدمة للأردن يما يعطي فرصة للحكومة بتنفيذ إصلاحات اقتصادية تساهم في امتصاص غضب الشارع الرافض لصفقة القرن، والتي تتيح بالفعل وفق تفاصيلها المعلنة لعمان حصة من الأموال المخصصة للصفقة تبلغ قرابة 7.3مليار دولار، مقسمة على عشرة أعوام.
لكن قد لا تستجيب المملكة للضغوطات والقبول المباشر ببنود الصفقة، بالتالي ستحاول اللعب على المتناقضات في الحفاظ على موقفها من الصفقة لضمان عدم غليان الشارع وتهديد نظام الحكم، والموازنة في العلاقات مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي عبر التفاوض على دور الأردن في صفقة القرن وفق مسميات جديدة، وقد تتجه فيها الأردن إلى لعب دور وساطة محوري بين الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول إلى رؤية حل قائمة على جمع النقاط المشتركة بين حل الدولتين وصفقة القرن، وحينها ستكون الأردن قد انتقلت إلى دبلوماسية خارجية جديدة أكثر براغماتية.
“الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر برق للسياسات والاستشارات“
جميع الحقوق محفوظة لدى برق للسياسات والاستشارات©2020
([1]) “بعد الإعلان عن “صفقة القرن”.. ترامب ينشر خريطة “دولة فلسطين” المستقبلية”. سي إن إن، 28-1-2020. https://cnn.it/2S9zsib
([2]) “مشاكل الأردن في حديقته الخلفية”. بروكنجز، 22-2-2017. https://brook.gs/31EFPgt
([3]) “الأردن.. وقفات احتجاجية رافضة لاتفاقية الغاز مع إسرائيل”. الأناضول، 10-1-2020. https://bit.ly/2tHFCwt
([4]) “ربع قرن على اتفاقية السلام مع إسرائيل.. الأردنيون ينتظرون عودة الباقورة والغمر”. الجزيرة نت، 25-10-2019. https://bit.ly/2OIl5iO
([5]) “ما أهمية منطقة غور الأردن التي تعهد نتنياهو بضمها لإسرائيل؟”. بي بي سي، 11-9-2019. https://bbc.in/39qZy6d
([6]) الرايات الهاشمية، موقع الملك عبد الله الثاني. https://bit.ly/2SyF58m
([7]) “عبدالله الثاني يسلم الجيش «الراية الهاشمية»”. البيان، 11-6-2015. https://bit.ly/39it8KX
([8]) المرجع السابق.
([9]) “الملكية الهاشمية في العراق”. الجزيرة نت، تاريخ المشاهدة 3-2-2020. https://bit.ly/2SyEWSm
“نشأة المملكة الأردنية الهاشمية”. عمون، 22-10-2013. https://bit.ly/2w4TkdN
لمزيد من الاطلاع راجع كتاب “الوثائق الهاشمية أوراق عبد الله الحسين”. جامعة آل البيت، 1998. https://bit.ly/3bhINMi
([10]) “هل ستكون الأردن أول ملَكية عربية تسقط؟”. معهد واشنطن، 8-1-2013. https://bit.ly/2OH5boR
([11]) “وفد من المعارضة يزور معتقلي الحراك ويؤكد أن قضيتهم من أهداف ” 5/10 “. المدينة الإخبارية، 2-10-2012. https://bit.ly/379DsDG
([12]) “الأردن: استقالة حكومة الرزاز تمهيدا لإجراء تعديل وزاري”. فرانس 24، 8-5-2019. https://bit.ly/377ERud
“مشاكل الأردن في حديقته الخلفية”. بروكنجز، 22-2-2017. https://brook.gs/31EFPgt
([13]) “التوتر يتصاعد في عمّان: الأردن في ظلال صدام السلطة والحراك”. العربي الجديد، 16-6-2019. https://bit.ly/2UCS2ks
([14]) المرجع رقم (9).
([15]) “إقالة مدير المخابرات وهيكلة الديوان الملكي.. هكذا واجه الأردن “المؤامرة”. الخليج أونلاين، 1-5-2019. https://bit.ly/2UBnsrd
“ماذا وراء التغييرات الأمنية في الأردن؟”. الحرة، 4-5-2019. https://arbne.ws/2SpkQtK
([16]) “شاهد.. مسيرات احتجاجية في الأردن على “صفقة القرن”. سي إن إن، 21-1-2020. https://cnn.it/2UFjo9l
([17]) “Jordanians worry that the ‘deal of the century’ will come at their expense”. The Washington Post, 1-6-2019. https://wapo.st/31Cld8L
([18]) “الأردن في أول تعليق على نشر “صفقة القرن”: حل الدولتين السبيل الوحيد للسلام”. روسيا اليوم، 28-1-2020. https://bit.ly/2OFpnaB
([19]) “الأردن.. انطلاق فعاليات مؤتمر برلماني عربي لبحث “صفقة القرن”. الأناضول، 8-2-2020. https://bit.ly/38hkmg8
([20]) “دور الأردن في صفقة القرن”. صحيفة الدستور الأردنية، 2-2-2020. https://bit.ly/2UyTUux
([21]) “الأردن – لماذا كل هذا الرفض لـ “صفقة القرن”؟. دي دبليو الألمانية، 30-5-2019. https://bit.ly/2UCvL6f
([22]) لقراءة نص الاتفاقية كاملًا انظر “الاتفاقيات بين اسرائيل والأردن”. موقع السفارة الإسرائيلية في الأردن، https://bit.ly/2vm3JRH
“Jordan and Israel’s 25-year peace deal under more strain than ever”. The Gradian, 26-11-2019. https://bit.ly/2Uzb9ff
([23]) “عام 2019.. الأسوأ في سلم العلاقات الأردنية الإسرائيلية”. عربي 21، 24-12-2019. https://bit.ly/31FlkAd
([24]) “إسرائيل تبدأ استخراج الغاز من حقل «ليفياثان»”. صحيفة الشرق الأوسط، 31-12-2019. https://bit.ly/3blKN6d
([25]) “الغاز الإسرائيلي يتدفق إلى الأردن.. هل توقفت الرسائل الخشنة؟”. الجزيرة نت، 2-1-2020. https://bit.ly/3bp2Sk4
([26]) “الاحتجاجات في الأردن على صفقة الغاز مع إسرائيل تكشفت عن خلافات أعمق”. بروكنجز، 23-10-2016. https://brook.gs/37gJUbL
([27]) “الباقورة والغمر تعودان للسيادة الأردنية .. بعد 25 عامًا من توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل”. صحيفة الدستور الأردنية، 11-11-2019. https://bit.ly/2H7pW8V
([28]) “استثمار الباقورة والغمر يسهم في خلق فرص عمل للأردنيين”. المملكة تي في، 11-11-2019. https://bit.ly/2H9024H
([29]) “الولايات المتحدة تقدم منحة مالية ضخمة للأردن”. القدس العربي، 15-12-2019. https://bit.ly/2unHriI
رابط المصدر: