سعت الدولة المصرية منذ عام 2014 إلى إحداث تنمية حقيقية بشبه جزيرة سيناء، حيث رأى صانعو القرار السياسي في مصر، أن الحل الوحيد لإنهاء كافة المشكلات الأمنية الموجودة يجب أن يكون من خلال تدعيم النشاط الاقتصادي هناك، وهو ما من شأنه تحقيق التنمية الاقتصادية لأهالي سيناء، وبالتالي القضاء على كافة الاحتمالات المؤدية إلى تنامي الظواهر السلبية اجتماعيًا مثل التطرف والإرهاب.
وضع قديم يحتاج إلى التطوير
لم تحظ شبه جزيرة سيناء علي مدار تاريخها تقريبًا بأي شكل من أشكال الاهتمام التنموي, ويعزى هذا الأمر إلى اعتبار أرضها منطقة تخوم صحراوية مفتوحة للدولة المصرية, فسيناء ليس بها أي مقومات للنشاط الزراعي مثل الأنهار والأراضي الخصبة, كما أنها كانت محرومة من مرور الطرق التجارية الأساسية الرابطة بين أوروبا وآسيا, حيث كانت تعبر تلك الطرق فيما قبل حفر قناة السويس بالموانئ الواقعة في منطقتي الإسكندرية والدلتا مرورًا بوادي النيل, وصولًا إلى الموانئ الواقعة على سواحل البحر الأحمر عند السويس والقصير و غيرها من الموانئ.
لذلك لم تعتبر شبه جزيرة سيناء حتى بداية القرن الماضي سوى بوابة عسكرية شرقية للُقطر المصري، فأخطر الهجمات العسكرية التي واجهتها الدولة المصرية جاءت من تلك البوابة، ومنها مثالًا وليس حصرًا هجوم الهكسوس في القرن السابع عشر قبل الميلاد، والفرس في القرن السادس قبل الميلاد، والعثمانيين في القرن السادس عشر ميلاديًا لكن القرن العشرين حمل معه بعض ملامح التطوير التنموي المحدود في شبه جزيرة سيناء، إذ ساعدت التطورات التكنولوجية في مجالات التعدين واستخراج البترول، على خلق مجتمعات سكنية صغيرة قائمة على تلك تشغيل تلك الصناعات وأيضًا قائمة على تشغيل خدماتها اللوجستية مثل النقل بالبر أو البحر.
التنمية في شبه جزيرة سيناء واجهت الكثير من العثرات، خاصة بعدما تعرضت أرضها خلال النصف الثاني من القرن العشرين إلى العديد من التوترات العسكرية، وهو ما أفضى إلى حرمان سيناء وأهلها من كافة أشكال التطور الاقتصادي والخدمي، ليؤدي ذلك بدوره إلى توفير بيئة صالحة لنمو مختلف الأنشطة الإجرامية والإرهابية.
شبكة متكاملة من الطرق
دائمًا ما تقترن أولى خطوات التنمية في أي نطاق أو إقليم جغرافي، بتشييد الطرق الرابطة بين هذا الإقليم والعالم الخارجي المحيط به، لذلك اهتمت الدولة المصرية منذ أكثر من سبعة أعوام بتطوير شبكة الطرق البرية الرابطة بين وادي النيل وسيناء، بالإضافة إلى تطوير شبكة الطرق الداخلية الواقعة داخل شبه الجزيرة والمقدرة حتى الآن بأكثر من 20 طريق. البداية كانت بتنفيذ محور 30 يونيو البالغ طوله 210 كم والذي يسهل عملية الترابط الرأسي بين إقليم القاهرة الكبرى والدلتا والبحر الأحمر من جهة، وأقاليم قناة السويس وشبه جزيرة سيناء من جهة أخرى.
كما اهتمت الدولة بتطوير الطريق الدولي الساحلي والذي سيربط غرب البلاد عند الحدود مع ليبيا مع منطقة بورسعيد شرق البلاد بطول 780كم، ليصب هذا الطريق مباشرة عند الطرف الشمالي الغربي من شبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى ذلك طورت الدولة العديد من الطرق الواقعة غرب قناة السويس، والرابطة بشكل فرعي مع إقليم سيناء مثل جنيفة بطول 104 كم، وطريق المعاهدة بطول 80 كم، ووصلة نفق الشهيد أحمد حمدي بطول 20 كم.
الطرق داخل سيناء جرى تطويرها بشكل جعل منها شبكة قوية، تساعد على تسهيل حركة المركبات والأفراد بين مناطق شمال وجنوب ووسط شبه الجزيرة، حيث اتمت الدولة تطوير ثلاثة طرق في شمال سيناء، كان أهمهم طريق العريش الجفجافة بطول 80 كم. كما نجحت الدولة في تطوير 7 طرق أخرى في وسط سيناء بأجمالي أطوال فاقت 600 كم، كان منهم الطريق الرابط بين نخل ونفق الشهيد أحمد حمدي بطول 117 كم، أما في جنوب سيناء فلقد كان له حظ من إنشاء وتطوير 5 طرق بأطوال فاقت 500كم متر، وكان أهمهم على الإطلاق مشروع طريق النفق – شرم الشيخ الذي امتد على مسافة 342 كم.
سلسلة من الأنفاق والكباري العائمة
العبور من وإلى سيناء, كان سابقًا أحد أكبر المشكلات التي تواجه المركبات والأفراد, ولقد تسبب في تلك المعاناة محدودية عدد الكباري والمعديات والأنفاق التي تخدم حركة المواطنين بين ضفتي قناة السويس, فلم يكن يوجد علي سطح القناة قبل 2014م سوى كوبري علوي واحد وهو كوبري السلام المعلق, كما لم يكن يوجد تحت مجرى القناة سوى نفق وحيد وهو نفق الشهيد أحمد حمدي, فضلًا عن وجود مجموعة من المعديات محدودة الفاعلية التي كانت تخدم حركة الركاب والسيارات, وكانت تتمركز على نقاط متباعدة على طول مجرى القناة.
لذلك جري التفكير في زيادة عدد وسائل العبور بين طرفي القناة، وكانت البداية حينما قامت هيئة قناة السويس برفع عدد نقاط المعديات العائمة إلى 10, كما جري تشييد 5 كباري عائمة أحدهم يوصف بالمزدوج أي إنه يتكون من عدد 2 كوبري وذلك لعبور منطقة الازدواج بمجرى القناة، كما نجحت الدولة أيضًا في زيادة عدد أنفاق السيارات تحت القناة لتبلغ 6 أنفاق وذلك بعد إضافة نفقي تحيا مصر بالإسماعيلية، ونفقي 3 يوليو ببورسعيد، بالإضافة إلى نفق الشهيد أحمد حمدي 2 بالسويس إلى جانب النفق القديم القائم الذي يجمل ذات الاسم.
خدمات السكك الحديدية
شهدت أرض سيناء خلال القرن الماضي مرور عددًا من خطوط القطارات الرابطة بينها وبين وادي النيل، بعضها كان يرتبط بالشام والبعض الآخر كان يرتبط بوادي النيل، إلا أن تلك الخطوط اندثرت بفعل العديد من العوامل السياسية والاقتصادية، إلا أن الخط الرابط بين سيناء والإسماعلية عند منطقة الفردان، كان هو الوحيد الباقي وذلك لاهتمام الحكومة المصرية بتطويره بين حين وآخر، لكن هذا الخط واجه تعطلاً منذ أواخر التسعينيات نتيجة لعدة عوامل.
الحكومة المصرية بدأت في وضع الخطط الخاصة لتطوير هذا الخط الحديدي في منتصف العقد الماضي، وذلك بالتزامن مع افتتاح قناة السويس الجديدة، لذلك تم التعاون مع إحدى الشركات الدولية من أجل تطوير كوبري الفردان القديم والمعطل عن العمل منذ سنوات طويلة، كما قامت الدولة أيضًا بالتعاقد على تشييد كوبري حديدي جديد للقطارات، وذلك لعبور مجرى القناة الجديدة بالناحية المقابلة من كوبري الفردان القديم.
ومن المتوقع فور اكتمال هذا المشروع بالإضافة إلى إعادة تشييد الخط الحديدي الواصل من الفردان إلى العريش، أن يصبح الترابط بين مدن شمال سيناء ووادي النيل أكثر سهولة وهو ما يشجع علي نقل البضائع والأفراد مما يسرع من عمليات التنمية في شمال سيناء، وهو ما يعمل على تدعيم مجهودات الدولة الرامية إلى رفع المستويات الاقتصادية بهذا النطاق.
ختاماً، يمكننا الاجمال أن الحكومة المصرية ماضية في إحداث تطويرات جوهرية بملف النقل البري داخل سيناء، وهو ما سيساعد على زيادة ربط أرض الفيروز بوادي النيل، لينعكس ذلك في القريب على زيادة حركة التنمية فيها، مما يشير إلى إمكانية حدوث موجات من الهجرة البشرية إلى سيناء، وبالتالي دحر أي محاولات خبيثة من الأطراف الخارجية لاستغلال هذه البقعة الهامة في تهديد أمن واستقرار مصر.
المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80255/