مشهد جديد: ماذا بعد انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيسًا للعراق؟

محمد فوزي

 

بعد عام من التجاذبات السياسية وسيادة حالة من الاستقطاب على المشهد العراقي، انتخب البرلمان العراقي يوم 13 أكتوبر 2022 عبد اللطيف رشيد رئيسًا للبلاد، بعد جولتين من التصويت تنافس فيها مع الرئيس الحالي برهم صالح، في أعقاب إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني في بيان، سحب مرشحه للرئاسة ريبر أحمد، في مؤشر عكس دعم الحزب لـ “رشيد”. وفور الإعلان عن فوزه برئاسة الجمهورية، أعلن “رشيد” عن تكليف محمد شياع السوداني برئاسة الوزراء، وهي خطوات طرحت العديد من التساؤلات حول مستقبل المشهد السياسي العراقي في ضوء التطورات الراهنة.

خلفيات المشهد الجديد

انتخب البرلمان العراقي عبد اللطيف رشيد رئيسًا جديدًا للبلاد، بعد ثلاث محاولات فاشلة لاختيار رئيس للبلاد. وبدأ التاريخ السياسي لـ “رشيد” في ستينيات القرن الماضي، حين انضم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وشارك في الاجتماعات واللقاءات الخاصة بتشكيل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي انبثق عن الحزب الديمقراطي والتحق به بعد تشكيله. وقد مثلت خطوة اختيار الرئيسي العراقي الجديد استمرارًا لنسق “الهدوء النسبي” الذي خيم على المشهد السياسي في البلاد منذ الأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة الخضراء في يوليو وأغسطس الماضيين، عقب التصعيد بين الإطار التنسيقي للقوى الشيعية والتيار الصدري.

وعلى الرغم من “هامشية” دور الرئيس في المشهد السياسي العراقي، فإن اختيار رئيس جديد للبلاد عبّر عن بدء تجاوز أزمة الفراغ السياسي الذي يشهده العراق منذ أشهر، فضلًا عن تعبير هذه الخطوة عن بدء تشكل مشهد سياسي جديد، وهو المشهد الذي بدأت معالمه تتشكل بالإعلان في 27 سبتمبر الماضي عن تشكيل تحالف “إدارة الدولة” الذي ضم الحزب الديمقراطي الكردستاني، برئاسة مسعود بارزاني، وتحالف السيادة، برئاسة خميس الخنجر، بالإضافة إلى قوى الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة آل طالباني.

وقد عبر تشكيل هذا التحالف عن بدء بعض القوى المتحالفة مع “الصدر” وبالتحديد تحالف السيادة السني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، في الابتعاد عن التيار الصدري، وفي المقابل الاقتراب بشكل نسبي من قوى الإطار التنسيقي المناوئة لـ “الصدر”. وقد حصر هذا الائتلاف أهدافه السياسية في “تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة”، مع السعي “إلى تمهيد الوضع السياسي في البلاد لإجراء انتخابات برلمانية جديدة”.

وبالتزامن مع هذا التغير، أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسى عن استقالته من منصبه في 26 سبتمبر الماضي، لكن أعضاء البرلمان العراقي رفضوا بالأغلبية في 27 سبتمبر هذه الاستقالة، في مؤشر عبّر عن حرص الإطار التنسيقي وحلفائه على استمرار جلسات البرلمان وإنجاز الاستحقاقات العالقة خصوصًا اختيار الرئيس الجديد للبلاد، ومن ثم تشكيل الحكومة، استغلالًا لغياب التيار الصدري، وسعيًا إلى تجاوز فكرة “استرضاء” التيار الصدري، خصوصًا مع توجه بعض الأطراف المتحالفة مع “الصدريين” للقفز من سفينة التيار الذي اختار “التصعيد”.

تكليف “السوداني” لرئاسة الوزراء

عقب اختياره رئيسًا جديدًا للبلاد، كلّف عبد اللطيف رشيد النائب والوزير السابق محمد شياع السوداني القيادي السابق بحزب الدعوة وائتلاف دولة القانون واستقال عام 2019 ويتزعم حاليًا “تيار الفراتين” الذي أسسه عام 2021 وله عدد من النواب في البرلمان؛ برئاسة الحكومة المقبلة.

وينتمي “السوداني” إلى التيار المعروف بـ “عراقيي الداخل” أي من غير القادمين للحكم من المعارضة الخارجية للنظام السابق، بل هو معارض من الداخل عاش داخل العراق ولم يغادره حتى التغيير في عام 2003 وبعده، وفي الفترة بين 2010 و2014، عُين وزيرًا لحقوق الإنسان بالعراق، ثم وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي في الفترة بين عامي 2014 و2017، وفي عام 2016، تولى منصب وزير الصناعة، وشغل لفترة منصب وزير التجارة بالوكالة.

وفور الإعلان عن اختياره رئيس وزراء جديد للعراق، تعهد “السوداني” بتقديم ” تشكيلة حكومية قوية وقادرة على بناء البلد”، وأضاف: “أَعِدُ العراقيين أن أكون عند حسن ظنهم بتقديم التشكيلة الوزارية بأقرب وقت، وأن تكون حكومة قوية وقادرة على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار وبناء علاقات دولية متوازنة”.

وعلى الرغم من النظر إلى “السوداني” على أنه واحد من الشخصيات المعتدلة داخل الإسلام السياسي الشيعي، حيث يرفع الرجل شعارات الإصلاح السياسي، ويتجنب أي خطابات طائفية، إلا أنه يواجه العديد من التحديات التي ستصاحب ملف تشكيل الحكومة الجديدة، ومن أبرز هذه التحديات:

أول التحديات الرئيسة التي تواجه “السوداني” وحكومته الجديدة يرتبط بموقف التيار “الصدري” من الحكومة، حيث أصدر التيار بيانًا على لسان القيادي الصدري صالح محمد العراقي، شدد فيه على رفضه للحكومة الجديدة ومقاطعته لها، محذرًا منتسبي التيار من الاشتراك في الحكومة، وملوحًا بعقوبة الطرد من التيار، وقال البيان: “نشدد على رفضنا القاطع والواضح والصريح لاشتراك أي من التابعين لنا ممن هم في الحكومات السابقة أو الحالية أو ممن هم خارجها في هذه التشكيلة الحكومية التي يترأسها المرشح الحالي أو غيره من الوجوه القديمة أو التابعة للفاسـدين وسلطتهم”، وأضاف البيان: “كل من يشترك في وزاراتها معهم ظلمًا وعدوانًا وعصيانًا لأي سبب كان فهو لا يمثلنا على الإطلاق، بل نبرأ منه إلى يوم الدين ويعتبر مطرودًا فورًا”، ووصف التيار الصدري الحكومة التي لا تزال قيد التشكل بحكومة “تبعية ميليشاوية”، وشدد على أنها لم ولن تلبّي طموح الشعب العراقي ولا تتوافق مع مبدأ (المجرب لا يجرب).

وقد مثل هذا البيان مؤشرًا على استمرار رهان التيار الصدري على خيار التصعيد الجماهيري والاحتجاجي، بعد التحرر من شروط ومقتضيات العمل السياسي ومحاذيره؛ سعيًا إلى الدفع باتجاه إجراء انتخابات نيابية مبكرة عبر توظيف ورقة الاستقرار السياسي، بما يُعطي “الصدر” فرصة لتشكيل حكومة أغلبية وطنية جديدة، وهو المسعى الذي ترفضه قوى الإطار التنسيقي التي ترغب في تشكيل حكومة “توافقية” تضم كل أطراف القوى السياسية على أساس من المحاصصة الطائفية.

أما التحدي الثاني الذي سيواجه الحكومة العراقية قيد التشكيل، فسيتمثل في الخلافات المحتملة التي ستنشأ على هامش عملية توزيع الحقب الوزارية، في ضوء التنافس بين القوى السياسية الشيعية وبعضها البعض من جانب، وبين قوى الإطار التنسيقي وتحالف السيادة السني والقوى الكردية من جانب آخر، من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية.

هذا بالإضافة إلى الإشكاليات الأخرى المتعلقة بمدى قدرة “السوداني” وحكومته على مواجهة الفساد والقضاء على ظاهرة الفقر والسلاح المنفلت؛ فحال لجوء “الصدر” إلى خيار التصعيد في الفترات المقبلة سوف تزيد حالة التأزم السياسي في البلاد، خصوصًا مع ما سيترتب على هذا الخيار من تعطيل لبعض الاستحقاقات المهمة، وعلى رأسها عرقلة صدور الموازنة الاقتصادية.

وفي الختام، يمكن القول إن خطوة اختيار رئيس جديد للعراق، وكذا تكليف “السوداني” لرئاسة الحكومة، تفتح الباب أمام مشهد سياسي جديد تتساوى فيه مؤشرات “التصعيد” مع مؤشرات “التهدئة النسبية؛ ففي الوقت الذي يُلوح فيه التيار الصدري بالتصعيد، تُشير بعض التقديرات العراقية إلى أن المشهد الجديد ناتج بالأساس عن عملية تسوية وترضية حصلت بين التيار الصدري والأطراف السياسية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73452/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M