تعتبر العلاقات الثقافية بين القاهرة ونيودلهي أحد جسور التواصل بين البلدين، حيث قامت على مد جسور التعاون في مجالات الثقافة والتعليم والتكنولوجيا، والذي انعكس بشكل إيجابي على كافة المستويات سواء السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث تأتي زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى القاهرة، بعد زيارة مماثلة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الهند في يناير الماضي، والتي كانت بالتزامن مع احتفال الدولتين بمرور 75 عامًا من العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتهدف الزيارة الحالية إلى تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات سواء السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
ففي الخمسينيات من القرن الماضي، شكلت العلاقات المصرية الهندية حجر الزاوية في سياسة نيودلهي الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي بدأت بحركة عدم الانحياز، لكن الشراكة المصرية الهندية لم تقتصر عند التضامن السياسي فقط، بل امتدت للتعاون العسكري والاقتصادي، حيث تنظر نيودلهي للقاهرة بأنها دولة ذات جذور ثقافية عميقة ونفوذ سياسي واسع، وبالمثل، تنظر القاهرة للهند بأنها قوة عالمية، وتتمثل أبرز أوجه التعاون التعليمي والثقافي بين الدولتين في التالي:
التعليم والتكنولوجيا
– المنح الدراسية: قدمت الحكومة الهندية العديد من المنح الدراسية للمصريين في تخصصات مختلفة، منها 27 منحة لطلاب الدراسات العليا في 2019 في العلوم الطبيعية، بالإضافة إلى 110 منح دراسية سنويًا في إطار برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي. وبما أن الهند من أوائل الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا والبرمجة، فكان الطريق مفتوح أمام مصر للاستفادة من خبراتها من خلال التعاون في مجالات التكنولوجيا النانوية، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة المتجددة.
حيث سعت مصر إلى عقد اتفاق على تدشين شركات هندية في مصر متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، علاوة على تدريب وتأهيل العديد من الشباب في مجال التقنيات الجديدة والناشئة، وذلك إدراكًا منهما بأن التعاون في هذا القطاع يعزز من تحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، ويأتي ذلك تزامنًا مع الجمهورية الجديدة والتوجه نحو رقمنة الخدمات.
– التبادل التعليمي: امتد التعاون بين الدولتين، من خلال الاتفاق بين وزارتي التعليم المصرية والهندية لتأسيس مراكز متخصصة للدراسات المصرية والدراسات الهندية في كلا الدولتين. حيث أسست الجامعات المصرية أقسامًا لدراسة اللغة الأردية، وهي إحدى لغات الهند كما أدخلت جامعة عين شمس في قسم اللغات الشرقية الخط الديوناجري عام 2014. وأسست أول كرسي أستاذية هندي في العالم العربي في أكتوبر 2016، وذلك بعد توقيع مذكرة تفاهم بين جامعة عين شمس والمجلس الهندي للعلاقات الثقافية. وبموجب هذا الاتفاق تم تأهيل طلاب كلية الحاسبات والمعلومات بخبرة الأكاديمية الهندية في هذا المجال.
الفنون والثقافة والتراث
– جمعية الصداقة المصرية الهندية: تأسست جمعية الصداقة بين الدولتين منذ عام 1952، وذلك لدعم التبادل الثقافي بين الشعبين؛ وتتمثل أهمية الجمعية في كونها تطوعية وغير حكومية، وتهدف إلى التبادل الثقافي بين مصر والهند بكافة وسائل الاتصال، وذلك من خلال تنظيم المعارض والمؤتمرات والندوات، وتبادل البيانات والكتب والإحصاءات، وإصدار النشرات والكتب لتعزيز فهم وتقدير تقاليد وثقافة وتراث البلدين، وتبادل العلماء في محاولة لتدريس لغة كل دولة في الدولة المقابلة، وتبادل الزيارات والرحلات وتوفير التسهيلات والضيافة المحلية، وتنظيم البطولات الرياضية.
-المركز الثقافي الهندي: يعد المركز الثقافي حجر الزاوية في تنفيذ العديد من برامج التبادل الثقافي بين الدولتين، حيث تأسس في عام 1992، وحظي بمكانة كبيرة في الأوساط الثقافية في مصر، خاصة وإنه يضم مكتبة تحتوي على ما يزيد على 5000 مجلد، يستخدمها المترددون سواء مصريين أو هنود، بالإضافة إلى التوسع في المجالات الثقافية، سواء من تنظيم دورات تعليم اللغة الهندية والأردية، وعروضًا سينمائية، وفنون المطبخ الهندي.
بالإضافة إلى “مسابقة لمحات الهند للرسم” والتي بدأت أول مرة في عام 1994، بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم المصرية. وخلال النسخة السادسة والعشرون في العام الماضي، شارك حوالي 4600 طالب من 431 مدرسة من سبعة محافظات، وعرضت مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بثقافة الهند وحضارتها. كما تصدر مجلة “صوت الهند”، والتي كانت الطبعة الأولى منها صدرت عام 1952.
-الإعلام والسينما الهندية: في إطار التعاون بين الدولتين خلال الزيارة الماضية، تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم بين هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني “براسار بهاراتي” الهندية و”الهيئة الوطنية للإعلام” المصرية، بهدف زيادة الإنتاج المشترك للبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وتنفيذ برامج بحثية وتدريبية للعاملين بالمجال.
كما تحظى أعمال الدراما والسينما الهندية بشعبية كبيرة في مصر؛ تنتج السينما الهندية سنويًا ما يقرب من 1000 عمل سينمائي، كما تعرض العديد من الأفلام الهندية في مسرح الهناجر ودار الأوبرا المصرية وقصر ثقافة السينما، ويدل ذلك على التقارب الثقافي بين الشعبين.
– ترميم المساجد الأثرية: تعد المعالم التاريخية والمساجد الأثرية في مصر والهند كنوزًا من التراث الثقافي للبشرية. وتعمل الدولتين على تكثيف الجهود للحفاظ على المساجد الأثرية وحمايتها بهدف زيادة الوعي الثقافي لدى الشعبين، وهذا ما ساهم في التقارب بينهما لبناء علاقات استراتيجية بين مصر وطائفة البهرة الهندية؛ والتي أسهمت بترميم العديد من المساجد الأثرية، منها مسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، ومسجد الحسين.
وكان لذلك انعكاسات إيجابية على السياحة المصرية، مما مهد لها الطريق لتكون دولة واعدة للسياح الهنود، خاصة مع تقديم الدولة المصرية العديد من التسهيلات لجذب السياحة الوافدة منها، من بينها تسهيلات في التأشيرات تتضمن القدرة على استخراجها إلكترونيًا، وكذلك القدرة على استخراجها فور الوصول من المنافذ المصرية. علاوة على الدور الذي قامت به وزارة السياحة في الهند من خلال تدشين العديد من المعارض والقوافل السياحية للتوسع في استقطاب السياحة الهندية.إجمالًا، يمكن القول إن القاهرة ونيودلهي يجمعهما تاريخ ثقافي مشترك يمثل امتدادًا لثقافة حضارتين كبيرتين، حيث تتبنى الدولتان منظورًا حضاريًا لنفسيهما، وهو ما ظهر من توطيد العلاقات الثقافية، سواء من تبادل ثقافي أو طلابي مما أسهم في تدعيم الروابط بين الشعبين.
.
رابط المصدر: