مظاهرات براغ .. ماذا يحدث في التشيك؟

 إيهاب عمر

 

مظاهرات براغ .. ماذا يحدث في التشيك؟

شهد يوم السبت 3 سبتمبر 2022 خروج مئات الآلاف من سكان العاصمة التشيكية براغ إلى الشوارع في مظاهرات عارمة، تلبية لدعوة الحزب الشيوعي وحزب الحرية والديموقراطية للتظاهر ضد حكومة بيتر فيالا، الذي قاد ائتلافًا ينتمي إلى يمين الوسط المؤيد للوحدة الأوروبية في انتخابات 8/9 أكتوبر 2021 وشكل وزارته الأولى في 28 نوفمبر 2021.

مطالب واضحة للمتظاهرين

تتميز المظاهرات التشيكية عن سائر المظاهرات الغربية التي انطلقت عقب اشتعال شرارة الحرب الأوكرانية، بأنها لم تقتصر على التعبير عن غضب الشعب حيال ارتفاع الأسعار وحسب، ولكن حملت مطالب واضحة تتعلق بالسياسة الخارجية، وذلك عبر التوقف عن إرسال الدعم السياسي والمادي والعسكري إلى أوكرانيا، وفك الارتباط بين الجمهورية التشيكية وسياسات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، والعقوبات الغربية التي حاول الغرب تطويق روسيا بها عقب بدء الحرب.

المطالب المناهضة للاتحاد الأوروبي والوحدة الأوروبية والمؤيدة ضمنيًا للتحرك الروسي الأخير، جعلت الصحف الغربية تعنون الأحداث بأن المظاهرات استجاب لها “المتأثرين والمتعاطفين مع روسيا”. وحمل المتظاهرون لافتات تحمل مطالب واضحة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وتحسين العلاقات مع روسيا، وعودة الغاز الروسي إلى المصانع التشيكية، وعدم توطين اللاجئين الأوكرانيين في التشيك.

وكانت حكومة بيتر فيالا قد استجابت بشكل سريع وموسع مع سياسات الغرب الداعمة لأوكرانيا ضد روسيا فور اندلاع الحرب، وتقع التشيك في أوروبا الوسطى وتمتلك حدودًا برية مع ألمانيا والنمسا وبولندا التي تمتلك حدودًا مع أوكرانيا، ما جعل التشيك محطة أولى لجسر المساعدات الاقتصادية والعسكرية إلى أوكرانيا عبر بولندا منذ اليوم الأول للحرب.

ويرأس بيتر فيالا حزب الديموقراطية المدنية منذ عام 2014، وهو أستاذ في العلوم السياسية وكاتب صدرت له العديد من الكتب في مجال الفلسفة السياسية والتاريخ، وعمل وزير للتربية والتعليم والشباب والرياضة، قبل ترأسه الوزارة ومن قبله رئيس لإحدى الجامعات التشيكية.

زلزال ثقافي في أوروبا

يعد التأثير الثقافي لمظاهرات التشيك 2022، على مستوى القارة الأوروبية أكثر أهمية من تطورات الأحداث داخل التشيك نفسها، إذ ينظر إلى الجمهورية الشيوعية السابقة باعتبارها النموذج الأوروبي الفريد في التحول الديموقراطي من الموالاة لموسكو إلى التوجه لأوروبا، عبر ثورة براغ ضد الهيمنة السوفيتية عام 1969 فيما أطلق عليه ربيع براغ، ثم ثورة تشيكوسلوفاكيا ضد هيمنة الاتحاد السوفيتي على أوروبا الشرقية والوسطى عام 1989، والتي كانت الضربة الأولى في سقوط حائط برلين.

واستمرت براغ في تقديم النموذج الأوروبي الفريد، عبر تفكك تشيكوسلوفاكيا إلى جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا دون مشاكل حدودية أو اشتباكات عسكرية، ثم انضمت التشيك إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ولاحقًا إلى حلف فيشجراد المعبر عن ثقافة وتكتل أوروبا الوسطى.

وفي سنوات الاضطرابات في دول الجوار الروسي ولاحقًا الشرق الأوسط، روج الغرب إلى المتظاهرين في تلك الدول نموذج التشيك ورئيسها فاتسلاف هافل باعتباره النموذج الثوري الأمثل. ورغم هدوء النموذج التشيكي، إلا أن البلاد خاضت تجربة الانتخابات المبكرة عام 2013، إضافة إلى اضطرابات شعبية أجبرت رئيس الوزراء بوهوسلاف سوبوتكا على الاستقالة عام 2017.

ويتخوف قادة العمل السياسي في أوروبا، من تصاعد الاضطرابات الشعبية الفترة المقبلة، على ضوء تململ الشعوب الأوروبية من آثار العقوبات الغربية على روسيا والحرب على أوكرانيا، حيث أدى ذلك إلى نقص 14 سلعة غذائية رئيسة في الغرب، إضافة إلى تأثر سلاسل الإمداد وخطوط الطاقة سواء الغاز والبنزين والسولار والكهرباء والفحم، وساهمت حالة الجفاف التي ضربت الصين وأوروبا والولايات المتحدة في تفاقم الأزمة، مما عرقل حركة الملاحة النهرية التي تعتمد عليها الدول الأوروبية غير الساحلية.

وكانت أوروبا قبل الحرب الأوكرانية لا تزال متأثرة بالتداعيات السياسية والاقتصادية لجائحة كورونا، متمثلة في الإغلاق الكبير عام 2020 إضافة إلى بدء موجة التضخم العالمي في أكتوبر 2021 ثم بدء حالة الركود العالمي في يوليو 2022.

وأدت العقوبات الغربية على قطاع الغاز والنفط الروسي إلى ارتفاع أسعار الوقود في أوروبا والولايات المتحدة إلى أرقام قياسية، وهو ما أعاد للأذهان أزمة الطاقة عام 1973، عندما قامت الدول العربية المصدرة للنفط بمنع تصديره إلى الغرب بالتزامن مع بدء الجيشان المصري والسوري في تحرير الأراضي المحتلة في 6 أكتوبر 1973.  ويتخوف سكان أوروبا وأمريكا، من فكرة تحول بلادهم إلى ثلاجات من الجليد على ضوء انقطاع الغاز الروسي، وبدء إغلاق العديد من المصانع في سلوفاكيا بسبب نقص إمدادات الغاز التي تعمل بها تلك المصانع.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72773/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M