محمد منصور
بعد نحو أسبوع من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا ربما نستطيع استخلاص بعض النقاط التي تتعلق بطبيعة المعارك التي دارت على المحاور القتالية الرئيسة الثلاثة، والتي لا تعد الأولى من نوعها التي تتواجه فيها الأسلحة شرقية المنشأ مع بعضها البعض -بشكل مباشر- ولكنها تعد مثالًا “موسعًا” على ما يمكن أن يسفر عنه اشتباك تشكيلة من الأسلحة شرقية وغربية المنشأ، ومن خلفها قوى عسكرية مختلفة تتصارع فيما بينها لتحقيق السيطرة الميدانية على الأراضي الأوكرانية التي ستمهد لفرض واقع سياسي وعسكري جديد في شرق أوروبا، قد يحدد مسار العلاقة بين موسكو وحلف الناتو لعقود طويلة مقبلة.
أهمية معركة أوكرانيا تأتي بالنظر لاعتبارات جيوسياسية عديدة -يتعلق أغلبها بموقع أوكرانيا وخشية موسكو من وصول حلف الناتو إلى تخومه الغربية- لكن لهذه المعركة أيضًا أهمية عسكرية كونها تعد مسرح اختبار مثاليًا لمدى استفادة الجيش الروسي من تجربته الميدانية في سوريا التي واجه فيها أسلحة أمريكية الصنع مثل الصواريخ المضادة للدبابات “تاو”، وأيضًا اختبار مدى نجاعة التدريبات المكثفة التي تلقتها القوات الأوكرانية على يد المستشارين العسكريين الغربيين منذ عام 2015، والتي تضمنت التدريب على استخدام مجموعة من الأسلحة ذات المنشأ الغربي، كان لها دور في المعارك الحالية في أوكرانيا.
التحرك الروسي.. الأولوية للسلاح التقليدي
الملاحظة الأساسية بشأن طبيعة الأسلحة الروسية التي تم الدفع بها خلال الأيام الأولى للتحرك العسكري في أوكرانيا هي نفسها الملاحظة التي تم رصدها خلال الانفتاح العسكري الروسي في سوريا منذ سنوات، وهي الدفع بأنساق أولى تضم أسلحة ومعدات قتالية أقل حداثة من تلك المخصصة للنسق القتالي الأساسي، وهو أسلوب يتم من خلاله -بالنظر إلى الخسائر المتوقعة في الساعات الأولى لبدء القتال- تركيز هذه الخسائر في المعدات الأقدم وتجنيب المعدات الأحدث أي خسائر أو أضرار. على هذا الأساس تحركت وحدات النسق “Z” من محاور التحرك الرئيسية شمالًا “منطقة تشيرنوبل”، وشرقًا “إقليم دونباس – خاركيف”، وجنوبًا “منطقة خيرسون”.
تضمن هذا النسق تشكيلة من ناقلات الجنود المدرعة، سواء المدولبة أو المجنزرة، بجانب عربات القتال “بي إم بي-1” و”بي إم بي-2″، بجانب المدفعية الصاروخية بأنواعها، وتشمل راجمات “جراد” من عيار 122 ملم، وراجمات “أوراغان” من عيار 220 ملم، وراجمات “سميرتش” عيار 300 ملم، مضافًا إليها وسائط الدفاع الجوي ذاتية الحركة “بوك-أم2″ و”بانتسير” و”أوسا”، ومدفعية الميدان المقطورة وذاتية الحركة من كافة العيارات “ما بين 120 و 152 ملم”، وهذا بالطبع كان مدعومًا بدبابات القتال الرئيسية “تي-72” و”تي-80″، وتشكيلة من الطائرات المقاتلة والقاذفة. وبالنسبة للطائرات المقاتلة تم الدفع بطائرات “سوخوي-30” و”ميج-29″، والطائرات القاذفة “سوخوي-25” و”سوخوي-34″، بجانب المروحيات القتالية “مي-24” و”كا-52″، التي عملت على استهداف المدرعات الأوكرانية في الجبهة الشرقية والجنوبية.
الثقل الأساسي للهجوم الروسي تمثل في استخدام مكثف لسلاحين أساسيين، الأول هو صواريخ “إسكندر” الباليستية التكتيكية البالغ مداها الأقصى 500 كيلو متر، وتبلغ زنة رأسها الحربي نحو نصف طن، وتتميز بهامش خطأ ضئيل لا يتعدى سبعة أمتار. أما السلاح الثاني فهو صواريخ “كي إتش-31″، التي تصل سرعتها القصوى إلى ثلاثة أضعاف سرعة الصوت، ومداها الأقصى هو 110 كيلو متر، وتحمل شحنة متفجرة تبلغ زنتها 95 كيلو جرامًا، ويتم إطلاقها من على متن مقاتلات “ميج-29” أو”سوخوي-34. كلا السلاحان كانا الأدوات الأساسية لتنفيذ “الضربة الإجهاضية الشاملة” لمواقع الدفاع الجوي والمطارات ومراكز القيادة والسيطرة الأوكرانية.
لكن مع توسع المعارك بشكل أكبر ودخولها ضمن نطاق المدن لوحظ اتخاذ القيادة الروسية عدة إجراءات على المستوى التكتيكي والاستراتيجي، منها وضع القوة النووية الاستراتيجية الروسية في حالة الاستعداد القصوى، وكذا الدفع بعدة أنظمة قتالية نوعية إلى الميدان الأوكراني، عبر الأنساق “V” و”O”، من بينها دبابات القتال الأحدث في الترسانة الروسية “تي-90، وعربات القتال المدرعة “بي إم بي-3″، وراجمات الصواريخ الثقيلة “توس-1 إيه” المزودة بذخائر الوقود المتفجر، بجانب بعض أنواع المدافع الأثقل عيارًا في الترسانة الروسية، وتحديدًا مدفعية الهاوتزر ذاتية الحركة “بايون” البالغ عيارها 203 ملم، والتي تمتلك القدرة على إطلاق ذخائر ذات شحنة نووية.
السلاح الأكثر أهمية الذي تم الدفع به إلى ميدان المعركة هو صواريخ “كاليبر” الجوالة التي تم استخدامها بشكل موثق منذ اليوم الثالث للعمليات، واستهدفت بشكل مركز مدينة “خاركيف” في الجبهة الشرقية، بجانب عدة مناطق في الجبهة الجنوبية، وهي جميعها مناطق واجهت فيها القوات الروسية مقاومة عنيفة. هذه الصواريخ التي يمكن إطلاقها من على متن الطائرات أو من القطع البحرية يبلغ مداها الأقصى “حسب النسخة المستخدمة”، إلى 2500 كيلومتر، وتزود بشحنة متفجرة تبلغ نصف طن، ويتم توجيهها إما عبر التوجيه الراداري الإيجابي الداخلي أو عبر التوجيه بالأقمار الصناعية.
التلويح بالسلاح النووي.. الخلفيات والقدرات
بشكل عام لا يمكن النظر إلى مسألة رفع جاهزية “قوات الردع النووية” على أنها خطوة تمهد لاستخدام هذه القوات قتاليًا، بالنظر إلى اعتبارات عديدة تتعلق بأن هذا سيعني بالضرورة بدء حرب عالمية شاملة تشارك فيها القوى النووية الأخرى.
يضاف إلى ذلك حقيقة أن قوات الردع النووية الروسية لا تتألف فقط من الوحدات الصاروخية العابرة للقارات، والتي تشمل صواريخ تتراوح أمداؤها بين 10 و16 ألف كيلو متر، بعضها متعدد الرؤوس الحربية، وبعضها يتم إطلاقه من على متن الغواصات النووية، ومن خلال القاذفات الاستراتيجية، بل تشمل أيضًا منظومات دفاعية -من البديهي تفعيلها في مثل هذه الظروف- مثل وسائط الدفاع الجوي الاستراتيجية المضادة للصواريخ، ووحدات الإنذار المبكر ضد إطلاق الصواريخ الباليستية، ومنظومات مراقبة المجال الجوي والفضائي، وكذا الوحدات الجوية الخاصة بـ القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى.
رغم عدم وجود مؤشرات على استخدام موسكو للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في معارك أوكرانيا، إلا أنه يمكن وضع خطوة تفعيل الجاهزية الكاملة لقوات الردع النووية في إطار تحذير موسكو القوى الغربية من الانخراط بشكل مباشر في معارك أوكرانيا؛ نظرًا إلى تزامن القرار الروسي مع إعلان البحرية الأوكرانية عن نية عدة دول في شرق أوروبا منحها طائرات مقاتلة تعمل من مطارات الدول المجاورة، لخدمة المجهود العسكري الأوكراني وبالتالي كانت الخطوة الروسية تحذيرًا لهذه الدول.
على جانب آخر، تمتلك الصواريخ الباليستية الروسية العابرة للقارات إمكانية استخدام رؤوس حربية تقليدية، وهو ما يجعل استخدامها ممكنًا في المعارك الحالية في أوكرانيا، خاصة في المنطقة الغربية التي تعد الملاذ الأخير بالنسبة للحكومة الأوكرانية والسفارات الغربية. ناهيك عن أن موسكو تمتلك قرب الأراضي الأوكرانية عدة منظومات نوعية لم تستخدم بعد، وعلى رأسها صاروخ “كينجال” ذي القدرات النووية الذي تتسلح به مقاتلات “ميج-31” الروسية الموجودة في منطقة “كالينجراد” بين بولندا وليتوانيا، وهو من فئة الصواريخ الباليستية ذات القدرات النووية، إذ يصل مداه إلى 2000 كيلومتر، وتصل سرعته القصوى إلى 10 أضعاف سرعة الصوت.
يمكن تسليح هذا الصاروخ بنوعين من أنواع الرؤوس الحربية؛ الأول رأس حربي تقليدي تبلغ زنته نصف طن، والآخر رأس نووي تتراوح قدرته التدميرية بين 100 و500 كيلو طنّ. اللافت في هذا الصاروخ أنّه يمكن زيادة مداه إلى نحو 3000 كيلومتر إذا ما تمّ إطلاقه من متن القاذفات الاستراتيجية “تي يو-22”. وحينها، يكون فعليًا أكبر صاروخ باليستي مطلق جوًا من حيث المدى على مستوى العالم.
من القدرات النوعية الأخرى التي يمكن استخدامها في الأزمة الحالية -في حالة رغبة موسكو في التصعيد الميداني- صواريخ “تسيركون” البحرية الفرط صوتية، والتي بدأت الاختبارات التمهيدية عليها أوائل عام 2020، وتمكنت هذه الصواريخ من قطع مسافة تبلغ 450 كيلومترًا، في زمن قدره 4 دقائق ونصف الدقيقة فقط، وهو ما لا يتيح للدفاعات المعادية سوى أجزاء من الثانية للتصدي لها، خاصة أن سرعة تحليق هذا النوع من الصواريخ تصل إلى 9 أضعاف سرعة الصوت، بجانب امتلاكه القدرة على التحليق ضمن ارتفاعات شاهقة تصل إلى 29 كيلو مترًا.
لا تتوفر معلومات كافية عن الرأس الحربي الخاص به، ولكنَّ التقديرات تشير إلى أنَّ زنته تتراوح بين 300 و400 كيلوجرام، وأنه قد يكون معتمدًا على تقنية “الطاقة الحركية”، إذ يتم استغلال السرعة الفائقة لهذا الصاروخ في تحويل كتلة معدنيّة صلبة متركّزة في مقدمة الصاروخ إلى مقذوف مدمر له القدرة على تدمير الهدف بشكل كامل ومماثل لما قد تتسبب به الرؤوس الحربية التقليدية، وهذه التقنية مستخدمة في بعض أنواع قذائف الدبابات.
رد الفعل الأوكراني… السلاح الغربي هو الأساس
كانت الخطة العسكرية العامة للجيش الأوكراني تعتمد بشكل أساسي على “المقاومة الشعبية” عبر إقرار البرلمان الأوكراني قانونًا موسعًا يتضمن بنودًا خاصة بتشكيل وحدات شبه عسكرية من المدنيين لإطلاقها ضد القوات الروسية حال دخولها الأراضي الأوكرانية. هذه الخطة كانت -بطبيعة الحال- منسقة بشكل كامل مع العواصم الغربية المختلفة، وتولى تنفيذها القائد العسكري المعروف في أوكرانيا يوري جالوشكين الذي قاد المعارك ضد القوات الانفصالية المدعومة روسيًا في إقليم دونباس عام 2014.
وقد بدأ جالوشكين منذ منتصف العام الماضي في عمليات تجنيد تستهدف حشد نحو 130 ألف متطوع، بهدف تشكيل ما بين 20 إلى 25 كتيبة، يتم نشرها في معظم المدن الرئيسية بالبلاد، لمعاونة وحدات الجيش الأوكراني ميدانيًا، وخلق بيئة ميدانية تعاني فيها القوات الروسية من خسائر بشرية مستمرة.
هذه الخطة، كانت تقتضي الاعتماد بشكل شبه كامل على الدعم التسليحي الغربي الذي تدفق على أوكرانيا خلال الفترة السابقة لبدء العمليات الروسية، وتحديدًا منذ منتصف يناير الماضي، حين أقرت واشنطن مساعدات عسكرية عاجلة بقيمة 200 مليون دولار لصالح وزارة الدفاع الأوكرانية، وقد تركزت بشكل رئيس على الصواريخ المضادة للدبابات، مثل 300 صاروخ مضاد للدبابات من نوع “جافلين”، وقاذفات الصواريخ المضادة للتحصينات “SMAW-D”، بجانب ذخائر متنوعة.
كذلك منحت واشنطن الإذن لبعض الدول الحليفة، كي تزود أوكرانيا بمساعدات عسكرية طارئة، حيث قامت إستونيا بتزويد أوكرانيا بالمزيد من صواريخ “جافلين”، ووصلت أول دفعة من صواريخ “ستينجر” المضادة للطائرات منتصف الشهر الماضي إلى أوكرانيا قادمة من ليتوانيا، وأرسلت بريطانيا 2000 صاروخ مضاد للدبابات سويدي الصنع من نوع “NLAW” إلى أوكرانيا.
عقب بدء العمليات القتالية في أوكرانيا، تزايدت وتيرة الدعم التسليحي المقدم لأوكرانيا من الدول الأوروبية، حيث أقر الاتحاد الأوروبي مساعدات بقيمة 450 مليون يورو، وكذا فعلت الولايات المتحدة التي رصدت مساعدات جديدة بقيمة 350 مليون دولار. دخلت إلى مضمار المساعدات العسكرية المقدمة إلى أوكرانيا، بعض الدول التي كانت تحافظ على مستوى معين من الحياد في النزاعات الإقليمية، مثل السويد التي أعلنت عن تقديمها خمسة آلاف صاروخ مضاد للدروع من نوع “AT-4” مع خمسة آلاف خوذة ومثلها من الدروع الواقية.
كذلك فعلت فنلندا التي قدمت إلى أوكرانيا 2500 بندقية هجومية و150 ألف قطعة ذخيرة، بجانب 1500 صاروخ كتفي مضاد للدروع. ألمانيا من جانبها أعلنت أواخر يناير الماضي، عن تقديمها -للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية- مساعدات قتالية إلى أوكرانيا، بحيث سترسل إليها من هولندا وإستونيا، ألف مدفع مضاد للدبابات، بجانب 500 صاروخ كتفي مضاد للطائرات من نوع “ستينجر”، بجانب سماحها لهولندا بتصدير 400 صاروخ كتفي مضاد للدبابات ألماني الصنع من نوع “بانزرفاوست-3″، ستضاف إلى أسلحة أخرى ترسلها هولندا إلى أوكرانيا تتضمن 200 صاروخ كتفي مضاد للطائرات من نوع “ستينجر” ومائة بندقية قنص، وكذلك إلى معدات أخرى ترسلها النرويج وبلجيكا وإستونيا، تشمل المزيد من صواريخ “جافلين” و”ستينجر”، بجانب صواريخ “لاو” الكتفية المضادة للدبابات.
على المستوى الميداني، وفي ظل إحجام أوكرانيا عن استخدام كامل قوتها المدرعة وضعف قدرتها الجوية على مجابهة سلاح الجو الروسي، استخدمت الوحدات الأوكرانية بشكل رئيس -سواء وحدات الحرس الوطني المدافعة عن العاصمة والمتمركزة في الجبهة الشرقية، أو وحدات مشاة البحرية في الجبهة الجنوبية- صواريخ “جافلين” و”NLAW” المضادة للدبابات ضد الوحدات المدرعة الروسية، وألحقت بها خسائر معتبرة، خاصة في النطاق المحيط بمدينة “تشيرنيهيف” شمالي العاصمة، أو مدينة “خاركيف” في الجبهة الشرقية. ونفذت هذه القوات كذلك عدة كمائن للوحدات الروسية المحمولة جوًا، والتي كانت تعتمد على المروحيات للإنزال فوق المطارات والمواقع الحيوية، وتمكنت عبر صواريخ “ستينجر” المضادة للطائرات من تحقيق بعض النجاحات، خاصة في الجبهة الجنوبية وفي المناطق الشرقية للعاصمة.
على مستوى الأسلحة النوعية، ورغم تواجد منظومات عديدة للحرب الإلكترونية الروسية على الأراضي الأوكرانية، واستهداف القواعد الجوية بشكل مكثف خلال الأيام الأولى للمعركة، إلا أن الطائرات الأوكرانية الهجومية دون طيار “بيرقدار” تمكنت من تنفيذ عدة هجمات على الأرتال الروسية، وألحقت خسائر ببعض وحدات الدفاع الجوي ذاتية الحركة “بوك-إم”. كذلك تمكنت القوات الصاروخية الأوكرانية عدة مرات من إطلاق الصواريخ الباليستية التكتيكية “توشكا”، أصاب أحدها قاعدة “ميليروفو” الجوية الروسية، وتم إسقاط عدد منها خلال تحليقها نحو جبهة القتال في إقليم دونباس.
حتى كتابة هذه السطور، لم تتضح بشكل كامل أبعاد الخطة التي أعلنت عنها قيادة البحرية الأوكرانية، والتي تتضمن إرسال نحو 70 طائرة حربية من نوعي “ميج-29″ و”سوخوي-25” من كل من بلغاريا وسلوفاكيا وبولندا، إلى أوكرانيا كدعم جوي، حيث لا يعرف بشكل قطعي ما إذا كانت هذه الطائرات ستعمل من مطارات دول قريبة مثل بولندا أو رومانيا، أو ستدخل إلى المطارات الأوكرانية، لكن يرجح الاحتمال الأول، وهذا قد يفسر -كما سبق ذكره- لجوء روسيا للتلويح بالسلاح النووي.
القوة البشرية على الأرض الأوكرانية
على الجانب الروسي، شاركت الوحدات الخاصة الروسية “سبيتسناز” منذ البداية في العمليات القتالية بجانب وحدات الإنزال الجوي “VDV”، لكن لوحظ الدفع بعدة وحدات خاصة مدربة على حرب المدن ومكافحة الشغب، ومنها وحدتي “روزجفارديا” و”رازفيدشيكي”، والتي تعززت لاحقًا بالدفع بنحو عشرة آلاف جندي من الوحدات الشيشانية في الحرس الوطني الروسي، وهي قوات تمتلك خبرة كبيرة في حرب المدن، وتم إدخالها في الجبهة الشمالية نحو العاصمة كييف.
على الجانب الآخر، وبالنظر إلى ما سبق ذكره حول “الحرب الشعبية” التي خططت لها القيادة العسكرية الأوكرانية، فقد كان إعلان الرئاسة الأوكرانية عن فتح باب التطوع لتشكيل “فيلق أجنبي” من المتطوعين، بمثابة تكرار لتوجه تم اتخاذه فعليًا في إقليم دونباس منذ عام 2015.
ففي هذا الإقليم تقاتل منذ سنوات وحدات من المتطوعين، على رأسهم وحدة تتألف من مئات الجورجيين، بجانب وحدة أخرى مكونة من متطوعين شيشانيين. خطوة الرئاسة الأوكرانية، التي ترافقت مع بدء توزيع واسع للأسلحة على المدنيين في عدة مدن أوكرانية، تستهدف الاستفادة من المتطوعين الأجانب من جهة، ومن جهة أخرى إصباغ صبغة “دولية” على المعارك الدائرة حاليًا في أوكرانيا، علمًا بأنه بدأ فعليًا وصول بعض المتطوعين الشيشان والبيلاروسيين، بجانب بعض العسكريين السابقين من دول مثل بريطانيا.
عمليات التطوع والتجنيد هذه، والتي تدخل في إطارها السفارات الأوكرانية في الخارج، وتحمل ارتباطات بمواقف سابقة من جانب بعض الأطراف الإقليمية والدولية من النهج الروسي في ملفات دولية سابقة، مثل الملف السوري، ربما تفلح في حشد أعداد كبيرة من المتطوعين الأجانب للقتال مع القوات الأوكرانية، لكن تشير التقديرات إلى أن هذه العمليات لن تجدي نفعًا إلا في حالة ما إذا تركز حشدها في الجانب الغربي من البلاد، بالنظر إلى أن سير العمليات الحالي يشير إلى أن سيناريو سيطرة موسكو على كامل الضفة الشرقية لنهر “دنيبر”، بما في ذلك العاصمة كييف والساحل الأوكراني على بحر “’آزوف”، باتت مسألة وقت، وأن المعركة المقبلة ستكون حول الضفة الغربية للنهر.
فعلى المستوى الميداني، يمكن القول إن الجبهة الجنوبية – “القرم – خيرسون”- شهدت خلال العمليات العسكرية المستمرة منذ أسبوع التقدم الأهم والأبرز بالمقارنة بالتقدم في الجبهة الشمالية والشرقية، حيث تمكنت القوات الروسية المدعومة جوًا وبحرًا من تأمين مواقعها على الضفة الشمالية لقناة القرم، والانفتاح في منطقة “خيرسون” في عدة اتجاهات، سواء شرقًا على طول ساحل بحر “آزوف” الذي سيطرت فيه على مدينة “ميليتوبول”، ومن ثم وصلت إلى المناطق الشمالية والغربية للهدف الأساسي في هذه الجبهة، وهو مدينة “ماريوبول”، التي وقعت تحت الحصار أيضًا من الجانب الشرقي على يد القوات الانفصالية جنوبي دونيتسك.
الاتجاهان الثانيان في هذه الجبهة كان اتجاه شمالي على طول نهر الدنيبر، واتجاه جنوبي على ساحل البحر الأسود، تمكنت فيه مساء أمس القوات الروسية من الوصول إلى التخوم الشرقية لمدينة “آزوف” إحدى أهم مدن الجنوب الأوكراني.
الجبهتان الشمالية والشرقية كان التقدم فيهما أقل وتيرة، بالنظر إلى اتحادهما بشكل كامل وتحول القوات الأوكرانية التي تقاتل في شرق إقليم دونباس إلى القتال بشكل عرضي على طول الخط الرابط بين الإقليم والعاصمة كييف، إذ تحاول هذه القوات تجنب عزلها عن العاصمة، بالتزامن مع المحاولات الروسية المستمرة لاختراق العاصمة من محورها الشمالي الغربي.
في الخلاصة، يمكن القول إنه على الرغم من حقيقة أن طول أمد المعارك الميدانية قد يمثل مشكلة استراتيجية للجيش الروسي الذي ظهرت حياله مشاكل مهمة تتعلق بإدامة عمليات الإمداد والتموين، والتعامل مع المعضلات التي تصاحب تحرك الأرتال العسكرية الروسية، وهي جميعها معضلات تسببت في خسائر مادية وبشرية كان من الممكن تجنبها في الأحوال العادية، إلا أن القدرة النارية المتفوقة من جانب الوحدات العسكرية الروسية، تجعل من استمرار مقاومة الوحدات الأوكرانية في شرق الدنيبر أمرًا مشكوكًا فيه للغاية، وفي هذه الحالة سيكون السؤال المطروح هو، ماذا بعد شرق الدنيبر؟
.
رابط المصدر: