نتناول في هذه الحلقة مفاتيح ومصطلحات قرآنية أخرى كي توسع مداركنا القرآنية وتطور وعينا القرآني :
– الجهاد : كثيراً ما نجد هذا المصطلح في القرآن الكريم ودائماً ما نرى القرآن يمتدح المجاهدين ، والتصور يذهب عادة الى الجهاد بالسيف أو بالآلة العسكرية ، وهو مصداق أكيد للجهاد ولكن هناك أنواع أخرى من الجهاد ربما أبرزها هو (جهاد النفس) الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجهاد الأكبر مقابل الجهاد الأصغر الذي هو الجهاد بالسيف ، لأن الجهاد الأكبر هو الذي يجعل الجهاد الأصغر مثمراً بإحدى الحسنيين (الشهادة او النصر) ، والجهاد الأصغر بلا جهاد أكبر قد يجعل من (المجاهد) آفة وإذا قُتِل يخسر الدنيا والآخرة خاصة إذا كان (جهاده) رياء أو سمعة أو انتقاماً أو أما ماشابه .
لذلك إذا وجدنا هذا المصطلح أو أحد مشتقانه في القرآن فالأولى أن تُصرف أذهاننا الى الجهاد الأكبر قبل أن نفسره بالجهاد الأصغر إلا بوجود قرينة تدل على أن المقصود هو الجهاد الأصغر ، وأن كل جهاد في سبيل الله هو الجهاد بالسيف أمر غير صحيح ، فجهاد النفس أيضاً جهاد في سبيل الله وهو أقرب من الجهاد بالسيف .
– الرسول : من الناحية اللغوية يعني (الرسول) هو الذي يحمل رسالة ، وبالتالي فيمكن أن يكون الرسول نبياً أو ولياً أو عبداً صالحاً أو حتى شخصاً عادياً أرسله الله بلا شعور لإيصال رسالة ، بل حتى الحيوان يمكن أن يكون رسولاً كما في قصة قابيل وهابيل حيث أخذ دور الرسول الغراب الذي علّم قابيل كيف يوراي سوأة أخيه هابيل ، فيتوسع مفهوم (الرسول) عن المفهوم الضيق الذي عرفناه ويمكن أن نرى كثيراً من الايات تكون مصداقها ليس فقط الرسول الذي يحمل رسالة السماء وإنما ممكن أن تشمل الرسول الذي ينبّه الناس من غفلتهم ويرشدهم الى الصراط المستقيم .
– الرزق : وهو من المصطلحات التي تأخذ معاني عدة ويتم التركيز على جانب واحد من الرزق وهو رزق الأموال ، مع إننا نعلم جيداَ أن الأموال يمكن أن تكون وبالاً على الإنسان وتنسيه آخرته ودينه ، كما الحال في قارون الذي كان من قوم موسى فبغي بسبب المال ، كما إن الأموال تأتي عادة لأسباب أخرى مثل العلم والصحة ولباقة اللسان وبشاشة الوجه والشهادة الأكاديمية والمربي الصالح والزوجة الصالحة والابن الصالح و …. ، لذا فمن الأولى أن يطلب الإنسان من الله سبحانه أن يرزقه المقدمات التي تحقق له الأموال حتى لو كان قاصداً من الرزق هو المال .
كما إن المال في كثير من الأحيان لا يحقق كثيراً من الأمور بل قد يكون سبباً في جلب الأمور السيئة ، فكم من مريض ولديه الأموال ولا يوجد علاج لمرضه أو أن لا يوفق لطبيب يصف له الوصفة الصحيحة التي تنجيه من هذا المرض ، بل بالعكس فقد تكون صحته جيدة وبسبب الأموال بدأ يأكل كثيراً أو يسهر كثيراً أو يشرب أموراً مضرة بالصحة فيفقد صحته، وهناك نِعم كثيرة لا تتحق بالمال ويستحسن أن يطلب من الله أن يرزقه إياه مباشرة مثل راحة البال والزوجة الصالحة والابن الصالح والوظيفة المناسبة والجار الحسن و …
هذا غير الرزق المعنوي وهو إقبال القلب والنفور من المعاصي وحب أولياء الله والدعاء المستجاب والعمل الصالح و …..
لذا من الأولى أن نفهم (الرزق) ومشتقاته من الكلمات الواردة في القرآن هو المعاني العديدة له ولا نقتصر على الرزق المادي وخاصة رزق المال ، طبعاً إلا أن تدل قرينة على أن المقصود هو المال .