في هذه الحلقة نستكمل المفاتيح التفسيرية المبسطة للقرآن الكريم التي يمكن أن تساعد قرّاء القرآن الكريم على فهم معاني القرآن بالحد الأدنى من الفهم حتى لا يكون ثوابهم القراءة فقط وإنما القراءة والفهم معاً ، وفي هذه الحلقة نتطرق الى المفاتيح الآتية :
– الظالمون الكافرون الفاسقون :
هذه الصفات من أبشع الصفات وقد لا يلتفت أحد الى أنه قد يتصف بواحدة منها فضلاً عن جميعها ، إلا أن هذه الصفات تشترك في فئة معينة من الناس وقد لا تشترك فيها فئة أخرى ، اشتركت في ناس مؤمنين متدينين عدول ! لقد اشتركت فيمن لم يحكم بما أنزل الله ، فكل شخص قارئ للقرآن ويصل الى إحدى تلك الصفات في الآيات القرآنية فليتذكر إن أبرز مصاديف هذه الصافات هو من لم يحكم بما أنزل الله ، فلا يستبعد قارئ للقرآن أن يكون ظالماً كافراً فاسقاً فضلاً عن أنه يتصف بكل واحدة على حدة .
وقد يكون هذا الشخص قاضياً ولم يحكم بما أنزل الله أو حاكماً أو فقيهاً (بالأحرى ظاهره الفقاهة) أو أي شخص استطاع أن يحكم بما أنزل الله ولم يفعل أو تمكن من دعم من يريد أن يحكم بما أنزل الله ولم يدعم ، كل شخص بحسبه فالله أعدل العادلين وأرحم الراحمين .
وحتى لا تكون الصورة مأساوية أكثر من مأسوايتها نقول : إن المهم أن يكون الإنسان ساعياً بمقدار جهده لتطبيق حكم الله في الأرض بحيث لا يكون مقصراً ، وأن لا يكون معرقلاً لمن يريد أن يحكم بما أنزل الله ، والله هو ولي التوفيق .
– ترك الأولى
توصف بعض ذنوب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام بأنها تركٌ للأولى (فتح الهمزة) ، يعني أنه كان من الأولى أن يترك هذا الأمر ولم يتركه فأصبح بمثابة الذنب ، ولكنه حقيقة ليس بذنب ، فمثلاً كان من الأولى به أن يتصدق ولم يتصدق عند ذلك يُعدُّ ذلك النبي مذنباً لمكانته الرفيعة عند الله ، فعندما نقرأ البلاءات التي يتعرض إليها الأنبياء عليهم السلام في القرآن والتي من الممكن أن تكون بسبب تركٍ للأولى – لأنهم معصومون – ، وهذه رسالة لنا بأن ترك الأولى يوقع الإنسان بالبلاء ، والأولى بنا ليس كالأولى بالأنبياء والمرسلين ، فالأولى بنا ترك المحرمات التي حرمها الله سبحانه وتعالى ، فارتكاب المعاصي والذنوب توجب وقوع البلاء كما وقع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام رغم أنهم لم يذنبوا بل تركوا أمراً كان من المرفوض أن لا يتركوه .
– العبادة :
هذا المصطلح ومشتقاته منتشر في آيات قرآنية عديدة باعتبار أن القرآن جاء لإفهام الناس أن الغاية من وجودهم هو العبادة ، ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، ولكن ما هي العبادة التي يريدها الله تعالى منا ؟ يفهم الكثيرون من العبادة هي الصلاة بالدرجة الأولى والصيام ثانياً وبعض الأعمال مثل الصدقة والحج وغيرها من العبادات الفردية ، ولكن العبادة الحقيقية هي الطاعة التامة لأمر الله عز وجل ، فتذكر الآية (اتخذ إلهه هواه) أي عبد هواه ، ولكن كيف عبد هواه ؟ّ! هل صلى له أم صام ؟! إنما عبد هواه بطاعته له .
ويفهم الكثيرون مع الأسف أيضاً أن كثرة العبادة هي التي تقرب الى الله سبحانه ، مع إن إبليس كان من حيث الكثرة أكثر الخلائق تعبداً ومع هذا فهو من المرجومين ، ويتم التركيز – خاصة في شهر رمضان المبارك – على صلوات معينة يطول أداؤها ساعات من الزمن ، ومع إن هذه جزءً من العبادة إلا أن هناك عبادات نوعية تجلب خيراً أكثر لصاحبها من تلك الصلوات ، فكم يكون التركيز على أن العبادة في ليلة القدر تعدل العبادة في ألف شهر ؟! وهو معنى صحيح ، ولكن هناك عبادات لا تسلط عليها الأضواء مثل التفكر ، ففي الحديث (التفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة) ، فكم منا يتفكر ؟! وكم منا يدعو للتفكر ؟! وكم شخص درس حياة المتفكرين مثل الحر بن يزيد الرياحي الذي انتقل من النار الجحيم الى الجنان والنعيم ؟!
لذا عندما تردنا في قراءة القرآن مفردة العبادة والعبد فلا نحصر أذهاننا بالصلاة والصوم وما شابه ، فهناك التفكر وقضاء حوائج الناس وإقامة العدل و ….