تناقش هذه الورقة سير المفاوضات بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2008، وكيف توقفت بعد وفاة مؤسس الحركة، الملا محمد عمر، وتبين أسباب رفض الحركة الجلوس مع الحكومة الأفغانية، وتضع عددًا من التوقعات المستقبلية لهذه المفاوضات.
بعد الإطاحة بحكومة طالبان، في 2001، على أيدي القوات الأميركية والأجنبية المتحالفة معها، بادر الاتحاد الأوروبي بفتح قنوات اتصال مع حركة طالبان وتمكن ممثلوه من الجلوس ولأول مرة مع طالبان عام 2004(1) وأعقب هذا اللقاء اتصال مسؤولين أميركيين وبريطانيين بمسؤولي طالبان لجس نبض الحركة والوقوف على موقفها حول ما يجري في أفغانستان.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008، التقى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان، كاه أيده، بمولوي عبد اللطيف منصور وسيد محمد حقاني في دبي وناقش الطرفان عملية المصالحة في أفغانستان، وتقررت مشاركة طيب أغا في الجولة الثانية كممثل خاص لزعيم الحركة، الملا محمد عمر، ولكن اعتقال الملا عبد الغني برادر في مدينة كراتشي تسبب في إيقاف عملية المفاوضات بين طالبان والأمم المتحدة (2).
بعد وصول الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى سدة الحكم عام 2008، وجد أن لا مفر من الجلوس مع حركة طالبان التي لا تزال تحارب القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان بقيادة زعيمها المؤسس، الملا محمد عمر، والتقى -ولأول مرة- مسؤولون أميركيون بممثلي حركة طالبان بمدينة ميونخ الألمانية بحضور شخصيات قطرية وألمانية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2010، واستمر الاجتماع حسب مصادر أفغانية لمدة إحدى عشرة ساعة، واعتُبرت جلسة جس نبض بين الطرفين، الأميركي وطالبان (3).
بعد ذلك، بادرت واشنطن بطلب اللقاء مع طالبان في العاصمة القطرية، الدوحة، وجلسا للمرة الثانية في 15 فبراير/شباط 2011، ومثَّل الحركة كل من طيب أغا، المدير السابق لمكتب الملا محمد عمر، والملا عبد السلام ضعيف، السفير السابق لطالبان لدى باكستان. وذكر مصدر أفغاني للجزيرة أن اللقاءات الأولى كانت تحضيرية، تبعها لقاء ثالث بحضور الملا ضعيف، في شهر يوليو/تموز في 2011، مع مسؤولين أميركيين في الدوحة. وطالبت الحركة بفتح مكتب سياسي وإطلاق سراح قيادات طالبان من معتقل غوانتنامو وشطب أسماء قيادات طالبان من القائمة السوداء مقابل أن تقوم طالبان بإطلاق سراح الجندي الأميركي” السيرجنت بو بيرغدال”، والذي أسرته في 30 يونيو/حزيران 2009 بعد اختفائه من قاعدته العسكرية في ولاية بكتيا في جنوب شرق البلاد. وهو الجندي الأميركي الوحيد المحتجز في أفغانستان منذ أن بدأت واشنطن حربها في هذا البلد قبل 18 عامًا (4).
سُمح بعدها لحركة طالبان بفتح مكتبها في العاصمة القطرية الدوحة، وتمكن المبعوث الأميركي إلى أفغانستان آنذاك، مارك غروسمان، من إقناع كل من تركيا والسعودية بجدوى المفاوضات مع طالبان وبأنه مشروع أفغاني بحت يهدف إلى إحلال السلام في أفغانستان، مطالبًا دول المنطقة بدفع العملية السلمية لإنهاء الحرب، وأجرى “غروسمان”، اتصالات غير مباشرة مع إيران للحصول على دعمها بملف المفاوضات في أفغانستان. باشر الطرفان بمناقشة شروطهما لإنهاء الصراع، وركزت طالبان على تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والمطالبة بإطلاق سراح نحو عشرين قياديًّا من طالبان اعتقلوا بعد الإطاحة بحكومتها في 2001، من بينهم خمسة معتقلين في غوانتنامو، والمطالبة بشطب أسماء عدد من قيادات طالبان من القائمة السوداء الأميركية. وقد كانت الحكومة الأفغانية برئاسة كرزاي ولجنة المصالحة مع حركة طالبان على علم بلقاءات ميونخ والدوحة (5).
مفاوضات برعاية باكستانية
في سياق مختلف وبسرية تامة، أجرت حكومة أشرف غني وحركة طالبان محادثاتهما الوحيدة في مدينة مري الباكستانية، وذلك في يوليو/تموز من العام 2016، لكن سرعان ما توقفت المفاوضات بعد تسريب خبر وفاة زعيم حركة طالبان، الملا محمد عمر، ليتم تأجيل الجولة الثانية من المحادثات التي كانت مقررة في أواخر شهر يوليو/تموز منذ ذلك العام، لكن المسار بعد ذلك جاء أكثر دموية بعد أن صعَّدت طالبان عملياتها ضد قوات الحكومة الأفغانية والأجنبية في أفغانستان (6).
وعلَّق الدكتور أكرم خبلواك، أمين لجنة المصالحة، بأن المفاوضات التي أُجريت في 2016 بين ممثل الحكومة الأفغانية، حاجي دين محمد، وعناصر من حركة طالبان لم تكن تمثل موقف طالبان الرسمي، وإنما بضغط من باكستان، وشارك فيها أشخاص لم يكونوا يمثِّلون الموقف الرسمي للحركة لذا لم يخرج عنها ما يضمن استمرار الجولات القادمة.
طالبان وزياراتها إلى الصين ودول أخرى
بدأت الزيارات بين ممثلي طالبان والصين في العام 2016، وفي 30 من يوليو/تموز من العام 2016 زار وفد من حركة طالبان العاصمة الصينية، بكين، والتقى بمسؤولين صينيين لمناقشة الوضع في أفغانستان والمصالحة مع الحكومة الأفغانية، وتقول الصين إنها “تدعم جميع الأطراف الأفغانية من أجل التوصل إلى مصالحة سياسية في أقرب وقت ممكن ومواصلة لعب دور بنَّاء”(7).
لم يكن هذا اللقاء هو الأول من نوعه؛ إذ تتحدث مصادر في لجنة المصالحة الأفغانية عن أن مسؤولين صينيين التقوا بممثلي حركة طالبان عدة مرات خلال العام 2018، وفي منتصف يونيو/حزيران 2018، تم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة الأفغانية وطالبان لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام بمناسبة عيد الفطر، وربما كانت هذه أول هدنة ناجحة في تاريخ الصراع الأفغاني الأخير وكانت بصمة الصين واضحة فيها إضافة إلى دور جهات أخرى. وزار ممثلو طالبان، في 2018، كلًّا من إندونيسيا وأوزبكستان والتقوا بمسؤولين من هذه الدول لشرح موقف الحركة من المصالحة مع الحكومة الأفغانية.
اجتماع أبو ظبي
بعد اجتماعين على الأقل في الدوحة، دخلت أبو ظبي على خط المحادثات، في ديسمبر/كانون الأول 2018، بلقاء جمع وفد طالبان برئاسة شير محمد عباس ستانكزاي بالمبعوث الأميركي، زلماي خليل زاد، لمناقشة جهود إنهاء النزاع بين الطرفين، واستمرت المحادثات لمدة يومين فقط، على أن يعود الجانبان لاستئنافها واستكمال المناقشات في أبو ظبي أو الرياض. لكن الأمور أخذت منحى آخر بعد أن هددت حركة طالبان بوقف المفاوضات مع واشنطن إذا استمرت ما وصفتها بـ”الضغوط” عليها من أجل تغيير مسار وأجندة الاجتماعات مع واشنطن، وجاء في بيان صادر عن الحركة أن “المرجع الوحيد للحوار هو المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، وأن أي دولة تريد المشاركة في إيجاد حل للقضية الأفغانية عليها التواصل مع مكتب الدوحة”. وقطع البيان الطريق على دول تعتقد طالبان أنها “تريد استغلال المفاوضات لتلميع صورتها”.
السيناريوهات المحتملة (الجزيرة) |
مفاوضات الدوحة بشكلها الرسمي
استضافت العاصمة القطرية، الدوحة، في الأسبوع الثاني من فبراير/شباط 2019 الجولة الخامسة من المفاوضات بين حركة طالبان وواشنطن، وتميزت الجولة بحضور نائب الشؤون السياسية في حركة طالبان، الملا عبد الغني برادر، في قطر. وفي 2018، وعندما أعطى الرئيس، دونالد ترامب، الضوء الأخضر لبدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان ، لم يتوقع أحد أن يتطور الأمر إلى هذه المستوى، ويجلس الطرفان في الدوحة بحيث تستغرق الاجتماعات أيامًا، وتم اختيار زلماي خليل زاد كمبعوث للرئيس الأميركي إلى أفغانستان، ومُنح خليل زاد الوقت لتشكيل فريق خبراء يضم ممثلين عن وكالة الاستخبارات المركزية وحصل على تعاون من البنتاغون، الذي غيَّر موقفه مؤخرًا من الوضع في أفغانستان؛ إذ إن البنتاغون -وحتى العام 2018- كان يفضِّل إجراء العمليات العسكرية ضد مسلحي طالبان بدلًا من الانخراط في المفاوضات معها. اقترب خليل زاد من إنجاز مستحيل على ما يبدو واستمرت الجولة الخامسة بينه وبين طالبان لمدة ستة عشر يومًا متتالية في الدوحة. اعتبر المفاوضون الأميركيون وطالبان أنهم أحرزوا تقدمًا ملموسًا أثناء المفاوضات وناقشا تعيين جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وتقديم طالبان ضمانات بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد الآخرين.
وقال خليل زاد في تغريدة له، بعد مغادرته الدوحة لإحاطة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بآخر التطورات: إن عملية المصالحة تحتاج الموافقة على أربع قضايا، وهي:
ضمانات مكافحة الإرهاب، وسحب القوات الأميركية، وبدء الحوار المباشر بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ووقف شامل لإطلاق النار. وأضاف أن الظروف تحسنت كثيرًا وأن جميع الأطراف تريد إنهاء الحرب، ويتوقع استئناف الجولة السادسة في العاصمة القطرية الدوحة لمناقشة وقف إطلاق النار والحوار مع الحكومة الأفغانية (8).
موقف الحكومة الأفغانية والأحزاب السياسية من المصالحة مع طالبان
لفتت مفاوضات الدوحة بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية أنظار الشعب الأفغاني بمختلف مكوناته السياسية والعرقية. ويعتقد الأفغان أن واشنطن جادة هذه المرة في الوصول إلى حل مع حركة طالبان لذا قبلت الجلوس معها في الدوحة.
وعرض الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، في مؤتمر ” عملية السلام” الذي عُقد في العاصمة الأفغانية كابل، في مارس/آذار من العام 2018، الاعتراف بحركة طالبان كحزب سياسي وإعلان وقف إطلاق النار بصورة تسبق محادثات السلام بين الطرفين لإنهاء حرب مستمرة منذ 18 عامًا في البلاد. وقال الرئيس الأفغاني: “نقدم هذا العرض دون شروط مسبقة من أجل الوصول إلى المصالحة والسلام الدائم في البلاد”(9).
ولكن الخبراء يرون أن الرئيس الأفغاني ألقى كلمته في المؤتمر ولم يعمل على تحقيق البنود التي قدمها كمبادرة السلام في أفغانستان وبقي المشروع حبرًا على الورق. وينظر غني إلى دور واشنطن نظرة ريبة وشك، وجاء على لسان مستشار مجلس الأمن القومي الأفغاني، الدكتور حمد الله محب، في حديثه مع الإعلاميين في واشنطن، في الـ 14 مارس/آذار 2019، أن خليل زاد وضع خلال مساعي الحوار الحالية في الدوحة الحكومة الأفغانية على الهامش، وأنه “يسعى لتشكيل حكومة مؤقتة”.
كما صرَّح محب، في جزء من حديثه، بأن “عملية الحوار قد تكون وراءها أهداف شخصية، لذا ليست هناك معلومات كافية بشأنها”، وادعى أنه لا نزاهة في عملية الحوار بين “طالبان” والولايات المتحدة الأميركية (10).
ويعتبر رئيس السلطة التنفيذية، الدكتور عبد الله عبد الله، موقف حركة طالبان الرافض لبدء الحوار مع الحكومة الأفغانية عقبة أساسية أمام المصالحة وطالب عبد الله عبد الله جميع الأطياف الأفغانية بـ”أخذ دور الحكومة على محمل الجد في المصالحة، لأنه بدونها لا يمكن أن تصل تلك الجهود إلى بر الأمان وأن تكون مجدية”(11).
ويرى الدكتور عمر زاخيلوال، السفير الأفغاني السابق لدى باكستان، أن هناك فرصة للسلام في أفغانستان لأن واشنطن قررت الرحيل من البلاد وطالبان تبرر قتالها في أفغانستان بحضور القوات الأميركية والأجنبية في البلاد وأن المفاوضات الحالية هي مفاوضات الانسحاب وليست المصالحة، وعلى واشنطن أن تهيئ الظروف للسلام والاستقرار في البلاد. ويضيف زاخيلوال أن السفير خليل زاد مُلِمٌّ بكل ما يجري في أفغانستان وكيف ينظر الأفغان والجيران إلى المصالحة في أفغانستان.
ويرى زاخيلوال أن هناك أزمة ثقة بين الحكومة الأفغانية وزعماء الأحزاب السياسية، لذا فإن حركة طالبان يجب أن ترسل رسائل المطمئنة بأنها لا تريد الاستحواذ على السلطة كما كانت أيام حكمها لأفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وأن طالبان بانضمامها إلى السلطة ستقوم الموازنة والانفتاح على الآخرين (12).
ويقول أكرم خبلواك، الأمين السابق للجنة المصالحة مع طالبان: إن الشعب الأفغاني بجميع مكوناته العرقية والسياسية يريد المصالحة مع حركة طالبان ولكنهم يختلفون على نوعية الضريبة التي يدفعها الشعب الأفغاني (13). وهناك قلق لدى عدد من الجماعات من عودة طالبان وموقفها من حقوق المرأة وتعليم البنات والأقليات ولكنها لا ترفض المصالحة كأساس مع طالبان. وقد استطاعت الحركة أن ترسل رسائل تطمين إلى الشعب بعد إنهاء الجولة الخامسة من المحادثات في الدوحة.
وأجرى المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني والأحزاب السياسية ورجال الدين وناقش معهم مشروع المصالحة مع حركة طالبان. واستنتج خليل زاد أن جميع الأطراف تريد إنهاء الحرب وغرَّد في موقع تويتر: “رغم الصعوبات الموجودة أمام طريق السلام إلا أن الأمور تمشي على المسار الصحيح وقطعنا خطوات كبيرة في اتجاه السلام”(14).
ما هو مستقبل المصالحة؟
حاول الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، منذ 2016، الوصول إلى السلام في أفغانستان والمصالحة مع حركة طالبان في إطار الخطة التي رسمها ولكنه أخفق في تطبيقها وذلك لاعتماده في الأيام الأولى من حكمه على باكستان في جعل قيادات طالبان تقبل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية. ويعتقد الرئيس الأفغاني أن بإمكان باكستان أن تنهى القتال في أفغانستان لأنها تقف وراء طالبان وتدعمها ولا يمكن الاتفاق على أية تسوية إلا إذا اعترفت إسلام آباد بسيادة أفغانستان والتخلي عن طموحها لإخضاعها جارتها بالقوة واستخدام العنف. لا أحد ينكر أن قيادة طالبان تعيش في باكستان إلا أن طالبان ترفض باستمرار اللقاء مع أية جهة في باكستان ولديها ما يبرر موقفها.
وتعيين زلماي خليل زاد كمبعوث أميركي إلى أفغانستان دليل على أن واشنطن تريد الخروج من المستنقع الأفغاني. ويقول وزير سابق: إن ملف المصالحة بقي على مكتب الرئيس الأفغاني دون أن نرى أي تقدم في الأمر وكأن الأمور وصلت إلى نفق مسدود، ورغم تنازلاته الكثيرة لم تقبل طالبان بالجلوس معه. ويضيف الوزير أن واشنطن والاتحاد الأوروبي ينظران إليه على أنه عقبة في محادثات السلام. وتعيين خليل زاد الذي يعرف المجتمع الأفغاني مقارنة بأي مسؤول أميركي أخر ويتمتع بعلاقات واسعة مع كافة الأطراف الأفغانية يؤكد أن واشنطن تريد حل القضية الأفغانية. ومنذ يناير/كانون الثاني 2019، عقد خليل زاد أربع جولات رسمية على الأقل مع مسؤولي طالبان في محاولة للوصول إلى حل في أفغانستان.
إن التطور السريع الذي أحرزته واشنطن وطالبان أثناء الجولة الأخيرة في الدوحة أثار الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، وزعماء الأحزاب السياسية. وكان من المقرر أن تبدأ واشنطن حوارها مع طالبان وتكون الحكومة الأفغانية الجانب الرئيسي في هذه المفاوضات ولكن رفض طالبان المستمر يزيد الإحباط داخل الحكومة الأفغانية (15).
رغم إعلان خليل زاد وحركة طالبان أنهما أحرزا تقدمًا في المفاوضات إلا أن المشهد ضبابي بخصوص بدء المفاوضات المباشرة بين الحكومة الأفغانية والحركة.
ومن المتوقع عقد الجولة السادسة بين طالبان والمبعوث الأميركي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الشهر الجاري في الدوحة. وحسب مصادر في الحكومة الأفغانية، يحاول خليل زاد أن يجلب موافقة الحركة على الجلوس مع الحكومة الأفغانية وإعلان وقف إطلاق النار في أفغانستان، ويمكن على هذا الصعيد مناقشة السيناريوهات التالية:
1- تأجيل الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة مؤقتة: تنتهي مدة الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، في 22 مايو/أيار 2019، وقد أجلت الحكومة موعد إجراء الانتخابات الرئاسية حتى الآن مرتين، ويصر الرئيس أشرف غني على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في سبتمبر/أيلول 2019، ومرشحو الانتخابات الرئاسية يطالبون الرئيس الأفغاني الحالي بترك السلطة وتشكيل حكومة مؤقتة. لا تعطي الولايات المتحدة حاليًّا الأولوية للانتخابات الرئاسية في أفغانستان وإنما تركز على المفاوضات مع طالبان، وتخشى واشنطن من الأزمة السياسية المحتملة بعد الانتخابات وأنها قد لا تساعد في إنهاء الحرب دون مصالحة مع طالبان، ولم تطالب حركة طالبان رسميًّا بتشكيل حكومة مؤقتة ولكن مصادر مقربة منها تقول: إن الحركة تريد تشكيل حكومة مؤقتة. وهناك خلاف بين واشنطن وطالبان وزعماء الأحزاب السياسية على مدة الحكومة المؤقتة فطالبان تقترحها من ثلاث إلى خمس سنوات والأحزاب السياسية الأفغانية من ستة أشهر إلى عام واحد والولايات المتحدة الأميركية تريدها من عام إلى عامين ونصف (16).
2- وقف إطلاق النار
أعلن الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، العام الماضي، وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام بمناسبة عيد الفطر ووافقت عليه حركة طالبان وأوضحت أن عملياتها ضد القوات الأجنبية ستستمر وهذه أول تجربة بين الطرفين منذ 2001. ووصف الرئيس الأفغاني هذه التجربة بأنها كانت فريدة من نوعها حيث لم يشهد الأفغان هدنة منذ أربعة عقود من الصراع الدائر في أفغانستان (17). ورحَّب الشعب الأفغاني بهذا التطور آنذاك. واليوم، يرى زلماي خليل زاد أن وقف إطلاق النار بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية أمر ضروري لتمهيد الأرضية لبدء المحادثات المباشرة. وحسب مصدر حكومي، يناقش خليل زاد في الجولة السادسة مع طالبان موضوع وقف إطلاق النار والمحادثات المباشرة مع الحكومة الأفغانية وتحديد فترة الهدنة من ستة أشهر إلى سنتين، فيما تقول حركة طالبان إنه عندما تبدأ القوات الأميركية بالانسحاب من أفغانستان حينئذ يمكن وقف إطلاق النار في أفغانستان ولكن الجانب الأميركي يطالب بذلك قبيل بدء الانسحاب وألا تقل مدة الهدنة عن عامين على الأقل.
3- انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان
موضوع مناقشة انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان مطلب أساسي لحركة طالبان ولكن هناك خلاف في الرؤى حيث يعتبر عدد من الخبراء الأفغان أن المفاوضات الحالية تركز على الانسحاب فقط، ويقول مسؤولون في الناتو: إن مهمة زلماي خليل زاد هي مفاوضات السلام وليست انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وتقول خارطة الطريق التي حصل عليها الباحث من مصدر حكومي أفغاني: إن الولايات المتحدة الأميركية تريد الانسحاب خلال ثلاث سنوات ولكن طالبان لا تقبل هذا العرض وتقول بضرورة إنهاء الانسحاب خلال أشهر فقط، ويرد الجانب الأميركي بأن تطبيق بنود الخارطة يحتاج على الأقل إلى ثلاث سنوات (18).
خاتمة
جاءت المحادثات المباشرة بين طالبان والولايات المتحدة كتطور بحد ذاته في سبيل إحلال السلام في أفغانستان، وينظر الشعب الأفغاني والأحزاب السياسية إلى الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية نظرة تفاؤل ولكن الحكومة الأفغانية برئاسة محمد أشرف غني تنظر بشك إلى ما يدور بين حركة طالبان والحكومة الأميركية، وتتهم خليل زاد بأنه همش دور الحكومة الأفغانية في المفاوضات ويسعى لتشكيل حكومة مؤقتة، كما أن موقف الحكومة الأفغانية وتنافس القوى الإقليمية يغلق فرص المحادثات بين الفرقاء داخل أفغانستان، ويجعلها مقتصرة على حركة طالبان والولايات المتحدة، مما يشير إلى صعوبة المرحلة القادمة حتى لو حققت المحادثات الأهداف المرجوة منها(19).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*حميد الله محمد شاه، مراسل الجزيرة في كابل.
مراجع
1- من تصريحات لخليل صافي، المسؤول في مكتب بعثة الاتحاد الأوروبي في العاصمة كابل.
2- مصدر مقرب من حركة طالبان تحدث للباحث عن المفاوضات بين الأمم المتحدة وطالبان في دبي.
3- وثيقة حصل عليها الباحث من الخارجية الأفغانية تتحدث عن لقاء في مدينة ميونخ بين طالبان والأميركان.
4- بيان حركة طالبان حول تبادل الأسرى، 1 يناير/كانون الثاني 2014.
5- وثيقة لوزارة الخارجية الأفغانية.
6- مصدر في لجنة المصالحة مع حركة طالبان تحدث عن مفاوضات طالبان والحكومة الأفغانية في مدينة مري الباكستانية، في تصريحات للباحث.
7- الصين وأفغانستان تتعهدان بتعزيز التعاون ومكافحة الإرهاب، صحيفة الشعب اليومية، 8 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 4 أبريل/نيسان 2019):
8- مفاوضات الدوحة، حساب خليل زاد على تويتر،12 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 3 أبريل/نيسان 2019):
U.S. Special Representative Zalmay Khalilzad @US4AfghanPeace
U.S. Special Representative for Afghanistan Reconciliation, leading the USG effort to facilitate dialogue and negotiations that will bring peace to Afghanistan.
9- كلمة الرئيس الأفغاني في مؤتمر “عملية السلام” في أفغانستان، 1 مارس/آذار 2018، ملاحظات سجلها الباحث الذي حضر المؤتمر.
10- واشنطن تقطع العلاقة مع مستشار الأمن القومي، صحيفة العربي، 19 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2019):
https://www.alaraby.co.uk/politics/2019/3/19/
11- كلمة رئيس السلطة التنفيذية، عبد الله عبد الله، أمام جمع من الضباط في الجيش الأفغاني في القصر الرئاسي، بتاريخ 4 فبراير/شباط 2019، بثها التليفزيون الحكومي وسجل الباحث أهم ما جاء فيها.
12- تصريحات الدكتور عمر زاخيلوال للباحث في 27 مارس/آذار 2019.
13- مفاوضات الدوحة، تغريدات خليل زاد في موقعه على تويتر، 12 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 3 أبريل/نيسان 2019):
U.S. Special Representative Zalmay Khalilzad @US4AfghanPeace
U.S. Special Representative for Afghanistan Reconciliation, leading the USG effort to facilitate dialogue and negotiations that will bring peace to Afghanistan.
14- وزير سابق فضَّل عدم ذكر اسمه أثناء الحديث مع الباحث.
15- الدكتور أكرم خبلواك، الأمين العام السابق للجنة المصالحة مع حركة طالبان، في مقابلة مع الباحث، كابل، 3 مارس/آذار 2019.
16- مصدر في لجنة المصالحة مع حركة طالبان، في حديث مع الباحث.
17- ملاحظات سجلها الباحث من كلمة الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، في القصر الرئاسي بتاريخ 18 مارس/آذار 2019.
18- مصدر مقرب من حركة طالبان في حديث مع الباحث حول وقف إطلاق النار والهدنة في البلاد.
19- خارطة طريق الإنسحاب الأميركي، صحيفة ويسا، العدد 3400.
رابط المصدر:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2019/04/190408114648150.html