علي عاطف
في السادس من شهر ديسمبر الماضي، زار مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، العاصمة الإيرانية طهران بناءً على دعوة من الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على شمخاني. والتقى الشيخ طحنون خلال الزيارة بمسئولين إيرانيين رفيعي المستوى كان على رأسهم الرئيس إبراهيم رئيسي، وفي ذلك الوقت، سلّطت وسائل الإعلام الإيرانية الضوء بشكل إيجابي ليس فقط فيما يخص مستقبل العلاقات الإيرانية الإماراتية الثنائية على أصعدة عدة، ولكن أيضاً على ضرورة توثيق التعاون الإيراني مع مختلف دول الإقليم من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الدائمين، كما أشار إلى ذلك شمخاني. لقد كانت الزيارة ناجحة على مستویات عدة إلى الحد الذي وصفت فيه وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (ايرنا)، في تقرير لها يوم الزيارة، العلاقاتِ بين ابوظبي وطهران بأنها “ذات أهمية خاصة” و”تدور في مسار جيد من حيث التفاهم المشترك وسياسة حسن الجوار”، علاوة على توقعها بأن علاقات البلدين “في طور التوسّع”.
لقد ارتفع سقف طموح الجانبين ودعت الإماراتُ الرئيس الإيراني “رئيسي” إلى زيارة أراضيها، ولكن، وبعد أسابيع قليلة فقط من الزيارة، بدأ وكيل إيران في اليمن “الحوثيون” الاعتداء على الأراضي الإماراتية وتكثيف هذه الهجمات الإرهابية التي كانت آخرها يوم الاثنين 31 يناير 2022. وهو ما يجعل الأمر مثيراً للتساؤل: “لماذا يهاجم الحوثيون الإمارات فيما لم يمضِ الكثيرُ من الوقت على زيارة المسؤول الأمني الإماراتي البارز إلى طهران؟، هل غيّرت إيران نهج ومسار (التوجه نحو الشرق؟) فجأة، أم أن هناك جديداً على الساحة؟”.
وفي الواقع، تُعد تلك الهجمات التي تشنها ميليشيات الحوثيين ذات دوافع متعددة، يمكن أن تفسر لنا سبب هذا التحول الإيراني السريع من الحديث حول التقارب مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى الاعتداء على أراضي هاتين الدولتين.
انتصارات “ألوية العمالقة” تكشف ضعف الحوثيين الميداني
لقد أقدم “الحوثيون” على تكثيف الهجمات العدوانية على الأراضي الإماراتية في شهر يناير الماضي بالتزامن مع الانتصارات التي حققتها قوات ألوية العمالقة في اليمن خلال الأسابيع الماضية. فبعد المكاسب والانتصارات التي نجحت في تحقيقها في الساحل الغربي لليمن، تقدمت قوات العمالقة، المساندة للحكومة الشرعية في اليمن، خلال الفترة الماضية صوب تحرير مدن ومديريات من الحوثيين بمحافظة شبوة جنوبي اليمن خلال عملية “إعصار الجنوب” التي انطلقت مع بداية العام الجديد 2022، واستطاعت هذه القوات تحرير مدن النقوب وعسيلان في شبوة وبدأت تتجه لتحرير مدينة العليا في بيجان.
وإلى جانب هذه الإنجازات العسكرية، أبرزت عمليات ألوية العمالقة تفوقهم النوعي على الأراضي اليمنية. وأظهرت هذه النجاحات أيضاً مدى الضعف الميداني الذي يعاني منه الحوثيون أمام قوات ألوية العمالقة، علاوة على مدى التنظيم والخبرة العسكرية التي تملكها هذه القوات المدعومة من التحالف العربي المساند للحكومة الشرعية في اليمن.
بدا هذا الضعف الحوثيواضحاً في ثنايا التصريحات التي أدلى بها القيادي “الحوثي” محمد الغماري يوم الخميس 4 فبراير 2022 وحاول من خلالها على ما يبدو ترميم “روح” الحوثيين المعنوية بعد الضربات التي تلقتها إثر تقدم ألوية العمالقة، حيث زعم الغماري أن الحوثيين لديهم “سلاح رادع إسراتيجي” لمواجهة التحالف العربي الداعم لألوية العمالقة. فعند النظر إلى إشارة وتهديد الغماري، المدرج على قوائم الإرهاب الأمريكية، بأن “التحولات المستقبلية ستكون أسوأ” حال استمرار تلقي الحوثيين الهزائم، التي لم يُشرْ إليها صراحة بالطبع، يمكننا تفهّم (لماذا يهاجم الحوثيون الإمارات والسعودية؟).
وعليه، فإن الهجمات الحوثية على الإمارات كانت بمثابة رسائل إلى أبو ظبي وألوية العمالقة لوقف تقدمهم على مختلف الجبهات اليمنية، خاصة في شبوة التي تتمتع بأهمية خاصة نظراً لاحتوائها على موارد طبيعية حيوية أهمها حقول النفط ومنشآته وميناءين إستراتيجيين لتصدير النفط والغاز، إذ تطل شبوة على بحر العرب وسواحله.
إيران وتأطير شكل علاقاتها المستقبلية إقليمياً مع الإمارات
على الرغم من أن الهجمات الحوثية ضد الإمارات والسعودية في الآونة الأخيرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة تقدم ألوية العمالقة، إلا أنها ليست ببعيدة عن نهج إيران بشأن تأطير شكل علاقاتها المستقبلية مع الإمارات ودول الخليج العربي عموماً، فطهران ترى، حسبما تعبر عن ذلك وسائل إعلامها الرسمية، أن الإمارات تلعب دوراً مهماً في المنطقة منافس لإيران. وهي بناءً على ذلك، ترغب في تقييد هذا الدور الآني والمستقبلي للإمارات لصالح اللاعب الإيراني. وهنا، يلعب الخروج الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط دوراً لا يجب أبداً تجاهله، حيث إن رحيل واشنطن يفتح شهية طهران للعب وتعزيز دورها في الإقليم بشكل أكبر بالتعاون مع قوى دولية مقربة منها، وتريد إيران في هذا الصدد أن تحجم من دور قوى أخرى كالإمارات وأن تعمل على تقييده مستقبلاً.
ولا تعتقد الحكومة الإيرانية أن مثل هذه الإستراتيجية تتنافي مع سياستها الرامية إلى “التوجه نحو الشرق”؛ لأن هذه السياسة تقوم أيضاً على ضرورة الحد من دور بعض القوى الإقليمية والتقارب معها في وقت واحد، في مقابل تعزيز التعاون مع قوى أخرى، ويرتبط هذا الأمر من ناحية أخرى برغبة إيرانية في الضغط على الإمارات والسعودية في الوقت الذي بدأت فيه المحادثات معهما. حيث يتشابه هذا الموقف هنا بالحديث عن مآرب الضغط الإيرانية أمام مفاوضي النمسا. ويعني هذا أن إيران قد تخطط من وراء مثل هذه الهجمات لتحقيق مكاسب سياسية مستقبلية على طاولة المحادثات مع الدول الخليجية إن تم استئناف هذا المسار لاحقاً.
محادثات إيرانية مباشرة مع الأمريكيين
يكشف لنا تتبعُ مسار رحلات الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي، الخارجية منذ مجيئه إلى السلطة في أغسطس الماضي عن ترتيب واستعداد إيراني عملي على أصعدة سياسية واقتصادية وعسكرية للتعامل مع مرحلة ما بعد التوصل إلى اتفاق نووي جديد تجري مفاوضاتُه في العاصمة النمساوية فيينا منذ أشهر. ولا تنفصل عن هذا المسار سياسة “التوجه نحو الشرق” الإيرانية المُشار إليها آنفاً.
إن إيران تعتزم في الوقت الراهن رسم طبيعة نهجها المستقبلي في ظل تلك المرحلة المستقبلية المذكورة والتي يبدو أنها سوف تتسم بتحرك إيراني مطرد وأكثر اتساعاً على المستوى الإقليمي الذي يُعد اليمن جزءً منه على أي حال، وذلك للعديد من العوامل التي يمكن قراءتها في النتائج الاقتصادية المتوقعة للاتفاق النووي علاوة على أبعاد تداعيات الانسحاب الأمريكي من الإقليم.
وكما سبق الحديث بشأن رغبة إيران في الحد من دور الإمارات كفاعل إقليمي قوي، فإن هجمات الميليشيات الحوثية والتي جاءت في أعقاب انتصارات ألوية العمالقة تريد أن تبعث برسائل إيرانية للإقليم بأن على التحالف العربي وقف تقدمه وأن عليه أيضاً الاستعداد لقبول دورٍ إيراني أوسع نطاقاً في اليمن المستقبلي.
وفيما يتعلق بمسار فيينا النووي، فإنه يبدو واضحاً أن إحدى أهداف هجمات الحوثيين، المدعومين بالأساس من طهران، ضد الإمارات في الآونة الأخيرة تتمحور حول التأثير على مسار المفاوضات النووية الجارية بين إيران والقوى الكبرى في النمسا. إذ تعتقد طهران أن مثل هذه الهجمات سوف تضغط على المفاوضين الأوروبيين والأمريكيين باتجاه قبول تنازلات إيرانية أقل ومكاسب أكثر.
ولعل توقيت هذه الهجمات قبل محادثات مباشرة مرتقبة بين الأمريكيين والإيرانيين، قد تنعقد بوساطة قطرية، يؤكد على مثل هذا التوجه.
هجمات الحوثيين ومستقبل سياسة “التوجه نحو الشرق”
كان للاعتداءات الحوثية نتائج أخرى غير مباشرة قد تتمثل بعضها في إدراك أن الأوضاع القائمة في المنطقة وتقارباً مع إيران قد لا يجتمعان سوياً إلا في أطر جماعية أو ضمانات شاملة. حيث إن بقاء الدور الإيراني في اليمن والعراق ولبنان وغيرهم على ما هو عليه الآن يجعل إمكان حدوث و”استمرار” تقارب طهران مع بعض دول الإقليم أمراً غير واضح ويحتاج إلى الإجابة على تساؤلات من بينها “كيف ستتحرك إيران إقليمياً في المستقبل بالتوازي مع هذا التقارب مع الجيران؟، وهل سيضر الجيرانَ هذا التحركُ؟”، ويعني هذا أن التقارب مع إيران يحتاج إلى مقاربة من نوع خاص.
ومن ناحية أخرى، تتوجه الإمارات في أعقاب هذه الهجمات لبذل المزيد نحو تعزيز جيشها ودفاعاتها العسكرية. ففي الوقت الذي أعلنت فيه عدة دول عن إدانة هجمات الحوثيين الإرهابية، أيدت على الناحية الأخرى حق الإمارات في الدفاع عن شعبها وأراضيها، وعن الاستعداد للتعاون العسكري مع أبو ظبي وبشكل خاص فيما يتعلق بحماية المجال الجوي، فعلى سبيل المثال، قالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، في تغريدة لها على تويتر إن “الإمارات كانت ضحية لهجمات خطيرة على أراضيها في يناير. ومن أجل إظهار تضامننا مع هذه الدولة الصديقة، قررت فرنسا تقديم دعم عسكري، وبشكل خاص حماية المجال الجوي”. وعبّر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، جون كيربي، عن تضامنه مع أبو ظبي والرياض أيضاً في مواجهة الهجمات الحوثية قائلاً “نحن بالطبع نقف مع الإمارات والسعودية وشركائنا الخليجيين في الدفاع ضد تهديد شعوبهم وأراضيهم”، وعليه، فإن سياسة “التوجه نحو الشرق” الإيرانية التي أطلقتها حكومة الرئيس “رئيسي” سوف تحتاج إلى جهود إضافية كبيرة في المستقبل إذا أرادت إصلاح العلاقات مع الجيران الخليجيين بعد هذه الأحداث.
.
رابط المصدر: