كاثرين باور
على الرغم من أن «أنصار الله» تستحق بلا شك تصنيفها كمنظمة إرهابية أجنبية، إلا أن إصدار عقوبات مستهدفة تحظى بقبول أممي أوسع نطاقاً قد يحقق نتائج أفضل من دون أي تعقيدات إنسانية.
أدت الاعتداءات بالطائرات المسيرة والصواريخ التي استهدفت البنى التحتية المدنية في الإمارات العربية المتحدة إلى إحياء النقاش حول ما إذا كان يتعيّن على واشنطن تصنيف حركة «أنصار الله» اليمنية المتشددة (المعروفة باسم الحوثيين) كمنظمة إرهابية أجنبية. وفي الظاهر، تستوفي «أنصار الله» بالتأكيد المعايير القانونية لهذه التسمية. ومع ذلك، فإن الإجراءات المالية وحدها لمثل هذا التصنيف قد تكون محدودة في قدرتها على ممارسة الضغوط على منظمة تعتمد بشكل أساسي على الأسلحة الإيرانية المهربة ويمكنها جمع ما يكفي من الأموال على الصعيد المحلي. والأهم من ذلك، تشير الأدلة الدامغة إلى أن التصنيف الشامل من شأنه أن يقوّض المساعي الإنسانية في اليمن.
ولحسن الحظ، لدى الحكومة الأمريكية بدائل يمكنها أن تحقق نتائج أفضل مع مشاركة/موافقة دولية أكبر وأثر أقل على تدفق السلع الأساسية إلى المدنيين العالقين في الحرب اليمنية. وقد تكون المقاربة الأكثر فعالية هي توسيع استخدام العقوبات الأمريكية المستهدفة ضد قادة الحوثيين، وعملائهم، والمراكز المالية والمشتريات الرئيسية، مع العمل في الوقت نفسه مع شركاء في الأمم المتحدة لاعتماد وتطبيق عقوبات دولية أكثر تشدداً.
زيادة وتيرة هجمات الحوثيين في الخارج
في أعقاب الجوم الذي تبنّاه الحوثيون في 17 كانون الثاني/يناير وأسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين في أبوظبي، دعا المسؤولون الإماراتيون إدارة بايدن إلى إعادة تصنيف «أنصار الله» كمنظمة إرهابية أجنبية. وكان قد تم إدراج الحركة سابقاً إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية خلال الأيام الأخيرة من عهد إدارة ترامب – وهو قرار جاء بعد نقاش عام ومطوّل بين الوكالات الأمريكية حول التداعيات الإنسانية لفرض عقوبات على جماعة تسيطر على المراكز السكانية الرئيسية وسط واحدة من أسوأ المجاعات في التاريخ المعاصر. وبالإضافة إلى العقوبات المالية التي تجمّد الأصول الإرهابية، فإن تصنيفات المنظمات الإرهابية الأجنبية تجرّم عموماً التعاملات مع جماعات مماثلة.
وكانت إدارة بايدن قد شطبت هذا التصنيف بعد فترة وجيزة من تسلمها السلطة، مستشهدة بمخاوف إنسانية وتجديد الالتزام بإنهاء هذه الحرب التي استمرت عقداً من الزمن عبر الطرق الدبلوماسية. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ ومسؤولون في الأمم المتحدة، إلا أن وقف إطلاق النار بقي بعيد المنال. وبدلاً من ذلك، رفض الحوثيون المبادرات الدبلوماسية، وزادوا وتيرة الهجمات على البنى التحتية المدنية في السعودية والإمارات، ووسعوا نشاطهم البحري العدائي حول شبه الجزيرة العربية.
مراعاة التداعيات الإنسانية
يصبح التحدي المتمثل في تصنيف الحوثيين أكثر وضوحاً عند التدقيق في مدى تعقيد العقوبات الأمريكية لمكافحة الإرهاب، والتي يتم تطبيقها عادةً من خلال تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية أو الأمر التنفيذي رقم 13224، وهي الصيغة المعتمدة بعد 11 أيلول/سبتمبر التي فُرضت بموجبها عقوبات على جماعات كحركة “طالبان”. ومقارنةً بالعقوبات على الدول أو البرامج المستهدفة الأخرى، لا تتضمن عقوبات مكافحة الإرهاب استثناءات إنسانية عادةً. وشهدت السنوات الأخيرة بعض الاستثناءات – فيما يتعلق بالتراخيص الصادرة إلى جانب قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية في كانون الثاني/يناير 2021 (أنظر أدناه)، وبالتعاملات في أفغانستان بعد سيطرة “طالبان” في آب/أغسطس الماضي على السلطة في البلاد، وبالأنشطة التجارية الإنسانية مع “المصرف المركزي الإيراني” في عام 2019. ومع ذلك، أصبح الأثر العملي لهذه الاستثناءات جزءاً من النقاش الأوسع نطاقاً بشأن كيفية تأثير العقوبات على الأنشطة الإنسانية.
وفي اليمن، عبّر مسؤولون من الأمم المتحدة ومنظمات مساعدة دولية محترمة عن قلقهم من مدى فعالية التراخيص أو غيرها من الإعفاءات في حماية الأنشطة الإنسانية. ومن هذا المنطلق، يعارضون إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. وأشاروا في هذا السياق إلى واقع أن 90 في المائة من المواد الغذائية في اليمن يتم استيرادها تجارياً – في اعتماد كبير على الاستيراد لا يمكن للجماعات الإنسانية تعويضه بمفردها. بدلاً من ذلك، توفر مثل هذه الجماعات معاً مساعدة نقدية على شكل دعم اجتماعي أو برامج النقد مقابل العمل أو منح أخرى.
ويكمن تحدٍ آخر في واقع أنه حين يعمل مزوّدو المساعدات في مناطق وجود جماعة مصنفة إرهابية، يكونون مسؤولين شخصياً وفي المقام الأول عن ضمان عدم حصول الأفراد المحظورين على المساعدة أو تحويل مسارها. حتى أن ضمان أمن الوصول إلى هذه المناطق غالباً ما يستلزم تطوير عمليات تدقيق صعبة وبرامج مرهقة للتحقق من المستخدم النهائي، إلى جانب اتباع قواعد خاصة بالجهات المانحة بشأن التواصل مع جماعات مصنفة إرهابية.
وتؤثر العقوبات أيضاً على حساب المخاطر بالنسبة للمشغلين التجاريين على غرار المصارف والتجار ووكالات الشحن، مما يزيد من تعقيد الوصول إلى السلع الأساسية. على سبيل المثال، خلال الفترة الوجيزة التي صُنفت خلالها جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، أصدر “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية تراخيص نصّت على منح إعفاءات للتعاملات التي تجريها المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وكذلك التجارة في السلع الزراعية والأدوية. مع ذلك، لا يزال التجار اليمنيون يتحدثون عن تراجع في الروابط المصرفية وعن تعليق بعض المنظمات غير الحكومية المساعدات من أجل النظر في كيفية التعامل مع القيود الجديدة.
ومن بين المسائل أخرى، لم تكن المنظمات واثقة ما إذا كانت التراخيص توفر الحماية من الملاحقة القضائية بموجب أنظمة الدعم المادي الأمريكية أم أنها اقتصرت على إعفاء المصارف من التعرض للعقوبات. ونظراً إلى أن المسؤولية الجنائية تُطبق فقط عندما يتم تقديم الدعم المادي بشكل متعمّد أو “بمعرفة مسبقة”، يمكن لوزارة العدل الأمريكية المساعدة على توضيح الأمور من خلال التشديد على وضع معايير عالية لمحاكمات الجهات الفاعلة الإنسانية، وهي خطوة نادرة أساساً. غير أن مثل هذا الإعلان قد لا يوفر الراحة الكافية، ولا سيما في حالة المنظمات الإرهابية الأجنبية. ويتمثل التمييز الواضح بين تصنيف الجماعات منظمات إرهابية أجنبية والعقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13224 في الطبيعة التوسعية والخارجة عن الحدود الوطنية للمسؤولية الجنائية عن توفير الدعم المادي لمنظمة إرهابية أجنبية.
تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية
لا شك في أن حركة «أنصار الله» تستأهل تصنيفها كمنظمة إرهابية وتستحق العقوبات السياسية والدبلوماسية التي تترافق مع هذا التصنيف. غير أن تصنيفها من جديد كمنظمة إرهابية أجنبية سيكون له تداعيات عملية محدودة على قدرات الحوثيين وسيعقّد على الأرجح الوضع الإنساني المحلي.
ويتمثل بديل أفضل في استهداف شخصيات حوثية فردية كإرهابية باستخدام صلاحيات أخرى. وفي الواقع، سبق للولايات المتحدة أن أظهرت فائدة فرض عقوبات على القادة والعملاء الرئيسيين الحوثيين وشبكاتهم العملياتية دون التسبب بتداعيات سلبية على الأنشطة الإنسانية في اليمن.
وبموجب الأمر التنفيذي 13224، يمكن فرض عقوبات على الحوثيين من خلال ما يسمى بـ “تصنيفات متفرعة” تربط أنشطتهم بكيانات تمّ تصنيفها سابقاً مثل «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، أو «فيلق القدس» التابع له أو «حزب الله» اللبناني؛ ومن بين الأمثلة على ذلك إدراج شبكة تمويل حوثية تابعة لـ «فيلق القدس» على لائحة الإرهاب في حزيران/يونيو 2021. ووفقاً لإعلان وزارة الخزانة الأمريكية، فقد حققت الشبكة “عشرات ملايين الدولارات من العائدات من بيع السلع الأساسية، مثل النفط الإيراني، والذي يتمّ إرسال قسم كبير منه من خلال شبكة معقدة من الوسطاء ومكاتب الصيرفة في عدة دول إلى الحوثيين في اليمن”. وحتى الآن، كانت مثل هذه التصنيفات محدودة، ولكن هناك مجال كبير لتوسيعها نظراً لاعتماد الجماعة على إيران. وقد تكون العقوبات المستهدفة من هذا النوع أكثر فعالية في كشف وعرقلة العقد العملياتية الرئيسية، بما فيها الوسطاء والشركات الواجهة في دول ثالثة.
وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة مناصرة فرض عقوبات إضافية على مستوى الأمم المتحدة، وتعزيز قبولها وتنفيذها على نطاق أوسع. فعلى سبيل المثال، يتواءم الأمر التنفيذي رقم 13611- الذي أصدرته إدارة أوباما عام 2012 لاستهداف الأفراد والكيانات التي تزعزع استقرار اليمن – مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140. وفي أيار/مايو الماضي، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على أحد كبار المسؤولين الحوثيين ويُدعى محمد عبد الكريم الغماري بموجب الأمر التنفيذي 13611 لدوره في تنظيم الهجمات التي استهدفت مدنيين يمنيين خلال الهجوم على مأرب. ثم فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليه في تشرين الثاني/نوفمبر. وبالمثل، فرض الاتحاد الأوروبي أولاً عقوبات على القائد العسكري الحوثي الكبير صالح مسفر الشاعر في تشرين الأول/أكتوبر، بعد أن أُدرج على لائحة الأمم المتحدة في الوقت نفسه مع الغماري. وإذ إنه حليف مقرب من زعيم حركة الحوثيين عبد الملك الحوثي، اتُهم الشاعر أيضاً بالاستئثار بإيرادات المستشفيات ومصادرة الأموال المرتبطة بمشاريع ممولة دولياً، وفقاً للتصنيف اللاحق لوزارة الخازنة الأمريكية بموجب الأمر التنفيذي 13611. وخلال الفترة اللاحقة، على الدبلوماسيين الأمريكيين الضغط من أجل أن تبادر الأمم المتحدة إلى فرض المزيد من العقوبات على شخصيات حوثية بسبب انتهاكها القرار 2140.
الخاتمة
اعتُبر تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية على نطاق واسع مشكلة بحدّ ذاتها، مما يضع ضحايا الهجمات الإرهابية للحوثيين في البلدان البعيدة بمواجهة مناصري المساعدات الذين يخشون أن تؤدي التصنيفات إلى زيادة المعاناة الإنسانية في اليمن. ومع ذلك، هناك خيار ثالث: فرض عقوبات مستهدفة على قادة الحوثيين وعملائهم ومؤسساتهم.
فمن جهة، تنطوي مثل هذه العقوبات على إمكانية تسليط الضوء على الدعم المقدم من إيران و«حزب الله» وسط الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الحوثيون وسلوكهم المزعزع للاستقرار الأوسع نطاقاً. ومع ذلك، قد تخدم العقوبات هدفاً أكثر قوة حتى من خلال تركيز الانتباه على الإرهابيين ومؤيديهم، وتقييد أنشطتهم، ولفت الانتباه إلى واقع أن الحوثيين يرفضون الانخراط بجدية في الجهود الدبلوماسية لحل الصراع الأوسع نطاقاً – وكل ذلك وسط التخفيف من الآثار السلبية على وصول المساعدات الإنسانية. ولجعل هذا السبيل الثالث حقيقة واقعة، على الولايات المتحدة السعي إلى فرض المزيد من العقوبات المستهدفة بمفردها ومشاركة المعلومات الاستخباراتية المفيدة عملياً مع شركاء في الولايات القضائية حيث تواصل شبكات الشراء والتمويل عملها، والتعاون مع شركاء الأمم المتحدة على فرض عقوبات دولية أكثر صرامة على الحوثيين وأنصارهم.
.
رابط المصدر: