أليستر كامبل
استفدت مثل الكثيرين من العزل المنزلي الذي فرضه كوفيد لأتعلم بعض الأشياء عبر الإنترنت. وبعدما سمعتني طويلاً أتحسّر على فقدان كثير من لغتي الألمانية، عمدت شريكتي فيونا إلى تسجيلي في دورة لمعهد جوته.
درست اللغة الفرنسية والألمانية قبل أربعة عقود حتى مستوى الشهادة الجامعية. وفي حين لم أتوقف عن استخدام الفرنسية، تلاشت لغتي الألمانية بشكل كبير. فمثلاً يمكنني إلقاء خطابات وإجراء مقابلات بشكل مقبول باللغة الفرنسية، لكن في آخر مرة حاولت فيها إجراء مقابلة بالألمانية، تحول ذهني إلى الفرنسية على الفور وكنت مرتبكاً، أو durcheinander بالألمانية، كما كنت يوما قادراً على القول بشكل تلقائي من دون البحث عن هذه الكلمة في المعجم.
أتعلم الآن عبر الإنترنت على يديّ مُدرّسة مقيمة في لايبزيغ تدعى أندريا، ترشدني بصبر في دورة مدتها ستة أشهر. وتذكرني هذه الدورة بمدى استمتاعي بتعلم اللغة الألمانية في المدرسة، وكذلك بصعوبة الانتقال من حالة “لا بأس به” إلى حالة “جيد جداً”.
بعيداً عن الدورة نفسها، تنصح المعلمة أندريا أيضاً بالاستماع إلى البرامج الإذاعية باللغة الألمانية على الإنترنت، وقراءة الصحف والمجلات بتلك اللغة. لذا وجدت نفسي يوم أمس أقرأ مجلة “دير شبيغل” Der Spiegel، وأثار انتباهي مقال بعنوان ” Die Alptraumtänzer”. كان الجزء الأول من دورتي التعليمية الجديدة حول النوم والأحلام، لذلك تعرفت فوراً على كلمة “Alptraum” التي تعني كابوس، كما أنني ما زلت أحتفظ بما يكفي من المعرفة منذ أيام الدراسة لأتذكر أن “tänzer” تعني راقصين.
أثار انتباهي أيضاً العنوان الفرعي للمقال، الذي أشار إلى أسماء الأشخاص الأربعة المقصود بهم بهذا التصنيف المثير لراقصي الكابوس، وهم ترمب وبوتين وجونسون وبولسانارو.
تُصنَّف مجلة “دير شبيغل” Der Spiegel على يسار الوسط، وقد خمّنت من صورة كاتب المقال ساشا لوبو أنه يساريٌ أيضاً. يمكن بالطبع أن تكون الانطباعات الأولى خادعة، لكنك لا تجد كثيراً من المعلقين اليمينيين بتسريحة شعر “موهيكان” الشائكة. ثم علمت أن مجال تخصصه هو التأثير الاجتماعي للتغير التكنولوجي.
كان عنوان “راقصو الكابوس” يجسّد تلاعباً بألفاظ مهينة كانت توجّه غالباً لليساريين خلال القرن العشرين، عندما كان اليمينيون يرفضونهم ويصفونهم بـ ” traumtänze” (أي راقصو الأحلام). ويعني هذا بعبارة أخرى أنهم مؤمنون بأفكار ورؤى هي عبارة عن أوهام غير واقعية. وتشير وجهة نظر لوبو إلى أن التيار اليميني هو الذي بات يتاجر في الوهم.
علاوة على ذلك، يشكّل الكذب جزءاً مهماً من ترسانة اليمين. ويجادل الكاتب أنه ليس من قبيل الصدفة أن تجد الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة والبرازيل نفسها على رأس جدول العصبة الدولية للإصابات بفيروس كوفيد-19، لأن الدول الأربع كلها يقودها رجال “يُعتبر الواقع بالنسبة لهم اختيارياً”. فالأربعة جميعاً قللوا من شأن خطورة الفيروس أو أنكروها، وعرّضوا كبار السن على وجه الخصوص للخطر، ورفضوا أدلة الخبراء ونصيحتهم، ووضعوا مصالحهم السياسية الخاصة فوق صحة الناس الذين يدعون علناً أنهم يخدمون مصالحهم.
إن الشيء الوحيد الذي أشترك به مع بوريس جونسون هو الرغبة الوطنية في الاعتقاد بأن بريطانيا هي واحدة من أعظم البلدان في العالم، وقد شعرت بذلك بالفعل معظم حياتي، بغض النظر عمن كان في السلطة. لكن عندما ترى أن مجلة ألمانية جادة مثل “دير شبيغل” تضع رئيس الوزراء البريطاني إلى جانب دونالد ترمب وفلاديمير بوتين وجايير بولسونارو، فمن الصعب ألا تشعر بالخجل من أن هذه هي الطريقة التي يُنظر بها إلى رئيس وزرائنا حالياً، وألا يساورك القلق بشأن الضرر الذي يحدثه هذا لمكانتنا في العالم.
ولوبو ليس بتاتاً الوحيد الذي يحمل هذا الرأي. لقد أنتجت مذيعة “إم إس إن بي سي” MSNBC راتشيل مادو فقرة مصورة قوية جداً حول الرباعية الشعبوية نفسها، بعنوان “ترمب، ترمب أوروبا (جونسون) ترمب أميركا اللاتينية (بولسونارو) وبوتين”.
وفي الاتجاه نفسه، يتناول مقالي لهذا الأسبوع في صحيفة “نيو يوروبيان” New European استطلاع رأي فرنسي صنّف بشكل قاطع المملكة المتحدة والولايات المتحدة في أسفل قائمة الدول والقادة الذين يُعتقد بأنهم تعاملوا مع الأزمة بشكل جيد. وبطريقة ما، يعتبر هذا الاستطلاع أسوأ مما كتبه لوبو أو قالته مادو. فبينما يُنظر إلى ترمب في الأقل على أنه خطير، أدى تلاقي بريكست والتهريج الذي يمارسه جونسون وعدم الكفاءة في إدارة التعامل مع كوفيد-19 إلى خلق وجهة نظر واسعة مفادها أن المملكة المتحدة هي ببساطة عديمة الأهمية. لذا فإن استطلاع وكالة “ريبيوتيشين سكواد” Reputation Squad يُعتبر مادة حزينة ومؤرقة.
يستخدم لوبو عبارة رائعة بالألمانية لوصف هذه الرباعية، وتُترجم على النحو التالي “الزعماء الأربعة للعالم المصاب بالعدوى”. لذا قد تكون الشعبوية وما يصاحبها من الجعجعة المتواصلة للأكاذيب والمفاخرات والأوهام، هي الفيروس الأكثر خطورة على المدى الطويل في العالم حالياً، ما لم يُعِد الفيروس الحقيقي العالمَ إلى رشده في ما يتعلق بنوع القادة الذين ننتخبهم. ويشير لوبو إلى أن الفيروس الحقيقي لا يصغي إلى أكاذيب هؤلاء الأربعة أو يراعيها بالطريقة التي يبدو أن كثيراً من الناس يفعلون ذلك.
وربما كان من المهين بشكل خاص قول الكاتب إنه “من الواضح أن مستبداً عنيفاً مثل بوتين يفعل ذلك بشكل مختلف عن “كاذب مغلّف بالديموقراطية مثل جونسون””. ويعني ذلك أساساً أن بوتين ينجو من الكثير لأنه ديكتاتور، في حين أن “كاذباً مثل جونسون” تقيّده إلى حد ما الديمقراطية. دعونا نأمل في أن يحصل ذلك، لكن يجب أن نحْذَر بعض المؤشرات.
وتشمل هذه المؤشرات الظهور النادر في البرلمان، الذي علّقه ذات مرة بعدما كذب على الملكة، والكذب على البلاد بانتظام، والإنكار السافر لأشياء قالها أو فعلها على الرغم من أنها مسجلة بشكل ثابت، والمحسوبية، التي تشمل على سبيل المثال، تعيين النائب المحافظ وحليف جونسون القوي برنارد جينكين رئيساً للجنة الاتصال في البرلمان. ثم هناك إطلاق الوعود، سواء تعلق الأمر بسياسة طويلة الأمد حول الرعاية الاجتماعية، أو بنشر تقرير عن التدخل الروسي في ديمقراطيتنا، من دون أي نية للوفاء بتلك التعهدات، وخرق القواعد الوزارية في العطلات.
لذا فإنه من خلال الإفلات في الأشياء الصغيرة يكتسب أناس مثله الجرأة للإفلات في الأشياء الكبيرة، وهذا سبب آخر يدفعه لبذل كل ما في وسعه للتمسك بدومينيك كامينغز. ومثله مثل ترمب وبوتين، ينظر جونسون إلى القواعد والمعايير على أنها اختيارية أيضاً.
يتقدم ترمب على الآخرين في إظهار مدى إمكانية إضعاف المعايير والمؤسسات الديمقراطية بسرعة، ويكشف مؤيدوه يوماً بعد يوم ضآلة اهتمامهم بسمعة زعيمهم في الخارج، تماماً كما لا يهتم كثيراً معظم المحافظين البريطانيين على ما يبدو بكون زعيمهم أصبح الآن يوصف بشكل مألوف بالكاذب في جميع أنحاء العالم.
لا يعتبر لوبو أن جونسون صار حتى الآن سيئاً مثل ترمب أو بوتين. لكن هذين الشخصين يمارسان الكذب منذ فترة أطول، وكلما زادت المرات التي يفلتا فيها من المحاسبة في أمور أكبر كلّما اعتقدا أن بإمكانهما الإفلات دائماً. إنه مقياس للخطورة التي يُشكلها هذا النوع من القيادة على العالم، حتى أن أمراً بخطورة هذه الجائحة الحالية لا يجعل القادة الأربعة للعالم المصاب بالعدوى يشعرون بحاجة إلى تغيير نهجهم.
رابط المصدر: