د. أحمد عدنان الميالي
بعد مرور اكثر من ٤٥ يوما على حكومة محمد شياع السوداني من الضروري تقييم توجهات واداء الحكومة الجديدة ومعرفة المقاييس والمعايير الدالة على النجاح او الاخفاق على المستويات كافة.
اولا/ المقدمات الايجابية والمعايير المطلوبة
١- يعد تشكيل الحكومة العراقية التي ترأسها السوداني ونيلها الثقة انعطافة مهمة لحلحلة الانسداد السياسي وغلقا للدورة الانتخابية الاكثر اثارة للمشاكل التي واجهت العملية السياسية بعد مرور أكثر من عام على الانتخابات المبكرة التي اجريت في تشرين الاول من العام 2021، في ظل ظروف واجواء أشرت صعوبة تحقيق انتقال سلمي للسلطة، وعبرها حقنت دماءً كادت ان تسيل، لكنها بكل الاحوال تعد خطوة الى الوراء بالنسبة للديمقراطية العراقية كونها عكست عملية مطولة تجاوزت التوقيتات والمدد الدستورية ومع انسحاب الكتلة الصدرية واستبعاد المستقلين من المواقع العليا، تحتاج الحكومة والقيادات الماسكة لها الى استيعاب وسعة وبعد نظر في ادارة الدولة وفق توازنات دقيقة وتبني مسارات عمل مقبولة من قبل الجميع دون اقصاء او تجاهل لمطالب وتطلعات جمهور التيار الصدري والمستقلين وتيار مقاطعة الانتخابات، بما ينسجم مع تحقيق المصلحة العامة من جهة، وضمان استحقاقات المرحلة القادمة، ومنها ضمان الالتزام السريع بإجراء انتخابات مبكرة بموجب قانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات مهنية مستقلة، فيجب ان تسعى هذه الحكومة بهدوءٍ وإصرار، لإجراء انتخابات مبكرة شاملة لإعادة الشرعية إلى العملية الديمقراطية. بحيث تؤدي هذه الخطوات إلى تحسين فرص الحفاظ على الديمقراطية، وكبح جماح عدم الاستقرار، وضمان خوض المنافسة الانتخابية للجميع ضمن انتخابات يتم فيها تحديد قواعد تشكيل واختيار الحكومة قبل إعلان النتائج وليس بعدها من جهة اخرى، وسيتطلب ذلك إجراء إصلاحات قانونية وتعزيز الإجراءات الأمنية المتخذة لحماية وضمان المشاركة السياسية اضافة الى تحفيز اجواء المشاركة في الانتخابات للمقاطعين في الدورات الماضية.
ومن شأن الامتناع عن اتخاذ هذه الخطوات وتأمينها ترسيخ حالة وصف العراق بأنه ليس دولةً ديمقراطيةً فعلية، بل دولة تجري فيها المساومات على الانتخابات منذ بدايتها أو تُشكك بنتائجها او تكون مخرجاتها غير منسجمة مع نتائجها، فالفائز يستبعد او ينسحب والخاسر يشكل الحكومة، وعدم احترام سياقات تحقيق النصاب او عدم ضمان تشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا، او عدم الاتفاق على المرشحين الاساسيين للرئاسات الثلاث.
٢- عندما شكل رئيس الوزراء المنتخب حكومته، تسيد شعور شعبي سياسي (ما خلا الخصوم السياسيين) بالارتياح للسوداني كما ان العديد من المراقبين وحتى المجتمع الدولي شعروا ايضا بالارتياح لأسباب مفهومة تتعلق بشخصية السوداني بصفته وزيراً ومحافظاً سابقاً ونائبا لأكثر من دورة انتخابية وشغل مواقع مهمة، ولم تؤشر عليه قضايا فساد او فشل واضح، اذ يُعد السوداني رجل سياسة تنفيذي ذو خبرة يتمتع بالجاذبية، وبالإمكان ان تلبي حكومته بعض المعايير المفقودة في الدورات السابقة فيما لو اعتمد على طاقم استشاري يستوفي المؤهلات التكنوقراطية، ولديه فرصة في اجراء تغييرات في هذا الجانب، وايضا التغيير يجب ان يشمل بعض اعضاء حكومته ويختار شخصيات كفوءة حتى وان كانت تعود الى عدة عرقيات وطوائف، فبالإمكان ان يساعد ذلك على خلق اجواء ايجابية مستقرة تنعكس على الاداء الانجازي للحكومة.
٣- جهود مكافحة الفساد: خلال المدة الماضية برزت جهود واضحة في مكافحة الفساد ورغم انها غير كافية وليست شاملة لكنها خطوة ايجابية ركزت على استرداد الاموال وتفكيك شبكات فاسدة واضعافها مع حملة اعتقالات واستقدامات وتغييرات مهمة، ويقتضي ذلك ان تكون جهود مكافحة الفساد والخضوع للمحاسبة واجراءات العدالة أولوية في جدول أعمال الحكومة وان تتخذ نهجاً أوسع نطاقاً تجاه الفساد والفاسدين، بغية التصدي لمصادر عدم فعالية المؤسسات وبناء الدولة ومواجهة الأزمات والتعافي من آثارها، وايضا يجب تركيز النهج القائم على الوقاية والعمل الاستباقي المبكر، ويعد تطبيق العدالة والقانون في جهود مكافحة الفساد على الجميع من أهم محاور الوقاية منه، فإذا أسفر هذا النهج الوقائي لمكافحة الفساد عن اتهام حلفاء السوداني فعليه التنبّه ان مسامحتهم او عدم اتخاذ اجراءات بحقهم، يعني فشل حكومته ولن تضيف شيء يذكر لمسيرة السوداني سوى الاخفاق والمساءلة مستقبلا.
٤- العمل الميداني المباشر: ما يؤشر ايجابا على عمل هذه الحكومة، تحرك رئيس الوزراء بنفسه ميدانيا وبشكل مفاجئ متابعة عمل مؤسسات الدولة ومحاسبة المقصرين وهذه جهود تحتاج الى الاستدامة والمراجعة والتدقيق وعدم التراجع او التغاضي، مع توسيع دوائر الرقابة والمتابعة فيما يخص المؤسسات والمشاريع كافة، ويجب ان تكون هذه الزيارات التفتيشية بعيدا عن الاستعراض الاعلامي وتشكيل لجان متابعة وتقييم للسلبيات والاحتياجات والمخالفات تطرح الحلول الواقعية التي لا تعتمد فقط على التوجيه والتوبيخ دون توفير البيئة والظروف المناسبة للعمل وتقديم الخدمات وانجاز المهام وتأدية الواجبات، فغالبا ماتعاني المؤسسات الخدمية والادارية من نقص حاد في التمويل والموارد والقدرات والاليات والمستلزمات تجعل من الصعب جدا تحقيق مخرجات عمل نوعية مستوفية للشروط القانونية.
ثانيا/ المقاييس السلبية
١- التطهير المسيس: اول الخطوات والمؤشرات السلبية التي قامت بها حكومة محمد شياع السوداني وكانت بداية غير موفقة هو تحييد التكنوقراطيين من كابينته وتوزير بعض الشخصيات المجربة التي كانت جزءً من منظومة الفساد التي ثار ضدها المحتجون والتي لولاها لم يصل السوداني لموقعه هذا، والبعض الاخر ليس لهم علاقة بالوزارة التي استوزروا فيها، تبع ذلك شن حملة تطهير واستبعاد المسؤولين الذين عينتهم حكومة تصريف الاعمال السابقة بدوافع سياسية وليست مهنية مع استثناءات مناقضة للقرار، ابقت اليد العليا للجهات الداعمة للحكومة او التي تمتلك وسائل ضغط واسعة عليها، وشملت عمليات التطهير المفاجئة وبشكل مسيس اجهزة حساسة بالدولة مثل جهاز المخابرات والامن الوطني ومطار بغداد وقيادات عسكرية وامنية فضلا عن اجتثاث كامل لمكتب رئيس الوزراء وقد تستمر عمليات التطهير ضد حتى الموظفين النافذين، قد ينتهي الامر باستبدالهم بمسؤولين وموظفين مقربين من الاطار التنسيقي او القوى الداعمة للحكومة، مما يعمل على خلق فجوة سياسية وتدهور وتلكؤ اداري ينعكس سلبا على الدولة.
٢- عدم اتخاذ شيء يذكر لضمان سيادة العراق: اثناء تولي السوداني استمرت عمليات انتهاك سيادة العراق من قبل ايران وتركيا وتجدد القصف لأراضي الدولة في اقليم كردستان دون اي اجراء او رد سياسي او عسكري ولا خطة او مسار واضح لتفادي استمرار تجدد هذه الانتهاكات، سوى اصدار التغريدات او البيانات المنددة، وفي وضع غريب يقوم السوداني بزيارة الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد تزايد القصف الايراني مع زيارة وتهديدات اسماعيل قاآني الى بغداد قبل الزيارة بشن حملة عسكرية برية على الاراضي العراقية اذا لم تتخذ الحكومة اجراء ذا نطاق واسع لتقويض الاحزاب الكردية المعارضة لإيران، وهذا الامر منسحب على التواجد والقصف التركي في اراضي الدولة، فضلا عن معضلة وجود قوات وقواعد امريكية فاعلة في العراق وتدخلات امريكية من السفارة الامريكية بشكل سافر في الشأن العراقي علانية وسراً.
٣- ملف العلاقات الخارجية: لا توحي مقدمات الحكومة الجديدة ولا شخصية رئيس الوزراء بانه سينجح في ادارة ملف السياسة الخارجية والعلاقات الدولية بمنظار دبلوماسي ناجح ومتوازن يضمن المصالح العليا للدولة العراقية وما ذكرناه في الفقرة اعلاه يدعم ذلك، فمسألة علاقته الايجابية بإيران بحكم انتماءه الى الاطار التنسيقي المقرب من ايران، واضطراره للتعامل والتعاون وتمكين جماعات وقوى منضوية في الحشد الشعبي وغيرها (مصنفة على اللوائح السوداء او الارهاب وخاضعين لعقوبات امريكية وغربية) ادواراً قيادية في الدولة، وهذا يعني ان واشنطن وحلفاءها من الغرب والعرب سيعملون على الفور خفض تصنيف بغداد كشريكٍ يمكن ائتمانه على دعم سياسي واقتصادي ومعلومات استخبارية وتكنولوجيات حساسة، ومن المرجح أن تبدأ وزارة الخزانة الأمريكية في منع بغداد من النفاذ إلى الدولار والنظام المالي العالمي، عند شعورها ان ميلان الحكومة يستهدف المصالح الامريكية والغربية والخليجية في العراق لصالح ايران.
ومن المرجح في حال حصل ذلك ان تعيد الادارة الامريكية إحياء القواعد التي سلكتها في العامين 2018-2019، والتي تتضمن وضع العراق تحت الاختبار والخضوع لمراقبة مشددة من واشنطن وأعضاء نافذين آخرين ضمن التحالف الدولي، هذه الدول ستدرك أن علاقتها ببغداد ستتدهور بشكلٍ كبير ما لم تلبي حكومة السوداني مجموعة من المعايير القابلة للقياس اهمها: الحد من نفوذ ايران وفصائل وقادة الحشد الشعبي في العراق، وخاصة ان الحكومة الجديدة اعطت انطباعات خاطئة للغرب بعدم القدرة على التوازن في ادارة ملف العلاقات الخارجية مما يعني ان علاقة العراق مع الغرب، ستكون على المحكّ في الوقت الحالي، ولا يمكن ضمان استمرار الشراكة والتعاون إلا من خلال وضع شروط حازمة على حكومة السوداني ما يؤشر بدايات عدم الاستقرار الذي ستعززه الفقرة التالية.
٤- ملف الاحتجاجات الشعبية: سيكون تحريك الاحتجاجات احد ادوات الصراع السياسي على السلطة داخليا وعدم قبول واشنطن وحلفاءها بنهج الحكومة الجديدة ازاءها، خاصة انهم يراقبون الحكومة الجديدة بعينٍ ثاقبة ويشعرون انها تعمل على تحييد مصالحها وتشن حملةٍ ضد المسؤولين ذوي الميول المضادة لإيران والقريبة من واشنطن خاصة اذا ما تم تغطية أعمال الفساد الماضية، أو إطلاق موجة جديدة من استنزاف وسلب الأصول والاموال الحكومية على برامج وسياسات التمكين السياسي لقوى الاطار التنسيقي.
هذا النهج سيعزز من اندلاع احتجاجات شعبية واسعة النطاق ضد الحكومة الحالية، وقد يكون السوداني ودوداً مع المحتجين لكن ما حصل في ذي قار قبل ايام يؤكد ان قمع الاحتجاجات خيار لا يمتلكه السوداني وان الامور ليست بيده.
خاصة ان من بين مؤيدي السوداني افرادا متهمين حسب وجهة نظر واشنطن والغرب بالإشراف على قتل المحتجين عام ٢٠١٩، وما يجري الان قد يؤكد العودة مجدداً بانتظام إلى قمع اي احتجاجات ضد حكومة السوداني.
٥- تنفيذ البرنامج الحكومي: لا توحي مقدمات عمل الحكومة بنتائج ايجابية في اطار تنفيذ ولو جزء يسير من البرنامج الحكومي، خاصة معالجة موضوع ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع اسعار الغذاء على الرغم من ارتفاع اسعار النفط، من المرجح أن تواجه الحكومة عدة شوائب مزعجة في تقديم الخدمات وفرض الامن، ومواجهة ارتباك العلاقة مع حكومة اقليم كردستان اذا ما اقرت الموازنة العامة، اما اذا انخفضت اسعار النفط وهذا ممكن في ظل الظروف الدولية فالأعباء الاقتصادية ستتزايد خاصة ان الحكومة الجديدة تنتهج مسارات شعبوية في مسألة تبديد الموارد على التعيينات والتخصيصات المالية لأغراض دعائية او انتخابية او ليهدأ الشارع، ما يعني ان الازمات ستتضاعف اذا استمرت على هذا المسار، اضافة ومن خلال سير اعمال الحكومة وواقع القوى السياسية لا توجد مؤشرات عاجلة لإجراء الانتخابات المبكرة التي حددها البرنامج الحكومي بسنة واحدة بعد نيل الثقة، ولهذا الامر تداعياته.
ان مقاييس تقييم الحكومة الجديدة لا تعطي انطباعا بانها قد تستمر، ولا قيامها بواجباتها المقرة في المنهاج الوزاري يساعد على ذلك. ومقدمات ذلك بدأت في ذي قار، وزيارة بلاسخارت الى النجف واستتباع ذلك اصدارها بيان حول اليوم العالمي للفساد، فيه الكثير من الادانة وخيبات الامل، وهذه مؤشرات تضع حكومة السوداني على المحك في مواجهة هذه المقاييس السلبية، التي يحاول البعض من رعاة هذه الحكومة تسويق الخلافات بينها وبين السوداني للتغطية على المقاييس السلبية وتصوير ان السوداني لديه القدرة على ان ينتهج نهجا مختلفا على سابقيه في عدم خضوعه للقوى السياسية، كذلك قد تساعده طهران بمزيد من تقليل التدخل في الشأن العراقي والحد من تواجد قادتها على اراضيه، الا ان هذه الاجراءات قد تتعثر مالم تتصف بالمصداقية والواقعية وهذا من المحال.
.
رابط المصدر: