محمد عبد الجبار الشبوط
الفرق الاساسي بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ان الاول يتحدث عما ينبغي ان يكون، فموضوعه عالم افتراضي؛ اما الثاني يتحدث عما هو كائن، فموضوعه عالم حقيقي ملموس. نعم العلم يدرس الواقع مستفيدا مما يمده له المذهب من ادوات وافكار وتصورات توجه البحث العلمي وتضبط حركته.
لوضع تعريف خاص بعلم الاقتصاد في الدولة الحضارية الحديثة يجب ان نتذكر ان الدولة الحضارية الحديثة هي الاطار القيمي والمؤسساتي والقانوني للمركب الحضاري بعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.
تركز الدولة الحضارية الحديثة على القيم العليا المتعلقة بالانسان، والأرض، والزمن، والعلم، والعمل. تسعى الدولة إلى تحقيق أعلى استثمار ممكن لهذه العناصر من أجل رفاهية الناس، ويتضمن ذلك التنمية المستدامة في الإنتاج والعدالة في التوزيع.
التنمية المستدامة في الإنتاج تشير إلى القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. تهدف التنمية المستدامة في الإنتاج إلى استخدام الموارد الاقتصادية بطريقة تقلل من التأثير الضار على البيئة وتحقق الاستدامة في المدى الطويل.
أما العدالة في التوزيع، فهي تهدف إلى تحقيق توزيع عادل للثروة والفرص في المجتمع. يعني ذلك أن الموارد والثروة يتم توزيعها بطريقة تضمن فرصًا متكافئة والاستفادة العادلة لجميع الأفراد، دون تمييز أو تفرقة، بغض النظر عن فئة الناس أو ذاتهم.
اقتصاد الدولة الحضارية الحديثة يمثل مجموعة التفاعلات والعلاقات بين عناصر المركب الحضاري المنتجة للسلع والخدمات بما يكفي لتحسين نوعية الحياة وتحقيق الرفاهية بصورة عادلة بين الناس.
ويوجد الان في العالم عدد من الدول ممن ينطبق عليها وصف الدولة الحضارية الحديثة بدرجات متفاوتة ولا داعي لذكر امثلة. وهذا يعني امكانية ممارسة علم الاقتصاد الحضاري بالرجوع الى الواقع التطبيقي لهذه الدول.
وبناء على هذا يمكن تعريف علم الاقتصاد في الدولة الحضارية الحديثة، ولنطلق عليه اسم “علم الاقتصاد الحضاري”، بانه العلم الذي يهتم بدراسة وتحليل كيفية توظيف واستثمار عناصر المركب الحضاري الخمسة (الإنسان والأرض والزمن والعلم والعمل) لإنتاج السلع والخدمات القادرة على تحسين حياة المواطنين وتعزيز رفاهيتهم وتوزيعها بطريقة عادلة ضمن منظومة القيم التي يؤمن بها المجتمع وتقوم على أساسها الدولة الحضارية الحديثة. او يمكن تعريفه بطريقة معكوسة بانه العلم الذي يدرس تأثير منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري على النشاط الاقتصادي للافراد والجماعات وكيفية توظيف هذه القيم لتنمية الانتاج وتحقيق العدالة والرخاء وتحسين نوعية الحياة.
وسوف يثير هذا الاسم اعتراضات الدارسين الاكاديميين الذين سوف يقولون انه لا يوجد هذا الاسم في كتب علم الاقتصاد. وهذه مشكلة في طريق التقدم العلمي وصفها وحللها بلاشار وخلاصة الكلام ان الجمود على المعارف السابقة والمتداولة يعيق العقل الانساني المبدع اصلا من الابداع والتقدم. لذلك اقول ان مصطلح “علم الاقتصاد الحضاري” مصطلح جديد لعلم مقترح اتمنى ان يتولى امره علماء الاقتصاد في بلدنا. علما ان ممارس علم الاقتصاد الحضاري ليست بدعة من الامر فقد مارسها فوكوياما في كتابه “الثقة”.
علم الاقتصاد الحضاري المقترح هو مجال دراسة متطور في علم الاقتصاد يركز على تفاعل العوامل الاقتصادية مع العوامل الحضارية والثقافية في المجتمعات. قد لا يكون مصطلح “علم الاقتصاد الحضاري” شائعًا في الاوساط الأكاديمية لعلم الاقتصاد. ومع ذلك، فإن العديد من الباحثين يعملون في هذا المجال ويسعون لفهم علاقة الثقافة والتاريخ والعوامل الاجتماعية بالعلم الاقتصادي.
قد يتم استخدام مصطلحات أخرى مثل “اقتصاد حضاري” أو “اقتصاد وثقافة” لوصف هذا المجال البحثي. يهدف هؤلاء الباحثون إلى دراسة كيفية تأثير العوامل الحضارية على التنمية الاقتصادية والازدهار، والعكس بالعكس.
ولفهم المصطلح بشكل أفضل، سأشرح معنى الكلمات الثلاث المكونة له.
1. العلم: هو مجموع المعرفة المنظمة حول موضوع معين وفهمه وتحليله بناءً على أدلة قوية وطرق بحث موضوعية، تجريبية وغيرها. يهدف العلم إلى توفير فهم أعمق وأوسع للظواهر والمفاهيم والعلاقات في المجال المدروس.
2. الاقتصاد: يشير إلى دراسة النشاط الاقتصادي الانساني في حقول الإنتاج والتوزيع واستهلاك الموارد، سواء الطبيعية أو البشرية. يتناول الاقتصاد تحليل كيفية تخطيط وإدارة النشاط الاقتصادي وتطبيق سياسات وأدوات لتحقيق الهدف الرئيسي وهو تحقيق التنمية الاقتصادية.
3. الحضاري: يشير الحضاري الى ارتباط النشاط الاقتصادي بمنظومة القيم الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة اي الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. وهو يرتبط بالتطور والتقدم الثقافي والاجتماعي للمجتمعات ويتضمن مجموعة متنوعة من العناصر مثل الفن، والعلوم، والتقانة، والقيم الاجتماعية والأخلاقية، والتنظيم الاجتماعي. الحضارة تعكس الطموح البشري في تحقيق التقدم وتطوير الحياة الإنسانية بشكل شامل.
كلمة “الحضاري” المستخدمة في تعريف علم اقتصاد الدولة الحضارية الحديثة تشير كما في كل مرة يجري استخدامها الى البعد القيمي لعلم الاقتصاد، اي ارتباطه بمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة.
.
رابط المصدر: