شهد فجر يوم الأحد بالعاصمة الأفغانية كابل عملية أمريكية ناجحة استطاعت أن تستهدف رأس تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في شرفة منزله باستخدام طائرة أمريكية بدون طيار، المشهد الذي حمل معه صورة متبلورة لانتصار أمريكي جديد في مسار الحرب على الإرهاب من جانب، ومحاولة للانقضاض على صورة الفشل التي غلفت الانسحاب الأمريكي من أفغانستان خلال العام الماضي من جانب آخر؛ الأمر الذي يُثير تساؤلات حول فرص توظيف إدارة “بايدن” لهذه العملية.
ضربة ناجحة
أعلن الرئيس “جو بايدن”، يوم الاثنين -رسميًا- مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري، بغارة أمريكية نفذت في أفغانستان. موضحًا أن الظواهري قد قُتل بدون استخدام قوات على الأرض عبر غارة من طائرة بدون طيار، مضيفًا أن العملية “تم الإعداد لها وتنفيذها بدقة عالية”. ومشيدًا بالعملية من خلال اعتبارها تحقيقًا للعدالة ودفاعًا عن الشعب الأمريكي، ومشيدًا أيضًا بمجتمع الاستخبارات الأمريكي، معتبرًا أنه “بفضل مثابرتهم ومهارتهم غير العادية”، كانت العملية “ناجحة”. ومؤكدًا أن واشنطن “لن تسمح بتحول أفغانستان إلى منصة لانطلاق هجمات ضد الولايات المتحدة”.
لافتًا إلى أن الظواهري كان الرجل الثاني في التنظيم أثناء الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر؛ وواحدًا من أكثر الأشخاص مسئولية عن الهجمات التي راح ضحيتها 2977 شخصًا على الأراضي الأمريكية. مضيفًا أن الظواهري كان العقل المدبر لعدد من الهجمات التي استهدفت أمريكيين، بما في ذلك تفجير المدمرة “يو إس إس كول” الأمريكية في عام 2000، والذي قتل 17 بحارًا أمريكيًا؛ كما لعب دورًا رئيسيًا في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، مما أسفر عن مقتل 224 شخصًا وإصابة أكثر من 4500 آخرين.
وفقًا لـ”رويترز”، فإنه على مدار العام الماضي بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، كان المسئولون يراقبون المؤشرات على وجود القاعدة في أفغانستان. وقال مسئول أمريكي رفيع المستوى إن واشنطن رصدت خلال عام 2022 عائلة الظواهري في منزل في العاصمة الأفغانية التي شهدت انسحابا للقوات الأمريكية وهيمنة لحركة طالبان. وبعد التأكد من وجوده، أطلع مستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” الرئيس “بايدن” على الأمر. وفي مستهل شهر يوليو تم عرض مخطط العملية على الرئيس في قاعة “سيتويشن روم” التي تخضع لإجراءات أمنية مشددة في البيت الأبيض.
فيما أوضحت بعض التحليلات أن الطائرة الأمريكية المسيرة التي قتلت الظواهري في كابل استخدمت الأجواء الباكستانية لتنفيذ مهمتها. وقد عملت هذه التحليلات على الربط بين التعاون الذي جرى في العملية بين واشنطن وإسلام أباد، وبين المكالمة الهاتفية التي تمت الأسبوع الماضي بين رئيس أركان الجيش الباكستاني الجينرال “قمر جاويد باجوا” -المعروف على نطاق واسع بأنه أقوى رجل في البلاد- مع نائبة وزير الخارجية الأمريكية “ويندي شيرمان”.
وفي هذا السياق، قوبل هذا الهجوم الصائب الذي استهدف زعيم تنظيم القاعدة بسلسلة من الإشادات، داخل الولايات المتحدة وخارجها. فقد أشاد الرئيس الأسبق “باراك أوباما” بنجاح العملية، ممتدحًا قيادة الرئيس “بايدن ومجتمع الاستخبارات الأمريكي”؛ مشيرًا إلى إمكانية استئصال الإرهاب دون الدخول في حرب. ومن جانبه، وصف “بن رودس”، المسئول البارز السابق في إدارة “أوباما”، العملية بأنها “تاريخية”. مضيفًا أنها “تظهر أن بايدن لم يكن بحاجة إلى إبقاء القوات في أفغانستان للحفاظ على القدرة على مكافحة الإرهاب”.
عطفًا على ما سبق، فقد أشاد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي “بوب مينيديز” بجهود إدارة الرئيس “بايدن”، قائلًا: “لقد وجهت إدارة “بايدن” ضربة خطيرة لشبكة القاعدة، أُثني على الرئيس “بايدن” وضباط مخابراتنا الأبطال وأفرادنا العسكريين”. مضيفًا أن الانسحاب من أفغانستان لم ينل من قدرة مجتمع الاستخبارات الأمريكي على التعامل مع التهديدات الإرهابية. كما أشاد السيناتور الجمهوري “تيد كروز”، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بالعملية واصفًا إياها بـــ”الإنجاز المهم”. كما قال النائب الجمهوري “مايكل مكول”، لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب، “إنه يوم عظيم لأمريكا عندما يتم القضاء على زعيم القاعدة”، مضيفًا “أُثني على محترفي الأمن والاستخبارات الذين نفذوا هذه العملية بشجاعة”.
فرص توظيف العملية
يمكن القول بشكل عام، إن العملية العسكرية الناجحة التي استهدفت الظواهري في العاصمة الأفغانية كابل، والطريقة التي تمت بها من خلال طائرة أمريكية مسيرة، وردود الأفعال الإيجابية بشأنها قد تحمل فرصًا للإدارة الأمريكية يمكن توظيفها على النحو التالي:
1- الدور الأمريكي: على الرغم من اتجاه بعض التحليلات لتأكيد انحسار الدور العالمي لواشنطن، سيما بالنظر إلى الحرب الروسية الأوكرانية من منظور كونها استهدافًا للنظام الدولي القائم على القواعد الذي تتزعمه واشنطن، وكذا اعتبارها اختراقًا للمعسكر الغربي الذي تترأسه واشنطن وتتحمل مسئولية حمايته من خلال حلف “الناتو”؛ إلا أن القيام بعملية عسكرية ناجحة في قلب كابل لاستهداف رأس تنظيم من أكبر التنظيمات الإرهابية، يعكس مجددًا تأكيدًا لدور واشنطن في حفظ الأمن العالمي التي تقوم بالتصدي للإرهاب نيابة عن الجميع ودفاعًا عن العالم. ويرتبط بذلك أيضًا، تجميل صورة واشنطن عبر التشديد على البُعد القيمي للسياسة الأمريكية التي لا تزال تضع أمن العالم في مقدمة أولوياتها.
2- تجاوز صورة الانسحاب الفوضوي: عكست صورة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان –بقدر كبير- فشل الحسابات الأمريكية لأسباب تتعلق بتأثير الانسحاب على تحويل أفغانستان لمنصة إرهابية أكثر حدة وتعقيدًا، بجانب تدمير النموذج الذي سعت واشنطن لترويجه على مدار سنوات، علاوة على اعتبار واشنطن شريكًا غير موثوق. ومن ثمّ فإن النجاح في القيام بعملية تستهدف رأس تنظيم القاعدة، قد يقوض الاستهجانات التي لاحقت الإدارة في أعقاب الانسحاب، كما قد تقدم دليلًا إضافيًا على صحة المسار الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية. وهو الأمر الذي انعكس في ردود الأفعال المشيدة بالعملية، التي أكدت في أغلبها على عدم جدوى استمرار القوات الأمريكية في أفغانستان.
3- تعزيز صورة الاستخبارات الأمريكية: لعبت الاستخبارات الأمريكية دورًا كبيرًا في الكشف عن التحركات الروسية قبل قيامها بشن الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، وهو ما واجههته روسيا عبر تأكيدات متتالية لنفي وتكذيب التكنهات الأمريكية، في محاولة للتدليل على فشل جهود مجتمع الاستخبارات الأمريكي. ومن ثم فإن استهداف الظواهري عبر ضربة نفذتها طائرة بدون طيار تابعة للقوات الجوية التابعة لوكالة المخابرات المركزية، وفقًا لـــ”بوليتكو”، يدلل على مدى قوة وقدرة مجتمع الاستخبارات الأمريكي على جمع المعلومات والوصول للأهداف. وهو ما قد يحمل بطريقة غير مباشرة رسائل طمأنة لحلفاء وشركاء واشنطن الذين دفعتهم الحرب الروسية الأوكرانية إلى التشكك في قوة واشنطن.
4- احتواء الداخل الأمريكي: بالنظر إلى الساحة الداخلية الأمريكية يتضح وجود بعض المؤشرات على تراجع شعبية إدارة الرئيس “بايدن”، وذلك على الرغم من اتجاهها للارتفاع في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. ويرجع ذلك لعدد من الأمور، أبرزها: إشكالية التعافي الاقتصادي في أعقاب الموجات المتتالية للجائحة، وتراجع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن الأمريكي جراء التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن حالة الانقسام السياسي التي تضرب الساحة الأمريكية بقوة. وبالتالي، فإن القيام بعملية ناحجة ذات صلة مباشرة بالشارع الأمريكي الذي يحمل مخاوف كبيرة تجاه التهديدات الإرهابية من جانب، والذي يرى في تنظيم القاعدة عدوًا رئيسيًا ساهم في إزهاق آلاف الأرواح الأمريكية من جانب آخر، قد يعزز من شعبية الإدارة الديمقراطية قياسًا على عملية مقتل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” التي تمت قبيل الانتخابات الرئاسية 2012، والتي مهدت الطريق أمام إعادة انتخاب “أوباما”. ومن ثم، يمكن توظيف العملية في حشد الشارع الأمريكي صوب الديمقراطيين، سيما وأن الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات التجديد النصفي.
مجمل القول، إن نجاح واشنطن في القيام بعملية عسكرية أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة، يحمل الكثير من الفرص لإدارة “بايدن” لتوظيفها من أجل تعزيز صورتها وزيادة شعبيتها، لكن يظل الأمر مرتبطًا بحسن توظيف واستغلال هذه العملية من قبل الإدارة. إذ لم تساهم عملية استهداف قائد تنظيم داعش “أبو إبراهيم القرشي” في تحقيق هذه الأهداف؛ ولكن يمكن تبرير ذلك في أن تنظيم “داعش” –على العكس من تنظيم القاعدة– لم يقم بعملية إرهابية داخل الأراضي الأمريكية. الأمر الذي يعني أن فرص توظيف عملية استهداف الظواهري تظل أكبر لما لها من صلة مباشرة بالشارع الأمريكي؛ وهو ما انعكس في البيان الذي أطلقته “تيري سترادا”، رئيسة منظمة عائلات 11 سبتمبر المتحدة، والذي ذكرت فيه: “أنا ممتنة للغاية لالتزام وكالات الاستخبارات وتفاني جيشنا الشجاع والتضحيات التي قدمها في القضاء على مثل هذا الشر من حياتنا”.
.
رابط المصدر: