مكاسب متعددة: كيف سيفيد مقتل “القرشي” إدارة “بايدن”؟

مها علام

 

في أعقاب الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان في أغسطس الماضي، اتجهت بعض التحليلات إلى التأكيد على رغبة واشنطن في طي صفحة الحرب على الإرهاب التي استمرت قرابة عشرين عامًا، مع الاتجاه نحو إعادة تأطير الأولويات الأمريكية عالميًا بما يناسب خصائص الحقبة العالمية الجديدة التي يمثل الصدام الأمريكي-الصيني جانبًا أصيلًا منها. وفي خضم هذه التحليلات، يبدو أن واشنطن سعت إلى إرسال رسالة جديدة للتأكيد على دورها المحوري في مواجهة الإرهاب عبر إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن القيام بعملية عسكرية ناجحة بسوريا أدت إلى مقتل قائد تنظيم داعش “أبو إبراهيم القرشي”، الأمر الذي يُثير التساؤل بشأن المكاسب التي قد تجنيها إدارة “بايدن” جراء هذه العملية.

مكاسب متعددة

أعلن الرئيس “بايدن”، الخميس الموافق 3 فبراير الجاري، عن القيام بعملية عسكرية ناجحة بسوريا أدت إلى مقتل قائد تنظيم داعش “أبو إبراهيم القرشي” في سوري. وقال “بايدن” في بيان إن “القوات الأمريكية نفذت عملية ناجحة لمكافحة الإرهاب في شمال غرب سوريا، من أجل حماية الشعب الأمريكي والحلفاء، وجعل العالم مكانًا أكثر أمنًا”. أي إنه حاول أن يصبغ العملية العسكرية بطابع يتناسب مع رؤية إدارته للدور العالمي للولايات المتحدة، والتزامه القيمي.

وأضاف “بايدن” أن جميع القوات المشاركة في العملية قد عادت دون إصابات؛ مما يعني أن العملية قد تمت بنجاح كامل، دون أدنى خسائر في الجانب الأمريكي. وبهذه العملية ينطوي فصل “القرشي”، بعد شهور من وضعه على قائمة “أكثر الإرهابيين المطلوبين”، ورصد مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للمساعدة في القبض عليه.

واستنادًا إلى ذلك، يبدو أن هذه العملية قد تحمل فرصًا واسعة أمام إدارة “بايدن” لتحقيق مكاسب متعددة، على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ أبرزها:

١. الدور الأمريكي: على الرغم من اتجاه بعض التحليلات للتأكيد على انحسار الدور العالمي لواشنطن، إلا أن نبرة البيان الذي أطلقه “بايدن” تعقيبًا على العملية، تعكس بلورة لدور واشنطن في حفظ الأمن العالمي، انطلاقًا من كونها شرطي العالم الذي يحمل على عاتقه التصدي للإرهاب نيابة عن الجميع ودفاعًا عن العالم، كما تحمل العملية تأكيدًا إضافيًا على أن واشنطن لا تزال حريصةً على دفع الفاتورة نيابة عن العالم. ويرتبط بذلك أيضًا، تجميل صورة واشنطن عبر التشديد على البُعد القيمي للسياسة الأمريكية التي لا تزال تضع أمن العالم في مقدمة أولوياتها.

٢. تجاوز صورة أفغانستان: حملت مسألة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تأكيدات متكررة على فشل الحسابات الأمريكية في التعامل معها؛ لأسباب متعددة تتعلق بتأثير الانسحاب على تدشين فصل إرهابي جديد، بجانب تدمير النموذج الذي سعت واشنطن لترويجه لسنوات، إضافة إلى اعتبار واشنطن شريكًا غير موثوق فيه، بجانب تشويه الجانب القيمي للسياسة الأمريكية الذي تشدد عليه إدارة “بايدن”. ومن ثمّ فالقيام بعملية على هذا المستوى تستهدف رأس تنظيم “داعش” الدموي قد تُساهم -ولو بقدر ما- في تجاوز الصورة السلبية التي ارتبطت بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان.

٣. طمأنة حلفاء المنطقة: مع اتجاه واشنطن صوب إعادة تأطير أولويات سياساتها الخارجية وفق المعطيات العالمية الجديدة، ظهرت بعض المخاوف لدى حلفاء واشنطن من توقعات بشأن التخلي عنهم تزامنًا مع اتجاهها لإعادة الانتشار العسكري الأمريكي عالميًا. وعليه، قد تحمل هذه العملية مؤشرات لطمأنة حلفاء واشنطن في المنطقة انطلاقًا من أن سعي واشنطن لتقليل تواجدها العسكري بالمنطقة لا يعني -بالضرورة- عزوفها عن القيام بدورها الذي اعتاد عليه الحلفاء، ولا يعني عدم اهتمامها بأمن المنطقة واستقرارها.

٤. تجاوز الإخفاقات الخارجية: سعى الرئيس “بايدن” منذ يومه الأول بالمكتب البيضاوي إلى الانقضاض على ميراث سلفه “دونالد ترامب”، مبلورًا قدرته على تجاوز الإخفاقات الخارجية التي شهدتها فترة حكم سلفه؛ إلا أن الواقع على الأرض بعد عام من حكم “بايدن”، يعكس سلسلة من الإخفاقات الخارجية. فعلى الرغم من قيامه بإعادة واشنطن إلى المؤسسية الدولية، والقيام بجهود مكثفة لرأب الصدع عبر الأطلسي؛ إلا أن هناك ملفات خارجية لا تزال مرتبكة ومتخبطة مثل: المباحثات النووية الإيرانية، والتعامل مع تركيا، والأزمة اليمنية، بجانب تعثر مساعي واشنطن لتطويق الصين. لذا، فإن القيام بعملية عسكرية على هذا المستوى، تعني تحقيق إنجاز ضخم على صعيد السياسة الخارجية قد يسمح لإدارة “بايدن” بالتغطية على الإخفاقات الأخرى.

٥. الرد اللائق: نجح تنظيم “داعش” في شن أكبر عملية له منذ سنوات، عبر الهجوم على سجن غويران المخصص لاحتجاز عناصر “داعش”، في مدينة الحسكة السورية الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية، محاولًا السيطرة عليه؛ الأمر الذي دق ناقوس الخطر إيذانًا بعودة التنظيم الدموي للواجهة، مما يعني أن كل الجهود الأمريكية التي بُذلت على مدار سنوات لم تنجح في اجتثاث جذور “داعش” وتقويض وجوده، ومن ثمّ كان على واشنطن أن ترد بشراسة في عملية كبرى من أجل التأكيد على أن قدراتها بالمنطقة لم تختل.

٦. مغازلة الشارع الأمريكي: بالنظر إلى الساحة الداخلية الأمريكية يتضح وجود بعض المؤشرات على تراجع شعبية الرئيس إدارة “بايدن”، وهو الأمر الذي انعكس في خسارة الديمقراطيين بمنصب حاكم ولاية فيرجينيا، وحصولهم على فوز بالغ الصعوبة في ولاية نيوجيرسي. ويرجع تراجع شعبية الإدارة الديمقراطية لعدد من الأمور؛ أبرزها: إشكالية التعافي الاقتصادي، وتراجع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن الأمريكي، بجانب اضطراب سياسة الهجرة، إضافة إلى التداعيات المرتبطة بالجائحة والجدالات المتكررة بشأن كل ما يتصل بها كالإغلاق واللقاح وغيره. في خضم هذه الأجواء، قد يسعى الرئيس “بايدن” إلى مغازلة الرأي العام الأمريكي، انطلاقًا من كون التهديد الإرهابي ضمن أبرز مخاوف الرأي العام الأمريكي. وتبدو أن العملية تمت على شاكلة عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” التي تمت قبيل الإنتخابات الرئاسية 2012 والتي مهدت الطريق أمام إعادة انتخاب “أوباما”. وبالرغم من اتجاه بعض التحليلات إلى اعتبار أن “داعش” لا يقع ضمن اهتمامات الرأي العام الأمريكي، كون تهديداته تقع بأكملها في المنطقة العربية، على العكس من “بن لادن” الذي قاد عملية دموية أودت بحياة الآلاف من الأمريكيين؛ إلا أن مقتل “القرشي” يأتي في سياق تخوف الرأي العام الأمريكي من الإرهاب كتهديد عام بغض النظر عن شخص قائد “داعش”، الأمر الذي يعني إمكانية توظيف هذه العملية في حشد الشارع الأمريكي صوب الديمقراطيين، سيما وأن الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات التجديد النصفي.

مجمل القول، إن نجاح واشنطن في القيام بعملية عسكرية أدت إلى مقتل زعيم تنظيم “داعش”، يحمل الكثير من الفرص والمكاسب لإدارة “بايدن”، لكن الأمر يتطلب من الإدارة الديمقراطية حسن توظيف واستغلال هذه العملية. فقد استطاعت إدارة الرئيس “ترامب” القيام بعملية عسكرية مماثلة استهدفت الزعيم السابق لــــ”داعش”، أبو بكر البغدادي، لكنها لم تستطع توظيفها بطريقة تخدم الإدارة الجمهورية.

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18424/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M