بهاء النجار
قد يرفض البعض افتراض وجود تدخل أميركي في التظاهرات التي انطلقت في العراق يوم 1 تشرين الأول 2019 ثم يوم 25 من نفس الشهر واستمرت الى حين كتابة هذه السطور ، ويعتبرها تخويناً للمتظاهرين وطعناً بوطنيتهم وأن من يطلق هذه الافتراضات هو مدعوم من قبل إيران وأذرعها وأتباعها في العراق ، وهنا أقول أن التدخل جاء من الطرف الأميركي ( او غيره ) لا من المتظاهرين حتى يقال أنها إساءة لهم ، هذا فضلاً عن التحليل العلمي المستند على أدلة يكون قاطعاً للجدال سواء كان محسوباً على هذه الجهة أم تلك ، لذا سنسير بخطوات علمية إن شاء الله فمن قبلها فليقبلها ومن لم يقبلها فهو حر .
لنذكر الملامح حتى لا نطيل على القارئ الكريم :
1) بداية انطلاق التظاهرات يوم 1 تشرين الأول 2019 كانت ظاهراً بلا قيادة ، وأن مجموعة من الناشطين ومن خلال الفيسبوك قد دعوا الى هذه التظاهرة ، وقد يكون هؤلاء الناشطون مستقلون بلا دعم خارجي وقد لا يكون كذلك باعتبار التنظيم كان عالياً جداً يصعب على بسطاء القيام به ، ويبقى الدعم مجهولاً وإن كان أفضل من يتقن التنظيم عبر الفيسبوك هو الولايات المتحدة ولها تجارب في ذلك أبرزها تجربة مصر قبل أكثر من ثمان سنوات ، وسيتبين من الملامح القادمة مدى دقة هذا التوقع .
2) في ظل صراع إيراني أميركي محتدم توعد فيه الطرفان أن يضرب كل منهما مصالح الآخر في ساحات نفوذهما ومن هذه الساحات العراق ، فإن رفع شعارات منددة بالتدخل الإيراني دون رفض التدخل الأميركي يوحي بأن هناك محرك أميركي خفي موجود بين المتظاهرات ، وبدون هذه الفرضية سيكون المتظاهرون أول المتهمين بميلهم للجانب الأميركي وهذا طعن بوطنيتهم ووطنية احتجاجاتهم ، وهذا غير مقبول عند الشعب العراقي .
وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز أضواء للبحوث والدراسات وجد – لحين كتابة هذه المقالة – أن 86% ممن تابع التظاهرات ميدانياً او عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أنهم شاهدوا رفع شعارات ضد إيران أكثر من شعارات مماثلة ضد أميركا (1) .
3) عند متابعة وسائل الإعلام المحلية والعربية التي تنقل أحداث التظاهرات نرى أن الإعلام الصديق للسياسة الأميركية مؤجج ومؤيد للتظاهرات ، في المقابل نرى الإعلام الصديق لإيران يحاول أن ينقل الثغرات في التظاهرات لأنه يعلم أنها موجهة من أميركا ضد إيران ، وهذا يعطي مؤشراً لدعم التدخل الأميركي .
4) من الملفت للنظر أن المحافظات الغربية او بشكل أدق المحافظات السنية ( الموصل وصلاح الدين والأنبار وكركوك وديالى ) أنها لم تخرج بتظاهرات رغم أنهم أسوأ حالٍ من الوسط والجنوب ، بل أن قسماً كبيراً من أهالي ديالى من الشيعة ومع هذا فلا الشيعة ولا السنة انتفضوا فيها ، وهذا يقلل من العفوية التي توصف التظاهرات بها أحياناً ، بمعنى أن هناك موجّه بأن تخرج التظاهرات في مناطق دون مناطق أخرى .
5) التظاهرات الطلابية التي خرجت يوم 27 تشرين الأول كانت بتنسيق عالٍ يفوق التنسيق الذي قاد تظاهرات يوم 25 تشرين الأول رغم وجود معوقات تعرقل خروج الطلاب بتظاهرات بشكل العام كالعمر والوعي والجنس (باعتبار خروج الطالبات في ظل هذه الظروف أمر صعب في العراق) وموافقة الأهل وإدارات المدارس ، بل إنها حملت شعارات موحدة في كل المدن يصعب الاتفاق عليها من دون تنسيق عالٍ ، ومثل هذا التنسيق لا يكون إلا بإدارة عالية يندر توفرها عند العراقيين .
6) تزامن تظاهرات الشعب اللبناني مع تظاهرات شقيقه العراقي في ظروف تجمع البلدين كالنفوذ الإيراني ودعم إيران للحكومتين فيهما وتقهقر الخدمات وتعاظم الفساد فضلاً عن تأثير الصراع الأميركي الإيراني وغير ذلك من نقاط التشابه يعطي مؤشراً إضافياً للحملة الأميركية لتصفية الحسابات مع الخصم الإيراني في مناطق نفوذهما .
جميع العراقيين الوطنيين يرفضون أي تدخل أجنبي في بلادهم ، وإثبات التدخل الأميركي في التظاهرات التشرينية العراقية لا يعني أن إيران لا تتدخل ، ولا يعني أن رفض التدخل الأميركي يعني قبول التدخل الإيراني وينبغي أن يكون العكس كذلك .
(1) للاطلاع على الاستطلاع :
https://t.me/adhwaacentre/3362
رابط المصدر: