ملف الطاقة على مائدة القمة الأمريكية الأفريقية الثانية: الأهمية والدوافع

د. أحمد سلطان

 

في واشنطن يجتمع قادة أكثر من 40 دولة أفريقية في القمة الأمريكية الأفريقية الثانية، والتي تأتي في وقت حرج يشهد فيه العالم والولايات المتحدة الأمريكية العديد من التحديات، وأهمها فيما يتعلق بالتحديات المناخية وأمن الطاقة الذي يُشكل أحد أهم ركائز الأمن القومي والاقتصاد الأمريكي، ومن هنا يجب إلقاء الضوء على الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية فيما يتعلق بملف الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى.

بشكل عام، نمت أهمية القارة الأفريقية من الناحية الاستراتيجية خلال السنوات القليلة الماضية، وبالرغم من أنها عانت من التهميش والإقصاء خلال العقود القليلة الماضية وبالأخص بعد منتصف القرن ورحيل الاستعمار الأوروبي، لكن الأهمية التي تتمتع بها القارة الأفريقية دفعت بعض القوى العالمية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا إلى التنافس؛ لتأمين موطئ قدم لمصالحها، وفتح آفاقها وتعظيم مكاسبها، واستغلال ثروات القارة وبالأخص شرايين الطاقة المختلفة التي تتمتع بها بعض دول القارة الأفريقية.

نقاط القوة والأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية

كانت القارة الأفريقية ولا تزال بؤرة الصراع الحقيقي بين قطبي القوى العالمية؛ لأنها في حسابات الدول الكبرى تُعد احتياطيًا استراتيجيًا للطاقة والموارد الطبيعية، وتُمثل إحدى أغنى مناطق العالم؛ فتمتلك موارد طبيعية ومعدنية، وموادًا أولية مهمة للصناعات الاستراتيجية وخاصة الطاقة النووية، بجانب موقع القارة الجيوسياسي في ضوء خريطة التحول العالمي الجديدة. بالإضافة إلى أنها تكتسب أهمية قوية من حيث المخزون الحيوي والاستراتيجي من الطاقة بأنواعها المختلفة، ويضاف إلى ذلك أهميتها من حيث أنها تُشكل سوقًا استهلاكية واعدة ومحفزة للقوى العالمية، بالإضافة إلى العنصر البشري.

وهي عناصر مهمة تجعل من القارة السمراء محطة استراتيجية تحظى باهتمام القوى الكبرى، وتتحول في كثير من المحطات إلى ساحة تنافس وصراع. فضلًا عن سعي دول القارة الأوروبية إلى تأمين وتنويع مصادر الطاقة والبحث عن إمدادات آمنة منها، وبالتالي فالقارة الأفريقية أصبحت ملاذًا لمصادر طاقة وموارد مختلفة، كما موضح بالشكل التالي.

ومن هنا يمكننا تلخيص أهم نقاط القوة والتي وضعت القارة الأفريقية في بؤرة الاهتمام الأمريكي، ومنها:

● تمتلك أفريقيا احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، حيث تسيطر على أكثر من 124 مليار برميل من احتياطيات النفط، والتي تقدر بأكثر من 12% من إجمالي احتياطيات النفط في العالم، وهناك أكثر 100 مليار برميل من احتياطيات النفط تنتظر اكتشافها على طول ساحل القارة. وتتركز الثروة النفطية داخل القارة في دول مثل: نيجيريا، والجزائر، ومصر، وأنجولا، وليبيا، والسودان، وغينيا الاستوائية، والكونغو، والجابون، وجنوب إفريقيا. ومن هنا يجب الإشارة إلى أنه يتم تصدير حوالي 23% من إجمالي إنتاج النفط في القارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي 14% إلى الصين و 8% إلى الهند، بينما تتلقى دول الاتحاد الأوروبي أكثر من حوالي 33% من إجمالي الصادرات.

● يقدر إنتاج الغاز الطبيعي في القارة الأفريقية بما يعادل حوالي 7% من إجمالي الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي، بينما لا تزال القارة الإفريقية تمتلك أكثر من حوالي 500 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمي، وهو ما يمثل حوالي 10% من إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية.

● تتمثل إحدى مزايا النفط والغاز الأفريقي في السهولة النسبية للاستخراج والبيع، وذلك بسبب الموقع الاستراتيجي للقارة بين قارات العالم وبسبب الكميات الهائلة من النفط المتركز في المياه الإقليمية الساحلية أو الوسطى لبلدانها. ونظرًا إلى اتساع مساحات الصحراء الكبرى، فإنه من المحتمل ان تزداد معدلات اكتشافات الغاز والنفط خلال الأعوام المقبلة، ولكن لا يعني ذلك أن أفريقيا في طريقها لتصبح شرقًا أوسط، بل من الممكن أن تتفوق على الدول المصدرة للنفط في الوقت الحالي إذا ما تم استغلال جميع الموارد المتاحة بالقارة بكفاءة عالية، خاصة لما تمتلكه من ثروات معدنية ومحجرية كبيرة.

● على الرغم من أن نسبة الاحتياطيات المؤكدة في القارة الأفريقية صغيرة نسبيًا مقارنة بالشرق الأوسط، إلا أنه لا يزال هناك العديد من المناطق غير المكتشفة حتى الآن والتي قد تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز. مما يجعل القارة السمراء بمثابة الملاذ الأخير غير المكتشف خاصة وأن الطاقة الإنتاجية الفائضة للعديد من دول القارة لم تصل بعد إلى طاقتها القصوى.

● تتميز القارة الأفريقية باحتياطيات ضخمة من عنصر اليورانيوم المهم في الصناعات النووية. حيث يُشكل إنتاج القارة أكثر من حوالي 20% من إنتاج اليورانيوم العالمي. حيث يُعد أكبر منتجي اليورانيوم في أفريقيا هم النيجر وناميبيا وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى أنها تحتوي على ما يصل إلى ثلث احتياطيات العالم من هذا العنصر المهم.

● أنتجت القارة الأفريقية أكثر من 480 طنًا إضافيًا من الذهب المعدني في السنوات الماضية، وهو ما يُشكل أكثر من 25% من إجمالي إنتاج الذهب العالمي. حيث يأتي نصف إنتاج الذهب في القارة من جنوب إفريقيا بالإضافة إلى دول أخرى، حيث تقدر الاحتياطيات الاستراتيجية من الذهب في القارة الأفريقية بحوالي 50% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.

● وبالنسبة للماس، تتصدر القارة الأفريقية سوق الماس العالمية، فهي تنتج حوالي 40% من الماس في العالم. حيث يتركز الماس الأفريقي في بلدان مثل بوتسوانا وأنجولا وجنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وناميبيا، وقد تم ربط الماس الأفريقي بالعديد من الحروب الأهلية في القارة والتي تم تمويلها من الماس الذي تنتجه.

● البلاتين، إذ تنتج القارة الأفريقية أكثر من 80% من إجمالي البلاتين على مستوى العالم.

● تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية في الكوبالت؛ إذ تنتج أكثر من 27% من إجمالي كمية الكوبالت المنتجة عالميًا. بالإضافة إلى الحديد؛ إذ تنتج ما يُعادل حوالي 9% من إجمالي إنتاج الحديد في العالم.

● الخشب، إذ تتميز القارة بوجود العديد من الغابات والتي ينتج منها الأخشاب بكميات كبيرة، وتسهم صناعة الأخشاب بأكثر من 60% من إجمالي الناتج القومي للقارة بأكملها، وهي أعلى نسبة في جميع القارات.

● الزراعة، إذ إن تنوع المناخ وكثرة الأنهار ساعدا على قيام الزراعة بصورة كبيرة، ويعمل ثلثا سكان القارة تقريبًا بالزراعة، والتي تسهم بحوالي من 20 إلى 60% من إجمالي الناتج القومي لكل دولة من دول القارة السمراء.

فمن خلال النقاط السابقة، نستطيع التأكيد على أهمية القارة الأفريقية استراتيجيًا للقوى العالمية، وبالأخص للقوى النووية التي ترى في أفريقيا خزانًا استراتيجيًا ومصدرًا للطاقة، وتُشكل سوقًا مهمة للقوى الاقتصادية العالمية. وإضافة إلى ذلك، من الممكن أن تسهم التطورات في مجال الطاقة المتجددة (طاقة الرياح والطاقة الشمسية) في ريادة القارة السمراء لمحيطها الإقليمي، ويمكن تعزيز دور مصر في القارة بعد استعادة دورها الريادي مؤخرًا بعد النجاحات الكبيرة في الملف المصري للطاقة المتجددة وبالأخص بعد عام 2014، خاصة مع حرص الدولة المصرية على تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع جميع دول القارة.

الصراع على ثروات القارة الأفريقية والدوافع المختلفة

تكتسب القارة الأفريقية بعدًا استراتيجيًا متناميًا على المستوى العالمي، ويرجع ذلك إلى ما تحتويه أراضيها من مواد خام وموارد طبيعية لم تستغل بعد. حيث يستهدف هذا الاهتمام هذه الموارد في المقام الأول بسبب تزايد الطلب العالمي عليها، والنقص الحاد في الاحتياطيات العالمية من هذه الموارد في أماكن ومناطق أخرى من العالم. ومن هنا يجب إلقاء الضوء على تلك الصراعات وتداعياتها على المستوي العالمي ومن أهمها الصراع الأمريكي الصيني:

  • الصراع الأمريكي الصيني على القارة الأفريقية:

من ملفات الصراع الدولي على الموارد الطبيعية في القارة الأفريقية خاصة ملف الطاقة، إذ يُشكل هذا الملف أهم محاور التنافس الدولي بين بكين وواشنطن في القارة الأفريقية والذي يتبلور في النقاط التالية:

● الصين تُعد ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن ترتفع واردات الصين النفطية لتصل إلى ما يقدر بأكثر من 13 مليون برميل يوميًا في عام 2030. وهنا يجب الإشارة إلى أن أكثر من 35% من واردات الصين من النفط تستورد من قارة أفريقيا، وذلك بالمقارنة بحوالي 50% من إجمالي ما يصلها من منطقة الشرق الأوسط. ونجد أن الصين أصبح لها حضور مكثف في أفريقيا؛ إذ يُمثل النفط ضرورة قصوى لها لتأمين احتياجاتها المتزايدة، ولمساعدتها على تحقيق سياسة أمن الطاقة الصينية القائمة على رفع نسبة التوزيع الجغرافي والتنويع لمصادر الطاقة وللاستفادة من خصائص النفط الأفريقي.

● الولايات المتحدة الأمريكية تُعد من أكبر مستهلكي ومستوردي النفط في العالم، وهي لا تستطيع أن تتخلى عن النفط والذي يشكل أحد ركائز الاقتصاد الأمريكي وأحد أهم مرتكزات الأمن القومي الأمريكي ولسياستها الخارجية، وعنصرًا غير قابل للمساومة، وهذا المبدأ هو ما يفسر وجودها في أي مكان يوجد به النفط. فالولايات المتحدة الأمريكية ترصد أي تحرك لأي منافس حقيقي أو محتمل لها في الملعب الأفريقي من شأنه أن يضر بأمن الطاقة الأمريكي.

وفي هذا السياق نستطيع القول إن الملف النفطي الأفريقي يندرج ضمن أجندة وأولويات البعد الأمني لسياسة الطاقة الأمريكية وذلك للأسباب التالية:

● ضرورة حماية مصادر الإنتاج النفطي لاسيما الدول التي تعاني من عدم استقرار سياسي في القارة، وذلك بما يضمن تصدير النفط ووصوله إلى واشنطن دون أي عرقلة أو ابتزاز.

● ضرورة التحرر من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط عبر سياسة تنويع الواردات الجغرافية وأنواع الطاقة، وأفريقيا عنصر أساسي ومهم في هذه الاستراتيجية.

● ضرورة رصد تحركات أي منافس حقيقي أو محتمل في هذا الإطار من شأن تحركاته أن تضر بأمن الطاقة الأمريكي وتاليا بالأمن القومي.

وبشكل عام ووفقًا للسياسة الأمريكية نجد أن واشنطن ستسعى إلى تحقيق أهداف عدة من تلك القمة  فيما يتعلق بتناول ملف الطاقة وأهمها:

● حماية مصادرها النفطية من القارة الأفريقية وتعزيزها فيما يتعلق بملف أمن الطاقة.

● التشاور نحو الانتقال السلس والعادل فيما يتعلق بالطاقة.

● شراكات متعددة في ملف الطاقة النظيفة والمستدامة.

● التعافي من جائحة كورونا والبحث عن فرص استثمارية.

● دعم الحفاظ على المناخ والعمل على حل أزمة التغيرات المناخية.

مجمل القول، بعد ثماني سنوات من القمة الأفريقية الأمريكية الأولى في عام 2014، تم مزج جدول أعمال القمة الثانية بالتحديات الملحة وصراع النفوذ للسيطرة على موارد القارة. وتمتلك القارة الأفريقية العديد من المقومات، إلا أنها في الوقت نفسه تشهد العديد من التحديات التي تسببت في تفشي الفقر، ومنها اعتماد أغلب الاقتصادات الأفريقية على تصدير السلع الأساسية، وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، ومعوقات اجتماعية مثل ارتفاع معدلات الأمية، وانتشار الفساد الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من عوائد التنمية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74555/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M