- ممر الغذاء الإماراتي-الهندي هو مبادرة لربط المزارع الهندية مباشرة بالموانئ الإماراتية في كل جوانب سلسلة قيمة إنتاج الغذاء. وانطلقت هذه المبادرة من حاجة الإمارات الاستراتيجية إلى ضمان أمنها الغذائي، وحاجة الهند الاستراتيجية إلى زيادة قيمة إنتاجها الغذائي.
- يعمل ممر الغذاء على تعزيز الشراكة الإماراتية-الهندية الاستراتيجية بما يتماشى مع التزامات الدولتين القوية في مجالي البيئة والاستدامة، وهو ما يتضح في جهودهما لتعزيز التوافق والتنمية المشتركة والإنتاج المشترك.
- يتطلب إقامة ممر الغذاء تطوير البنى التحتية والشبكات اللوجستية ومنشآت التخزين، ويُمَثِّلُ هذا فرصاً لكلا الدولتين لجذب الاستثمار في مجالات النقل وسلسة خدمات التبريد اللوجستية والتصنيع الغذائي ومعامل التغليف، الأمر الذي سيقود إلى توفير فرص العمل والنمو الاقتصادي.
- يُعدّ إنشاء ممر للأمن الغذائي بين الهند والإمارات مُهمّة مُعقّدة تتطلّب الالتزام والتعاون من مختلف الفاعلين في البلدين. ومن خلال التخطيط الدقيق والاستثمار والجهود المستمرة، يمكن أن يُسهم المشروع بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي لكلا البلدين، وأن يكون بمنزلة نموذج لمُبادرات مُماثلة على مستوى العالم.
شهدت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند، في الفترة من 9 إلى 10 سبتمبر 2023، الإعلان عن مبادرة «الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا» (IMEC) الذي وُصِفَ بالجسر بين الشرق والغرب الذي سيُغير قواعد اللعبة. ويحظى ممر النقل العابر للقارات هذا بدعم كُلٍّ من الولايات المتحدة والهند والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويتألف الممر من شقين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي، والممر الشمالي الذي يربط منطقة الخليج بأوروبا عبر إسرائيل والأردن. وعند الانتهاء من المشروع سيعمل الممر على توفير عمليات نقل موثوقة وأقل كلفة من خطوط الشحن البحرية والبرية الحالية.
ويأتي الإعلان عن هذا الممر في وقت مناسب للهند ودولة الإمارات اللتين عززتا بالفعل علاقاتهما التجارية من خلال التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير 2022. كما أعلنت الدولتان عن إنشاء ممر للأمن الغذائي يتناسب مع مشروع «الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا». وتحتاج تكاملية الممرين إلى دراسة مستفيضة لتقييم الفوائد الناجمة عنهما، إذ يمكن لممر الأمن الغذائي أن يُشَكِّل انطلاقة رسمية لـ «الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا» الأوسع. كما أن من المهم فهم مبادرة ممر الغذاء ضمن رؤية الدولتين التكاملية لأمن منطقة الخليج ومنطقة المحيط الهندي.
العلاقات التجارية بين الهند والإمارات
بلغ حجم التجارة الإماراتية-الهندية خلال السنة المالية 2021-2022 نحو 85 مليار دولار (انظر الشكل 1)، حيث تُعَدُّ الهند ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات، في حين تُعَدُّ الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند. وشكلت المواد التي أُعيدَ تصديرها من الإمارات -بصفتها مركزاً لإعادة التصدير– إلى الهند نحو 47.5% من إجمالي الصادرات الإماراتية إلى الهند عام 2021 (11.5 مليار دولار).
وهيمنت تجارة الطاقة بشكل تاريخي على مسار العلاقات بين الإمارات والهند (انظر الشكل 2)، غير أن العقد الحالي شهد تحولاً جوهرياً بعد أن تَحَوَّلَ التركيز نحو مجالات جديدة من التعاون والدبلوماسية. وتعكف دول الخليج على مبادلة الهند سياستها “التطلع غرباً”. ولعل أحد الأمثلة على ذلك سياسة الإمارات نحو انخراط أفضل مع جيرانها في الشرق بما في ذلك الهند، وذلك بسبب التغير الهيكلي في سوق الطاقة العالمي، حيث أصبح نفط المنطقة يتدفق نحو مناطق الجنوب والجنوب الشرقي وشرق آسيا إلى دول مثل اليابان والهند والصين وسنغافورة وتايلند أكثر من أسواق ضفتي الأطلسي.
الشكل 1: التجارة الثنائية بين بين الهند والإمارات (مليار دولار أمريكي)
الشكل 2: حصة النفط من واردات الهند من الإمارات
ممر الغذاء: المنطلقات والـتأثيرات
تعمل دولة الإمارات والهند على تعزيز التعاون فيما بينهما من خلال إقامة ممر للأمن الغذائي بقيمة سبعة مليارات دولار، والذي جرى التوقيع عليه في 18 فبراير 2022 على هامش “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة”، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 مايو 2022. ويُعَدُّ ممر الغذاء الإماراتي-الهندي مبادرةً لربط المزارع الهندية مباشرة بالموانئ الإماراتية في كل جوانب سلسلة قيمة إنتاج الغذاء. وانطلقت هذه المبادرة من حاجة الإمارات الاستراتيجية إلى ضمان أمنها الغذائي، وحاجة الهند الاستراتيجية إلى زيادة قيمة إنتاجها الغذائي (انظر الشكلين 3 و4).
الشكل 3: صادرات الهند من الأغذية (مليار دولار أمريكي)
الشكل 4: أكثر أنواع الواردات الإماراتية من الأغذية، بحسب عام 2021 (مليار دولار أمريكي)
ويتضح المنطق الاقتصادي للممر، حيث يُلبَّى 80-90% من الطلب الإماراتي على الغذاء من خلال الواردات، في حين تُعَدُّ الهند أحد أكبر المنتجين الزراعيين في العالم نظراً لامتلاكها أراضٍ خصبة ومناخاً مناسباً وتوسعاً في قطاع إنتاج الأغذية وتصنيعه. ويمكن تحسين مساهمة الهند في واردات الإمارات من المواد الغذائية بشكل كبير بأسعار تنافسية عبر هذا الممر. وفيما يتعلق بزيادة تجارة المواد الغذائية والزراعية بمعدل ثلاثة أضعاف بين الإمارات والهند بحلول 2025، يهدف الممر إلى جعْل الإمارات مركزاً لتصدير الغذاء إلى المناطق المجاورة، ما يسهم في تحقيق هدف الأمم المتحدة بالقضاء على الجوع في العالم.
وفي حين أن التكامل التجاري ربما شَكَّلَ الأساس للتصور الذي أفضى إلى ظهور ممر الغذاء، غير أن الأهمية الجيوسياسية الهائلة للممر تضعه في المشهد الدبلوماسي بمنطقة أوراسيا. إذ تأتي مبادرة ممر الغذاء في إطار سياسة “التطلع غرباً” الهندية، حيث تنظر نيودلهي إلى منطقة الخليج على أنها بوابة لانخراط أكبر مع الغرب والدول الأفريقية. كما يعكس ممر الغذاء ميل الإمارات الدبلوماسي المتزايد نحو جيرانها إلى الشرق، وبخاصة الهند.
كما أن التطبيع الدبلوماسي الإماراتي-الإسرائيلي عزز آفاق ممر الغذاء بعد أن وقّعت الدولتان اتفاقية التجارة الحرة لخفض التعريفة على نحو 96% من السلع التجارية بين الطرفين. وتمتلك اتفاقية التجارة الحرة الإماراتية-الإسرائيلية واتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند والإمارات إمكانية تعزيز التعاون والشراكات الثلاثية بين الدول الثلاث. وتسمح هاتان الاتفاقيتان للشركاء الثلاثة بالاستفادة من قدراتهم المتميزة في التعاون المستقبلي، مثل إقامة نظام عابر للأقاليم يستند إلى القوة التكنولوجية، ونظام بيئي صحي، والتكامل الاقتصادي.
وتولي الإمارات أهمية كبيرة للمنتجات التكنولوجية التي تحظى فيها إسرائيل بميزة نسبية. كما تنبع مساهمة إسرائيل في ممر الغذاء من التعاون الزراعي الإسرائيلي-الهندي القائم منذ أكثر من عقد (انظر الإطار 1)، حيث تعمل إسرائيل بشكل مستمر مع المزارعين الهنود على تقنيات مبتكرة، وتطوير الري بالتنقيط، وتصفية المياه، والكشف عن الفاقد من المياه باستخدام تقنيات متطورة، وتجميع مياه الأمطار ومعالجتها، وتطوير تقنيات أمن المياه، وكل هذا من أجل تحسين الإنتاج الزراعي في الهند.
الإطار 1
التعاون الزراعي بين الهند وإسرائيل
|
ويعمل تطبيع العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية في أعقاب التوقيع على الاتفاق الإبراهيمي في سبتمبر 2020 على تمكين الدولتين من تطوير مشروع شبكة سكة الحديد، التي تشتمل على تشييد 300 كيلومتر من هذه الشبكة في الأردن والسعودية لربط الدولتين، الأمر الذي سيوفر مساراً بديلاً للسلع الهندية للوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي يضع الإمارات في مركز إطار الربط الجديد هذا. ويعتمد النجاح الاقتصادي والجيوسياسي لممر الغذاء –من خلال توفير إسرائيل الدعم التكنولوجي، وتشكيل الإمارات بوابة لوجستية، والهند مركزاً للإنتاج – على الأدوار الحيوية والمتداخلة للدول الثلاث.
كما يعمل ممر الغذاء على تعزيز الشراكة الإماراتية-الهندية الاستراتيجية بما يتماشى مع التزامات الدولتين في مجالي البيئة والاستدامة، حيث تلتزم الدولتان بشدة بتعهداتهما في هذه المجالين، وهو ما يتضح في جهودهما لتعزيز التوافق والتنمية المشتركة والإنتاج المشترك من خلال مبادرة ثلاثية تضم كلاً من الإمارات والهند وفرنسا. وتتفق الدول الثلاث على أن الجهد الثلاثي الأطراف يُشَكِّل منصة لتعزيز المبادرات في قطاع الطاقة والتركيز على الطاقة الشمسية والنووية والمعركة ضد تغير المناخ والحفاظ على التنوع الحيوي، وبخاصة في الدول المطلة على المحيط الهندي.
وتستكشف الدول الثلاث إمكانية العمل مع “رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي” لإقامة مشاريع ملموسة في مجالات الطاقة النظيفة والبيئة والتنوع الحيوي. كما يأتي ممر الغذاء منسجماً مع مبادرة “الابتكار الزراعي للمناخ” التي أطلقتها الإمارات والولايات المتحدة بشكل مشترك على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ الذي انعقد في مدينة جلاسكو الإسكتلندية عام 2021 (كوب 26)، للتعامل مع المخاوف المناخية. وتجمع هذه المبادرة 50 دولة في إطار تحالف من أجل زيادة وتسريع الابتكار الزراعي خلال السنوات الخمس المقبلة.
وجاء تطور الممر بشكل عضوي استناداً إلى التكامل بين الدولتين، غير أنه حظي باهتمام عالمي في يوليو 2022 عندما أبرزت قمة “آي 2 يو 2” (I2U2)، التي ضمت كلاً من الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة، مشروع ممر الغذاء، ما أفرز انطباعاً بأن الممر يشكل وسيلة جيو-اقتصادية لمجموعة شركاء الولايات المتحدة الرباعية في الشرق الأوسط.
وتناقش مجموعة “آي 2 يو 2” المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي. وتَعِد الشراكة الإماراتية-الهندية-الإسرائيلية في ممر الغذاء بمستقبل قوي، ويمكن لها أن تشكل الأساس لتجمع تجاري أوسع في النصف الغربي من منطقة الهندي-الهادي (الإندو-باسيفيك) بعد إضافة دول أخرى في منطقي الخليج العربي والقرن الافريقي.
وتعد مشاركة الولايات المتحدة في ممر الهند-الشرق الأوسط للغذاء متطلباً استراتيجياً، ويشكل جزءًا جوهرياً في مقاربة واشطن تجاه منطقتي الخليج والإندو-باسيفيك. ومع أن مشاركة الولايات المتحدة تأتي في إطار “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”، غير أن القوة الاستراتيجية لممر الهند-الشرق الأوسط للغذاء تنبع من حقيقة انطلاق الأخير بشكل عضوي بين الدول الآسيوية من خلال استثمارات القطاع الخاص والمشاريع المشتركة عبر إقامة شراكات ثنائية بين القطاعين العام والخاص. وأخيراً، تستضيف الإمارات مؤتمر الأطراف “كوب 28” خلال الفترة 30 نوفمبر-12 ديسمبر 2023، حيث يُتيح ممر الغذاء لدولة الإمارات إبراز التزامها تجاه تغير المناخ والاستدامة.
أثر “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”
يُسهم الإعلان عن مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” على هامش قمة مجموعة العشرين الأخيرة في الهند، في نجاح ممر الغذاء، إذ يمكن لممر الغذاء بمساعدة الربط الشامل الذي يوفره ذلك المشروع، التحول من مبادرة ثنائية إلى بديل عالمي لسلسلة إمداد الغذاء. ويمكن لـ “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” بعد اكتماله، تسهيل ممر الغذاء بالطرق الآتية:
- تقليص زمن النقل والتكاليف اللوجستية: يمتد هيكل الربط الجديد في إطار مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” من الحافة الجنوبية لمنطقة أوراسيا، ابتداءً من السواحل الهندية المطلة على بحر العرب مروراً بموانئ دولة الإمارات العربية المتحدة، والأراضي السعودية والأردنية، وصولاً إلى ميناء حيفا الإسرائيلي على البحر الأبيض المتوسط. وتشير التقديرات إلى أن السلع الهندية التي ستُشحَن إلى الموانئ الإماراتية من خلال الربط الجديد هذا ستصل إلى الأسواق ومراكز التصنيع الرئيسة في أوروبا بسرعة أكبر تزيد بنحو 40% عما هي الحال الآن باستخدام قناة السويس. ويضع هذا دولة الإمارات في صلب الممر التجاري الناشئ المتعدد الأشكال الذي قد يُعيد تشكيل أنماط التجارة والزمن المطلوب للنقل والتكاليف اللوجستية بشكل جذري.
- الاستثمارات التكنولوجية والمالية: يمكن للدول الموقعة على مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” دعم مبادرة ممر الغذاء من خلال الاستثمارات المالية في مجالي الإنتاج الزراعي والخدمات اللوجستية. وعلى ضوء قيام إسرائيل بالفعل بمساعدة الهند في مواجهة تحديات انخفاض الإنتاج، وقيام الإمارات بدعم بعض المشاريع الغذائية، يمكن للدول تقديم الدعم المالي لمبادرات مماثلة في أجزاء أخرى من الهند. ويتمثل التصور الحالي في قيام ممر الغذاء بتلبية احتياجات الإمارات من الغذاء، غير أن وجود مجموعة أوسع من الأسواق يعني ضرورة تعزيز الإنتاج والدعم اللوجستي بشكل متناسب. ويتطلب هذا استثمارات أضخم يمكن الاستفادة منها باستخدام إطار مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” الأوسع.
- تعزيز الفرص التجارية: على ضوء انخراط مزيد من الدول في ممر الغذاء فإن الإمارات والهند ستستفيدان من زيادة الفرص التجارية، حيث سيعمل ممر الغذاء على تسهيل حركة السلع، بما في ذلك المنتجات الزراعية، من خلال تحسين البنى التحتية وتقليص الحواجز أمام التجارة وتسهيل الإجراءات التشغيلية.
- تنويع إمدادات الغذاء: يمكن لممر الغذاء هذا أن يقود إلى تشكيل مصدر أكثر تنوعاً وموثوقية لإمدادات الغذاء بالنسبة للإمارات. كما يمكن للممر فتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية الهندية في الإمارات وخارجها، مع إنشاء الممر الاقتصادي نحو أوروبا.
- التنسيق التنظيمي: يتضمن مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” عملية تنسيق عمليات التنظيم وتوحيد الإجراءات بين الدول المشاركة، الأمر الذي سيؤدي إلى تبسيط عملية استيراد المنتجات الغذائية وتصديرها، وضمان سلامة الغذاء والالتزام بمعايير الجودة. ومن دون مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” فإنه يتعين القيام بهذا التنسيق مع كل دولة بشكل منفصل، الأمر الذي سيستغرق كثيراً من الوقت.
أثر اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة
شهدت العلاقات الإماراتية-الهندية تطوراً تجاوز حدود الدينامية الأحادية لتصل إلى قصة نمو ثنائية شاملة مدفوعة بالثبات والالتزام والعمل. ودخلت الدولتان بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مرحلةً من التعاون الاقتصادي والتجاري القوي؛ ففي الأشهر الإحدى عشر الأولى منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول من مايو 2022، بلغت قيمة التجارة البينية غير النفطية 45.5 مليار دولار أمريكي، وذلك بزيادة سنوية قدرها 6.9% عن الفترة المقابلة، وهذا على الرغم من التراجع الذي شهدته حركة التجارة الدولية في الربعين الثالث والأخير من عام 2022. كما سجلت التجارة غير النفطية بين البلدين ارتفاعاً ملحوظاً في الربع الأول من 2023 بنسبة 24.7% مقارنة بالربع السابق. وتشير التوقعات إلى أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة ستعمل على تسريع نمو التجارة الثنائية السنوية غير النفطية بين الدولتين لتصل إلى 100 مليار دولار، وتجارة الخدمات إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال 5 سنوات. كما تشير التوقعات أيضاً إلى أن الاتفاقية ستعمل على توفير مليون وظيفة في الصناعات التصديرية في الهند، مثل المنسوجات والصناعات اليدوية، والأحجار الكريمة والمجوهرات، والمنتجات الجلدية والأحذية، فضلاً عن الأغذية.
الفرص الناشئة من ممر الغذاء
تسعى الإمارات والهند إلى تحقيق المكاسب الاستراتيجية للتعاون بين الدولتين، في الوقت الذي تُعَدُّ فيه الفوائد التجارية والاقتصادية لمبادرة ممر الغذاء واضحة. ويتطلب إقامة ممر الغذاء تطوير البنى التحتية والشبكات اللوجستية ومنشآت التخزين، ويُمَثِّلُ هذا فرصاً لكلا الدولتين لجذب الاستثمار في مجالات النقل وسلسة خدمات التبريد اللوجستية والتصنيع الغذائي ومعامل التغليف، الأمر الذي سيقود إلى توفير فرص العمل والنمو الاقتصادي. وعليه فإن شراكة الإمارات والهند في مجال الأمن الغذائي تحقق جملة من الفوائد الاستراتيجية للبلدين. (انظر الإطار 2)
الإطار 2
الفوائد الاستراتيجية من ممر الغذاء بين الهند والإمارات |
|
استراتيجية الإمارات الوطنية للأمن الغذائي 2051. | تحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية، وتنويع مصادر الواردات الغذائية والزراعية، وتعزيز الزراعة المستدامة في الدولة بحلول 2051. |
علاقات ثنائية أقوى بين الهند والإمارات. | توفير فرص عمل، ورفع مستوى المعيشة، وتحسين الرفاه العام للشعب في كلا الدولتين. |
تطوير سلسلة قيمة غذائية عالمية جديدة. | تستطيع الدولتان معاً توفير ممرات مرنة ومتنوعة لسلسلة قيمة الغذاء العالمية. |
تقدُّم الهند في سلاسل القيمة العالمية والوصول إلى أسواق أكبر، وتحول الإمارات إلى مركز إقليمي لتجارة الغذاء. | يمكن لموقع الإمارات الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا أن يُشَكِّل بوابةً لصادرات الهند من الغذاء إلى غرب آسيا وأفريقيا، في الوقت الذي يتعزز دور الإمارات بوصفها مركزاً إقليمياً لتجارة الغذاء. |
وصول الإمارات إلى سوق زراعية هندية أكبر. | تُمَثِّلُ سوق الأغذية والزراعة الهندية المتنامية فرصة ضخمة للمستثمرين من القطاع الخاص الإماراتي. |
الفرص بالنسبة للهند
تحتل صناعة الأغذية الهندية -التي تُشَكِّل أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي و13% من الصادرات و6% من كل الاستثمارات الصناعية في البلاد– المرتبة الخامسة في مجال صناعة الأغذية على مستوى العالم. وتعمل الهند بشكل دؤوب على دعم شركات التصنيع الغذائي من أجل تحسين قطاع الزراعة بشكل كبير، والمساهمة بشكل جوهري في مضاعفة دخل المزارعين، وتحقيق النجاح لشعار الحكومة الهندية “اصنع في الهند”.
ويُعَدُّ هدفُ تقليص هدر الغذاء وزيادة قيمة قطاع الزراعة جوهرياً، كما أن إضافة قيمة إلى قطاع التصنيع الغذائي أمرٌ مهم لأن عدد سكان البلاد الضخم يفرض قيوداً على الكميات التي يمكن للهند تصديرها. ويمكن لعملية التركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة أن تؤدي إلى مداخيل أعلى. ويمكن تحقيق مكاسب من خلال زراعة المنتجات التي تحظى بقيمة سوقية أعلى، وطلب أكبر في السوق الدولية.
ويمكن لممر الغذاء تحفيز التنمية الزراعية في الهند من خلال زيادة الطلب على منتجات محددة في السوق الإماراتية. كما يمكن لهذا الأمر تحفيز المزارعين الهنود لإنتاج سلسلة أوسع من المحاصيل، والاستثمار في الممارسات الزراعية الحديثة، وتوليد دخل أعلى. وعلى سبيل المثال سيستفيد من ممر الغذاء الإماراتي-الهندي نحو مليونَي مزارع هندي، وستتوفر 20,000 فرصة عمل جديدة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وفي إطار مشروع تحفيز الهند باعتبارها وجهةً للاستثمار، بدأ قطاع التصنيع الغذائي والمشروبات بجذب المستثمرين المحليين والدوليين، وقد أُشيدَ بهذا القطاع بسبب الإمكانات التي يوفرها للتعامل مع الأمن الغذائي في الهند والإمارات. وسيؤدي تطوير سلسلة إمداد قوية إلى تمكين الشركات الناشئة من إقامة البنية التحتية في مجال التصنيع الغذائي، وتقليص خسائر ما بعد الحصاد، وزيادة القيمة المضافة.
كما تتضمن “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة” فصلاً حول التجارة الرقمية يناقش الفرص الرامية إلى تنسيق التجارة الإلكترونية والرقمية بين الدولتين. ويُعَدُّ هذا أمراً مُهماً نظراً للتوقعات بأن الهند ستتجاوز الصين لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً في مجال تجارة التجزئة الإلكترونية بحلول عام 2030 بعد أن وصلت قيمة إجمالي المشتريات السنوية إلى نحو 350 مليار دولار.
وبعد أن كان يوجد في الهند في عام 2014 مجمعان اثنان فقط للأغذية food parks، وصل عدد المجمعات الغذائية الضخمة العاملة إلى نحو 24 مجمعاً بحلول نهاية عام 2021. وبدأت المجمعات الغذائية المركزية تزداد أهمية لأنها تجعل من الممكن إضافة القيمة الضرورية للسلع الزراعية التي تصدرها الهند، كما تسهم هذه المجمعات بشكل كبير في تقليص هدر الأغذية.
وقد حصل “ممر الغذاء” على استثمار بقيمة مليارَي دولار أمريكي لتوظيف تقنيات الزراعة والطاقة النظيفة والمُتجدّدة الإسرائيلية والأمريكية الذكية مناخياً، للمُساعدة في زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، وهي بدورها تُساعد في مُكافحة الفقر الغذائي في جنوب آسيا والشرق الأوسط. ومن المُتوقّع أن يستفيد المزارعون والشركات العاملة في مجال تصنيع الأغذية وتجّار التجزئة من هذه الاستثمارات. وبفضل دعم دولة الإمارات للبنية التحتية، يُمكن للهند أن تؤدي دوراً مُهماً في الجنوب العالمي من خلال تقديم دعم موسّع للبلدان النامية الأخرى في أفريقيا وآسيا من خلال الشراكات التكنولوجية، والبحوث المُشتركة حول المحاصيل المُقاومة للجفاف، وتعزيز الزراعة الذكية مناخياً، وسيخلق ذلك طُرقاً أكثر قوة وتنوعاً للصادرات الزراعية. وبالإضافة إلى ذلك، يُمكن للهند الدخول مباشرةً إلى أسواق الإمارات. فقد أنشأ مركز دبي للسلع المُتعدّدة، وهو أكبر منطقة تجارة حرة في دولة الإمارات، المنصة الإلكترونية “أغريوتا”، وهي سوق مخصصة لتجارة السلع الزراعية وتوريدها بالاعتماد على حلول تكنولوجيا البلوك تشين بهدف المساهمة في سد الفجوة القائمة بين ملايين المزارعين الريفيين في الهند وصناعة الأغذية بدولة الإمارات. وتُتيح هذه لملايين المزارعين الهنود التواصل المباشر مع الأطراف العاملة في قطاع الأغذية بدولة الإمارات بما في ذلك شركات تصنيع الأغذية وتجار التجزئة والجملة، كما تمكنهم من تجاوز خطوة الوسطاء، الأمر الذي يعزز قوّة سلسلة التوريد مع ضمان إمكانية تتبع المنتجات والسلع لخلق قيمة أفضل لصالح الأطراف المعنية. ويُمكن أن يعمل الممر أيضاً بمنزلة نموذج للقطاعات الهندية الأخرى واستخدام الموقع الجيو-استراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة للوصول إلى دول أخرى، وتعزيز الصادرات الهندية.
الفرص بالنسبة لدولة الإمارات
وفقاً لبيانات عام 2021، تُعدّ الهند أكبر مُورّد للمُنتجات الغذائية إلى دولة الإمارات، وتواجه مُنافسة شديدة من الولايات المتحدة والبرازيل والمملكة المتحدة وفرنسا بهذا الخصوص (انظر الشكل 5). ومن خلال ممر الغذاء، يُمكن لدولة الإمارات، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات الغذائية، الحصول على الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي من خلال تنويع الواردات الغذائية، وتحسين التغذية، وتعزيز الزراعة المُستدامة، والاستعداد لمواجهة أزمات سلسلة التوريد في المُستقبل. وقد أصبحت مسألة سلسلة التوريد مُهمّة بشكل كبير بعد أن أثّرت أزمة سلسلة التوريد الناجمة عن الحرب الروسية-الأوكرانية سلباً في الواردات الغذائية لدولة الإمارات.
الشكل 5: أهم مصادر واردات الغذاء لدولة الإمارات، 2021 (مليار دولار أمريكي)
مثّل عام 2022 فترة محورية للغذاء والزراعة؛ ففي أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، احتل الأمن الغذائي صدارة قائمة الأولويات الجيوسياسية. فقد أعلنت مُنظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لأول مرة أنها ستضع خطة بحلول عقد مؤتمر الأطراف “كوب 28” لخفض الانبعاثات من النُظم الغذائية والزراعية بما يتماشى مع منع ارتفاع درجات الحرارة فوق 1.5 درجة مئوية. وتُعزّز دولة الإمارات، التي تستضيف مؤتمر “كوب 28” ، مُبادراتها لدمج العمل المناخي باستراتيجياتها الاقتصادية، ويُمكن أن تجمع بين شركاء القطاعين العام والخاص لمواجهة التحدّي المناخي وجعل الزراعة أكثر استدامة وإنصافاً ومرونة. وباعتبارها أول دولة في المنطقة تصادق على اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، وأول دولة تلتزم بخفض الانبعاثات على مستوى الاقتصاد والإعلان عن صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، تلتزم دولة الإمارات بالمُبادرات المتعلّقة بالعمل المناخي، حيث يخلق ممر الغذاء هذا فرصةً للبلاد لإظهار التزامها بهذه الخصوص، وتعزيز المُبادرات الحسّاسة المُتعلّقة بالمناخ.
تؤثّر صناعة فن الطهو الآخذة في التوسّع في دبي، والتي تضم عدداً كبيراً من المطاعم المحليّة والمطاعم الفاخرة والمطاعم الحائزة على نجمة ميشلان، إلى جانب مهرجانات المأكولات، بشكل إيجابي في نمو السياحة الغذائية في دولة الإمارات. وللحفاظ على هذه الصناعة، تحتاج دولة الإمارات إلى إمدادات مُستمرّة من المنتجات الغذائية، والتي يمكن أن يضمنها الممر. وتُعدّ دولة الإمارات موطناً لجالية هندية كبيرة يبلغ عددها نحو 3.5 مليون شخص، وتؤدي عاداتهم الغذائية إلى زيادة الطلب على المواد الغذائية الهندية.
وتكمُن مُساهمة دولة الإمارات في شراكة الأمن الغذائي بينها وبين الهند في موقعها الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا، ما يجعلها بوابة تصدير المواد الغذائية الهندية إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى أوروبا. وهناك مزايا يُمكن جنيها بخلاف الحفاظ على الإمدادات الغذائية الهندية وتنويعها، فمثلاً تُخطّط إسرائيل لإقامة مصانع في الإمارات، للاستفادة من مركز الإمارات التجاري للوصول إلى أسواق افريقيا ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع، وهذا وحده يُمثّل زيادة بنسبة 30% في استيراد وتصدير المُنتجات من وإلى دولة الإمارات.
التطوّرات الرئيسة في مبادرة ممر الغذاء
يُمكن أن تُعزى نقطة انطلاق التحوّل في العلاقات بين الهند والإمارات إلى زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2015، والتي مثلت أول زيارة لرئيس وزراء هندي للإمارات منذ 34 عاماً. وفي عام 2017 وقّع البلدان 14 اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة، وركزت ثلاث من هذه الاتفاقيات على إنشاء أطر تعاون بين البلدين في مجالات التصنيع الغذائي، والنقل البحري، والخدمات اللوجستية للشحن والتخزين. وتعد هذه الاتفاقيات بمنزلة نقطة انطلاق لتطوير البنية التحتية للخدمات اللوجستية والتوزيع في ممر الغذاء. وفي عام 2019، أي قبل عامين من انقطاع الإمدادات الغذائية الناجم عن جائحة “كوفيد-19” في عام 2021، وقبل صدمات الإمدادات الغذائية الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، أطلقت الإمارات والهند مشروعاً ضخماً بقيمة مليارات دولار أمريكي لإنشاء ممر الغذاء؛ وبالتالي، تنفيذ العديد من الالتزامات الواردة في الاتفاقيات الاستراتيجية الشاملة المذكورة أعلاه.
واتّخذت المُبادرة شكلها عندما أعدَّت مجموعة “إعمار” العقارية العملاقة، التي تتخذ من دبي مقراً لها، في سبتمبر 2019 حزمة استثمارات في الهند في مجال الأمن الغذائي بقيمة 7 مليارات دولار أمريكي (25 مليار درهم إماراتي) بحلول عام 2022، بحيث خُصِّصت 5 مليارات دولار أمريكي في مُجمّعات الغذاء والمرافق المُماثلة في مدن هندية مختلفة، وتحديداً مناطق كوتش في ولاية غوجارات، وأورانج آباد في ولاية ماهاراشترا، وباوارخيدا في ولاية ماديا براديش، في حين خُصِّصت المليارَي دولار المُتبقيّة لاستثمارها في الزراعة التعاقدية، وتوريد السلع الزراعية، وعناصر البنية التحتية ذات الصلة. وقد بدأت “موانئ دبي العالمية”، الشركة الرائدة عالمياً في مجال سلسلة التوريد ومقرها دبي، بقيادة الجهود الرامية إلى توفير حلول مُتكاملة لسلسلة التوريد لنقل المواد الغذائية وتخزينها لتسهيل تشغيل ممر الغذاء. وفي السابق، في عام 2018، وضعت شركة موانئ دبي العالمية وصندوق الثروة السيادية الهندي، والذي يُعرف بالصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية (NIIF)، الأساس لهذه الاستثمارات من خلال تشكيل منصة استثمار في الموانئ والخدمات اللوجستية بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي أُطلق عليها “هندوستان إنفرالوغ برايفت ليمتيد” (أتش آي بي أل).
وفي ديسمبر 2020، أعلنت مجموعة “شرف جروب”، التي تتّخذ من دبي مقراً لها، أنها تخطط لاستثمار ما يزيد عن مليار دولار أمريكي في ممر الغذاء. وقد استثمرت مجموعة شرف، التي تعمل في أكثر من 40 دولة وتقوم بعمليات مُتنوّعة في قطاعات الشحن والخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد والتجزئة، أكثر من 300 مليون دولار أمريكي لبناء خدمات البنية التحتية اللوجستية والمستودعات ومنشآت التخزين لدعم ممر الغذاء. وتُشارك مجموعة “اللولو” للبيع بالتجزئة، التي تتّخذ من أبوظبي مقراً لها، والتي تستورد حالياً الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم من الهند، في إنشاء الممر، وكذلك الشركات الإماراتية الأخرى.
الشكل 6: الجدول الزمني لمبادرة ممر الغذاء
وقد أنشأ مركز دبي للسلع المُتعددة منصةً إلكترونية تسمى “أغريوتا” لربط المزارعين الهنود بشركات الأغذية في الإمارات. ومن خلال هذه المنصة، يُمكن لدولة الإمارات شراء الحبوب الغذائية والفواكه والخضروات مُباشرةً من المزارعين في الهند، ليتم تسليمها إلى الشركات الضخمة في البلاد والمُجمّعات الغذائية التي أنشئت في البلاد بتمويل من دولة الإمارات. وفي يناير 2021، بدأت شركة موانئ دبي العالمية بناء منطقة تجارة حرة على بعد خمسة كيلومترات من أكبر ميناء بحري في الهند، وهو ميناء جواهر لال نهرو بمساحة 93000 متر مُربّع من منشآت التخزين المُغطّاة، والمُستودعات التي يُمكن التحكّم في درجة حرارتها، ومرافق مناولة البضائع الحديثة، والمُصمّمة للمساعدة في تحفيز تكامل ممر الغذاء. وفي عام 2022، تَحقَّق إنجاز كبير بهذا الخصوص عندما وقّعت الهند والإمارات على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة خلال قمة افتراضية، إذ وُقِّعَت مُذكّرتي تفاهم بين الشركات الهندية والإماراتية، إحداهما بين هيئة تنمية صادرات المنتجات الزراعية والأغذية المصنعة (APEDA) وشركة موانئ دبي العالمية وشركة الظاهرة (شركة أعمال زراعية مقرها في أبوظبي) حول مُبادرة ممر الأمن الغذائي. وقد وضعت العديد من الصناديق من الشرق الأوسط، وبخاصة صناديق الثروة السيادية، رهانات ضخمة على الهند، ودفعت العوائد المرتفعة لتلك البلاد الاستثمارات بهذا الخصوص.
التحدّيات
من المُتوقّع أن تُساعد مبادرة الممر الغذائي دولة الإمارات في التخلّي عن اعتمادها على النفط، وأن تزيد أهميتها الجيوسياسية بشكل كبير. ومع ذلك، من الضروري مُلاحظة أن الهند ستكون الجزء الأكثر أهمية في بنية الممر، إذ إن مؤهلات الهند لتُصبح قوة تصدير زراعية قوية جداً. ومع ذلك، فإن التحوّل إلى مصدر بديل للحبوب الغذائية العالمية لن يكون سهلاً لأن الهند لديها عدد سكّان ضخم ينبغي أن توّفر له الغذاء، حيث تحتل الهند المرتبة 107، من أصل 121 دولة، في مؤشر الجوع العالمي لعام 2022 (بانخفاض عن المرتبة 101 في عام 2021). ويُمكن قياس الضغط الذي يُشكّله الأمن الغذائي المحلّي على الإنتاج الزراعي من خلال حقيقة أنه في حين أن الهند تُعد ثاني أكبر دولة مُنتجة للغذاء في العالم، فإن حصة قيمتها في تجارة الأغذية والزراعة العالمية لا تتجاوز 2.2% (بحسب تقرير “الآفاق الزراعية 2022-2031” المشترك بين منظمة الفاو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية).
وقد أدّى الضغط الناتج عن الحاجة إلى إطعام العدد الضخم من سكانها المحليين في بعض الأحيان إلى حظر تصدير المواد الغذائية. فحين واجه العالم في عام 2022 نقصاً في الحبوب، وبالذات في القمح والذرة، بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، حظرت الهند تصدير القمح والأرز غير البسمتي والأرز المكسور والسكر لضمان توافر مخزونات كافية في الأسواق المحليّة، ووقف ارتفاع أسعار المواد الغذائية (انظر الإطار 3). والجدير بالذكر أن الهند تُمثّل 40% من تجارة الأرز العالمية، وبالتالي فإن حظر التصدير الذي فرضته الهند أصبح يؤثّر فيما يقرب نصف سكان العالم، الذين يعتبرون الأرز الغذاء الرئيس لهم. وهذا يتعلّق بشكل خطير بقدرة الهند على الحفاظ على التدفّق المُستمر للصادرات الغذائية، واستدامة ممر الغذاء الذي يُطوَّر بوصفه بديلاً عن سلسلة التوريد العالمية.
ومع ذلك، فإن مركز الأبحاث الرئيس في البلاد “المؤسّسة الوطنية لتحويل الهند”، لا يحمل نظرة التفاؤل نفسها بهذا الخصوص. ويُشير المركز إلى أنه بحكم موقف العرض والطلب في الهند فيما يتعلّق بالسلع الزراعية، قد لا يكون لديها فائض كبير للأسواق العالمية، حتى في الفترة 2032-2033. ومن العوامل الأخرى التي تُسهم في انخفاض الصادرات الزراعية: انخفاض الإنتاجية، وانخفاض متوسّط حيازات الأراضي، وهدر الأغذية، وانخفاض الميكنة، وعدم كفاية الهياكل الأساسية اللوجستية، والمُمارسات الزراعية المبنية على معيشة الكفاف، وما إلى ذلك من أمور.
الإطار 3
القيود التجارية في أبريل 2022، برزت الهند مصدراً بديلاً موثوقاً به لإمدادات الحبوب الغذائية الثابتة للعالم، والذي واجه نقصاً في هذا المجال بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية. مع ذلك، وبعد مدة وجيزة، أعلنت الحكومة الهندية قيوداً على صادرات القمح لضمان توافر إمدادات محلية كافية. وأعقب ذلك فرض رسوم تصدير بنسبة 20% على الأرز غير البسمتي، تلاه حظر كامل على التصدير في يوليو 2022. بعد ذلك، حظرت الحكومة الهندية تصدير الأرز المكسور اعتباراً من سبتمبر 2022، لضمان توفير مخزون كافٍ للاستهلاك المحلّي، والسيطرة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية. |
علاوة على ذلك، وعلى الصعيد الثنائي، كانت دولة الإمارات ثاني أكبر وجهة ثابتة لصادرات الأغذية والمشروبات الهندية على مدى العقد الماضي (انظر الشكل 7)، بيد أن حصة الهند في واردات الإمارات من الأغذية والمشروبات انخفضت، في حين ارتفعت حصة المُصدّرين الآخرين بهذا الخصوص، مثل الولايات المتحدة والبرازيل وكندا (انظر الشكل 8).
الشكل 7: صادرات الهند من الأغذية والمشروبات إلى الإمارات (مليار دولار)
الشكل 8: حصة كبار الدول المصدر للأغذية والمشروبات إلى الإمارات (نسبة مئوية %)
تهدف مُبادرة ممر الغذاء إلى زيادة التجارة الزراعية ثلاث مرات بين دولة الإمارات والهند في السنوات الخمس المُقبلة. وقد وصفت الأمم المتحدة تغيّر المناخ والظواهر الجوية المُتطرّفة بأنها العوامل الرئيسة التي تؤدّي إلى تزايد انعدام الأمن الغذائي. وفي الهند، تعتمد الزراعة بشكل كبير على الأمطار الموسمية، إذ إن نحو 57% من الزراعة تعتمد على الأمطار. وتُعدّ مرافق الري غير كافية ومحدودة بشكل رئيس في حوض النهر الرئيس. وعلى الرغم من وفرة الموارد المائية، إلا أنها لا تُستخدم بشكل صحيح ولا توزّع بالتساوي. ويُظهر عدم كفاية الري في ولايات الهند المُعرّضة للجفاف، وبالتالي فإن ناتج المحاصيل يظل أقل من المتوسّط.
يتزايد إنتاج الحبوب بشكل مُطّرد بسبب التقدّم في تكنولوجيا الإنتاج، لكن التخزين غير السليم يؤدّي إلى خسائر كبيرة في الحبوب. وتَزرع الهند الفواكه والخضروات على نطاق واسع، وتحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث الإنتاج. ويكون التوافر الموسمي لهذه المحاصيل مرتفعاً، ويكافح المزارعون لتغطية كُلف مُدخلات محاصيلهم، وبسبب نقص مرافق التخزين الباردة، لا يتم حصاد الفواكه والسلع الأخرى في الغالب خلال موسم نموها. بالإضافة إلى ذلك، فإن ذلك يؤدّي إلى انخفاض الأسعار، ما يحرم المزارعين من الحصول على عوائدهم الحقيقية.
وبالنظر إلى أهمية الممر الغذائي لدولة الإمارات، والتحديات السائدة التي تحدّ من إمكانات الصادرات في الهند، يُتوقع أن تكون لدولة الإمارات مُشاركة عميقة ومستمرّة عبر مستويات الفاعلين مع سلسلة القيمة الزراعية في الهند، وفي هذا الصدد يتعين على المؤسّسات الإماراتية فهم الوضع على الأرض بشكل أفضل للحصول على رؤية أفضل والتحكّم في العمليات والجداول الزمنية المرتبطة بها.
الآفاق المستقبلية
يُعدّ ممر الأمن الغذائي مسعىً واعداً يتطلّب تخطيطاً دقيقاً وتعاوناً واستثماراً من كلا البلدين. وسيتطلّب مثل هذا الممر إمدادات ثابتة وموثوقة من المُنتجات الغذائية من الهند، وتوافر الخدمات اللوجستية السلسة من المَزارع إلى السوق، والتكامل بين المنتجين في الهند والمُستهلكين في دولة الإمارات ومنطقة الخليج، والتحسين في البنية التحتية وعمليات سلسلة الخدمات اللوجستية بأكملها، والتعاون الحكومي لضمان اكتمال المشاريع في الوقت المناسب، والدعم اللازم للمُنتجين لتحسين العائدات وتعزيز الصادرات.
وقد يكون القول أسهل من الفعل، حيث تتطلّب المراحل الأولية من إنشاء الممر التزاماً وتعاوناً من مختلف الفاعلين، وسيكون تقييم السنوات الماضية طريقة جيدة للبدء، وسيُعطي صورة واقعية للسيناريو السائد حول حالة مُجمّعات الغذاء، وتعزيز الإجراءات اللوجستية في الموانئ والمستودعات، وقائمة المُنتجات المُتفق عليها والجهات المعنية. ومع الإعلان عن مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” سيزداد عدد الفاعلين المُهتمّين بممر الغذاء. ومع ذلك، فإن ذلك يطرح أيضاً أسئلة تحتاج إلى إجابة، وعلى النحو الآتي:
- ما هي مجالات التعاون بين الدول المعنية؟
- ما هي احتمالات دعوة الاستثمارات المالية والتقنية من شركاء “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”؟
- ما هو دور الفاعلين من القطاع الخاص في الهيكل العام للمشروع؟
- هل يجب على دولة الإمارات أو دول مجلس التعاون الخليجي أن تقود المشروع لأن أمنها الغذائي يعتمد بشكل أكبر على الاستيراد؟
- كيف ستُشارك البلدان التي تُشكّل جزءاً من “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” في مشروع الممر الغذائي؟
تحتاج مبادرة ممر الغذاء -بادئ ذي بدء- إلى منصّة حصرية من شأنها تطوير البحوث، وتبادل المعرفة، وخلق مساحات للجمع بين الفاعلين المعنيين من القطاعين العام والخاص في البلدين، وبدء المُناقشات والحوارات، وتوجيه وضع السياسات بشأن القضايا والتحدّيات التي تواجه الممر. ويكمن الهدف الأساسي من هذه المنصة في تحويل التحدّيات الحالية إلى فرص للتعاون بين البلدين. ويجب التخطيط لمشاركة مُتعدّدة المستويات بين الكيانات في دولة الإمارات والفاعلين المعنيين في الهند لتحقيق هذا الهدف.
ويتعيَّن أن تشمل المنصة الأنشطة الآتية:
أولاً، البحوث؛ عبر إجراء مشاريع ودراسات بحثية مُشتركة دراسات عن خصائص القطاعات وأخرى عن خصائص المُنتجات، وما إلى ذلك من أمور. وهذا من شأنه أن يُساعد على فهم أفضل للصناعة والتجارة والتعاون الثنائي مع خلق مجموعة من المعرفة التي يُمكن مُشاركتها مع الجهات المعنية على نطاق أوسع. وينبغي أن تُحدّد المشاريع البحثية الثغرات أو التحدّيات وتقترح تدابير لتبسيط سلسلة القيمة، بما في ذلك القيمة المُضافة والجداول الزمنية والتكاليف واللوائح والإجراءات. ومن ذلك:
- فهم كيف يُمكن لممر الأمن الغذائي أن يُعزّز “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” على النطاق الأوسع، ويفيد البلدين.
- البدء بدراسة جدوى شاملة لتقييم الجوانب الاقتصادية واللوجستية والزراعية للممر الغذائي.
- تقييم متطلّبات البنية التحتية، بما في ذلك مرافق النقل والتخزين والتصنيع.
- تحديد المُنتجات الغذائية المُدرجة في المشروع، مثل الفواكه والخضروات والحبوب ومُنتجات الألبان ومُنتجات اللحوم.
- تبسيط الإجراءات التجارية والحد من الحواجز التجارية لتسريع تدفّق السلع.
ثانياً، نشر المعلومات؛ ويعني ذلك تشارك نتائج البحوث مع الفاعلين الرئيسين في البلدان المعنية، وسيُساعد تبادل المعرفة على خلق دائرة مؤيّدة للممر الغذائي بين الفاعلين، كما أنه سيُسهّل مُشاركة مؤسّسات البحوث والسياسات العامة الأخرى لإجراء المزيد من البحث المُتعمّق في هذا الموضوع.
ثالثاً، التفاعلات والانخراطات مُتعدّدة المستويات؛ ينبغي اعتماد منهج مُتعدّد المستويات لإجراء تفاعلات واسعة النطاق مع الفاعلين المعنيين بحيث يُركّز على تعزيز التعاون وبناء التعاون القائم على سلسلة القيمة، وتقييم فوائدها. ويجب أن يتم ذلك من خلال تنظيم مُناقشات وتفاعلات داخل كل دولة وما بين البلدين، لتعزيز المُناقشات في الدوائر الأكاديمية والبحثية بهذا الخصوص. وسيكون ذلك مُفيداً في ضمان سلاسة العمليات التجارية، واستكشاف فرص جديدة للمشاركة داخل القطاعات ذات الصلة وخارجها.
رابعاً، الدعم والدبلوماسية؛ يُسهم الانخراط المُستمر مع حكومتي البلدين في تعزيز علاقات أقوى وبيئة أعمال مواتية للممر من خلال السياسات والآليات والإجراءات التنظيمية ذات الصلة.
خاتمة
إن إنشاء ممر للأمن الغذائي بين الهند والإمارات يُعدّ مُهمّة مُعقّدة تتطلّب الالتزام والتعاون من مختلف الفاعلين في البلدين. ومن خلال التخطيط الدقيق والاستثمار والجهود المستمرة، يمكن أن يُسهم المشروع بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي لكلا البلدين، وأن يكون بمنزلة نموذج لمُبادرات مُماثلة على مستوى العالم.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/mamar-al-amn-alghidhayi-al-imarati-alhindi-silsilat-imdad-alamiya-badila