إن “قضية زنغزور” في طور التحول إلى “عقدة مستعصية” لأنها ستؤدي إلى تحولات عديدة.
هذا جزء من مقال نشره موقع “خبر أونلاين” الإلكتروني بعنوان “قلق إيران من ممر زنغزور باعتباره تحديا أمنيا” في 11 سبتمبر/أيلول. وأضاف أن “هذا ليس تحديا سياسيا وأمنيا فحسب بل وسيخلق تحديا جوهريا للتجارة بالنسبة لنا لأن التطورات بشأن الممر ستؤدي إلى حرمان إيران من الوصول إلى أحد جيرانها الأوروبيين الثلاثة”.
وارتفعت وتیرة الخلافات بين إيران وروسيا حول ممر زنغزور إثر إعلان روسيا دعمها لحق جمهورية آذربيجان في تفعيل الممر. وأضاف “خبر أونلاين”: “سيؤدي تفعيل هذا الممر الذي يقع على الحدود الشمالية إلى خنق إيران جيوسياسياً..”. وسيربط ممر زنغزور تركيا ببحر قزوين وآسيا الوسطى.
وتابع “خبر أونلاين”: “لم تستغل إيران كل الإمكانيات المتاحة لها في حدودها المشتركة مع جمهورية أرمينيا، ومع ذلك فإن هذه الحدود مهمة بالنسبة لإيران، فتغيير الحدود سيؤدي إلى تحول ثابت ومستدام. ويؤدي تفعيل ممر زنغزور بين جمهورية أذربيجان ومنطقة نخجوان إلى قطع الحدود المشتركة الثابتة بين إيران وأرمينيا… ويحظى ممر زنغزور بأهمية جيوسياسية واقتصادية لإيران لأنه يقع على الحدود الشمالية وسيؤدي حدوث أي تغيير عليه إلى التأثير سلبا على مصالح إيران بشكل مباشر أو غير مباشر. وتربط أرمينيا إيران بدول على غرار جورجيا وأيضا أوروبا، غير أن إحداث ممر آذربيجاني سيحد أو سيقطع اتصال إيران بمحيطها الخارجي في الشمال”.
وتابع التقرير أن “إيران تعتبر تفعيل ممر زنغزور تهديدا لمصالحها الوطنية. حيث إن الكثير من المراقبين أشاروا إلى أن تفعيل هذا الممر سيلحق ضررا كبيرا بالعلاقات الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية لإيران في جنوب القوقاز… ويؤدي إلى تراجع نسبة دخول السلع والخدمات وخروجها عن طريق الأراضي الإيرانية التي تعتبر حاليا أحد الممرات الرئيسة لترانزيت السلع بين آسيا الوسطى وأوروبا. حيث يشكل ممر زنغزور تحديا لنا ويؤدي إلى تراجع حجم تجارة الترانزيت وإيراداتها بالنسبة لإيران التي ستعاني من خسائر اقتصادية جراء ذلك”.
وقال عضو غرفة التجارة الإيرانية حميد حسيني في حوار مع “خبر أونلاين”: “إذا تم تفعيل ممر زنغزور فإن ذلك سيكون في مصلحة منافسي إيران في قطاع التجارة وسيمكن هذا الممر الصين من الوصول إلى أوروبا دون الحاجة إلى الحدود الإيرانية”.
وأوضح حسيني: “سيؤدي تفعيل ممر “زنغزور” إلى ارتقاء المكانة الجيوسياسية لمنافسي إيران التي سيعاني اقتصادها جراء ذلك وسيمكن تركيا من الوصول بسهولة أكبر إلى آسيا الوسطى”.
وتابع: “كما أن الصين وهي القوة العالمية الصاعدة تبحث عن طرق تمكنها من الوصول المباشر إلى أوروبا. تتمتع الصين بأربعة ممرات غير بحرية للوصول إلى أوروبا حاليا وكلها تمر عبر إيران. إن تفعيل ممر زنغزور بالشكل المثار حاليا سيربط تركيا وجمهورية آذربيجان وروسيا ببعضها البعض دون الحاجة إلى إيران”.
العلاقات بين إيران وروسيا ليست قائمة على تعاون استراتيجي بل تميل إلى تعاون من باب الاضطرار أو الحيطة للتصدي للأزمات المرحلية
وأكد عضو غرفة التجارة الإيرانية على ضرورة إيجاد حل لهذا “التحدي”، لأن “عدم وصول حل بشأن الممر سيؤدي إلى تصاعد التوترات وعسكرة هذا الخلاف السياسي وهذا ما لا تريده إيران في هذه الفترة الصعبة. إن الخيار الوحيد هو إيجاد حل يرضي جميع الأطراف”.
إلى ذلك قال الخبير في الشؤون الدولية والسياسية إحسان موحديان: “إيران لديها حدود بحرية وبرية مع 15 دولة، غير أن ذلك لا يعني أن تغيير الحدود في واحدة منها أمر غير مهم”.
ويرى موحديان أن “الاستراتيجية الإيرانية تقتضي إيجاد سبل للتعاون مع دول أوروبا وشمال أفريقيا مما يبرز أهمية ممر زنغزور والإبقاء على الوضع القائم للحدود بين أرمينيا وإيران وخاصة في ظل العقوبات على إيران وأهمية العلاقات مع أوروبا بالنسبة لإيران التي ترتبط بأوروبا عن طريق 3 دول هي أرمينيا وجمهورية آذربيجان وتركيا وذلك من أصل جيرانها الـ15”.
وتابع موحديان، وهو عضو هيئة التدريس في إحدى الجامعات الإيرانية، أن “تركيا وجمهورية آذربيجان أصبحتا في معسكر الغرب وتحاولان منع إيران من الوصول إلى ممرات تربطها بدول أخرى. تسعى تركيا وجمهورية آذربيجان إلى إغلاق كافة ممرات الاتصال بين إيران والدول الأخرى… إن تركيا لم تتخذ منذ سنوات خطوات عملية لاتصال السكة الحديد الإيرانية بنظيرتها التركية… وتكمن أهمية الحدود بين إيران وأرمينيا في أنها تحظى بموقع جغرافي مهم كما أن أرمينيا من بين جيران إيران الأوروبيين الثلاث هي الوحيدة التي ليس هناك توتر سياسي يذكر بينها وبين إيران”.
وأضاف موحديان: “من الخطأ أن نتصور أن التغيير في الحدود بين إيران وأرمينيا بطول 30 كيلومترا لا يبعث على القلق لأن تغيير الحدود سيخنق إيران جيوسياسياً. إن هذه الحدود بين أرمينيا وإيران شريان اتصال إيران بأوروبا كما أنها تمنع وقوع حرب محتملة في المستقبل”.
العلاقات بين إيران وروسيا ليست قائمة على تعاون استراتيجي بل تميل إلى تعاون من باب الاضطرار أو الحيطة للتصدي للأزمات المرحلية
وتابع: “إذا تم تغيير وضع الحدود القائمة فإن إيران ستجد نفسها محاصرة بشكل كامل لأن الأسطول البحري الإيراني في بحر قزوين متهالك والسفن الإيرانية عاجزة عن الرسو في روسيا في فصول البرد. كما أن السكة الحديد بين إيران وتركيا لم يتم تفعيلها حتى الآن وبالتالي سيبقى عندنا ممر زنغزور وهو الممر الوحيد المتاح لإيران، حيث إن إغلاقه سيعني أن إيران ستتم محاصرتها بالكامل”.
ويعتقد موحديان أن “إيران ستضطر إلى اللجوء إلى خيار الحرب في حال تمت محاصرتها. وينبغي أن نتذكر أن خلافا حدوديا على منطقة شط العرب أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى بدء حرب بين إيران والعراق دامت 8 سنوات… فيما تحظى زنغزور بأهمية أمنية واقتصادية أكبر من شط العرب بالنسبة لإيران. كما سيؤدي تفعيل هذا الممر إلى محاصرة إيران وفي النهاية قد يتطور الأمر إلى بدء الحرب”.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إلى اليسار) والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف (إلى اليمين) يحضران مأدبة عشاء رسمية بعد محادثاتهما في باكو في 19 أغسطس/آب 2024
واعتبر محمد مهدي مظاهري، في مقال بعنوان: “رجاء قوموا باحتواء روسيا”! في صحيفة “اطلاعات” في 10 سبتمبر/أيلول، اعتبر أن “العلاقات بين إيران وروسيا ليست قائمة على تعاون استراتيجي بل تميل إلى تعاون من باب الاضطرار أو الحيطة للتصدي للأزمات المرحلية”. وأضاف الكاتب: “إن هذه حقيقة مريرة قد تكون لها تداعيات خطيرة في السياسة الخارجية”.
وتابعت “اطلاعات”: “لقد أثارت التصريحات الرسمية الروسية الأخيرة حول ممر زنغزور بعد زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى جمهورية آذربيجان الجدل بشأن الموقف الروسي حول الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأعلنت روسيا أنها ستسهل ترسيم الحدود بين آذربيجان وأرمينيا وستواصل المساهمة في تطبيع العلاقات بين باكو ويريفان… كل ذلك يتزامن مع الهجمات الأوكرانية في الأراضي الروسية والسيطرة على بعض المدن الروسية وتغيير الظروف الميدانية في ساحة الحرب ما دفع بوتين إلى القيام بزيارة إلى جمهورية آذربيجان لإجراء محادثات حول تعزيز العلاقات الاستراتيجية والائتلاف بين آذربيجان وروسيا. كما تحدث بوتين عن ممر زنغزور في زيارته إلى آذربيجان مما دفع وزير الخارجية الروسي لافروف بعد وقت قليل إلى الإعلان عن دعم روسيا لتوقيع معاهدة سلام بين باكو ويريفان مما يؤدي إلى فتح ممر زنغزور”.
وأضافت الصحيفة أن “هذا الموقف الروسي يشكل تهديدا علنيا لمصالح إيران الوطنية وقامت الخارجية الإيرانية باستدعاء السفير الروسي لدى طهران معلنة عن احتجاجها، غير أن الروس لم يتنازلوا عن موقفهم فحسب بل قالوا إن موسكو تأخذ قلق إيران بعين الاعتبار وستعمل على رفع الإبهامات بهذا الشأن مع إيران. هذا يعني أن موسكو أخذت قرارها بهذا الشأن وأن المسؤولين الإيرانيين لا حيلة بيدهم غير القبول به”.
سيؤدي تفعيل هذا الممر إلى تقليص عدد جيران إيران من 15 دولة إلى 14 دولة، مما يؤثر سلبا على مصالحها الاستراتيجية ومكانتها الجيوسياسية
وتابعت الصحيفة: “هذه الخطوة الروسية تأتي في الوقت الذي تم فيه استكمال النص النهائي لـ”وثيقة الاتفاقية الشاملة للتعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا” غير أن روسيا على ما يبدو لديها فهم مختلف عن إيران بشأن العلاقات الاستراتيجية، حيث إن المسؤولين الروس يعتبرون أن الخطوط الحمراء تقتصر على مصالحهم وأمنهم الوطني فحسب… لأن تفعيل ممر زنغزور تهديد لمصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية لكنه يؤمن مصالح روسيا في الوقت الراهن. وسينقطع التواصل الاستراتيجي بين إيران وأوروبا بعد تفعيل هذا الممر ولن يكون لإيران أية سيطرة عليه مما سيسلب إيران حقها في ترانزيت السلع أيضا”.
وتابع مظاهري: “سيؤدي تفعيل هذا الممر إلى تقليص عدد جيران إيران من 15 دولة إلى 14 دولة، مما يؤثر سلبا على مصالحها الاستراتيجية ومكانتها الجيوسياسية. على أية حال فإن هذا الممر يساعد روسيا في الالتفاف على العقوبات الأوروبية على موسكو التي ستتمكن من توسيع نفوذها في جورجيا وجمهورية آذربيجان وأرمينيا بعد تفعيل الممر. وبالتالي لا تلتقي مصالح إيران وروسيا بشأن ممر زنغزور بل إن هناك تعارضا للمصالح بينهما”.
ودعت الصحيفة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات من شأنها دفع روسيا إلى التخلي عن سياستها الحالية تجاه إيران والالتزام بتبني مواقف ثابتة واستراتيجية مع إيران. ويجب على إيران من أجل الوصول إلى هذا الهدف أن تصل إلى مستوى من القوة الإقليمية تتمكن بها من دفع روسيا إلى الالتزام بإجراء مفاوضات وإبرام اتفاق مع الجمهورية الإسلامية… التوازن في السياسة الخارجية وتبني خيارات متنوعة للوصول إلى الأهداف وتأمين المصالح قد يكون خطوة إيرانية بناءة وفاعلة للتعامل مع روسيا”.