بعد مرور ثلاثة أسابيع على إجراء المناظرة الرئاسية التي جمعت بين نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية “كمالا هاريس” ومنافسها الجمهوري الرئيس السابق “دونالد ترامب“، انعقدت مناظرة رئاسية تجمع المرشحين لمنصب نائب الرئيس حاكم ولاية مينيسوتا الديمقراطي “تيم والز” والسيناتور الجمهوري من ولاية أوهايو “جي دي فانس” في مركز البث التابع لشبكة “سي بي إس” في نيويورك في مستهل شهر أكتوبر الجاري. وعلى الرغم من محدودية التأثير الذي يمكن أن تلعبه مناظرة النواب في خضم السباق الرئاسي الحالي، فإن القدرة على فهم وتحليل المشهد السياسي المعقد يتطلب التعاطي مع هذه الأحداث في إطار السياق العام للساحة الأمريكية.
أهمية المناظرة
على الرغم من اتجاه بعض التحليلات إلى التقليل من أهمية التأثير الذي يمكن أن تلعبه المناظرات بشكل عام، ومناظرات المرشحين لمنصب نائب الرئيس على وجه الخصوص، في مسار السباق الرئاسي، فإن تعقد المشهد الأمريكي وتزايد حدة ونطاق حالة الاستقطاب والانقسام السياسي ربما تعطي أهمية لمثل هذه الأحداث. ويمكن إرجاع أهمية المناظرة إلى الأسباب الآتية:
- دور المناظرة الأولى في الإطاحة بــ”بايدن”: ساهمت المناظرة الأولى التي جمعت “بايدن” و”ترامب” في اهتزاز صورة الأول، وإعادة النظر في دعم المعسكر الديمقراطي له. وفقًا لمجلة “بوليتيكو“، فقد اعتبرت أن خيبة آمال الديمقراطيين الناتجة عن الأداء المتواضع لـ”بايدن” خلال المناظرة قد دفعتهم إلى اعتبار أنه “حان وقت رحيله”. وهو الأمر الذي يعني أن أهمية المناظرات آخذة في التزايد كونها استطاعت أن تُنهي حملة أحد المرشحين. وعلى الرغم من أن هذه الواقعة تنصرف بشكل رئيسي إلى المناظرة الرئاسية، إلا أن هذا لا ينفي بالضرورة وجود تأثير لمناظرة النواب.
- ضيق هامش المنافسة: ساهم دخول “هاريس” إلى حلبة التنافس في تضييق هامش الدعم الذي حظي به “ترامب” في استطلاعات الرأي، بطريقة أدت إلى تضييق الفجوة بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وحصولهما على فرص شبه متساوية. مما يعني أن هناك ضرورة لتوظيف كل الأدوات بما فيها مناظرة المرشحين لمنصب نائب الرئيس من أجل استمالة الناخبين المتأرجحين.
- تعزيز فرص المرشحين الرئاسيين: يأتي اختيار المرشح لمنصب نائب الرئيس وفق حسابات للمرشح الرئاسي ومعسكره تتعلق بدور الأول في تشجيع ودفع القواعد الانتخابية للمشاركة والاختيار. ومن هنا، يمكن القول إن المناظرة تعد فرصة أمامهما للقيام بهذا الدور؛ إذ اعتبرت التحليلات أن اختيار “فانس” يعزز علاقة “ترامب” بالمحافظين ويساهم كذلك في دعم الروابط مع الطبقة الوسطى، بينما نظرت لاختيار “والز” كمحاولة لجذب أصوات الطبقة العاملة والريفيين والبيض في ولايات الغرب الأوسط الأمريكي، فضلًا عن أصوات التقدميين.
الملامح العامة
على الرغم من المشهد السلبي الذي ارتبط بالمناظرة الرئاسية التي جمعت “هاريس” و”ترامب” كنتيجة لتحولها إلى مبارزة كلامية وسجال طويل من تبادل الاتهامات، فإن مناظرة “والز” و”فانس” بدت أكثر موضوعية واحترافية وهدوءًا بما يُعيد للأذهان تقاليد المناظرات السياسية التي سادت الولايات المتحدة لعقود، على حد وصف موقع “الحرة”. وفيما يلي بلورة لأبرز الملامح العامة للمناظرة:
- الأداء المنضبط: في حين كانت هناك توقعات بشأن تحول مناظرة المرشحين لمنصب نائب الرئيس إلى نسخة جديدة من المناظرة الرئاسية في السجال وتبادل الانتقادات، ولا سيما في ضوء الانتقادات التي قام النائبان بتوجيهها لبعضهما بعضًا في السابق؛ كقيام “والز” خلال مقابلة على قناة “إم إس إن بي سي” في يوليو بمهاجمة “ترامب” و”فانس” والجمهوريين بشكل عام ووصفهم بـ”غريبي الأطوار”، إلا أن أداء كلا المرشحين أثناء المناظرة اتسم بالانضباط والابتعاد عن توجيه الانتقادات الشخصية.
- أكثر موضوعية واحترافية: على الرغم من أن المتنافسين تبادلا الهجوم خلال الحملة الانتخابية، فقد تحدثا خلال المناظرة بنبرة ودية، ووجه كل منهما انتقادات تبدو موضوعية للمرشح الرئاسي الذي سيخوض معه الآخر السباق. بما يعني أن المرشحين تجادلا خلال المناظرة حول القضايا محل الاختلاف بين الحزبين، من الإجهاض للسياسة الضريبية، دون أن تتحول لحرب كلامية.
- التركيز على نقاط الاختلاف ذاتها: حوت المناظرة بين “والز” و”فانس” تركيزًا على ملفات الاختلاف التقليدية بين المعسكرين؛ فقد اتهم “فانس” المرشحة الديمقراطية بالفشل في ضبط الهجرة، مما تسبب في حرمان ملايين الأمريكيين من فرص العمل والحقوق التعليمية والصحية وخلق كذلك أزمة إسكان. وفي المقابل، اتهم “والز” الجمهوريين بإفشال جهود الكونجرس في حل مشكلة الهجرة. وفي ملف البيئة، أكد “والز” أنه يريد أن تصبح الولايات المتحدة قوة رائدة عالميًا في مجال الطاقة النظيفة، في حين عبر “فانس” عن دعمه لسياسة البيئة النظيفة، لكنه شكك في كون الوقود الأحفوري هو السبب الأساسي للتغيرات المناخية.
- بدء المناظرة بالتركيز على ملفات الخارج: تزامنت مناظرة “والز” و”فانس” مع التطورات التصعيدية في الشرق الأوسط، على خلفية إعلان إسرائيل عن عملية برية في جنوب لبنان، ثم اتجاه إيران لشن ضربات صاروخية على إسرائيل. لذا، فقد بدأت المناظرة بسؤال حول موقف المتنافسين بشأن دعم ضربة استباقية إسرائيلية ضد إيران. وقد جاء رد “والز” غير مباشر من خلال التأكيد على دعم إسرائيل في مواجهة التمدد الإيراني، والدعوة لوقف إطلاق النار في غزة. فيما أشار “فانس” إلى أنه “سيقبل بتقدير إسرائيل للأمر”.
- القبول بنتائج الانتخابات: خلال المناظرة الرئاسية التي جمعت “ترامب” و”بايدن” في 27 يونيو الماضي، أبدى “ترامب” استعداده لقبول النتائج “إذا كانت حرة ونزيهة وقانونية”، فيما بدا كاستمرار لنهج رفض النتائج حال عدم فوزه في الانتخابات. وعلى النقيض من ذلك، ورغم تأكيد “فانس” على فوز الجمهوريين في الانتخابات، إلا أنه أشار إلى أنه “سيبارك ويصلي” لنجاح المرشح الديمقراطي “والز” إذا اختاره الناخبون.
مجمل القول، إن مناظرة “والز” و”فانس” استطاعت أن تتجاوز سلبيات المناظرة الرئاسية التي جمعت “هاريس” و”ترامب” من حيث الأداء والأسلوب والمضمون، بما أدى بها إلى أن تعيد للأذهان تقاليد المناظرات الرئاسية الأمريكية. لكن على الرغم من ذلك يبقى من الصعب الجزم بتأثيرها على السباق الرئاسي. فوفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته شبكة “سي إن إن“، قال 1 بالمائة فقط من الناخبين الذين تابعوا المناظرة وشاركوا بالاستطلاع، إنها “غيّرت رأيهم” بشأن من سيصوتون لصالحه.