تزايدت حدة المناوشات الدامية في الأيام الأخيرة بين القوات الأمريكية والفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران في شرق سوريا الغني بالنفط، حيث أقام كل منهما موطئ قدم إستراتيجيا في محافظة دير الزور الصحراوية حيث ازدادت الهجمات بالصواريخ وقذائف الهاون والطائرات المسيرة بالتزامن مع المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي بين إيران والغرب.
دير الزور محافظة صحراوية تقع في شرق سوريا ومساحتها 33 ألف كيلومتر مربع، يُقسمها نهر الفرات وتسكنها في الغالب قبائل لها علاقات قرابة مع العراق.
حاربت الحكومة السورية وداعموها من جهة، والولايات المتحدة وحلفاؤها السوريون من جهة أخرى، بشكل منفصل لطرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من المنطقة.
وتتمركز القوات الأمريكية وحلفاؤها على الأرض، قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، حاليا في حقلي نفط وغاز كبيرين في النصف الشرقي من المحافظة.
ويستضيف الحقلان، المعروفان باسم العمر وكونيكو، معظم الجنود الأمريكيين في سوريا البالغ عددهم 900.
وتسيطر الحكومة السورية والمقاتلون المتحالفون معها، ومن بينهم وحدات إيرانية، على مدينة دير الزور عاصمة المحافظة ومدينة البوكمال الحدودية الاستراتيجية ومنطقة جنوب وغرب النهر.
كما يتمركز هؤلاء المقاتلون في مجموعة من الجزر النهرية المعروفة باسم حويجة صقر، التي يستخدمونها كنقطة انطلاق لشن هجمات على القوات الأمريكية عبر النهر.
خمس سنوات من التوتر
تقول الولايات المتحدة إن وجودها هناك يهدف إلى التأكد من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بشكل دائم، لكن مناوشات مع الجماعات المدعومة من إيران اندلعت بشكل متقطع على مدى السنوات الخمس الماضية.
وفي الهجوم الأول في يونيو حزيران 2017، استهدفت ما يُشتبه في أنها طائرة إيرانية مسيرة أطراف قاعدة التنف، وهي موقع أمريكي عند نقطة التقاء الحدود السورية مع كل من العراق والأردن.
وردت الطائرات الحربية الأمريكية بضربات ضد فصائل شيعية مسلحة اقتربت من القاعدة.
وأطلقت الجماعات المتحالفة مع إيران منذ ذلك الحين قذائف مورتر وصواريخ إيرانية الصنع وطائرات مسيرة صغيرة على التنف وحقلي النفط والغاز.
ورد التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، بضربات جوية باستخدام طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر واستهدف عادة مستودعات أسلحة أو بنية تحتية أخرى.
وفي بعض الحالات، ردت الولايات المتحدة على هجمات صاروخية على قواتها في العراق بقصف مواقع على الحدود السورية العراقية تستضيف جماعات عراقية مسلحة مرتبطة بإيران.
توسع النفوذ الإيراني
لعبت إيران ووكلاؤها، إلى جانب روسيا، دورا فعالا في مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد على استعادة معظم الأراضي التي فقدتها قواته منذ اندلاع الصراع في عام 2011.
ومكنهم ذلك من الاحتفاظ بمناطق نفوذهم وبناء مناطق أخرى في أماكن نائية من البلاد حتى بعد انحسار المعارك، من مدينة حلب الشمالية، التي استعادتها القوات المتحالفة مع الحكومة في أواخر عام 2016، إلى المناطق الصحراوية الشاسعة في حمص وحماة وضواحي العاصمة دمشق.
وقدمت إيران الدعم لسوريا في مجال استغلال الطاقة والمعادن تحديدا، حيث ساعدت على إعادة تأهيل محطات للكهرباء واستخراج الفوسفات.
وتحتفظ قواتها وحلفاؤها بالسيطرة الفعلية على الجبهة الشرقية لسوريا مع العراق، حيث يُشتبه في وجود وحدات من فيلق القدس الإيراني، وعلى حدود سوريا الغربية مع لبنان.
ويسمح هذا الممر لطهران بنقل الأشخاص والبضائع والمعدات العسكرية عبر عدة دول، مما أثار قلقا بالغا في إسرائيل، التي نفذت هجمات جوية ضد القوات الإيرانية وحلفائها في سوريا.
هجمات متبادلة على وقع الاتفاق النووي
وقد أعلن الجيش الأميركي مؤخرا انه قتل اربعة عناصر من مجموعات مسلحة مدعومة من ايران خلال 24 ساعة في شرق سوريا، وذلك ردا على قصف صاروخي ادى الى اصابة جنود اميركيين في المنطقة.
وقالت القيادة الأميركية الوسطى “سنتكوم” في بيان “في الساعات ال24 الماضية وردا على الهجمات الصاروخية التي استهدفت امس محيط قاعدة كونوكو الأميركية وغرين فيلدج في شمال شرق سوريا اغارت مروحيات اميركية على مواقع تابعة لميليشيات مدعومة من طهران”.
وقالت القيادة الوسطى إن القوات الأميركية استخدمت مروحيات هجومية من طراز AH-64 أباتشي وطائرات لشن هجماته على الأرض من طراز AC-130 ومدفعية ثقيلة من طراز M777. واضافت “قضى اربعة مقاتلين اعداء ودمرت سبع راجمات صواريخ”.
هذا هو اليوم الثالث على التوالي من تبادل اطلاق النار في سوريا بين القوات الأميركية والجماعات المسلحة المشتبه في انها مدعومة من إيران.
أعلنت الولايات المتحدة قبل ذلك انها قصفت قواعد تابعة لميليشيات موالية لإيران في شرق البلاد. واستهدف القصف تسعة مخابئ تستخدم لتخزين الذخيرة.
وكانت القوات الأميركية خططت لقصف 11 من 13 مخبأ في المجمع لكنها أوقفت الضربات على اثنين منها بعد أن شوهدت مجموعات من الاشخاص في محيطها.
ونفت إيران أي صلة لها بالجماعات المسلحة المستهدفة بهذه الضربات الجوية.
مساء الاربعاء اعلنت القيادة الوسطى إنّ “القوات الأميركية ردّت على إطلاق صواريخ على موقعين في سوريا، فدمّرت ثلاث سيارات والمعدات التي استخدمت في إطلاق بعض الصواريخ”.
واشار إلى أنّ “التقديرات الاولية تفيد بمقتل شخصين أو ثلاثة أشخاص يشتبه في أنّهم ناشطون مدعومون من إيران نفّذوا إحدى الهجمات”.
بحسب سنتكوم فقد استهدفت الغارات الثلاثاء “منشآت بنى تحتية تستخدمها مجموعات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني”.
رصدت القوات الأميركية مجموعة مهاجمين مجهزين بقاذفات صواريخ تقترب من مواقعهم واستهدفتهم قبل أن يتمكنوا من إطلاق النار، بحسب مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته.
وحذر القائد الجديد للقوات الأميركية في المنطقة الجنرال إريك كوريلا بالقول “سنرد بالشكل المناسب على أي هجوم يتعرض له جنودنا”. واضاف “لن تهاجمنا أي جماعة وتفلت من العقاب. سنتخذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن قواتنا”.
ولم تكشف “سنتكوم” عن ظروف مقتل العنصر الرابع.
ميليشيا أفغانية
من جهته المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد بأن انفجارات دوت في دير الزور فجرا “نتيجة ضربات جوية من طائرات أميركية استهدفت مستودعات عياش ومعسكرا للميليشيات الإيرانية في دير الزور”.
وأضاف “شنت الطائرات عند الساعة الرابعة فجرا أكثر من ثلاث ضربات جوية بصواريخ شديدة الانفجار، مما أسفر عن تدمير مستودعات عياش، ومعسكر الصاعقة الذي تتخذه ميليشيا فاطميون الأفغانية مركزا لها، وسط معلومات عن مقتل ستة من الحراس من جنسيات سورية وغير سورية، وجرحى في صفوف الميليشيات”.
وتخضع المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال والميادين في ريف دير الزور الشرقي لنفوذ إيراني، عبر مجموعات موالية لطهران تقاتل الى جانب قوات النظام السوري من بينها عناصر حزب الله اللبناني وأفغان من لواء الفاطميون.
وأسفرت ضربة جوية شنّتها إسرائيل في كانون الثاني/يناير 2021 في ذات المنطقة المستهدفة بالضربات الأميركية الأخيرة عن مقتل عشرات المسلّحين، بحسب المرصد.
وجاء الهجوم بالتزامن مع إعلان وسائل إعلام إيرانية بأن جنرالا في الحرس الثوري قتل الأحد بينما كان “يؤدي مهمة في سوريا كمستشار عسكري”.
ولم تذكر المصادر تفاصيل إضافية بشأن مقتله الا أنها أشارت الى أنه “سردار” (في إشارة الى الضباط الكبار في الحرس)، و”مدافع حرم” (أي من المدافعين عن المراقد الشيعية المقدسة)، وهي العبارة المستخدمة رسميا في الجمهورية الإسلامية للإشارة الى أفراد الحرس الثوري الذين يؤدون مهاما في إطار النزاعين في سوريا والعراق.
وتؤكد طهران تواجد عناصر من قواتها المسلحة في سوريا بمهام استشارية.
ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني على موقع الوزارة على تيليجرام أي صلة لإيران بمواقع استهدفتها الولايات المتحدة في سوريا.
وأضاف كنعاني “الهجوم الأمريكي على البنية التحتية والشعب السوري انتهاك لسيادة سوريا ووحدة أراضيها. المواقع المستهدفة لا صلة لها بالجمهورية الإسلامية”.
روسيا تدين الهجمات الصاروخية الإسرائيلية
نقلت وكالتا أنباء روسيتان عن القوات الروسية المتمركزة في سوريا القول إن أربع طائرات إسرائيلية أطلقت ما مجموعه أربعة صواريخ كروز و16 قنبلة موجهة ضد منشأة بحوث في مدينة مصياف.
ونقلت وكالة أنباء تاس ووكالة الإعلام الروسية عن ضابط روسي كبير أن قوات سورية استخدمت أسلحة روسية الصنع مضادة للطائرات أسقطت صاروخين وسبع قنابل موجهة. وقال إن الهجمات أضرت بمعدات في المنشأة.
القوات الروسية في سوريا منذ 2015 عندما ساعدت في قلب دفة الحرب الأهلية فيها لصالح الرئيس بشار الأسد.
ومنذ عدة سنوات، تشن إسرائيل هجمات على ما تصفها بأنها أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، حيث انتشرت قوات مدعومة من طهران، بما في ذلك من حزب الله اللبناني، لمساعدة الأسد في محاربة القوات المناهضة للحكومة.
بدوره أدان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على سوريا، في تصريحات تؤكد وجود فتور في العلاقات الروسية الإسرائيلية التي كانت حميمة فيما مضى.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك للافروف مع نظيره السوري فيصل المقداد. وروسيا داعم رئيسي للرئيس السوري بشار الأسد وحكومته.
وقال لافروف “ندين بشدة الممارسة الخطيرة للضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية… نطالب بأن تحترم إسرائيل قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقبل كل شيء، احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.
وقالت مخابرات إقليمية ومصادر عسكرية سورية إن إسرائيل قصفت أهدافا إيرانية في 14 أغسطس آب بالقرب من مسقط رأس أسلاف الأسد وبالقرب أيضا من القواعد الرئيسية لروسيا في سوريا على ساحل البحر المتوسط.
وفي حديثه بنفس المؤتمر الصحفي في موسكو، أكد المقداد للافروف دعم بلاده لتحركات روسيا في أوكرانيا، التي تصفها موسكو بأنها “عملية عسكرية خاصة” لنزع سلاح جارتها الجنوبية الأصغر و”تظهيرها من النازيين”.
وأبدت إسرائيل معارضتها لإرسال موسكو قوات إلى أوكرانيا. وزادت التوترات بين البلدين في الأشهر الأخيرة.
وقال لافروف في مايو أيار إن الزعيم النازي أدولف هتلر له جذور يهودية، في تصريحات أثارت غضبا في إسرائيل ودفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تقديم اعتذار نادر.
كما فتحت السلطات الروسية تحقيقات قانونية بشأن فرع الوكالة اليهودية في روسيا، التي تشجع الهجرة إلى إسرائيل.
محاولات انقاذ الاتفاق النووي
ويسلط أحدث تصعيد للعنف الضوء على التوتر العسكري المتصاعدة على الرغم من الجهود الدبلوماسية بين طهران والغرب لمحاولة إنقاذ اتفاق إيران النووي لعام 2015 مع القوى الكبرى.
وجاء بعد يوم من موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على ضربات جوية أمريكية في سوريا على مستودع للأسلحة ومنشآت أخرى تستخدمها جماعات متحالفة مع الحرس الثوري الإيراني.
وفي وقت سابق نفت إيران أي صلة لها بالمواقع التي استهدفتها الولايات المتحدة. وقال الجيش إن بايدن صرح بضربات جوية تشارك فيها ثماني مقاتلات أمريكية وقصف تسعة أهداف في سوريا.
وتأتي العملية في وقت تتركّز الأنظار على واشنطن التي ينتظر بأن تقدّم ردّها الرسمي على تعديلات طلبت إيران إدخالها على مقترح أوروبي يهدف لإعادة إحياء اتفاق 2015 النووي.
كما تأتي التطورات الأخيرة في وقت أعلنت الولايات المتحدة بأن الإيرانيين قدّموا تنازلات في قضايا أساسية تتعلّق ببرنامجهم النووي، لتعزّز بذلك الآمال بإمكانية عودتها قريباً إلى اتّفاق فيينا المبرم في 2015، على الرّغم من أنّها لم تقدّم بعد ردّها الرسمي على المقترحات الإيرانية.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية طالبا عدم نشر اسمه إنّ إيران وافقت خصوصاً على التخلّي عن مطلبها المتعلّق بعرقلة بعض عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة في منشآتها النووية.
ولم يوضح ما هي عمليات التفتيش التي قدّمت الجمهورية الإسلامية تنازلات بشأنها، علماً بأنّ هذه المسألة تعتبر بالغة الحساسية بالنسبة إلى طهران وواشنطن على حدّ سواء.
وسبق لإيران أن تخلّت عن مطلب أساسي آخر يتعلّق بإزالة اسم “الحرس الثوري” من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية.
وعلى مدى أشهر عديدة رهنت طهران التوصّل لأيّ اتفاق مع واشنطن بتلبية الأخيرة مطلبها هذا، لكنّ إدارة بايدن رفضت هذا الشرط رفضاً قاطعاً.
وإذ شدّد المسؤول الكبير في إدارة الرئيس جو بايدن على أنّ إيران “قدّمت تنازلات بشأن قضايا حاسمة”، أكّد أنّ كلّ ما قيل عن تنازلات أميركية جديدة هو “كاذب قطعاً”.
وأوضح أنّه “بالإضافة إلى القيود النووية التي سيتعيّن على إيران الالتزام بها، ستكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادرة من جديد على تنفيذ نظام التفتيش الأكثر شمولاً الذي تمّ التفاوض بشأنه حتى الآن، ما يسمح لها باكتشاف أيّ جهد إيراني لامتلاك سلاح نووي في السرّ”.
وأضاف أنّ “الكثير من عمليات المراقبة الدولية ستبقى قائمة لفترة غير محدودة” إذا ما أُبرم الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه حالياً.
وتطالب إيران بأن توقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية كلّ التحقيقات التي باشرتها بشأن مواقع لم تصرّح عنها الجمهورية الإسلامية وعثر فيها مفتّشو الوكالة على آثار يورانيوم مخصّب.
وبالنسبة إلى هنري روم، المحلّل في مركز أبحاث “أوراسيا غروب”، فإنّ إيران ليست في وارد “التراجع” في هذه المسألة.
وقال “لا أحد سيتفاجأ إذا ما عادت هذ المسألة للظهور في مرحلة لاحقة من هذه المفاوضات”.
ونفى المسؤول الأميركي أن تكون واشنطن قدّمت تنازلات لطهران، قائلاً إنّ “إيران هي التي قدّمت تنازلات في قضايا مهمّة”.
وأضاف “لا تزال هناك عقبات يجب تجاوزها، لكن إذا أردنا التوصّل إلى اتفاق للعودة إلى الاتفاقية النووية (لعام 2015)، فيجب على إيران أن تتّخذ العديد من الخطوات المهمّة الرامية لتفكيك برنامجها النووي”.
وأوضح أنّ من بين الخطوات التي يتعيّن على إيران القيام بها عدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67% أو تخزين أكثر من 300 كلغ من هذه المادة، وذلك حتى العام 2031، بالإضافة إلى إيقافها آلاف أجهزة الطرد المركزي عن العمل وتفكيكها.
من جهتها طلبت طهران إدخال “بعض التعديلات” على مسودّة الاتّفاق التي اقترحها الاتّحاد الأوروبي على كلّ من إيران والولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى الأطراف في الاتفاق النووي، بحسب ما أعلن الوسيط الأساسي في هذا الملف، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل.
وفي مقابلة اجراها معه التلفزيون الوطني الإسباني قال بوريل إنّ “القسم الأكبر” من المشاركين وافقوا على المطالب الإيرانية التي لم يكشف عن مضمونها، مؤكّداً أنّ “ما ينقص هو ردّ الولايات المتحدة فقط”.
ونفت الولايات المتّحدة الاتهامات التي وجّهتها إليها إيران بالتسويف في المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي، مؤكّدة أنّه لا تزال هناك “قضايا عالقة” يتعيّن حلّها من أجل التوصّل لاتّفاق.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين إنّ “فكرة أنّنا أخّرنا هذه المفاوضات بأيّ شكل من الأشكال هي بكلّ بساطة غير صحيحة”.
وزادت حدّة الاعتراضات في الداخل الأميركي بعد أن كشفت الولايات المتحدة مؤخراً النقاب عن مؤامرة لاغتيال المستشار السابق للبيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جون بولتون، حاكها بحسب واشنطن، أحد أفراد الحرس الثوري الإيراني.
وبالنسبة إلى سوزان ديماجيو، الخبيرة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإنّ بلوغ الطرفين الإيراني والأميركي هذه المرحلة المتقدّمة من المفاوضات يعني أنّ كليهما تحلّى بقدر كاف من المرونة.
وقالت إنّ “أيّاً من الطرفين لن يعترف بذلك، لكنّ الحقيقة هي أنّه في مفاوضات مماثلة مع رهانات مماثلة، ولا سيّما بين خصوم، فإنّ تقديم تنازلات صعبة هو السبيل الوحيد للتوصّل إلى اتّفاق”.
وأضافت أنّه “إذا تمكّن كلّ طرف من جعل الأمر يبدو وكأنّه انتصار له، فستكون هناك حظوظ بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيظلّ المسار محفوفاً بالمخاطر”.
إسرائيل والأمتار الأخيرة
لكن إسرائيل غير راضية عن هذا الاتفاق حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إن إبرام اتفاق نووي جديد بين القوى العالمية وإيران سيتيح لدول أخرى تفادي العقوبات ويمنح طهران مئة مليار دولار سنويا للعمل على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
وقال لابيد “اتفاق سيء مطروح على الطاولة الآن. سيمنح إيران مئة مليار دولار سنويا… تُستخدم في زعزعة الاستقرار بالشرق الأوسط ونشر الرعب في أنحاء العالم”. وتنفي إيران التحريض على الإرهاب.
وتابع “الإنهاء الشامل للعقوبات المفروضة على قطاعات مثل البنوك – على المؤسسات المالية المصنفة اليوم على أنها تدعم الإرهاب – يعني أن الإيرانيين لن يواجهوا أي مشكلة على الإطلاق في غسل الأموال… إيران ستساعد الدول الأخرى التي تواجه عقوبات على تفاديها”.
ولم يقدم لابيد تفاصيل عما استند إليه في تحديد مبلغ مئة مليار دولار ولم يعلن عن أسماء الدول التي يمكنها تفادي العقوبات.
ويشير بعض منتقدي مسودة الاتفاق إلى احتمال قيام روسيا، وهي طرف في اتفاق 2015 مع إيران لكنها تخضع الآن لعقوبات غربية شديدة بسبب غزوها لأوكرانيا، بتكثيف المعاملات مع إيران بما يشمل النفط والأسلحة.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن إيران تدريبات لاختبار طائراتها القتالية والاستطلاعية المسيرة، وسط مخاوف أمريكية من احتمال إمداد روسيا بطائرات مسيرة إيرانية الصنع لاستخدامها في غزوها لأوكرانيا.
وإسرائيل ليست طرفا في المفاوضات النووية الجارية. لكن مخاوفها بشأن عدوها اللدود والتهديدات المستترة باتخاذ إجراء عسكري استباقي ضد إيران إذا وصلت الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود جعلت العواصم الغربية تتوخى الحذر.
وتخوض إسرائيل حملة مكثفة لإقناع دول غربية تتقدمها الولايات المتحدة، بالامتناع عن عبور الأمتار الأخيرة الفاصلة عن إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، في وقت بلغت المباحثات بين طهران والقوى الكبرى مرحلة من التسويات والتنازلات يعتقد أنها تجعل التفاهم وشيكا.
وعلى رغم عدم اعترافها رسميا بذلك، يؤكد خبراء أن إسرائيل هي الوحيدة في المنطقة تمتلك ترسانة من الرؤوس النووية. كما اتهمتها طهران خلال الأعوام الماضية، بالوقوف خلف عمليات اغتيال لعلمائها وتخريب منشآتها النووية.
وطرحت الصحافة الإسرائيلية أسئلة بشأن ما اذا كانت الحكومة مقتنعة فعليا بقدرتها على اقناع الغربيين بترك طاولة المفاوضات، أو إنها بدأت تتحضر للتعامل مع فكرة إحياء الاتفاق المعروف رسميا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
.
رابط المصدر: