منتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك-8).. علاقات متنامية وشراكة ممتدة

هايدي الشافعي

 

أصبحت القمة التي تعقد كل ثلاث سنوات حدثًا رئيسيًا في السياسة العالمية منذ افتتاحها، لأنها تحدد اتجاه وشكل العلاقات الصينية الإفريقية في السنوات الثلاث التالية للقمة، ويأتي منتدى التعاون الصيني الإفريقي “فوكاك –8 FOCAC”، الذي استضافته العاصمة السنغالية داكار في الفترة من 28 حتى30 نوفمبر 2021، على مدار ثلاثة أيام، تحت عنوان “تعميق الشراكة بين الصين وإفريقيا، وتعزيز التنمية المستدامة، لبناء مجتمع صيني-إفريقي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد”، ليحدد مسار العلاقات الصينية الإفريقية في وقت بالغ الأهمية بالنسبة للقارة الإفريقية، وسط تحديات اقتصادية واجتماعية قاسية تواجهها دول القارة، تغذيها جائحة (كوفيد-19)، والتغيرات المناخية.

وعلى الرغم من أن المنتدى هذا العام عُقد على المستوى الوزاري، وليس على مستوى القمة كما حدث في عام 2018 في بكين؛ إلا أن عددًا من رؤساء الدول الإفريقية إلى جانب الرئيس الصيني حرصوا على حضور افتتاح المنتدى عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وعلى رأسهم الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية “فيليكس تشيسكيدي” باعتباره رئيس الاتحاد الإفريقي الحالي، إلى جانب رئيس جزر القمر “آزالي”، ورئيس جنوب إفريقيا “رامافوزا”، ورئيس السنغال -الدولة المستضيفة- “ماكي سال”، بالإضافة إلى حضور رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فكي”، والأمين العام للأمم المتحدة “أنطوني غوتيريش”.

إصدار الكتاب الأبيض للتعاون الصيني الإفريقي استعدادًا للمنتدى

قبل منتدى داكار بأيام، وتحديدًا يوم الجمعة 26 نوفمبر، استعدادًا لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، أصدرت الصين أول كتاب أبيض لها حول التعاون الصيني الإفريقي، يوثق نجاحات التعاون الصيني الإفريقي في العصر الجديد، ويقدم منظورًا بشأن التعاون المستقبلي بين الجانبين، وهو أيضًا أول كتاب أبيض يوجز إنجازات الصين في التعاون مع منطقة معينة منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب في عام 2012، وقد حمل الكتاب عنوان “الصين وإفريقيا في العصر الجديد – شراكة متساوية”.

يقدم الكتاب مراجعة منهجية وشاملة للمفهوم الجديد والممارسات الجديدة لفكر “شي جين بينغ” فيما يتعلق بدبلوماسية الصين في إفريقيا، ويوضح الخطوط العريضة لسياسة الصين تجاه إفريقيا، كما حددها الرئيس الصيني وهي: الإخلاص، والنتائج الحقيقية، والصداقة وحسن النية، والسعي لتحقيق الصالح العام والمصالح المشتركة، كشرط أساسي لبناء مجتمع صيني – إفريقي أقوى، له مستقبل مشترك.

بالإضافة لذلك، تناول الكتاب مبادئ التعاون الشامل بين الصين وإفريقيا في العصر الجديد، بما في ذلك الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون الاقتصادي السريع التوسع، والتعاون المتزايد في مجال التنمية الاجتماعية، والتبادلات الشعبية والثقافية، بالإضافة إلى التعاون في مجال السلام والأمن. كما يهدف الكتاب إلى زيادة التفاهم الدولي بشأن التعاون الصيني الإفريقي، وتقديم تجربة الصين ونهجها تجاه العلاقات الدولية.

أجندة فعاليات (فوكاك-8)

تضمنت أجندة منتدى (فوكاك) هذا العام عدة موضوعات، على رأسها متابعة وتقييم تنفيذ نتائج قمة منتدى بكين ٢٠١٨، والتي أعلنت الصين أن معظم هذه النتائج قد تحققت بالفعل، كما سيعمل المنتدى على مناقشة تطور العلاقات الصينية الإفريقية، وفقًا للكتاب الأبيض الذي أصدرته الصين، بالإضافة إلى التنسيق والتشاور فيما يتعلق بالتحديات التي يواجهها الجانبان الصيني والإفريقي، في سبيل التعافي الاقتصادي من تداعيات جائحة كورونا، فضلًا عن التخطيط لاتجاه تنمية العلاقات الصينية الإفريقية في السنوات الثلاث المقبلة وما بعدها.

وعلى العكس من يومه الثاني الذي شهد حضور الرئيس الصيني وعدد من الرؤساء الأفارقة عبر الفيديو، كان افتتاح المنتدى الثامن حول التعاون الصيني الإفريقي يوم الأحد 28 نوفمبر في العاصمة السنغالية داكار، منخفض المستوى إلى حدٍّ ما، حيث التقى ممثلون صينيون وأفارقة كجزء من اجتماع كبار المسئولين، الذي يلعب بشكل فعال دورًا مشابهًا لدور اللجنة المنظمة، حيث اجتمعوا لمناقشة الوثائق النهائية التي تم إصدارها يوم الثلاثاء في نهاية المؤتمر.

كما عُقد على هامش المنتدى في يومه الأول، مؤتمر الأعمال الصيني الإفريقي الذي عُقد في مركز ديامينياديو للمعارض، وعلى الإنترنت مع المشاركين في بكين ومختلف الدول الإفريقية. إلى جانب العديد من اللقاءات الثنائية بين وزير الخارجية الصيني ونظرائه من الأفارقة.

(فوكاك) وتعزيز التجارة والاستثمار بين الصين وإفريقيا

يُعد منتدى التعاون الصيني الإفريقي نموذجًا فاعلًا لأُطر التعاون الإفريقي مع الشركاء الدوليين؛ حيث نمت العلاقات بين الصين وإفريقيا بشكل كبير وازدهرت على مدى العقدين الماضيين، منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2000، والذي يضم 55 عضوًا من بينهم الصين، والدول الإفريقية الـ 53 التي لها علاقات دبلوماسية مع الصين، بالإضافة إلى مفوضية الاتحاد الإفريقي، ويتم استضافته بالتناوب في بكين والعواصم الإفريقية الكبرى.

وعلى مدار دورات انعقاده، استطاعت الصين من خلال “منتدى التعاون الصيني الإفريقي” بناء علاقات قوية مع القادة الأفارقة، والتي سمحت بزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار في القارة. ووفقًا لتقرير الأونكتاد لعام 2021، تُعد الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا، والمزود الأول لتمويل البنية التحتية، ولا يقتصر تعاونها على المجالات الاقتصادية والتجارية، بل يشمل العديد من المجالات منها الثقافة والتعليم العالي وغيرهم، بالإضافة إلى التعاون في مجال السلم والأمن، وهو ما أكد عليه الكتاب الأبيض الصيني، في استعراضه لمجالات التعاون الإفريقية الصينية. وفيما يلي توضيح لأبرز هذه المجالات، وكيف ساهم منتدى التعاون الصيني الإفريقي في تعزيزها:

  • العلاقات التجارية:

أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا منذ عام 2009 ولمدة 12 عامًا، حيث زادت التدفقات التجارية بين الصين وإفريقيا بشكل مطرد، وبلغت قيمة التجارة بين الصين وإفريقيا في عام 2020 (187) مليار دولار، وفقًا لبيانات الكتاب الأبيض الصيني، بينما وصلت القيمة إلى 185.2 مليار دولار خلال التسعة شهور الأولى من عام 2021، بزيادة 38.2% عن الفترة نفسها من عام 2020، وتمثل المنتجات الميكانيكية والكهربائية ومنتجات التكنولوجيا الفائقة أكثر من 50% من إجمالي واردات إفريقيا من الصين. وتجدر الإشارة إلى أن الصين وقعت مع موريشيوس اتفاقية تجارة حرة (FTA)، أصبحت سارية في 1 يناير 2021، والتي تعتبر أول اتفاقية للتجارة الحرة بين الصين ودولة إفريقية، ومن المنتظر أن يشهد حجم التبادلات التجارية بين الصين ودول القارة الإفريقية زيادة خلال الفترة القادمة وفقًا لخطة عمل داكار.

  • المساعدات الإنمائية:

بلغ إجمالي المساعدات الخارجية الصينية في الفترة من 2013 إلى 2018 حوالي 270 مليار يوان، ذهب 45% من هذه المساعدات إلى البلدان الإفريقية في شكل منح وقروض بدون فوائد، وقروض ميسرة. وخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2020، ساعدت الصين البلدان الإفريقية في بناء أكثر من 13000 كلم من الطرق والسكك الحديدية وأكثر من 80 منشأة طاقة كبيرة الحجم، ومولت أكثر من 130 منشأة طبية و45 مكانًا رياضيًا وأكثر من 170 مدرسة، كما قامت بتدريب أكثر من 160 ألف موظف لإفريقيا، وبنت سلسلة من المشاريع الرائدة بما في ذلك مركز مؤتمرات الاتحاد الإفريقي.

  • الاستثمارات:

تُعد الصين أيضًا أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، فقد ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني إلى القارة من 75 مليون دولار في عام 2003 إلى 4.2 مليارات دولار في عام 2020. علاوة على ذلك، بلغ الاستثمار الصيني المباشر في إفريقيا 2.59 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، بزيادة 9.9 % على أساس سنوي.

وفي سياق متصل، منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني-الإفريقي في عام 2000، قامت الشركات الصينية ببناء وتطوير أكثر من 10 آلاف كم من السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كم من الطرق السريعة في جميع أنحاء إفريقيا، وخلقت إجمالي أكثر من 4.5 ملايين فرصة عمل، وقرابة 20 ميناء وأكثر من 80 منشأة طاقة رئيسية، واستحوذت المشاريع التي نفذتها الشركات الصينية على 31.4 في المائة من جميع مشاريع البنية التحتية في القارة الإفريقية في عام 2020، وبذلك تعد الصين المزود الأول لتمويل البنية التحتية في إفريقيا.

  • التعاون في مجال السلم والأمن:

منذ أن شاركت الصين لأول مرة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 1990، تم نشر أكثر من 80% من قوات حفظ السلام التابعة لها في إفريقيا، حيث تم إرسال أكثر من 30 ألف جندي حفظ سلام صيني إلى إفريقيا لأداء مهام في 17 منطقة لحفظ السلام، يقوم أكثر من 1800 جندي حفظ سلام حاليًا بمهام في خمس من هذه المناطق، هي: مالي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأبيي، وجنوب السودان، والصحراء الغربية.

وفيما يتعلق بتعزيز قدرات إنفاذ القانون في البلدان الإفريقية، دربت الصين منذ عام 2018 أكثر من 2000 من ضباط إنفاذ القانون الإفريقيين، وقدمت إمدادات للشرطة، كما أرسلت شرطة حفظ سلام إلى مناطق البعثات الإفريقية تحت رعاية الأمم المتحدة، وتعاونت في التعامل مع القضايا الجنائية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتبادل الخبرات والعمليات المشتركة في إطار الإنتربول.

ومنذ عام 2019، شاركت الصين في استضافة الحوار حول تنفيذ مبادرة السلام والأمن بين الصين وإفريقيا، والمنتدى الصيني الإفريقي الأول للدفاع والأمن، ومؤتمر الطب العسكري، كما شاركت بنشاط في المؤتمرات أو المنتديات الهامة التي عقدتها البلدان الإفريقية في المجالات ذات الصلة، هذا إلى جانب إنشاء الصين لمركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات، الذي تستضيفه القاهرة.

  • التعاون في المجال الصحي:

دعمت الصين الدول الإفريقية في تحسين قدراتها في مجال الصحة بشكل عام، فعلى مدار الـ 58 عامًا الماضية، أرسلت الصين ما مجموعه 23000 من أعضاء الفريق الطبي إلى إفريقيا، الذين عالجوا 230 مليون مريض، وساعدت في تدريب 20 ألف عامل طبي إفريقي، كما ساعدت 18 دولة إفريقية على إنشاء 20 مركزًا في تخصصات طبية مختلفة، تغطي أمراض القلب وطب الرعاية الحرجة والصدمات والتنظير الداخلي، وتم إنشاء آليات تعاون ثنائية بين الجانب الصيني و45 مستشفى في 40 دولة إفريقية، هذا إلى جانب الدور الذي لعبته الصين منذ عام 2014، في مساعدة الدول الإفريقية للتصدي لوباء إيبولا، فضلًا عن دورها في بناء المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (Africa-CDC)، والذي تعهدت به في قمة بكين 2018.

وبعد تفشي وباء (كوفيد-19) في إفريقيا أخذت الصين زمام المبادرة في المساعدات، حيث أرسلت خبراء طبيين لمكافحة الوباء إلى ١٥ دولة إفريقية، وقدمت إمدادات طارئة لمكافحة الوباء إلى 53 دولة إفريقية، بما في ذلك 120 دفعة من كواشف الاختبار، ومعدات الحماية، والأقنعة، وأدوات حماية العين وأجهزة التهوية، كما تم التعاون مع ٤٣ مستشفى في ٣٨ دولة، بالإضافة إلى توفير اللقاحات لأكثر من ٥٠ دولة وللاتحاد الإفريقي من خلال المساعدات والصادرات التجارية، حيث قدمت الصين نحو 180 مليون جرعة لقاح لإفريقيا حتى أكتوبر 2021، فضلًا عن الاتفاق بين مصر والصين لإنشاء مركز إقليمي لتصنيع اللقاح في مصر، وبالتالي نقل التكنولوجيا الخاصة بتوزيع اللقاحات إلى القارة الإفريقية.

أبرز مخرجات منتدى (فوكاك-8)

تمثلت أبرز مخرجات منتدى (فوكاك-8) في إعلان خطة عمل داكار، وهي الإطار الذي سينظم العلاقات بين القارة والصين على مدى السنوات الثلاث المقبلة (2022-2024)، بالإضافة إلى رؤية 2035 للتعاون الصيني الإفريقي، وإعلان الصين وإفريقيا بشأن تغير المناخ، فضلًا عن الإعلان الخاص بالمؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي. على أن تكون هذه الوثائق، بمجرد اعتمادها، بمثابة إطار للعمل المشترك نحو الهدف المنشود المتمثل في ضمان الرخاء الشامل من خلال تنمية إفريقيا.

  • إعلان داكار للمؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي:

اختتمت القمة الإفريقية الصينية بـ”إعلان داكار”، الذي أكد على تمسك الصين وإفريقيا بمبادئ عدم الإضرار والتزام الوئام والإخلاص والمساواة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، والصداقة وحسن النية، ومبدأ السعي وراء الأفضل، ببراجماتية وكفاءة، ودعوتهم جميع الدول للعمل معًا لتعزيز المصالح المشتركة، وبناء عالم مفتوح وشامل ونظيف وصديق للبيئة ومستدام يعمه السلام الدائم والأمن العالمي والازدهار المشترك، كما أكد الإعلان على امتناع الصين عن التدخل في سعي البلدان الإفريقية لتبني مسار تنموي يتكيف مع ظروفها الوطنية، أو التدخل في شئونها الداخلية، أو فرض إرادتها على إفريقيا، أو ربط مساعدتها لإفريقيا بشروط سياسية، أو السعي وراء المصالح السياسية في تعاونها مع إفريقيا في مسائل الاستثمار والتمويل.

  • رؤية 2035 للتعاون الصيني-الإفريقي:

إلى جانب إعلان داكار، اعتمد المنتدى وثيقة “رؤية 2035 للتعاون الصيني الإفريقي”، والتي تنص على العمل المشترك لخلق النمو الأخضر وإرساء نموذج تنموي يتلاءم مع المتطلبات البيئية، والارتقاء المشترك بمستوى رفاهية الشعوب الصينية والإفريقية إلى مستوى جديد بهدف تحقيق الازدهار للجميع، بما يتوافق مع أهداف وأولويات أجندة إفريقيا 2063، واستراتيجية الحزام والطريق الصينية.

  • إعلان الصين وإفريقيا بشأن تغير المناخ:

وفيما يتعلق بمكافحة التغيرات المناخية، اتفقت الصين وإفريقيا على العمل لتسريع تنفيذ المشاريع المبرمة بشأن تغيرات المناخ، والمضي قدمًا في تشييد مناطق مرجعية تحترم خفض انبعاثات الكربون والغازات المسببة للاحتباس الحراري، كما ستنظم الصين وإفريقيا منتدى رفيع المستوى بشأن تغير المناخ في إطار التعاون بين بلدان الجنوب ومبادرة الحزام والطريق.

  • خطة عمل داكار (2022-2024):

دفع الوباء الدول الإفريقية إلى إعادة صياغة أولويات القارة في السنوات المقبلة، ووضع قضايا مثل: البنية التحتية، والرقمنة، والتكامل الصحي، على رأس هذه الأولويات، مما فرض على شركاء القارة تبني مشروعات تلبي تطلعات الدول الإفريقية لتحقيق أولوياتهم القارية، وهو ما التقطته الصين سريعًا، وصاغت بناء عليه خطتها التنفيذية للسنوات الثلاث المقبلة مع إفريقيا، بما يحقق المصالح المشتركة للجانبين، حيث أعلن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” خلال كلمته التي ألقاها أمام المنتدى عبر الفيديو كونفرانس، سلسلة من الإجراءات والمشاريع لتعزيز التعاون الصيني الإفريقي في تسع مجالات رئيسية، في إطار الخطة الثلاثية (2022-2024)، والتي تعد أهم مخرجات قمة داكار، لما تتضمنه من مشروعات وخطوات تنفيذية تحدد اتجاه علاقات الصين مع إفريقيا حتى عام 2024، في تسع مجالات رئيسية.

ففي المجال الصحي، تعهدت الصين بتقديم مليار جرعة اضافية من لقاحات كوفيد19 لإفريقيا، للمساعدة في تحقيق هدف الاتحاد الإفريقي المتمثل في تطعيم 60 في المائة من سكان إفريقيا بحلول عام 2022، على أن تكون 600 مليون جرعة منهم في شكل تبرعات، بينما سيتم تقديم 400 مليون جرعة من خلال وسائل أخرى مثل الإنتاج المشترك من قبل الشركات الصينية والدول الإفريقية ذات الصلة، كما ستنفذ الصين 10 مشروعات طبية وصحية للدول الإفريقية، وترسل 1500 فرد طبي وخبير صحة عامة إلى إفريقيا. وفي مجال الزراعة والحد من الفقر، تعهدت الصين بإرسال 500 خبير زراعي إلى إفريقيا، وتنفيذ 10 مشاريع زراعية للحد من الفقر في إفريقيا، كما ستدعم الصين تحالف الشركات الصينية في إفريقيا لإطلاق مبادرة “100 شركة في 1000 قرية”، فضلًا عن فتح “ممرات خضراء” للصادرات الزراعية الإفريقية إلى الصين.

أما بالنسبة للتعاون التجاري، وسط دعوات من الدول الإفريقية لتكون التجارة بين الصين وإفريقيا أكثر توازنًا، أعلنت الصين أنها ستزيد من نطاق المنتجات التي تتمتع بمعاملة صفرية للتعريفات الجمركية للدول الاقل نموا التي لها علاقات دبلوماسية مع الصين، ومنهم الدول الإفريقية، في محاولة لتصل إلى 300 مليار دولار أمريكي من إجمالي الواردات من إفريقيا في السنوات الثلاث القادمة، ولدفع مزيد من الصادرات الإفريقية، ستقدم الصين 10 مليارات دولار أمريكي لتمويل التجارة في إطار مبادرة دعم الصادرات الإفريقية، كما تعهدت بتنفيذ 10 مشروعات ربط لإفريقيا، للتغلب على تحديات البنية التحتية. وبخصوص زيادة الاستثمار، أعلنت الصين نيتها استثمار ما لا يقل عن 10 مليار دولار أمريكي في إفريقيا خلال السنوات الثلاث القادمة، بالإضافة إلى تنفيذ 10 مشروعات لتعزيز التصنيع في إفريقيا، وتقديم تسهيلات ائتمانية بقيمة 10 مليار دولار للمؤسسات المالية الإفريقية، وتدعم تنمية الشركات الإفريقية الصغيرة والمتوسطة الحجم على أساس الأولوية.

وعلى صعيد الابتكار الرقمي، ستشهد السنوات الثلاث المقبلة تنفيذ 10 مشروعات صينية لصالح الاقتصاد الرقمي لإفريقيا، وإنشاء مراكز للتعاون الصيني الإفريقي في تطبيقات الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية، ودعم تطوير المختبرات الصينية الإفريقية المشتركة، والمعاهد الشريكة، وقواعد التعاون في الابتكار العلمي والتكنولوجي. كما كانت التنمية الخضراء أحد الموضوعات الرئيسية التي باتت تشغل حيز واسع في المناقشات العالمية، نظرا للتداعيات الكبيرة للتغيرات المناخية، وفي هذا الصدد أعلنت الصين سعيها لتنفيذ 10 مشروعات للتنمية الخضراء وحماية البيئة والعمل المناخي لإفريقيا، ودعمها لتطوير “السور الأخضر العظيم”، وبناء مراكز للتنمية منخفضة الكربون والتكيف مع تغير المناخ في إفريقيا.

وفيما يتعلق ببناء القدرات، ستساعد الصين في بناء أو تطوير 10 مدارس في إفريقيا، وستدعو 10 آلاف من المتخصصين الأفارقة رفيعي المستوى إلى الندوات وورش العمل، كما ستشجع الصين الشركات الصينية في إفريقيا على خلق 800 ألف فرصة عمل محلية على الأقل. وعلى المستوى الثقافي أبدت الصين استعدادها لدعم جميع الدول الإفريقية التي لها علاقات دبلوماسية لتصبح دول مقصد للمواطنين الصينيين لتنظيم مجموعات للسياحة الخارجية، إقامة مهرجان الفيلم الإفريقي بالصين ومهرجان السينما الصينية بإفريقيا، كما سيعقد منتدى خدمة الشباب الصيني الإفريقي ومنتدى المرأة الصيني الإفريقي. وفي مجال السلام والأمن، ستواصل الصين تقديم المساعدة العسكرية للاتحاد الإفريقي، ودعم الدول الإفريقية في جهودها المستقلة للحفاظ على الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وإجراء تدريبات مشتركة، وتدريب في الموقع، وتدريبات صغيرة، فضلًا عن التعاون في السيطرة على الأسلحة والأسلحة الخفيفة بين الصين وإفريقيا.

على كلٍ، لم تبتعد خطة عمل داكار(2022- 2024)، بمجالاتها التسع، كثيرًا عن خطة بكين (2019- 2021)، سوى في المتغيرات الطارئة التي فرضتها ظروف انتشار جائحة كورونا، ولكن على الرغم من التفاؤل الذي تحمله خطة عمل داكار الذي تم إعلانها في (فوكاك-8)، وتحديدًا ما يخص إعلان الصين تقديم مليار جرعة إضافية من لقاحات كورونا إلى دول القارة الإفريقية، وما يمكن أن يحدثه ذلك من طفرة في تقليل فجوة التطعيمات بين سكان القارة وباقي العالم، ويحسن من كفاءة الاقتصادات الإفريقية في مواجهة تداعيات الوباء، إلا أن الصين في المقابل خفضت حجم الأموال التي ستزود بها إفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة بمقدار الثلث عن القيمة التي كانت تزود بها إفريقيا منذ عام 2015، حيث تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتقديم 40 مليار دولار للدول الإفريقية في مجالات الاستثمار وخطوط الائتمان وتمويل التجارة وحقوق السحب الخاصة، في حين أن هذا يمثل اقتطاعًا من مبلغ 60 مليار دولار الذي تم التعهد به في قمتي فوكاك السابقتين 2015 و2018.

وفي هذا السياق، يبدو أن التخفيض في التمويل المقترح يشير إلى تنامي حذر بكين بشأن مديونية القارة، حيث يصنف صندوق النقد الدولي أكثر من 20 دولة إفريقية على أنها معرضة لخطر كبير من ضائقة الديون أو هي في ضائقة ديون بالفعل، وعلى الرغم من بوادر الحذر، لا تزال الصين أكبر مقرض ثنائي لأفقر دول العالم، بما في ذلك العديد من الدول الإفريقية، حيث تستأثر الصين بحوالي خمس إجمالي ديون دول إفريقيا جنوب الصحراء. من جهة أخرى، قد يرجع مقدار التخفيض في التمويل الموجه إلى إفريقيا إلى الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها الصين، جراء أزمة الطاقة، والتي دفعت مؤسسة “نومورا” إلى تخفيض توقعات النمو الاقتصادي للصين في الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2021، إلى 3% بدلا من 4.4%.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/17778/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M