براهما تشيلاني
نيودلهي ــ إن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19)، مثلها في ذلك كمثل حرب عظمى، تشكل لحظة حاسمة للعالم أجمع ــ لحظة تتطلب إصلاحات كبرى للمؤسسات الدولية. وربما يكون من المناسب البدء بمنظمة الصحة العالمية، التي تلقت مصداقيتها ضربات شديدة مؤخرا.
الواقع أن منظمة الصحة العالمية هي المؤسسة الوحيدة التي يمكنها توفير القيادة في مجال الصحة العالمية. ولكن في وقت عندما كانت الحاجة ماسة إلى مثل هذه القيادة، كان فشل المنظمة ذريعا. فقبل أن تعلن في وقت متأخر أن فاشية مرض فيروس كورونا 2019 تندرج تحت فئة الجائحة في الحادي عشر من مارس/آذار، قدمت منظمة الصحة العالمية إرشادات متضاربة ومربكة. وكان التصرف الأكثر ضررا هو أنها ساعدت الصين، حيث نشأت الأزمة، على تغطية آثارها.
بات من المعترف به على نطاق واسع الآن أن ثقافة السرية السياسية في الصين ساعدت في تحويل فاشية فيروسية محلية إلى الكارثة العالمية الأعظم في عصرنا. فبدلا من دق نواقيس الخطر عندما جرى اكتشاف فيروس كورونا المستجد في ووهان، تَـكَـتَّـم الحزب الشيوعي الصيني على الفاشية، مما سمح لها بالانتشار بعيدا وعلى نطاق واسع. بعد مرور أشهر، تواصل الصين إثارة الشكوك حول منشأ الجائحة وحجب بيانات ربما تكون منقذة لحياة البشر.
كانت منظمة الصحة العالمية ضالعة في هذا الخداع. فبدلا من محاولة التحقق من الادعاءات الصينية بشكل مستقل، أخذت منظمة الصحة العالمية بظاهر هذه الادعاءات واعتبرتها صادقة ــ ونشرتها على العالم.
في منتصف يناير/كانون الثاني، أعلنت منظمة الصحة العالمية على موقع تويتر أن التحقيقات التي أجرتها السلطات الصينية لم تجد دليلا واضحا على انتقال الفيروس من البشر إلى البشر. وكانت المنظمة تجاهلت تحذيرا تايوانيا في الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول بأن مثل هذا الانتقال ربما يحدث بالفعل في ووهان، برغم أن هذه المعلومات كانت كافية لإقناع السلطات التايوانية ــ التي ربما تكون معلوماتها عن الصين أفضل كثيرا من أي جهة أخرى ــ باتخاذ التدابير الوقائية في الداخل مؤسسيا قبل أي دولة أخرى، بما في ذلك الصين.
دَفَـع نشر منظمة الصحة العالمية لرواية الصين الدول الأخرى إلى الشعور بالرضا والارتياح بدرجة خطيرة، مما أفضى إلى تأخير استجاباتها لأسابيع. الواقع أن منظمة الصحة العالمية عملت بنشاط على تثبيط أي رغبة في التحرك. في العاشر من يناير/كانون الثاني، بعد أن تمكنت الفاشية من ووهان، قالت منظمة الصحة العالمية إنها “لا توصي بفرض أي تدابير صحية بعينها على المسافرين إلى ووهان ومنها”، وأضافت أن “الفحص عند الدخول لا يجدي نفعا إلا قليلا”. كما نصحت “ضد تطبيق أي قيود خاصة بالسفر أو التجارة على الصين”.
وحتى بعد تأكيد أشهر اختصاصي في أمراض الرئة في الصين، تشونج نان شان، على انتقال العدوى بين البشر في العشرين من يناير، واصلت منظمة الصحة العالمية تقويض الاستجابات الفعّالة من خلال التهوين من خطر انتقال العدوى دون ظهور أعراض وتثبيط فكرة إجراء الاختبارات على نطاق واسع. من ناحية أخرى، كانت الصين تخزن معدات الحماية الشخصية ــ فقلصت الصادرات من معدات الوقاية الشخصية الصينية الصنع وغيرها من المعدات الطبية واستوردت البقية من المعروض العالمي. وفي الأسبوع الأخير من يناير/كانون الثاني، استوردت الصين 56 مليون جهاز لمساعدة التنفس وقناع، وفقا لبيانات رسمية.
بحلول الوقت الذي وصفت في منظمة الصحة العالمية الوباء أخيرا بأنه حالة طوارئ للصحة العامة في الثلاثين من يناير/كانون الثاني، كان المسافرون من الصين حملوا بالفعل فيروس كورونا المستجد إلى أركان نائية من العالم، بما في ذلك أستراليا، والبرازيل، وفرنسا، وألمانيا. ومع ذلك، عندما فرضت أستراليا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة القيود على السفر من الصين، انتقد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس الإجراءات صراحة، بحجة أنها تزيد من تعظيم حالة “الخوف ووصمة العار” في حين لا تعود بفائدة كبيرة على الصحة العامة.
في ذات الوقت، امتدح تيدروس “القيادة الشديدة الندرة” التي قدمها الرئيس الصيني شي جين بينج، و”شفافية” الصين. كان الانحياز شديد الوضوح حتى أن نائب رئيس الوزراء الياباني تارو آسو صَـرَّح مؤخرا بأن كثيرين يرون أن منظمة الصحة العالمية (WHO) تبدو أقرب شبها إلى “منظمة الصحة الصينية” (CHO).
مع ذلك، وعلى الرغم من مظاهر الاحترام المتكررة التي أبدتها منظمة الصحة العالمية للصين، لم تسمح السلطات هناك لفريق من المنظمة بزيارتها حتى منتصف شهر فبراير/شباط. وقد سُـمِـح لثلاثة فقط من أعضاء الفريق المكون من 12 فردا بزيارة ووهان، ولكن لم يُـسـمَـح لأحد بالدخول إلى معهد ووهان لعلوم الفيروسات، وهو المختبر العالي الاحتواء الذي يُـشـاع أن نوعا طبيعيا من فيروسات كورونا مشتقا من الخفافيش هرب منه. الواقع أن دراسة أجريت في جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا في قوانجتشو، بدعم من المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين، خلصت في شهر فبراير/شباط إلى أن “فيروس كورونا القاتل ربما نشأ في أحد المختبرات في ووهان” كان يعمل على دراسة فيروسات كورونا في الخفافيش.
الحق أن الصين لم تحظ دوما بمعاملة مُـجَـامِلة على هذا النحو من منظمة الصحة العالمية. فعندما نشأت أول جائحة في القرن الحادي والعشرين ــ متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) ــ في الصين في عام 2002، وبخت المنظمة السلطات الصينية علنا لأنها أخفت معلومات مهمة في إطار ما تبين لاحقا أنها كانت عملية تغطية باهظة التكاليف.
لماذا غيرت منظمة الصحة العالمية نبرتها؟ الإجابة ليست المال: فالصين تظل مساهما صغيرا نسبيا في ميزانية منظمة الصحة العالمية البالغة 6 مليارات دولار. القضية إذن هي قيادة منظمة الصحة العالمية.
الواقع أن تيدروس، الذين أصبح أول رئيس غير طبيب للمنظمة في عام 2017، بدعم من الصين، اتُّـهِم بالتستر على ثلاث فاشيات كوليرا عندما كان وزيرا للصحة في إثيوبيا. ومع ذلك، فإن قِلة من الناس كانوا ليتخيلوا أن هذا الباحث في مجال علم الأحياء الدقيقة والملاريا، قد يكون متواطئا، بصفته رئيسا لمنظمة الصحة العالمية، في هذا الخداع الصيني القاتل.
أبرزت استجابة منظمة الصحة العالمية المتعثرة لفاشية أيبولا في عام 2014 حتمية الإصلاح قبل أن يصبح تيدروس على رأس المنظمة. ولكن بدلا من الإشراف على التغييرات المطلوبة، سمح تيدروس بتغليب اعتبارات سياسية على الصحة العامة.
مع استمرار تكاليف سوء الإدارة في الارتفاع، بات الحساب حتميا. حشدت عريضة على الإنترنت تدعو إلى استقالة تيدروس ما يقرب من المليون من الموقعين. الحدث الأكثر تأثيرا هو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب قررت تعليق التمويل الأميركي لمنظمة الصحة العالمية، والذي يمثل نحو 9.2% من ميزانيتها.
لا شك أن العالم يحتاج إلى منظمة الصحة العالمية. ولكن إذا كان لهذه الهيئة أن تقود السياسة الصحية الدولية وتستجيب للفاشيات الـمَـرَضية بفاعلية، فيتعين عليها أن تطبق إصلاحات عميقة تهدف إلى توسيع نطاق اختصاصها وسلطاتها. ولن يحدث هذا ما لم تعمل منظمة الصحة العالمية على إعادة بناء مصداقيتها بدءا بالاستعانة بقيادة جديدة.
رابط المصدر: