عاصفة كاملة تختمر على جبهة السياسة الخارجية للرئيس”جو بايدن” بسبب قرار منظمة “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا أو ما يعادل 2% من العرض العالمي بدًا من نوفمبر، مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الوقود للمستهلك المحلي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس من جهة، وفضح أولويات السياسة الخارجية غير المتوازنة لإدارة بايدن التي فقدت نفوذها لدى مجموعة الدول المنتجة للنفط من جهة أخرى، ما خلق تناقضًا واضحًا بين مصالح الولايات المتحدة ومصالح الدول المنتجة للنفط، من خلال محاولة إحياء قانون “نوبك”.
تجاهلت إدارة بايدن الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط وأعادت توجيه سياستها الخارجية بعيدًا عنه وعن قضاياه الملحة، وتجاهلت الأهمية الاقتصادية والسياسية للنفط الذي سيظل مصدر الطاقة المهيمن في جميع أنحاء العالم. بعد أن أدرك الغرب مبكرًا ضرورة الحفاظ على علاقات دبلوماسية جيدة مع الدول المنتجة للنفط، لكن بايدن ألقى الحذر في مهب الريح من خلال وصف المملكة العربية السعودية بأنها دولة “منبوذة” بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. ما أدى إلى تراجع العلاقات بين القوة النفطية في الشرق الأوسط وواشنطن إلى أدنى مستوياتها في العصر الحديث.
منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، رفضت الإمارات والسعودية طلب بايدن زيادة إنتاج النفط، ورفض قادة البلدين الرد على اتصالات الرئيس الأمريكي الهاتفية. وفي يوليو، قرر بايدن إجراء أولى جولاته إلى الشرق الأوسط شملت إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ونفى أن يكون الهدف من الزيارة مطالبة الرياض بزيادة إنتاج النفط. ولكن التحليلات والقراءات حينها أكدت أن ذلك كان الهدف الوحيد للسيطرة على أسعار الوقود التي كانت مرتفعة في ذلك الوقت. وبعد أيام من الزيارة، وافقت أوبك بلس على زيادة متواضعة في الإنتاج تبلغ 100 ألف برميل.
ثم، شهدت الأيام القليلة الماضية بعض التطورات المثيرة للاهتمام: أولا، سافر مبعوثون من البيت الأبيض إلى المملكة العربية السعودية لمناشدة المملكة عدم تخفيض إنتاج النفط. ثانيًا، قررت مجموعة الدول المصدرة للبترول (أوبك بلس) المكونة من 23 عضوًا خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا بدءا من نوفمبر. ثالثًا، قوبل قرار أوبك بلس بعاصفة نقد من الولايات المتحدة كما كان متوقعًا، وأعرب الرئيس الأمريكي، عن “خيبة أمله” من القرار، ودعا كبار المشرعين الأمريكيين إلى اتخاذ خطوات صارمة ضد المملكة العربية السعودية، محذرًا إياها من مواجهة “عواقب” لم يحددها.
أكد المسؤولون والمعلقون السعوديون أن تصرف المملكة كان يهدف إلى الحفاظ على توازن الأسواق، وأن خفض الإنتاج لم يكن مقصودًا به أن يكون ضربة لبايدن، وأرسلوا أوراقًا ورسومًا بيانية إلى مسؤولي الإدارة لتبرير ذلك. ومع انخفاض سعر النفط إلى ما دون الـ80 دولارًا للبرميل في الأيام الأخيرة، فقد أخبر السعوديون المسؤولين الأمريكيين بأنهم قلقون من أن ينزلق أكثر إلى السبعينيات وربما الستينيات، ما يجعل ميزانيتهم المعتمدة على الطاقة غير مستدامة. ورفض المسؤولون السعوديون فكرة أن قرار أوبك بلس ينطوي على أي عدوان تجاه الولايات المتحدة أو المستهلكين الآخرين، ودافعوا عن هذه الخطوة بوصفها مدفوعة باعتبارات اقتصادية، ورفضوا اتهامات البيت الأبيض بأن أوبك بلس “متحالفة مع روسيا”.
ويرى مسؤولو أوبك إن إدارة بايدن هي من أشعلت الشرارة الأولى للخلاف من خلال تعهدها بـ “الانتقال من النفط” والدخول في عصر جديد للطاقة النظيفة، بينما تعتمد في الوقت نفسه على أوبك للحفاظ على أسعار النفط منخفضة. فمن وجهة نظر أوبك، بدأت واشنطن أيضًا التدخل في أسواقها، فقد كان قرار إدارة بايدن بالبدء في تحرير النفط الخام من مخزونها النفطي الطارئ العام الماضي لكبح الأسعار مصدر قلق لأعضاء أوبك الذين اعتقدوا أنهم يلتزمون بالوفاء بخطة محسوبة لاستعادة إمدادات النفط تدريجيًا مع تعافي الاقتصاد العالمي من الوباء، وأن هذا القرار يأتي في ضوء عدم اليقين الذي يحيط بآفاق الاقتصاد العالمي وسوق النفط، والحاجة إلى تعزيز التوجيه طويل المدى لسوق النفط.
وفي بادرة استياء أولية، قرر بايدن مراجعة العلاقة مع المملكة بعد يوم من دعوة السيناتور بوب مينينديز، الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية، إلى تجميد فوري لـ”جميع جوانب تعاوننا مع السعودية”، وتعهده باستخدام نفوذه لمنع مبيعات الأسلحة في المستقبل. وأبلغت إدارة بايدن السعوديين بأنها لن تشارك في اجتماع مجدول لمجموعة عمل إقليمية مخصصة للدفاع ضد الضربات الجوية الإيرانية المحتملة، على الرغم من إعادة تحديد موعد الجلسة.
في المقابل، حذر بعض المحاربين القدامى في السياسة الخارجية بايدن من اتخاذ إجراء صارم يعاقب السعودية التي طالما كانت حليفة للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب ومواجهة إيران في المنطقة. وقال مارتن إنديك، الدبلوماسي السابق في الشرق الأوسط والعضو في مجلس العلاقات الخارجية: “يجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى اتفاق استراتيجي جديد مع السعودية بدلًا من الطلاق. نحن بحاجة إلى قيادة سعودية أكثر مسؤولية عندما يتعلق الأمر بإنتاج النفط والسلوك الإقليمي. إنهم بحاجة إلى فهم أمني أمريكي أكثر موثوقية للتعامل مع التهديدات التي يواجهونها. يجب أن يتراجع كلانا عن حافة الهاوية”.
وتواصل السجال بين البلدين، إذ أعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان عن “رفضها التام” لهذه المزاعم “التي لا تستند إلى حقائق”. وقالت الوزارة أيضا إن السعودية: “لا تقبل الاملاءات وترفض أي تصرفات أو مساع لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الاسواق البترولية”.
هل واشنطن قادرة على إحياء مشروع قانون “نوبك”
في ضوء التطورات الأخيرة وقرار أوبك بلس بشأن إنتاج النفط، هددت الإدارة الأمريكية بدعم من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين إحياء قانون NOPEC الذي يستهدف كل مجموعة أوبك من خلال قوانين مكافحة الاحتكار، والذي من خلاله يتم منح السلطات الفيدرالية، وفي المقام الأول وزارة العدل الأمريكية، الحق في رفع دعاوى ضد الاحتكار بحق أعضاء أوبك بلس من خلال النظام القضائي الوطني والشركاء الدوليين للكارتل. ويجعل منظمة أوبك عرضة للعقوبات حالة ثبت تواطؤها في زيادة الأسعار. وسيلغي مشروع القانون الحصانة السيادية التي تحمي أعضاء أوبك والدول المنتجة للنفط الحليفة من دعاوى مكافحة الاحتكار.
وقد مررت اللجنة القضائية التابعة للكونجرس في مايو الماضي مشروع قانون “نوبك” ضد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط. وبينت اللجنة أن السلوك المناهض للمنافسة من جانب “أوبك” وشركائها للتلاعب بأسعار النفط يضر المستهلكين الأمريكيين بشكل مباشر. وبالتالي من شأن التشريع المقدم من الحزبين الرئيسين تغيير قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي “أوبك” وشركات النفط الحكومية في دولها الأعضاء منذ فترة طويلة، من الدعاوى القضائية.
كان أغلب المراقبين يرون أن الهدف من تمرير لجنة مجلس الشيوخ مشروع قانون “نوبك” هو استخدامه كورقة ضغط على الدول المنتجة للنفط، وبخاصة السعودية، بغرض زيادة الإنتاج والسيطرة على الأسعار، خصوصًا أن إدارة بايدن تواجه مأزقًا اقتصاديًا خطيرًا قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، والتي قد يفقد فيها الديمقراطيون أغلبيتهم الهشة لصالح الجمهوريين، ما يعني أن بايدن سيكون مقيد اليدين خلال ما تبقى من فترة رئاسته الأولى.
ويوصف قانون “نوبك” بالسلاح النووي لما له من تأثير هائل يتراوح بين إقرار عقوبة صغيرة إلى الاستيلاء على جميع الأصول. لذا تشير التقديرات إلى أن إقرار لجنة في مجلس الشيوخ لمشروع “نوبك” يعد مناورة سياسية تهدف إلى تهدئة الأوضاع في الشارع الأمريكي بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة، خاصة أن تداعياته السلبية ستطال قطاعات اقتصادية أخرى في الولايات المتحدة بما في ذلك قطاع النفط والغاز. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن “الإدارة الأمريكية لديها مخاوف من التداعيات المحتملة والعواقب غير المقصودة للتشريع، لا سيما في ظل أزمة أوكرانيا. وأن البيت الأبيض يدرس مشروع القانون”.
تكشف هذه التصريحات أن مشروع القانون يواجه خلافات صعبة، وسط مخاوف بشأن التداعيات الدبلوماسية المتوقعة حال إقراره. فقد لازم الفشل “نوبك” في الكونجرس على مدى أكثر من عقدين، ففي 2007، وقفت له إدارة جورج دبليو بوش بالمرصاد، وفي عهد دونالد ترمب تعثر القانون مرة أخرى. فقد أعطت الإدارات الأمريكية المتعاقبة وزنًا أكبر للعلاقات الدبلوماسية مع الرياض ومنعت هذه الخطوة.
هذا بجانب أن القانون ما زال يحظى بمعارضة شديدة من لوبي البترول الأمريكي (معهد البترول) وغيره من المنظمات التي عارضته؛ نظرًا إلى استفادتها من تقييد أوبك إنتاجها والحفاظ على الأسعار مرتفعة، فيما قد يعرض تطبيقه منتجي النفط والغاز في الداخل الأمريكي لنتائج سلبية قد تصل إلى حد الإفلاس وعدم استقرار إمدادات النفط في الولايات المتحدة مع عودتها إلى الدائرة السابقة تحت رحمة أوبك وخسارة ما حققته من التأثير في الأسواق النفطية.
هذا إلى جانب أن السعودية هددت في عام 2019 ببيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار إذا ما أقرت واشنطن نسخة سابقة من “نوبك”. ومن شأن ذلك تقويض وضع الدولار كعملة الاحتياطي الرئيسة في العالم، ما يخفض من نفوذ واشنطن على التجارة العالمية، ويُضعف من قدرتها على فرض عقوبات على دول أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمملكة وغيرها من منتجي النفط الحد من الاستثمارات الأمريكية في بلدانهم، أو رفع أسعار للنفط المباع في الولايات المتحدة، مما يقوض الهدف الأساسي لمشروع القانون.
خيارات واشنطن للرد على قرار خفض إنتاج النفط
إن توقيت خطوة خفض إنتاج النفط، قبل نحو شهر فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وضع الإدارة الأمريكية في موقف صعب؛ إذ إن أي خطوة يتخذها بايدن ضد السعودية قد تكون لها تبعات سياسية خطيرة على علاقات واشنطن بباقي حلفائها في المنطقة، إضافة إلى التداعيات السلبية داخليًا. ومن هنا، باتت خيارات بايدن محدودة:
إحياء عقيد كارتر: تعد الأزمة الحالية التي تواجه العلاقات الأمريكية السعودية واحدة من أسوأ الأزمات التي تواجه شراكة استراتيجية استمرت قرابة 80 عامًا. فقد فشل البلدان في فهم وجهات نظر بعضهما البعض، ما خلق أزمة ثقة متبادلة بينهما، فترغب الولايات المتحدة وتتوقع تعاونًا أكبر من قبل السعوديين، خاصة فيما يتعلق بأسعار الطاقة. في المقابل، تريد السعودية وتتوقع دعمًا أمنيًا أمريكيًا أكبر، لكنها تشعر في الوقت ذاته أن واشنطن تحول اهتمامها تجاه أماكن أخرى مثل أوروبا والصين.
من هنا، ظهرت تقديرات تشير إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية قد تحتاج إلى صياغة التزام أمني جديد لدول الخليج العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ومن شأن هذا الالتزام أن يؤدي إلى تنشيط ما يعرف بـ”عقيدة كارتر لعام 1979″، عندما تعهد باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالح واشنطن في منطقة الخليج، والرد على أي هجمات تستهدف المملكة، كما حدث عام 2019، في هجمات منشآت أرامكو السعودية التي أضرت مؤقتا بإنتاج النفط في السعودية وهزت أسواق الطاقة.
الاعتماد على النفط الإيراني: أربكت قمة منظمة شانغهاي للتعاون التي انعقدت في سبتمبر الماضي في سمرقند، والتي عقد الرئيس الروسي على هامشها اجتماعات مع قادة الهند والصين، الخطط الأمريكية وبعثت برسالة إلى مجتمع الأعمال العالمي مفادها أن العزلة الدبلوماسية الروسية قد فشلت. فضلًا عن أن كلا من الهند والصين تشتريان النفط الإيراني منذ عدة سنوات متجاهلة العقوبات الأمريكية، وهما تعملان منذ فبراير على إعادة بيع موارد الطاقة الروسية إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالتالي، هناك مساران تستطيع واشنطن السير فيهما للحصول على النفط الإيراني:
الأول، اتفاقية محتملة مع إيران بشأن ملفها النووي، ستكون مطروحة مرة أخرى على الطاولة. لذلك من المحتمل أن تكون المفاوضات المبدئية الجديدة محور تركيز في الفترة المقبلة، من خلال الضغط على النظام الإيراني لإنجاز الاتفاق النووي، وهو ما يتضح في الدعم الأمريكي للمظاهرات المشتعلة في طهران على خلفية مقتل مهسا أميني، وقد يفتح الباب أمام ملايين براميل النفط إلى الأسواق العالمية.
الثاني، احتمال رفع الولايات المتحدة التجميد عن مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية وتبادل الأسرى؛ إذ أن النتائج المنبثقة عن قمة سمرقند دفعت الولايات المتحدة إلى إلغاء تجميد الأصول المالية لإيران في محاولة للحصول على نفطها.
التقارب مع فنزويلا: أفادت التقديرات احتمالات تقارب أمريكي مع فنزويلا، وتطلع الولايات المتحدة إلى تخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا، وتمكينها من ضخ النفط. ويبلغ إنتاج فنزويلا حاليًا نحو 700 ألف برميل يوميًا، مقابل 2.3 مليون برميل في 2002. وتوصلت الولايات المتحدة وحكومة فنزويلا وبعض شخصيات المعارضة الفنزويلية إلى اتفاق من شأنه أن يحرر مئات الملايين من الدولارات من أموال الدولة الفنزويلية المجمدة في البنوك الأمريكية لدفع ثمن واردات الأغذية والأدوية والمعدات لشبكة الكهرباء المتصدعة في البلاد وأنظمة المياه البلدية.
ولكن التحدي الذي بواجه هذا الخيار أنه في مقابل تخفيف العقوبات، ستستأنف حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو المحادثات المعلقة منذ فترة طويلة مع المعارضة في البلاد لمناقشة الشروط اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في عام 2024. وقال المسؤولون الأمريكيون إن التفاصيل لا تزال قيد المناقشة، وحذروا من أن الصفقة قد تفشل؛ لأنها تتوقف على استئناف كبار مساعدي مادورو المحادثات مع المعارضة بحسن نية، وأكد البيت الأبيض أنه “لا توجد خطط لتغيير سياسة العقوبات دون خطوات بناءة مع نظام مادورو”.
إنهاء الوجود العسكري في المملكة: هناك بعض المطالبات داخل الإدارة الأمريكية بسحب القوات الأمريكية وأنظمة الصواريخ الدفاعية من المملكة، وبنفس القدر من الإمارات العربية المتحدة. ويمكن لبايدن أن يضع شروطًا لتسليم الأسلحة وقطع الغيار للسعوديين في المستقبل. وقد انتهى استطلاع للرأي، مؤخراً، إلى أن هناك حوالي 70٪ من الأمريكيين ليسوا مع استمرار بيع الولايات المتحدة الأسلحة الفتاكة إلى المملكة العربية السعودية، وهناك 35٪ يعارضون بشكل قاطع إمداد المملكة بالسلاح.
ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن منع صفقات الأسلحة وسحب القوات الأمريكية من السعودية سيضر بصناع الأسلحة الأمريكيين وسيقوي من ساعد إيران والتي تمثل تهديدًا أكبر من برميل نفط بسعر 90 دولارًا. وفي حين أن العواقب التي قد تواجهها الرياض بشأن تخفيضات أوبك بلاس تظل لغزًا، فإن الرد المبالغ فيه لن يؤدي إلا إلى تسريع الجهود الجارية لتنويع العلاقات العسكرية السعودية، ليس فقط مع الصين وروسيا ولكن أيضًا مع فرنسا والمملكة المتحدة والهند وباكستان وحتى البرازيل وجنوب إفريقيا اللتين تستطيعان توفير المعدات، فالولايات المتحدة لم تزود السعودية مطلقًا بأحدث معداتها على أي حال.
الاعتماد على احتياطي النفط الأمريكي: أمر بايدن بإطلاق المزيد من النفط من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، وإطلاق وزارة الطاقة 10 ملايين برميل إضافية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي إلى السوق الشهر المقبل. وبما أن الاحتياطي الآن عند أدنى مستوى له منذ أربعة عقود، فإن هذا يخاطر بنقص في حالة الحرب أو كارثة طبيعية مثل إعصار. بجانب أن هذا القرار يضاف إلى قرارات استثنائية بإطلاق ملايين البراميل في مارس الماضي لم تنجح حتى الآن في كبح التضخم في أسعار الطاقة إلى الهدف الذي تسعى إليه واشنطن.
وكانت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قالت إن مخزون النفط الخام في الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للولايات المتحدة تراجع في الأسبوع المنتهي بتاريخ 9 سبتمبر الجاري بواقع 8.4 مليون برميل وبلغت 434.1 مليون برميل. ويعد هذا أكبر انخفاض في مخزون النفط في الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في الولايات المتحدة منذ شهر مايو 2022، وبذلك تكون الاحتياطيات قد بلغت أدنى مستوى منذ أكتوبر 1984.
زيادة إنتاج النفط المحلي: من خلال العمل مع حلفاء الولايات المتحدة لزيادة الإنتاج والقدرة على التكرير. فعلى مدى الأشهر العديدة الماضية، أجرت الإدارة الأمريكية محادثات مع قيادة كل منتج نفط رئيسي في الولايات المتحدة، وبحثت ما يحتاجونه لتحفيز الإنتاج. ولكن، سيكون هذا الأمر صعبًا على إدارة بايدن، وتخشى الولايات المتحدة أن تؤدي عدم كفاية إمدادات النفط على المدى القصير إلى نهاية حقبة نمو الإمدادات الرخيصة والسريعة من النفط الصخري في البلاد.
الحد من صادرات الوقود: يمكن أن تضغط إدارة بايدن للحد من صادرات الوقود المعالج مثل البنزين والديزل، ما من شأنه أن يوسع الإمدادات ويخفض الأسعار محليًا. ولكن هذا الخيار من شأنه أن يضر بالشركاء التجاريين، ولا سيما الحلفاء الأوروبيين الذين يحاولون إنهاء الاعتماد على الطاقة الروسية وأن تزيد ضغوط التضخم العالمية.
ختامًا: تشير التقديرات إلى أنه لن يكون هناك رد فعل أمريكي تجاه السعودية في الوقت القريب، خاصة أن العالم لا يحتاج مزيدًا من الاضطرابات في العلاقات الدولية. ودخول أمريكا في صدام مباشر مع السعودية لن يكون في مصلحتها؛ في ظل حالة الاستقطاب الحادة بين القوة الدولية، وكذلك للأهمية الاستراتيجية الكبيرة للسعودية سواء سياسيًا أو اقتصاديًا.
وقد يكون اجتماع أوبك بلس، المقرر في الرابع من ديسمبر المقبل، فرصة مهمة للسعوديين للعودة عن قرار خفض الإنتاج، على أن يفعلوا ذلك بالتنسيق مع واشنطن كخطوة أولى نحو إصلاح شراكة استمرت طويلًا. وفي بادرة حسن نية بين البلدين، أجرى ولي العهد السعودي اتصالا هاتفيا بالرئيس فولوديمير زيلينسكي، وأكد أن السعودية ستقدم حزمة مساعدات إنسانية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، مؤكدًا موقف المملكة الداعم لكل ما يسهم في خفض حدة التصعيد، واستعدادها للاستمرار في جهود الوساطة. يضاف ذلك إلى ما أكده بيان الخارجية السعودية أن المملكة تنظر لعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من منظور استراتيجي يخدم المصالح المشتركة للبلدين، وتشدد على أهمية البناء على المرتكزات الراسخة التي قامت عليها العلاقات السعودية الأمريكية على مدى العقود الثمانية الماضية، المتمثلة في الاحترام المتبادل وتعزيز المصالح المشتركة، والإسهام الفعال في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ومكافحة الإرهاب والتطرف وتحقيق الازدهار والرخاء لشعوب المنطقة.
.
رابط المصدر: