استضافت العاصمة العراقية بغداد، في 27 مايو 2023، مؤتمراً إقليمياً لوزراء النقل في دول الخليج العربي وإيران وسورية وتركيا والأردن، فضلاً عن ممثلين من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. وقد خُصص المؤتمر بشكل أساسي لطرح خطة الحكومة العراقية إنشاء ما تسميه بـ “طريق التنمية”، وهو مشروع استراتيجي ضخم يهدف إلى جعل العراق ممراً لانتقال البضائع والسلع بين آسيا والخليج وأوروبا.
تُسلِّط هذه الورقة الضوء على المشروع، وأهدافه، ومضامينه الجيوسياسية والاقتصادية، وفُرص نجاحه.
الخلفية والسياق
إن مشروع “طريق التنمية” ليس مشروعاً جديداً، إذ جرى طرحه في سنواتٍ ماضيةٍ تحت مسمى “القناة الجافة”، وتداولته الحكومات العراقية السابقة بمستويات متباينة من الاهتمام، إلّا أنّه اكتسب مزيداً من الزخم إثر الشروع بمشروع بناء “ميناء الفاو الكبير“، الذي تُنفِّذه شركة دايو Daewoo الكورية الجنوبية.
في المنظور الحكومي العراقي، يُراد مِن طرح مشروع “طريق التنمية” تحقيق أمرين أساسيين: أولهما، البحث عن مصدر دخل إضافي للاقتصاد العراقي يُقلل من اعتماديته الشديدة على النفط، ويسمح بخلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد الداخلي. والثاني، تعزيز الدور الجيو-اقتصادي للعراق، عبر استثمار موقعه الجغرافي بوصفه منطقة ربط بين الخليج وآسيا وأوروبا لتحقيق عوائد سياسية واقتصادية تُعزز مكانته الإقليمية. وهنا تكمُن جاذبية المشروع، باعتباره يقوم على فرضية إنتاج العائد الاقتصادي عبر الاستثمار في الموقع الجغرافي.
لقد أنجزت شركة PEG الإيطالية دراسة جدوى للمشروع، وتولى ممثل الشركة تلخيص منافعه في المؤتمر المذكور استناداً إلى ما خلصت إليه دراسة الجدوى. وتبنَّت حكومة محمد شياع السوداني الترويج بقوة للمشروع بوصفه أكبر مشروع استراتيجي يتبنَّاه البلد، ويستهدف تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، ويوفر مصدراً جديداً للدخل الوطني. وتُقدَّر التكلفة الإجمالية للمشروع بـ 17 مليار دولار، على أن يُنفَّذ في عدة مراحل تنتهي عام 2050.
تقوم الفكرة الأساسية للمشروع على ربط ميناء الفاو الكبير بشبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية التي تمتد شمالاً على طول الجغرافيا العراقية لتصل إلى نقطة فيشخابور الحدودية مع تركيا، بحيث تكون هذه الشبكة قناةً تمر عبرها السلع والبضائع القادمة من آسيا إلى أوروبا وبالعكس، وعلى أساس أن تركيا ستكون الممر باتجاه أوروبا. وبحسب المسؤولين العراقيين، فإن الطريق سيوفر حوالي 15يوماً من المدة الزمنية لشحن البضائع بين شرق آسيا وشمال أوروبا.
ويبلغ طول الطريق السريع الذي سيربط بين جنوب العراق والحدود العراقية-التركية 1190 كم، بينما يبلغ طول السكك الحديدية المزمع إنشاؤها ضمن المشروع 1175 كم لتستوعب قطارات فائقة السرعة ( 300 كم بالساعة للمسافرين، و160 كم بالساعة للبضائع). وستمر خطوط النقل تلك بـ 12 محافظة عراقية تمتد من الجنوب إلى الشمال، مما سيُسهِم في تعزيز التجارة والاندماج المحليين. وتُقدِّر الحكومة العراقية أنّه سيكون بوسع الطريق نقل 3.5 مليون حاوية محملة بالبضائع (أي ما يعادل 22 مليون طن) سنوياً بحلول عام 2028، على أن تُرفَع الطاقة الاستيعابية تدريجياً لتصل إلى 7.5 مليون حاوية بحلول عام 2038. ويُخطَّط لأن تكون السكك الحديدية ثنائية المسار، بحيث يستوعب كل مسار 80-90 قطاراً يومياً يشتغل معظمها بالكهرباء.
وبحسب المصادر الحكومية العراقية، فإنّ الأمر لن يقتصر على إقامة شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية، بل ستُنشئ مدنٌ صناعية ومنشآت خدمية على طول مسار الطريق الذي اُختير له أن يسير خارج مراكز المدن عبر الصحراء؛ أولاً، للاستفادة من سهولة التضاريس وغياب المناطق الوعرة وانتفاء الحاجة للأنفاق المكلفة؛ وثانياً، لتحفيز هجرة سكانية خارج المناطق الحضرية الواقعة على الأنهار بسبب ما سيُخلَق من فرص عمل مرتبطة بالمشروع. لذا، فإن حكومة السوداني تطرح “طريق التنمية” بوصفه مشروعاً تنموياً متعدد الأبعاد، ستكون له آثاراً كبيرةً في الواقع الاقتصادي العراقي، في حال نجاحه.
الدوافع العراقية
تتمثل أهم مُحفِّزات الحكومة العراقية لتبنّي المشروع، والترويج له، في ثلاثة دوافع رئيسة: اقتصادية، وسياسية، وجيوسياسية-إقليمية.
اقتصادياً، يستهدف المشروع تنويع الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على النفط، وخلق فرص عمل جديدة لتقليل حجم البطالة، خصوصاً في أوساط الشباب. تُقدِّر الحكومة العراقية عائدات المشروع في حال تنفيذه بأربعة مليارات دولار سنوياً، وهو ما سيُوفِّر دخلاً إضافياً غير نفطي (تعتمد الميزانية الحكومية في العراق على عائدات النفط بنسبة 93%). وتتجاوز الرؤية الحكومية للمشروع المنفعة الاقتصادية المباشرة إلى اعتباره وسيلة مُجدية لإحداث تنمية اقتصادية شاملة في المحافظات والمناطق التي يمر بها الطريق، عبر ما سيخلقه من فرص وظيفية، ومن مشاريع ثانوية، وإسهام ذلك في تشجيع الهجرة خارج المدن وإنشاء مدن جديدة، وتنشيط القطاع الخاص وتقليل الطلب على التوظيف الحكومي.
سياسياً، تسعى حكومة السوداني إلى جعل المشروع بمثابة علامة خاصة بها تعكس جديتها في تبنّي برنامجاً تنموياً طموحاً والعمل على معالجة الوضع الاقتصادي في البلد. ولأن المشروع طويل الأمد، فإنه يسمح للحكومة بالمطالبة بتفويض أطول وانتظار نتائج مشروعها، وقد ينصب في خدمة أي حملة انتخابية مستقبلية يقرر السوداني خوضها ويعمل من خلالها على تسويق إنجازات محتملة أو طرح وعود جاذبة. كما يسمح المشروع للحكومة بتوجيه أنظار الرأي العام، وخصوصاً الشباب، نحو بدائل للتوظيف الحكومي، بعد أن وصل هذا التوظيف إلى مرحلة الإشباع بحسب تعبير الناطق الرسمي باسم الحكومة. كما تلتقي فكرة المشروع مع محاولة حكومة السوداني طرح نفسها حكومة “خدمات” معنية بتطوير الوضع الاقتصادي والخدمي وتوفير فرص العمل، بدل استهلاك نفسها في الصراع السياسي.
إقليمياً، تحاول حكومة السوداني الاستفادة من مناخ التهدئة الإقليمية، وبشكل خاص إثر الاتفاق السعودي-الإيراني، من أجل تعزيز دور العراق كحلقة وصْل بين الأطراف الإقليمية المختلفة، ونقطة تلاقي بدلاً من أن يكون ساحة صراع. وبينما مثّل المؤتمر الذي استضافته بغداد مناسبة لافتة من حيث جمع الأطراف الإقليمية المتعددة، وبشكل خاص إيران ودول الخليج العربية، فإن الحضور السوري يجعل من المؤتمر إطاراً للمضي في خطوات التطبيع مع دمشق التي شهدتها القمة العربية الأخيرة.
التحديات والعقبات
مع ذلك، يواجه المشروع جملة من التحديات التي تُثير الشك إمّا في جدواه، أو في إمكانية تنفيذه.
ففيما يخص الجدوى، أُثيرَت شكوك حول قدرة هذا الطريق على استبدال أو حتى مُنافَسة الطرق التقليدية القائمة لمسار التجارة الدولية، وبشكل خاص قناة السويس، التي يمر منها معظم بواخر الشحن التي تشتغل بين آسيا وأوروبا. ويُقِرُّ ناصر الأسدي، مستشار رئيس الوزراء المعني بمتابعة المشروع وأحد أكثر المتحمسين له، بأنّ المشروع لا يمتلك الطاقة الاستيعابية لقناة السويس التي يقدر عدد الحاويات التي تعبرها بـ 88 مليون حاوية سنوياً (مقارنة بـ 3.5 مليون حاوية عبر الطريق المقترح). ولذلك تقترح دراسة الجدوى أنّ هدف المشروع أن يكون مُكمِّلاً للقناة، خصوصاً مع الزيادة المحتملة في التجارة الدولية قُدِّرَت بـ 10-15% بين آسيا وأوروبا، والتي قد لا تتمكن قناة السويس من استيعابها.
لكن خبراء في اقتصاديات النقل الدولي يشككون بدقة هذه الفرضية، حيث أشارت ورقة أُعِدَّت حول الموضوع، إلى أنّ اطلالة العراق المحدودة على الخليج العربي (المغلق)، بعيداً عن مسارات النقل البحري الرئيسة بين آسيا وأوروبا، تجعل من قدرته على القيام بدور موازي لقناة السويس أمراً مشكوكاً فيه. ويعود ذلك إلى أنّ شركات النقل البحرية الكبرى كيَّفت مساراتها مع الطرق القائمة، وأنّه قد أُنشئت و/أو اعتمدت مجموعة من الموانئ الإقليمية المحورية لخدمة هذه التجارة، بحيث يصعب على ميناء الفاو بإطلالته المحدودة، ووقوعه في أعلى الخليج، إقناع تلك الشركات بتغيير مساراتها. كما أنّ اعتماد المشروع المقترح على تعددية وسائط النقل لتشمل البحري والبري، وطول مسافات النقل براً، مع احتمال زيادة عمليات المناولة من ناقل إلى آخر، سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة استخدام هذا الطريق بما يتجاوز تكلفة عبور قناة السويس. وما يَزيد من التكلفة أيضاً، ارتفاعُ أسعار التأمين بسبب مرور البضائع في منطقة تعاني من المشاكل الأمنية وعدم الاستقرار. ومن هنا، يبدو أنّ بعض الأهداف الطموحة للمشروع التي تداولها بعض المسؤولين والمعلقين العراقيين، من قبيل أن 16% من التجارة العالمية ستمر عبر هذا الطريق، مُبالغٌ فيها كثيراً، إنْ لم تَكُن مبنية على معطيات خاطئة.
وبينما يتعلق معظم التحديات ووجهات النظر السابقة بجدوى المشروع، فإنّ هناك تحديات مهمة قد تعترض تنفيذه، أبرزها الفساد السياسي والمالي المستشري في العراق، والذي يضع علامات استفهام حول الأجندة الخفية لأي مشروع بتكاليف كبيرة، وإمكانية أن يتحول المشروع إلى مصدرٍ لتمويل مصالح الأحزاب والميليشيات والسياسيين المتنفذين وقطاع الأعمال الطفيلي في البلد. وهنا، لاحظ بعض المراقبين أنّ دراسة الجدوى للمشروع قد أُحيلت إلى شركة إيطالية غير متمرسة بهذا النوع من الأعمال، وأنّ عملية الإحالة حصلت في شكلٍ مباشرٍ، ودون عرض المشروع علناً للمنافسة بين مجموعة شركات، بما يشي بشبهة فساد في الخطوة الأولى للمشروع.
ويشمل التشكيكُ قدرةَ أجهزة الدولة العراقية المعروفة اليوم بعدم كفاءتها وتغلغل المصالح الحزبية فيها، على رعاية مشروع بهذا الحجم والإشراف عليه دون التسبب بإهدار أموال طائلة، وباحتمال فشل تنفيذ بعض أعماله الأساسية. يضاف إلى ذلك، أنّ الحكومة العراقية لم توضح بعد مصادر الأموال التي ستُنفَق على المشروع، وما إذا كانت قادرة على جذب استثمارات أجنبية كافية للمساهمة في تمويله. وبحسب الناطق الحكومي، فإنّ الحكومة تريد تملُّك البنى التحتية الأساسية من طرق وسكك حديد (مما يعني ميزانية مالية تقترب من 12 مليار دولار )، الأمر الذي يثير تساؤلات حول إمكانية توفير هذه المبالغ، ونوع التسويات والصفقات التي يتطلبها ذلك مع الأطراف السياسية بغية تمريرها. ومع ملاحظة أن المشروع سيتطلب تخصيصات كبيرة من الطاقة الكهربائية، خصوصاً أن القطارات المزمع تسييرها تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء (ما لم يُتراجَع عن ذلك لاحقاً)، فإنّ توفير هذه الطاقة سيكون في محل شك في ظل أزمة الكهرباء التي يواجهها البلد حالياً، رغم المشاريع الكبرى الأخرى التي نُفِّذَت في قطاع الكهرباء وشابها فساد وهدر كبيرين.
مطالب الدول الإقليمية
يعتمد المشروع بشكل أساسي على التعاون التركي، لأنّ تركيا ستُمثِّل نقطة الربط مع أوروبا، وهو ما يستدعي مستوىً عالياً من التنسيق بين البلدين، بما يشمل ربط شبكتي الطرق والسكك الحديدية بينهما، والاتفاق على معايير موحدة في تنظيمها. وكان السوداني قد ناقش الفكرة مع الرئيس التركي في زيارته إلى تركيا في مارس الماضي، وحظيت بدعم الجانب التركي واستحسانه. وبحسب المسؤولين العراقيين، فإن تركيا تدعم المشروع وتقوم بالتنسيق المكثف بشأنه مع الجانب العراقي.
مع ذلك، لا يحتمل أن تُكيِّف تركيا أولوياتها مع الحاجة العراقية، وقد تكون لها اشتراطات أخرى تتعلق بالتهديد الأمني الذي يمثله حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبتعزيز الصادرات التركية إلى العراق بما يضر بالهدف العراقي الرامي إلى الاستفادة من الطريق لتعزيز البنية الصناعية الداخلية والإنتاج والتجميع المحليين. ويُمكِن هنا النظر إلى استمرار تجميد تركيا لصادرات النفط من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي، إثر القرار الصادر عن المحكمة التجارية الدولية الذي حكم لصالح بغداد بشأن تصدير إقليم كردستان النفط باتفاق منفرد مع تركيا، بوصفه نموذجاً للمشكلات التي يمكن أن تطرأ في ظل مشروع يتطلب تعاون البلدين.
ولا يقتصر الأمر على التحدي المتمثل بالتنسيق مع تركيا فقط، بل هناك أيضاً التحدي الإيراني. فطهران تضغط من أجل التعجيل بالربط السككي بين الشلامجة والبصرة في محاولة منها لتوسيع تجارتها عبر العراق، وتعزيز وضع العراق بوصفه ترانزيت للتجارة وعبور المسافرين ونقل البضائع من موانئها، وخصوصاً ميناء الخميني. ولهذا السبب، ثمة اعتقاد بأنّ إيران غير راغبة في نجاح مشروع ميناء الفاو الكبير، وتراهُ خطراً على موانئها. والمفارقة هنا، أنّ مجلس الوزراء العراقي وافق مؤخراً على التسريع بتفعيل الربط السككي بين البصرة والشلامجة، ووجّه بمعالجة العقبات التي تؤخر المشروع، فيما يبدو أنه خضوع للضغط الإيراني، أو قد يكون محاولة لتأمين عدم اعتراض إيران وحلفائها العراقيين على مشروع “طريق التنمية”.
مع ذلك، يطرح هذا الأمر تساؤلاً عن إمكانية التوفيق بين المشروعين. وهنا، يمكن ملاحظة أنّه بينما تبدو بعض الأطراف المقربة من إيران داعمة لحكومة السوداني في مشروع “طريق التنمية”، فإنّ أطرافاً أخرى هاجمته واعتبرته محاولة لإفشال عملية ربط العراق بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، كما جاء في تصريحات أحد نواب “عصائب أهل الحق”. والمرجح هنا أنّ هذه الأطراف غير متفقة حول موقف واحد، وأنّ بعضها سيؤجل حكمه إلى حين تقييم المنافع التي يتوقع أن يجنيها من المشروع.
مخطط مشروع “طريق التنمية” بحسب وثيقة صادرة عن وزارة النقل العراقية
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشف مؤتمر وزراء النقل عن تبايُن تصورات دول المنطقة وأجنداتها بخصوص المشروع. فوزير النقل السوري دعا إلى ربط الطريق بسورية بدلاً من تركيا، على أساس أنّها أقرب جغرافياً، وستوفِّر منفذاً بديلاً إلى المتوسط. فيما طرحت السعودية القيام بربط سككي بين العراق والسعودية، وبالتالي مساعدة العراق في الارتباط بموانئها على البحر الأحمر.
الاستنتاجات
رَفَعَت الحكومة العراقية سقف توقعات الرأي العام الداخلي حول ما يمكن لمشروع “طريق التنمية” أن ينجزه، وهو أمر ربما يخدمها سياسياً إلّا أنّه قد يتسبب بالتعجل في المضي بالمشروع، وغلبة “الشعبوية الاقتصادية” في التعامل معه، كما هو حال موضوع ربط العراق بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، الذي يجري تداوله بطريقة شعبوية ومسيسة بدلاً من الاعتماد على المقاربة العلمية والمعطيات الفعلية. والشيء الواضح حتى الآن، أنّ مُضي الحكومة في تنفيذ مشروع “ميناء الفاو الكبير” يتطلب فعلاً عملية استكمالية تُعطي هذا المشروع جدواه الاقتصادية الحقيقية. وبينما تُعبِّر دول المنطقة عن دعمها اللفظي للحكومة العراقية، إلّا أن مؤتمر بغداد لم يتمخض عن التزام كامل وواضح منها تجاه دعم المشروع العراقي، ولا عن رؤية محددة عن الدور الذي يُفترَض أن تؤديه كل دولة.
مع ذلك، يَظل العراق بعد سنوات طويلة من الصراع المسلح وغياب الرؤية التنموية، بحاجة إلى مشاريع أساسية للبنية التحتية، بما يشمل الطرق والجسور والسكك الحديدية والموانيْ، ومثل هذه المشاريع قد تُسهِم في تنشيط الاقتصاد، وإنتاج فرص جديدة للنمو. وقد لا يكون للمشروع الأثر الجيوسياسي والجيواقتصادي الكبير الذي تتحدث عنه الحكومة العراقية، على الأقل في السنوات القليلة المقبلة، لكنَّه قد يُسهِم فعلاً في تعزيز الدينامية الاقتصادية الداخلية التي تُعاني من استمكان السياسات الريعية والنشاط الطفيلي وغير المُنتِج.
وحتى الآن، يمكن القول إن مشروع “طريق التنمية” لا يزال فكرة على الورق، وسيتطلب تنفيذها بنجاح أن تُظهِر الحكومة العراقية قدرتها على تبني هذا النوع من المشاريع والمضي فيها بأكبر قدر من الكفاءة، وأقل قدر من الفساد والإهدار للموارد.