يُعرف الإنسان المؤمن بفطنته وكياسته ، ذلك كونه يحسب الأمور وفق مقياسين دنيوي وآخروي أو مادي ومعنوي ، فليس كغيره الذي يخطط للحسابات الدنيوية والمادية التي عادة ما تنتهي بانتهاء تلك الحياة وهي ضيقة بطبيعة الحال ، والشيخ الشهيد النمر نظر لمواجهته مع النظام السعودي ببُعدين دنيوي وهو تغيير هذا النظام الظالم الفاسد ، والبُعد الآخر هو البُعد الأخروي الذي يجعله غنياً عن أي مغريات تقدم له لأنه سيذهب الى جنة عرضها السموات والأرض .
وشيخنا الشهيد خريج مدرسة الحسين عليه السلام الذي علّم الإنسانية كيف يكونوا أحراراً ، وصارت أمامه نماذج حسينية مصغرة أحدثت تغيرات على أرض الواقع ، وأبرز هذه النماذج الشهيدان الصدران الأول والثاني في العراق ، ولمس دور دمائهما في تغيير نظام دكتاتوري شمولي هو الأظلم في عصره ، وربما مسألة إسقاطه كانت شبه مستحيلة لكن الدماء تصنع المعجزات ، ولم يكن دم الشهيد الصدر الأول هيناً لكن العراقيين لم يستثمروه بصورة جيدة فتأخر الفرج الى أن احتاجوا الى دم طاهر آخر لعلم من أعلام مدرسة أهل البيت عليهم السلام ألا وهو الشهيد الصدر الثاني قدس سره .
فرأى الشيخ الشهيد أن النظام السعودي نظام ظالم فاسد لا يقل ظلمه عن ظلم نظام صدام المجرم ، بل ربما يزيد النظام السعودي سوءً على نظام صدام بأن الأول يستخدم الدين في ظلمه وبالتالي أصبح الدين الإسلامي هذا الدين السمح هو دين الإرهاب والقتل والفساد بسبب سياسة آل سعود المتلبسة بلباس الدين ، وبالتالي فإن الفرصة عظيمة ليكون النمر صدراً ثائراً في السعودية يطيح بنظامه وينعم بتبعاته الأخروية لأنه سنّ لتأسيس دولة تحفظ حقوق الناس وتسقط نظاماً ظالماً ظلم الداخل والخارج واستأثر بالنفط ووقف مع أعداء الإنسانية ضد أبناء جلدتهم ، فأي إصلاح ولو بسيط يتحقق في السعودية ستكون نسخة منه للشيخ الشهيد النمر قدس سره .
كما استثمر شيخنا الشهيد الربيع العربي الذي حرّك الإعلام العربي والغربي والمشاعر المؤيدة للشعوب المظلومة بعد سكوت لعقود من الزمن عن ما عانته تلك الشعوب من ظلم طواغيتها وأنظمتها الحاكمة سواء في العراق أم في تونس أم في مصر وليبيا واليمن والبحرين وووو ، بل كانت مؤيدة وداعمة لهذه الأنظمة الظالمة غاضة النظر عن مظلومية تلك الشعوب ، والى هذه اللحظة لم تستنكر منظمات حقوق الإنسان جريمة قطع الرؤوس في مملكة الشر السعودية مع إنها تستنكر شهرياً ما يحدث من تقصير في النعمة التي يعيشها المجرمون والإرهابيون في السجون .
فالشهيدان الصدران في العراق استطاعا بدمائهما إسقاط نظام البعث الظالم رغم الإعلام والجو السياسي الخارجي والداخلي الداعم له ، فكيف والظروف مناسبة جداً للشيخ النمر رحمه الله ؟! فوجد الشيخ النمر قدس سره أن بالشهادة سيحقق أكثر من هدف ، مثلاً :
– تجسيد المبادئ الإسلامية وخصوصاً مبادئ الحسين عليه السلام عملياً بعد أن كثرت الشعارات وخداع الناس بها .
– نيل الشهادة التي لا مجال لذكر فضائلها .
– كشف جرائم المملكة السعودية وإرهابها التي قد لا يعرفها الكثيرون من مؤيديها ومعارضيها .
– كشف زيف الدول والمنظمات الدولية التي تدعي المطالبة بحقوق الإنسان .
– فتح الباب أمام الشعب السعودي للمطالبة بحقوقه علناً من دون خوف حتى مع بقاء مملكتهم وإجراء إصلاحات سياسية وربما دستور وبرلمان وتحول المملكة الى مملكة دستورية .
– العزة له ولشعبه وأبناء جلدته الذي لا يخلص من هذا الظلم إلا بدم طاهر لمجتهد مجاهد .
– إسقاط نظام ظالم إرهابي طائفي يعاني من ظلمه الداخل والخارج ، وكم هو عظيم رفع الظلم عن المظلوم .
– المكاسب البرزخية التي سيكسبها جرّاء ما تقدم الذي جاء بفضل استشهاده .
ألا يستحق ما تقدم من أهداف أن يريق البطل المجاهد دمه ؟!
ألا يعتبر هذا من ذكاء الأبطال المجاهدين ؟!
رحم الله الشيخ النمر واسكنه فسيح جناته