عبد الرحمن الشاعر
يستهدف الأمن القومي المصري العديد من الأخطار، خطر الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، مع ما تشهده من أعمال عسكرية تستهدف الجيش المصري والمدنيين، وخطر الاستهداف الإسرائيلي الدائم لمصر على المستويات الأمنية والاستخبارية المباشرة، ومن خلال دعم دول ومشروعات وإجراءات تساهم في ضرب الأمن القومي المصري، وخطر الصراع المستمر على مياه نهر النيل، والمتمثل بسعي إثيوبيا إلى حرمان مصر من جزء كبير من حصتها في المياه، من خلال بناء سد النهضة وما يرافقه من ضلوع إسرائيلي في تعزيز ذلك، إمعاناً في إضعاف الأمن المائي المصري، إضافةً إلى الخطر الداهم الذي يمثله الصراع في ليبيا ومحاولة استدراج الجيش المصري هناك.
يرى البعض ان “السيسي” لن يدخل الحرب في ليبيا وذلك عائد الى الظروف الموضوعية التي تحياها مصر والمتمثلة في تحديات سد النهضة الإثيوبي، والعمليات العسكرية في سيناء، وانتشار وباء كورونا، والضائقة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها مصر، لا شك أن هذه أسباب وجيهة ومنطقية تقود إلى أن دخول السيسي إلى ليبيا سيكون مكلفاً وباهظاً لن تستطيع مصر تحمله. ولكن ثمة مصالح مشتركة بين ثلاثي الثورة المضادة (السيسي وبن زايد وبن سلمان) في تحطيم التجربة السياسية في ليبيا وذلك من أجل استئصال تيار الإسلام السياسي، السؤال المهم والذي لم يؤخذ بعين الاعتبار: هل “السيسي” يهمه اقتصاد مصر ومستقبل مصر وجيش مصر؟! وهل السيسي يملك قرارا مستقلا وإرادة سياسية حرة حتى تكون مصلحة بلده وجيشها، وأمنها القومي هي المحدد الاساس في اتخاذه للقرار؟!
السيسي والفشل في سيناء
منذ أن طلب السيسي عقب انقلابه في 2013 تفويضاً من الشعب لمواجهة ما أسماه وقتها: “الإرهاب المحتمل”، وسيناء تشهد عمليات متتالية للجيش المصري بهدف القضاء على الإرهاب بداية من العملية نسر1، ثم تلتها العملية نسر 2، ثم تلتها عملية حق الشهيد. وأخيرا ما زالت العملية الشاملة التي انطلقت منذ 2018 سارية. عمليات الجيش المصري شملت على دعم جوي إسرائيلي، وقد استعملت أساليب مستوردة مباشرة من إسرائيل، كفرض حظر التجوال، إقامة نقاط تفتيش، مداهمات شاملة وتدمير منازل “الإرهابيين” أو المتواطئين معهم وحرق القرى المشبوهة، هذه العمليات لم تنته ولا توجد أية مؤشرات على نهايتها بل كل المؤشرات تشير إلى امتدادها دون جدوى.
أثارت هذه العقوبات والإجراءات الجماعية نتائج عكسية عما كان منشودا. فقد نفّر الجيش بعنفه السكان والبدو الذين انحازوا إلى الجماعات المسلحة، وفي الواقع استعمل الجيش عقيدة متجاوزة وأساليب تقليدية غير ناجعة في مواجهة التمرد. ولم يتمكن الجيش من التفوق في منطقة لا يعرفها جيدا على عكس المقاتلين الذين لهم أفضلية معرفة الميدان، وكذا الدعم السلبي للسكان الذين يعتبرون الجيش الوطني جيش احتلال، وتعد تلك الوصفة المثالية لإنجاح حرب العصابات(1)، كما تتشكل شبه جزيرة سيناء من صحاري وجبال قاحلة وأودية شديدة الانحدار ومدن على الساحل ومجال تسود فيه القبائل: أي باختصار أرضية مثالية لحرب العصابات.
إن تحول سيناء إلى ما تحولت إليه اليوم من استنزاف للجيش المصري بفعل إجراءات السيسي المتخبطة، لا يستبعد معه أن يكون مرتبطاً أصلاً بتوجهات ومخطط إسرائيلي بعيد المدى، تسعى إسرائيل من خلاله إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، على الرغم من أنه يبدو في ظاهر الأمر أن إسرائيل هي أول من قد يعاني من المخاطر الأمنية على حدودها مع سيناء، لكن هذه المخاطر تعتبر من وجهة نظر بعض الباحثين مخاطر تكتيكية محتملة الكلفة بالنسبة لإسرائيل، كما أنها تستطيع وقادرة على معالجتها عبر ما تمتلكه من منظومات تسليحية وتكنولوجية واستخباراتية.
إن أهم الأهداف التي قد تسعى إسرائيل لتحقيقها عبر استغلال إجراءات وعمليات السيسي في سيناء تكمن في (2):
- استنزاف الجيش المصري في سيناء وزجّه في حرب طاحنة، وبالتالي استنزاف الدولة المصرية ومواردها المحدودة أصلاً.
- تهديد المجرى الملاحي لقناة السويس، ويبدو أن إسرائيل قبل سنوات استعدت لهذا الأمر عبر تنفيذ مشروع استراتيجي كبير بإنشاء خط سكة حديد يربط بين ميناء ايلات وميناء أسدود ليشكل في المستقبل منافساً تجارياً امام خطوط مواصلات نقل البضائع من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض وبالعكس.
- إسرائيل تعتقد أن خروج الفوضى الأمنية في سيناء عن سيطرة الجيش المصري، وما قد تشكله من ازدياد في تهديد الأمن الإسرائيلي عبر رشقات الصواريخ وبعض العمليات سيضطر الدولة المصرية إلى القبول بإدخال إسرائيل وأمريكا ضمن منظومة أمنية جديدة تعالج التهديد الأمني في سيناء تكون فيه إسرائيل طرفاً فاعلاً، بمعنى تحول سيناء إلى شريط حدودي مفتوح للنشاط الأمني الإسرائيلي جواً وبراً.
- سلخ سيناء عزلاً أو فصلاً عن الدولة المصرية تمهيداً لإنشاء كيان سيناوي منفصل يشكل حاجزاً بين مصر وإسرائيل، كيان ستكون له أفضلية التحالف والتعاون مع إسرائيل، كيان قد يقبل أن يمرر مخططاً إسرائيلياً بتوسيع حدود غزة باتجاه سيناء لتستطيع استيعاب اللاجئين الفلسطينيين والفائض البشرى في القطاع.
استمرار حالة الاستنزاف والانهاك في سيناء، تزامنت مع حالة البروباجندا التي شنتها وسائل إعلام النظام حول تقدم تصنيف الجيش المصري إلى المركز التاسع عالميا في تصنيف أقوى جيوش العالم -وفق موقع غلوبال فاير باور- لكن الفشل المستمر في سيناء يعصف بكل هذه التصنيفات ويطرح الكثير من الأسئلة والألغاز حول عدم قدرة الجيش المصنف التاسع عالميا في القضاء على عدة مئات من المسلحين وفق تقديرات الأجهزة الأمنية التابعة للنظام وخبراء عسكريين؛ فلماذا يستمر الفشل؟ ولماذا لم تحقق الاستراتيجية القائمة على استخدام «القوة الغاشمة» أهدافها؟ وكيف تمكن عدة مئات من المسلحين في إلحاق كل هذه الخسائر بتاسع أقوى جيش عالميا؟ ولماذا فشلت العملية الشاملة وقبلها 6 عمليات عسكرية موسعة في القضاء على التمرد المسلح في سيناء؟(3)
ووفقا للمعايير العسكرية المجردة؛ فإن تنظيم “ولاية سيناء” والجهة التي تقف وراءه؛ تمكنت بالفعل من جر الجيش المصري إلى عملية استنزاف واسعة خلال السنوات الماضية، حيث خسر الجيش كثيرا من قادته وضباطه وعناصره ومعداته؛ ما أفقده السمعة والمكانة؛ وجاءت الانتهاكات الواسعة التي مارستها القوات النظامية بحق الأهالي وعمليات التهجير القسري لتمنح المسلحين حاضنة شعبية لا يستهان بها.
أسباب الفشل في حسم الصراع والقضاء على التمرد المسلح في سيناء (4):
- الاعتماد كليا على الحل العسكري والقوة الغاشمة مع التهميش المستمر والمتواصل لسيناء وأهلها، إلى جانب الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات السيسي بحق الأهالي من قتل واعتقال وتدمير المنازل والمزارع والتهجير القسري لعشرات الآلاف ما أوجد حاضنة شعبية كبيرة للمسلحين الذين منحتهم جرائم السيسي وقواته أعدادا إضافية من الغاضبين والمتمردين الذين يريدون الثأر والانتقام من الجيش الشرطة ردا على هذه الجرائم الوحشية بحقهم.
- تراجع الكفاءة القتالية للجيش المصري رغم تقدم ترتيبه عالميا إلى التاسع بين أقوى الجيوش في آخر تصنيف، فبراير 2020م. فالاهتمام الأكبر لقادة الجيش هو احتكار السلطة السياسية والبحث عن السلطة والنفوذ والمناصب الحساسة في النظام؛ إضافة إلى مشروعات البيزنس عبر شركات الجيش التي احتكرت كل شيء في مصر، والسمسرة الواسعة في صفقات السلاح.
- عمليا لا يواجه مقاتلو سيناء المحترفون على حروب العصابات سوى مجموعات من صغار الضباط والجنود غير المدربين على مثل هذه النوعية من الحروب غير النظامية التي تقوم على الكر والفر والتخفي؛ فيشنون الغارات الخاطفة ويختفون في الأحراش كالأشباح؛ فإذا جاءت الطائرات والدبابات والجنود لم تجد شيئا. وما الفشل في حسم هذا التمرد الذي يمتد إلى سنوات رغم قلة إمكانات المسلحين إلا انعكاس لحالة التردي والتدهور الحاد في القدرات القتالية للجيش وتراجع الكفاءة القتالية لعناصره.
فخ الاستدراج إلى المستنقع الليبي
شهدت الأزمة الليبية تصعيدًا ملحوظًا في المجال العسكري والسياسي منذ بداية العام، عندما زادت تركيا من نفوذها العسكري وانتقلت من توريد الأسلحة والمقاتلين إلى “حكومة الوفاق” لتصبح رسميًا شريكًا عسكريًا على الأرض والتغير المصاحب في وضع التسلح الذي ساهم في تحقيق إنجازات على الأرض لصالح حكومة الوفاق الشرعية، وفي الوقت نفسه، احتلت الأزمة الليبية مكانة بارزة في الخطاب السياسي في تركيا بشكل عام وفي خطاب الرئيس أردوغان بشكل خاص.
بدأت مصر منذ بداية العام في تحقيق تحول استراتيجي فيما يتعلق بالأزمة الليبية، حيث اتسم هذا التحول بمستوى عال من التعبئة على المستوى السياسي والإعلامي والعسكري، فكان خطاب السيسي في قاعدة سيدي براني القريبة من الحدود مع ليبيا، عندما أعلن عقيدة “الخط الأحمر” مما يعني أن مصر لن تسمح بأي شكل من الأشكال بتجاوز مدينتي سرت والجفرة، فيما يبدو أنه قرار سابق بأن مصر سيكون لها رد عسكري في هذا الشأن.
الخطاب المصري الجديد بشأن ليبيا يستهدف تغييرات عدة في طريقة التعامل مع الملف والمساهمة في فرض واقع جديد على الأرض، منها شرعنة الدعم والمساعدات العسكرية التي تقدمها لميليشيات شرق ليبيا طوال الأعوام الماضية والتمهيد لتكثيفها خلال الفترة المقبلة.
تعتبر مدينتا سرت والجفرة مدينتان ذات أهمية بالغة وموقع استراتيجي فى ليبيا، فمدينة سرت (450 كم شرق طرابلس) تتوسط أكبر مدينتين فى ليبيا، إذ تقع فى المنتصف بين عاصمة البلاد طرابلس وعاصمة إقليم برقة فى الشرق بنغازي (ألف كم شرق طرابلس).
وتكمن أهمية سرت الإستراتيجية فى أنها تقع شمال قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس)، ولا تفصلها عنها سوى طريق مفتوحة لا تتجاوز 300 كلم، وهي مسافة ليست طويلة جداً بمعايير الصحراء، السيطرة على سرت تجعل الطريق مفتوحًا للسيطرة على الموانئ النفطية، إذ لا يبعد أقرب ميناء نفطي (السدرة) عنها سوى 150 كلم.
أما منطقة الجفرة فهي ذات أهمية بالغة وموقع استراتيجي حيث تقع وسط ليبيا وتربط الجنوب بالشمال ومدن ببعضها عبر شبكة طرق رئيسية، وبقربها تقع حقول نفطية وبمسافة ليست ببعيدة منظومة النهر الصناعي، وهي تعتبر العاصمة العسكرية للنظام الليبي فى عهد معمر القذافي وبها مخازن للأسلحة ومطار عسكري (5).
بالتزامن مع هذا التغيير الملحوظ في الخطاب السياسي والتحركات الدبلوماسية المصاحبة على الأرض، أعلنت مصر عن عدد من التدريبات العسكرية في الاتجاه الاستراتيجي الغربي على طول الحدود المصرية الليبية، وهي تدريبات لا تنفصل عن كونها عملية تحضير وتدريب لمعركة مماثلة في ليبيا أو شرق البحر الأبيض المتوسط، كما وافق البرلمان المصري الاثنين (20 يوليو/ تموز 2020) على قرار يجيز قيام الجيش بـ “مهام قتالية” في الخارج، ما يعني تدخلا عسكريا محتملا في ليبيا، بعد أيام من حديث عبد الفتاح السيسي عن عمليات عسكرية محتملة في الجار الغربي لبلاده(6).
الحالة الليبية مرتبطة بالجغرافيا والديموغرافيا، والكثير من المتغيرات المتحكمة في الوضع الليبي الصعب والمتقلب. فجغرافية ليبيا تنبئ أن الحسم العسكري على الأرض في هذا البلد الصحراوي الشاسع، غير ممكن لقوات عسكرية خارجية.
وأن الحسم العسكري بشكله الهش المعتمد على الخارج وعلى الجو، لا يبني سلاما ولا يؤدي بالضرورة إلى استقرار، في مجتمع مازالت فيه الانتماءات القبلية قوية وحاضرة، بل استفزت أكثر، جراء الازمة الأمنية والسياسية المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن. فليبيا لا تعاني فقط من هشاشة عمقها السوسيولوجي الذي يظهر على شكل انقسامية كبيرة للنخب، واستمرارية للبعد القبلي الذي تحفزه بشكل دوري الأزمات من كل نوع، بل تعاني كذلك من الضعف الديموغرافي البشري، بكل ما يترتب عنه من تبعات وأطماع في إقليم جغرافي يعرف الكثير من التحديات(7).
يعرف الجيش المصري إمكانياته الحقيقية، ويدرك تماما خطورة التدخل بقواته في ليبيا على تماسك وقوة الجيش. وقد سبق أن تدخل الجيش المصري في اليمن، وانتهى الحال بأكثر من 25 ألف قتيل في جبال اليمن الوعرة، وتحولت حرب اليمن إلي حرب استنزاف مفتوحة وقاسية ليس فقط للاقتصاد المصري ولكن أيضًا لقواتها المسلحة، إذ سرعان ما نسيت القوات المسلحة المصرية قتال الجيوش وفنون الحروب المعروفة لتنغمس لمدة ست سنوات كاملة في حرب عصابات، وكر وفر، وهجوم وتعقب وقبض وتحقيق وتعذيب لا يصلح للجيش، وكانت هذه الخسائر والانهاك تمهيدا للخسارة المذلة في نكسة 67(8)، وبذلك فقد الجيش المصري كفاءته العسكرية وقدرته القتالية وعاد إلي مصر بعد هزيمة يونيه 1967 لتحتاج إلي إعادة تدريبها وتأهيلها من جديد للحروب الحقيقية وتكتيكاتها مع الجيوش.
كما أن الحديث عن تجنيد أبناء القبائل ذات الأصول الليبية يظهر وكأنه مدخل غير مدروس للتدخل، وهو ملف حساس، لأن ذلك يهدد النظام المصري نفسه بتمرد داخلي محتمل في ظل ما تعانيه مناطق هذه القبائل في مصر من معاناة وتهميش ورهن هكتاراتها الواسعة لاستثمارات رجال أعمال خليجيين ومصريين من مناطق وادي النيل.
مخاطر التدخل العسكري المصري المباشر في العمق الليبي (9):
- توريط طويل المدى للجيش المصري قد ينتج عنه خسائر عسكرية وفي الأرواح، مما قد يهدّد تماسك وسمعة الجيش المصري.
- لا يمكن للجيش المصري خوض معركتين في آن واحد، إحداهما في الشرق في مواجهة تنظيم “ولاية سيناء” والثانية في الغرب بليبيا، مما قد يؤدي إلى استنزافه بشكل كبير.
- استنزاف القوات المصرية من خلال الانخراط في حرب أهلية ليبية معقدة وقد يقع ضحايا كثيرون نتيجة لهذه الحرب وذلك على غرار ما حدث مع التدخل العسكري المصري في اليمن أوائل الستينيات.
- v سوف يدخل السيسي في صدام مباشر مع حكومة الوفاق ومن يدعمها خاصة تركيا. وبذلك يفقد مصداقيته الكاملة باعتباره وسيطاً بين الفرقاء الليبيين في أية عملية سياسية مستقبلية.
هناك فرق بين الأمن القومي لمصر، كدولة وشعب، والأمن الخاص بالنظام السياسي الذي يقوده السيسي، فالتهديدات في سيناء خاصة من الجماعات والتنظيمات المتطرفة، والمخاطر التي تحيط بمياه نهر النيل هي تهديدات حقيقية وجدّية بالنسبة لمصر. بينما التهديد المحتمل القادم من الحدود الغربية فهو مرتبط فقط بمخاوف السيسي على نظامه وبقائه في السلطة.
لذا لم يكن غريباً أن يقارن كثير من المصريين، باستغراب، بين خطاب السيسي الخشن والمتوتر بخصوص احتمالات التدخل العسكري في ليبيا، وضعفه وتردده فيما يخص ملف سد النهضة ومياه النيل. لذا يحاول السيسي إعادة تعريف الأمن القومي حسب هواه ومصالحه وليس حسب مصالح الشعب المصري.
الجيش المصري قادر على تحقيق تقدم بري قد يكون سريعا في الأراضي الليبية، بسبب توفره على دبابات ومدرعات وغطاء جوي؛ ورغم قوته، فالجيش المصري هو جيش تقليدي سيواجه قوات حكومة الوفاق التي تجمع بين الجيش التنظيمي وقوات العصابات، وعلى عكس ما يجري في سيناء من مواجهة مسلحين، يمتلكون البنادق والمتفجرات التقليدية، فقد يصطدم الجيش المصري في ليبيا بمسلحين لهم أسلحة نوعية قد تزودهم بها تركيا وغيرها.
المعركة المستمرة في سيناء والتدخل العسكري في ليبيا لهما خصوصية خاصة، وهي تفرض على مصر في ظروف استثنائية ليست الأمثل، ظرفاً مصيرياً خطيراً وحرجاً، وخطأ الحسابات في الظروف الحرجة نتائجه كارثية بعكس الظروف الطبيعية التي تمكن من احتواء تداعيات الأخطاء وحصر ضررها والسيطرة عليه؛ ولأن الأمر كذلك، ولأن سمعة وسلامة الجيش المصري كجيش وطني تعنى لنا الكثير فإننا نود أن نؤكد على عدد من محاذير التي على الجيش عدم الانزلاق إليها (10):
- إن قتال أبناء الجلدة من المتمردين والتدخل العسكري على أرض عربية لا يشبه أبداً قتال الأعداء من حيث تداعياته على الحالة المعنوية للجنود.
- الجيش المصري جيش تقليدي سيواجه قوات تجمع بين الجيش التنظيمي وقوات العصابات ومطاردتهم أشبه بمطاردة الاشباح، حيث يرونك ولا تراهم، ويتميزون عن الجيش بقدرتهم على المناورة والتكتيك والتمويه والتملص.
- كلما لحق الأذى بالمدنيين وسبل عيشهم جراء التدخل العسكري؛ سيزداد الغضب الشعبي المحلي والدولي على مصر.
- إن الحرب في مناطق صحراوية واسعة وصعبة التضاريس، قد يحولها إلى حرب استنزاف طويلة منهكة للجيش تستنزف قدراته المادية والتسليحية وتستنزف معنوياته وقد تفتح في جسده جرحاً دامياً، قد تكون حرب استنزاف بالوكالة تستهدف استنزاف وتفكيك الجيش المصري.
- إن الجيش المصري قد يجد نفسه تائهاً في صحراء ليبيا وسيناء، يدفع به من حملة إلى حملة بحثاً عن نصر قد لا يتمكن منه، ربما يفقده ما تبقى من احترام وثقة الشعب، الأمر الذي قد يفقده هيبته.
- ستعمل واشنطن والغرب عموما وإسرائيل على إطالة أمد الحرب في ليبيا كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن، وفي هذه الحالة سيتم استنزاف مصر من عدة جبهات، فبالإضافة إلى ليبيا، هناك الخطر القادم من إثيوبيا وتعزيز هذه الأخيرة لعلاقاتها مع إسرائيل، والخطر القادم من سيناء.
ما بين المعارك الجارية في سيناء، والاستدراج الجاري للمستنقع الليبي، والفشل في إدارة ملف سد النهضة وحماية الأمن المائي لمصر، وبعدما أصبح السيسي أداة في مخططات الإمارات العربية والسعودية، والدور الإسرائيل في استغلال الوضع كالعادة والعمل من وراء الستار، فهي تتمنى رؤية الجيش المصري ضعيفاً ومنهكاً عسكرياً، ومع طبيعة تفكير القيادة العسكرية الحالية التي فشلت في تحقيق الحسم في سيناء، وتصطف خلف السيسي حمايةً لمصالحها والبقاء بالحكم، كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن استنزاف وإنهاك الجيش المصري إذا دخل ليبيا مؤكد.
المصادر:
- الحرب الضائعة للنظام المصري في سيناء (الرابط)
- الجيش المصري: ومحاذير الغرق في رمال سيناستان (الرابط)
- بعد سنتين على انطلاق «العملية الشاملة».. لماذا فشلت «القوة الغاشمة» في سيناء؟ (الرابط)
- المصدر السابق (الرابط)
- استراتيجية الخطوط الحمراء فى التعامل مع أمن مصر (الرابط)
- البرلمان المصري “يمهد” الطريق للتدخل العسكري في ليبيا (الرابط)
- دروس الحرب والسلم المرعبة في ليبيا (الرابط)
- الجيش المصري يستعد لحرب في ليبيا تذكر بكارثة اليمن (الرابط)
- استنزاف وخسائر وتدمير لسمعة الجيش.. مخاطر وسيناريوهات التورط المصري في ليبيا (الرابط)
- هل سيعرض السيسي الجيش المصري للاستنزاف في ليبيا؟ (الرابط)
رابط المصدر: