سايمون هندرسون
أدى التركيز على التكهنات حول استخدام الرئيس ترامب أسابيعه الأخيرة في منصبه لتوجيه ضربة إلى مشروع إيران النووي إلى الإغفال عن الرواية الأكبر – وهي استغلال إسرائيل لنافذة الفرصة السياسية لاتخاذ إجراءات، وهو أمر قد يكون من الصعب التهرب منه في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.
وبالنسبة لمتابعي المسلسل التلفزيوني “طهران” الذي تدور أحداثه حول جاسوسة إسرائيلية ويُعرض خلال حقبة فيروس “كوفيد-19” على منصة “آبل بلس”، فإن فكرة قيام عملاء إسرائيليين باغتيال داخل إيران لن تبدو بعيدة المنال. وربما يكون مقتل كبير علماء الأسلحة النووية الإيرانيين، محسن فخري زاده، في ساعة مبكرة من صباح السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، مجرد لحظة أخرى لتغيير مجرى الأحداث. فعلى طريق ترابي شرقي طهران، في ظل بركان دماوند الخامد المغطى بالثلوج، والذي يشرف على أفق العاصمة، تعرضت سيارة فخري زاده لكمين.
وبانتظار انكشاف تفاصيل أوفى، تشير الصور المنشورة على موقع “تويتر” إلى عدم وجود ناجين في سيارته. ويبدو أن قنبلة تسببت بدمار سيارة أخرى بالكامل.
ويبدو أن إسرائيل عادت إلى السياسة التي انتهجتها بين عامَي 2010 و2012 المتمثلة باغتيال علماء نوويين إيرانيين، والتي تم تعليق العمل بها بسبب ضغوط إدارة أوباما لكي توافق إيران على المشاركة في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو الاتفاق النووي بين عدة دول الذي قيّد، على الورق، أنشطة طهران النووية. ولتشديد الضغط على الجمهورية الإسلامية، انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق في عام 2018. ومنذ ذلك الحين، زادت إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصب وعدد أجهزة الطرد المركزي العاملة. ويُعتقد أن هجوماً إسرائيلياً مفترضاً في تموز/يوليو على مصنع تجميع أجهزة الطرد المركزي في منشأة ناتانز (نطنز) الرئيسية قد تسبّب في تراجع ما تحقق من طموحات إيران، ولكنه لم يقوفها بالكامل.
وفي الماضي، لجأت إسرائيل إلى معارضين إيرانيين للنظام الإسلامي تلقوا تدريباً خاصاً لتنفيذ أعمالها الصعبة في إيران. ونظراً إلى الاحترافية والتعقيد اللذين اتسمت بهما الحادثة الأخيرة، من المرجح إلى حدّ كبير أن يكون أفراد إسرائيليون فعليون قد شاركوا في تنفيذها. وفي الداخل الإيراني، سيعمّ الغضب، وربما بعض الذعر؛ ولا مفر من حملة قمع أمنية.
ومن السذاجة في أحسن الأحوال الاعتقاد (رغم أن بعض الأشخاص يؤمنون بهذه الفكرة) بأن إيران علقت طموحاتها بتصنيع أسلحة نووية في عام 2003، حين خلص تحليل استخباراتي أمريكي إلى توقف أعمال تصميم الأسلحة – في حين استمر العمل على التخصيب (لصنع متفجّر نووي) وتصنيع الصواريخ (لإيصال رأس حربي). وفي ذلك الوقت، كان فخري زاده رئيس “مركز بحوث الفيزياء” الإيراني والمسؤول التنفيذي لـ “خطة آماد“، وهي برنامج الأسلحة النووية الإيراني. ومنذ ذلك الحين شهدت الهيكلية التنظيمية لمشروع إيران تغييرات عديدة في الأسماء؛ وكان أحدث منصب تولاه فخري زاده هو رئيس “منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية”.
ولم تشمل دبلوماسية إيران العلنية القائمة على التأكيد بأن أبحاثها النووية هي لأغراض سلمية، السماح لمفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بإجراء مقابلة مع فخري زاده. ونتيجةً لذلك، تعرّض زاده لعقوبات بموجب قرارات “مجلس الأمن الدولي” ومُنع من السفر الدولي. كما تمّ تجميد أصوله، فيما إذا كانت لديه في الخارج. وربما سنكتشف الآن المزيد من المعلومات عنه.
ولا يقلّ اغتيال فخري زاده أهمية عن عملية اغتيال قاسم سليماني، قائد «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني الذي تولى تنسيق أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في العراق وسوريا ولبنان، والذي قُتل على يد القوات الأمريكية في بغداد في كانون الثاني/يناير الماضي. وقد توعدت طهران بالانتقام لهذا الاعتداء ولكنها لم تفعل ذلك بعد. وفي الوقت الراهن، يتعين على إيران إقامة توازن بين ميولها الاعتيادية إلى ترقب الفرصة المناسبة للرد، والحاجة إلى الانتقام فوراً.
رابط المصدر: