عبد الامير رويح
تواصل السلطات المصرية وعلى الرغم من الانتقادات الدولية المتزايدة التي تتعرض لها، انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في هذا البلد، الذي يخضع اليوم وبحسب بعض المراقبين لسيطرة ورقابة السلطات العسكرية بقيادة السيسي، الذي سعى ومنذ توليه مقاليد الحكم الى اقصاء الخصوم واسكات الأصوات المعارضة من خلال تشديد القوانين والاجراءات،
ويرى البعض أنّ مسار الحريات في مصر دخل معتركا جديدا، فإلى جانب تزايد وتيرة الاعتقالات والعمل بقانون التظاهر وغيرها من القوانين الاخرى، تزايد القلق حول عمل المنظمات الحقوقية بعد تطبيق قوانين خاصة تعيق عملها وتحد من تحركاتها.
وتستخدم السلطات المصرية بحسب بعض المصادر، تهماً لا أساس لها من الصحة تتعلق بـ “الإرهاب” لسجن المدافعين عن حقوق الإنسان، وإخضاعهم لإجراءات عقابية دون محاكمة. وقالت جماعة حقوقية في وقت سابق إن السلطات المصرية اعتقلت ما لا يقل عن 382 شخصا منذ 20 سبتمبر أيلول وسط تقارير عن مظاهرات محدودة ومتفرقة مناهضة للرئيس عبد الفتاح السيسي. وقالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات إنها وثقت بشكل مباشر 249 حالة اعتقال خلال تسعة ايام فقط مضيفة أن محامين وجماعات حقوقية وثقوا 133 حالة أخرى. وقال مكتب النائب العام إنه أمر بالإفراج عن 68 ”طفلا“ محتجزين لمزاعم عن مشاركتهم في ”أحداث الشغب التي وقعت خلال الفترة الأخيرة“. ولم يذكر اعتقالات أخرى.
ويقول نشطاء إن الاحتجاجات ترجع في جانب منها إلى الإحباط من الوضع الاقتصادي الذي تسببت جائحة فيروس كورونا في تدهوره، وإلى حملة حكومية كبرى لفرض غرامات أو هدم مساكن غير مرخصة. وفي إشارة على ما يبدو إلى الاحتجاجات، أشاد السيسي بالمصريين لتحملهم ظروفا اقتصادية صعبة وقال إن البعض يحاول استغلال التحديات التي تواجهها مصر لتقويضها لكنهم لن ينجحوا. ومنذ انتخابه في 2014، أشرف السيسي على حملة واسعة النطاق ضد المعارضة السياسية.
استهداف جديد
وفي هذا الشأن قالت منظمة مصرية حقوقية بارزة إن قوات الأمن ألقت القبض على عضو كبير بها، بعد ثلاثة أيام من اعتقال مديرها الإداري بناء على اتهامات تشمل الانضمام إلى جماعة إرهابية. جاء القبض على الاثنين بعدما زار دبلوماسيون كبار منظمة (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) من أجل الحصول إلى إفادة بشأن وضع حقوق الإنسان في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني. ونددت منظمة العفو الدولية بما وصفته “التصعيد المخيف لحملة السلطات المصرية على المجتمع المدني”.
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن ضباط جهاز الأمن الوطني ألقوا القبض على كريم عنارة، مدير وحدة العدالة الجنائية بالمنظمة، بينما كان يقضي عطلة في منتجع دهب المطل على البحر الأحمر واقتادوه إلى مكان غير معلوم. وأضافت أن نيابة أمن الدولة العليا أمرت بحبس المدير الإداري بالمنظمة محمد بشير 15 يوما بتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة وتمويل الإرهاب، بعد القبض عليه من منزله.
وذكرت المنظمة في بيان أن النيابة وضباط الأمن وجهوا لبشير عددًا من الأسئلة دارت كلها حول طبيعة نشاط المبادرة، وحول زيارة الدبلوماسيين لمقرها يوم الثالث من نوفمبر تشرين الثاني. وعبرت وزارة الخارجية الفرنسية عن “قلقها العميق” إزاء القبض على بشير. وقالت وزارة الخارجية المصرية إنها ترفض “ما تضمنه البيان الفرنسي من تدخل في شأن داخلي مصري ومحاولة التأثير على التحقيقات”.
وأكدت الوزارة في بيان أن “الدولة المصرية تحترم مبدأي سيادة القانون والمساواة أمامه”. ونفذت السلطات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي حملة موسعة على المعارضة السياسية، تزايدت بشكل تدريجي في السنوات القليلة الماضية. ونفى السيسي وجود سجناء سياسيين في مصر، وقال إن الحكومة تدعم حقوق الإنسان من خلال توفير خدمات أساسية مثل الوظائف والإسكان. بحسب رويترز.
وبدت ردود الفعل القوية، الصادرة عن منظمات حقوقية، وجهات غربية رسمية، مختلفة هذه المرة، تجاه القبض على ثلاثة من الناشطين الحقوقيين في مصر، فقد جاءت ردود الفعل تلك قوية وكثيرة ومتتالية، بشكل رأى فيه مراقبون تغيرا في التوجه الدولي، تجاه ممارسات السلطة، ضد الجماعات الحقوقية في مصر. وربط ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي الموقف الأوروبي بالتغير الحاصل في سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، واقتراب عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الانتهاء، وهو الذي وفر، من وجهة نظرهم، حماية لعدة أنظمة في الشرق الأوسط ، في ممارساتها ضد ناشطي حقوق الإنسان.
نشطاء لحقوق الإنسان بمصر، يرون أن الخطوة التي أقدمت عليها السلطات المصرية، باعتقال الحقوقيين الثلاثة جاءت كرد انتقامي، على زيارة قام بها 13 سفيرا ودبلوماسيا غربيا معتمدا لدى القاهرة، إلى مقر المنظمة لبحث حالة حقوق الإنسان في البلاد، وقد عزز من ذلك الاستنتاج ما قالته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة والتي قالت في بيان استنكر ما حدث إن الاعتقالات “تمت على ما يبدو انتقاما” لأنها جاءت بعد أن استضافت “المبادرة المصرية” اجتماعا مع 13 سفيرا ودبلوماسيا.
ورفضت الخارجية المصرية، في رد رسمي لها، كل تلك الانتقادات والإدانات للاعتقالات الأخيرة، ولأوضاع حقوق الإنسان في مصر بشكل عام، قائلة إنها ترفض ما وصفته بمحاولات التاثير على سير التحقيقات، مع مواطنين وُجهت إليهم اتهامات، وقال المتحدث باسم الوزارة إنه يجب احترام “مبدأ السيادة الوطنية للدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”. ووصفت الخارجية المصرية المبادرة بالكيان “غير القانوني”، وقالت إنها تصدّت للتعقيب على “استنتاجات خاطئة شاعت في تغطيات إخبارية، وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وأضافت أن الموظفين محمد بشير وكريم عنّارة، وجاسر عبد الرازق اعتقلوا بتهم من بينها “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و “نشر أخبار كاذبة”.، وقد وضعوا في الحبس الاحتياطي لمدة 15 يوما، وهي مدة يمكن تمديدها بموجب القانون المصري إلى عامين.
غير أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ردت ببيان مطول عن أسباب اعتقال مسؤوليها الثلاثة، شددت فيه على أن “الاستهداف الشرس أمنيا وإعلاميا للمبادرة المصرية هو ببساطة نتيجة جهودها في الدفاع عن حقوق المصريين والمصريات الأساسية التي يكفلها دستور البلاد والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة”.
اعدامات وتعذيب
من جانب اخر قامت مصر بتنفيذ 49 حكما بالاعدام خلال عشرة أيام فقط من شهر تشرين الأول/أكتوبر، وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الانسان التي تطالب السلطات المصرية ب”الوقف الفوري” للاعدامات. وقالت المنظمة التي تستند اساسا الى معلومات نشرت في الصحف المصرية إن “الحكومة لا تعلن عادة عن الاعدامات ولا تبلغ أسر المسجاين بها”. ومن بين من نفذ حكم الاعدام فيها 15 رجلا متهمين بالتورط في ثلاث قضايا عنف سياسي، وفق هيومن رايتس ووتش.
وثلاثة من هؤلاء متهمون بالاشتراك في الهجوم العنيف في العام 2013 على قسم شرطة كرداسة وهي ضاحية في جنوب القاهرة معروف عنها أنها معقل للاسلاميين ، بحسب هيومن رايتس ووتش التي تستند الى معلومات نشرها مركز الشهاب لحقوق الانسان. ودين عشرة آخرون ممن تم اعدامهم شنقا، بالمشاركة في اعتداءات أعلنت مجموعة أجناد مصر مسؤوليتها عنها في 2014 و2015 بينما دين اثنان آخران في تظاهرة عنيفة بالاسكندرية عام 2013. ومن بين الذين تم تنفيذ حكم الاعدام فيهم، 13 رجلا كانوا محتجزين في سجن في القاهرة شهد في أيلول/سبتمبر حادثا عنيفا قتل خلاله أربعة سجناء وأربعة حراس.
وقال جو ستورك نائب مدير ادارة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في هيومن رايتس ووتش إن “اعتياد السلطات المصرية على تنفيذ أحكام اعدام بعد الهجمات على قوات الأمن تجعل وقف تلك الاعدامات أكثر الحاحا”. وأشارت المنظمة الى أنه من بين ال 34 الأخرين الذين تم اعدامهم، وضمنهم امرأتان، متهمين في قضايا جنائية مثل القتل .
وبحسب المنظمة، فان مصر باتت تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي واحدة من الدول العشر في العالم التي يصدر بها أكبر عدد من أحكام الاعدام. ومنذ أن أطاح الجيش في العام 2013 بالرئيس الاسلامي الراحل محمد مرسي ووصول السيسي الى السلطة في العام التالي، شنت أجهزة الأمن قمعا متصاعدا ضد كافة أطياف المعارضة الاسلامية والليبرالية واليسارية.
كما أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية في وقت سابق، أنّ أربعة معتقلين توفوا في سجون مصرية بين 31 آب/أغسطس و2 أيلول/سبتمبر، مندّدة بـ”إهمال غير مقبول” من جانب سلطات السجون المصرية. وقالت المنظمة في بيان إنّ “رجلاً مصرياً (64 عاماً)، كانت أسرته المستقرّة في الولايات المتحدة قد طالبت بإطلاق سراحه في عدة مناسبات بسبب وضعه الصحي، توفي في سجن طرة-2 شديد الحراسة، المعروف بسجن العقرب، بعد عامين تقريباً من احتجازه دون محاكمة”.
وأضافت أنّ أحمد عبد النبي محمود اعتقل في نهاية 2018 بتهمة الانتماء إلى “جماعة أسّست على خلاف أحكام القانون”. ونقل البيان عن جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، قوله إنّه “عندما تحتجز السلطات المصرية أحد الأشخاص، تُصبح مسؤولة عن سلامته.
وأضافت هيومن رايتس ووتش في بيانها نقلاً عن “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، وهي جماعة حقوقية محليّة، أنّ “ثلاثة مصريين آخرين، كانوا محتجزين في سجون أخرى، توفوا خلال يومين فقط، وأوضحت أنّ هؤلاء الثلاثة هم “صبحي السقا في سجن برج العرب في الإسكندرية (شمال) وشعبان حسين خالد في سجن الفيوم (غرب)، وعبد الرحمن يوسف زوال في سجن تحقيق طرة” بالقاهرة. بحسب رويترز.
وتزايدت اتهامات الإهمال الموجّهة إلى السلطات المصرية في السنوات الأخيرة بعد وفاة العديد من السجناء، من بينهم الرئيس السابق محمد مرسي والمخرج الشاب شادي حبش. وذكّر ستورك في البيان بأنّ “المحتجزين والسجناء ما زالوا يموتون في السجون المصرية رغم المناشدات الحثيثة لتوفير رعاية صحيّة مناسبة. يعكس هذا الأمر إهمالاً غير مقبول من جانب سلطات السجون المصرية”. وفي منتصف آب/أغسطس توفي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان في السجن. ووفقاً لمنظمات حقوقية فإنّ عدد السجناء السياسيين في مصر يناهز 60 ألف سجين.
رابط المصدر: