مهارات الحياة والمواطنة – رؤية علمية تحويلية لأنظمة تعليم معاصرة

تقديم :

إن تطور حياة الشعوب وتعدد ثقافاتها؛ وتعدد فلسفات التربية وتطورها وفقاً لمتغيرات بيئة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، فضلاً عن اختلاف تلك المتغيرات من مجتمع إلى آخر؛ وأصبحت فلسفة التربية والتعليم أداة فعالة في التنشئة الاجتماعية ومترجمة لفلسفة المجتمع ومحققة لأهدافه في التنمية الشاملة، وبالتالي ظهرت الحاجة إلى وجود رؤى شاملة للتعليم ومستمرة مدى الحياة، وتقوم على الحقوق،تستند عليها سياسات وبرامج اصلاح التعليم الرامية إلى دعم الأداء الناجح في مؤسسات التعليم والعمل وفي الحياة إجمالاً، ولهذا يتطلب وجود أنظمة للتربية والتعليم قادرة على تنمية طيف واسع من المهارات والقيم وتطويرها لدى أفراد المجتمع.

ومن اللافت في الأمر؛ أن هناك فجوة بين التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم، وانعكاساته على أنظمة التعليم وعملياتها، وبين نواتج التعلم في الدول العربية ومنها اليمن،وعدم قدرة أنظمة التعليم على التحول من التعليم إلى تعلم. إذ مازال أنماط التعليم الصفي التقليدي وأساليب التعلم وإجراءات الامتحان، فضلاً عن هشاشة بيئات التعلم وتوظيفها في خدمة معتقدات متطرفة هدامة لقيم وتعاليم الدين الإسلامي السمح، وتعيق وجود تعليم يتوافق مع حقائق الواقع المعاصر، تمكن الطلبة من النجاح في الدراسة وفي المقدرة على العمل وتتصف دوافعهم وسلوكياتهم بالإيجابية نحو بناء المجتمع المتماسك والقوي.

ومن دواعي كتابتي لصفحات هذا الكتاب؛ ايمان راسخ بأن الله عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم، إلا أن العوامل المؤثرة على التفكير الإنساني هي من تصنع الفوارق بين الشعوب، وأن أنظمة التعليم هي مرتكز أساس في بناء المجتمعات، وأن التفاوت في التطور الاقتصادي وتكنولوجيا المعلومات والاتصال بين الدول المتقدمة والنامية؛ يكون سببه أنظمة تعليم متطورة، تمتلك رؤية علمية تحويلية لتعليم معاصر، وقادرة على الانتقال من التعليم إلى التعلم، فضلاً عن أمل كان يراودني، بدء مع بداية مسيرتي المهنية التي بدأت عام 1995م، عندما كنت معلماً لمادة الرياضيات لطلبة المرحلة الثانوية، ثم تدرجت في أعمالي المهنية؛ الإدارة المدرسية، فالإدارة التعليمية؛ والتي امتزجت بالعمل الطوعي المجتمعي والإنساني، إذ لاحظت؛ أن المناهج الدراسية يشوبها نقص المهارات التطبيقية التي غلب عليها الجانب النظري، فضلاً عن ضعف الأنشطة التطبيقية وغيابها في معظم الأحيان، ويرافق ذلك تدني المهارات المهنية لدى المعلمين والإدارات المدرسية والتعليمية، وعلى الرغم من بروز محاولات لإصلاح التعليم في اليمن، إلا أن الفجوة كبيرة بين الواقع والمأمول، فضلاً عن تكبد البلاد لأزمات مركبة ومتلاحقة، مما زاد من حالة عدم التأكد لمختلف سياساتها وخططها التنموية، وسيادة حالة عدم الاستقرار على المدى المتوسط والطويل، كل ذلك جعل من مخرجات التعليم؛ موارد بشرية تحمل مؤهلات وشهادات ولا تمتلك المهارة والقدرة على مواكبة احتياجات سوق العمل، وغير قادرة على المنافسة في التوظف، أو أن تكون مدركة للمخاطر التي تواجهها وتواجه المجتمع إجمالاً.

كما أن لمسيرتي التعليمية المدرسية والجامعية والأكاديمية (الماجستير والدكتوراه)؛ إسهاما في توليد تلك الرغبة والقناعة بأهمية أن يمتلك النظام التعليمي في اليمن رؤية تحويلية لجميع السياقات التعليمية، وتسير وفق منهجية تتجه نحو الانتقال من التعليم إلى التعلم،وأن تمتلك كل مؤسسة تعليمية وتربوية خطط طويلة الأجل؛ لتنمية مهارات الحياة والمواطنة لما لذلك من تأثير إيجابي كبير في تحسين جودة مخرجاتها، وعلى وجه التحديد المؤسسة التعليمية الجامعية باعتبارها الرافد الرئيس للمجتمع أفراد صالحين قادرين على حماية من المخاطر المحدقة به، وعلى تحقيق أهدافه التنموية، ولسوق العمل بالعمالة الماهرة والواعية لمتغيرات عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال، آخذت في اعتبارها الأول أن عصر المعرفة يعتمد في تصنيف الدول ومستوى تقدم المجتمعات على ما تمتلكه من رأس مال معرفي، وانعكاس ذلك ايجاباً على كفاءة ومهارة مواردها البشرية المؤهلة.

ويتناول هذا الكتاب في طياته خلاصة جهد متواصل من البحث والتدقيق ما يفيد في إبراز رؤية تحويلية لتعليم معاصر وفق متطلبات القرن الحادي والعشرين، حيث قسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، الأول: ويتكون من فصلين؛ يمثلان مدخل فلسفي وفكري لمهارات الحياة والمواطنة، والباب الثاني: يتكون من خمسة فصول تبرز عملية التعليم لمهارات الحياة والمواطنة بشكل مفصل وأكثر ايضاحاً وفقاً لأبعاد التعلم الأربعة، ثم الباب الثالث: ويتضمن الآليات والإجراءات المنهجية وأدوات القياس لتعلم مهارات الحياة وتقييمها. والله ولي الهداية والتوفيق””

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M