يقوم حاليًا الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بتقييم الخطط المستقبلية لبعثة حفظ السلام الجديدة AUSSOM، والتي سيقودها الاتحاد الأفريقي في الصومال بعد انتهاء مهمة الاتحاد الأفريقي الحالية ATMIS في نهاية عام 2024، مع اشتراك عدة دول في هذه البعثة. وستعطي البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام AUSSOM الأولوية لمهمات محددة، مثل: توفير الأمن للمواطنين الصوماليين، وإضعاف حركة الشباب؛ من خلال قوة بحجم مماثل للبعثة الانتقالية الحالية ATMIS بأكثر من 20 ألف جندي من جميع الدول المشاركة في البداية، ثم يتم خفضها بشكل تدريجي حتى اكتمال المهمة. وتعتزم مصر المساهمة في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال للمرة الأولى، وقد تم قبول العرض المصري من قبل الاتحاد الأفريقي في 1 أغسطس، وأكدت القاهرة مساعدة الصومال في محاربة الإرهاب.
تحديات مكافحة الإرهاب في الصومال
يعاني الشعب الصومالي من الإرهاب المتمثل في حركة “الشباب” الإرهابية التي لا تزال واحدة من أقوى وأنجح فروع تنظيم القاعدة. أهدافها هي تدمير الحكومة الفيدرالية للصومال، وتحرير الصومال من القوات الأجنبية، وإقامة دولة “الصومال الكبرى”، والتي تضم جميع الصوماليين في شرق أفريقيا تحت حكم إسلامي صارم.
ونشأت حركة “الشباب” في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي عندما عاد الصوماليون الذين انضموا إلى المجاهدين الأفغان في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي إلى بلدهم. وبين عامي 2006 و2008، سيطرت حركة “الشباب” على معظم جنوب الصومال وزادت قواتها إلى الآلاف. وفي عام 2007، وافقت الأمم المتحدة على إنشاء قوة إقليمية لحفظ السلام، هي بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، لحماية الحكومة الفيدرالية الانتقالية في مقديشو.
وترجع قدرة حركة “الشباب” على الصمود إلى عدم فاعلية الهجمات المضادة من القوات الدولية من ناحية، وضعف القدرة العسكرية للحكومة الصومالية من ناحية أخرى. وعلى الرغم من استعادة الأراضي التي سبق الاستيلاء عليها بين عامي 2012 و2015، وجدت القوات الحكومية والدولية صعوبة بالغة في الحفاظ على عدة مناطق، مما سمح للمتشددين بالعودة.
وتعد عمليات مكافحة الإرهاب من أصعب العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة لأي دولة، لأن الخصم يعتمد على التكتيكات غير النظامية، وهجمات العصابات، والكمائن، وكذلك استخدام المدنيين كدروع بشرية أو التلاعب بالشباب من أجل تعزيز ونشر أيديولوجيته. ونتيجة لذلك، يتطلب القضاء على الإرهاب التعاون بين القوات العسكرية والحكومة المعنية، بالإضافة إلى ضرورة تعقب الإرهابيين ومخابئ أسلحتهم وتدميرها، الأمر الذي يتطلب جنودًا مدربين تدريبًا عاليًا ومجهزين قادرين على تنفيذ المهام المطلوبة.
وبالتطبيق على النموذج الصومالي، فإن حركة الشباب تتمتع بمرونة كبيرة لتغيير قواعدها لجر قوات الأمن إلى الكمائن أو تشتيت انتباهها بواسطة شن الهجمات على المدن الأقل حماية في ذلك الوقت؛ لمحاولة إجبار القوات الحكومية والدولية على الالتزام بمهمات الدفاع الثابتة وعرقلة عامل المناورة في مسرح العمليات. وكان عدد القتلى في صفوف قوات الاتحاد الأفريقي مرتفعًا، حيث قُتل أكثر من 3.500 شخص منذ بدء المهمة في عام 2007. ومع الخوف من احتمال وقوع المزيد من الضحايا، أدى ذلك إلى بقاء قوات بعثة السلام الأفريقية في قواعدها، حيث قامت بعمليات هجومية قليلة منذ عام 2016، وهو الغرض الرئيس لحركة الشباب لمواصلة مجهودها المستمر في إثارة الذعر وتجديد قوتها. ولذلك، النتيجة النهائية هي الفشل في ردع الحركة الإرهابية، بالرغم من التكلفة المرتفعة لبعثة الاتحاد الأفريقي التي تتجاوز مليار دولار بشكل سنوي.
كانت إحدى المحاولات الأمريكية لمساعدة الجيش الصومالي هي تكوين وحدة للمهام الخاصة عالية التدريب، وسُمّيت بلواء الصاعقة “الدنب”. بدأ التدريب عام 2013 في قاعدة “باليدوجل” الجوية بالقرب من مقديشو، وكان المشاركون 150 عسكريًا صوماليًا فقط، وارتفع العدد إلى 570 عسكريًا في نهاية عام 2014. كما تم تكوين لواء مقاتل بقوة تصل إلى 3500 عسكري.
كان البرنامج التدريبي يضمن العمل في كل من البيئات الحضرية والريفية، ويهدف إلى إعداد الجنود لحرب العصابات وجميع أنواع العمليات العسكرية الحديثة، واستخدام الخطط والتكتيكات الأمريكية في تنفيذها. هذا قد يسهل عملية دمج القوات الأمريكية في سيناريو قتالي مشترك في حالة الرغبة من الجانب الصومالي. يشترك لواء الصاعقة الصومالي في العديد من التدريبات الدولية مثل “Justified Accord” لعام 2024. قدمت هذه القوات مجهودات كبيرة لمحاربة حركة الشباب، إلا أنها ينقصها الزخم المطلوب للقيام بالعمليات الموسعة، وليس فقط العمليات الخاطفة والانتقائية.
64 عامًا من مهمات حفظ السلام المصرية
تعد مصر، حسب موقع الأمم المتحدة، من أكثر الدول المشاركة في مهمات حفظ السلام، فهي من بين أكبر 10 دول عالميًا والأولى عربيًا. وتأتي مشاركة مصر في مهمات حفظ السلام من منطلق دورها الحيوي في الشرق الأوسط وحرصها على دعم جهود السلام في العالم، وقد بدأ ذلك منذ عام1960. وفي أفريقيا، شاركت مصر في قوات حفظ سلام في عدة بلدان مثل: الكونغو، وبوروندي، وليبريا، وجزر القمر، وموزمبيق، وأنجولا، وأفريقيا الوسطى، وكوت ديفوار. وامتدت هذه المشاركة كذلك لتشمل دولًا خارج القارة الأفريقية مثل مشاركتها في بعثة حفظ السلام في “سرييفو بالبوسنة”.
ويعكس ذلك قدرة القوات المصرية على التكيف الميداني السريع في أي مسرح عمليات، وذلك عبر قوات مؤهلة ومدربة لمثل هذه العمليات المعقدة، بجانب تجهيزات وعتاد يدعم تنفيذ كافة المهمات المطلوبة وبذل كل الجهود والتضحيات لإتمامها. وقد شاركت مصر إجمالًا في 37 بعثة لحفظ السلام بالأمم المتحدة بمشاركة 37 ألف فرد. وفى سبيل تأدية مصر لدورها فى حفظ السلام، فقدت ٢٨ شهيدًا من قواتها فى عمليات حفظ السلام.
وتحكم مشاركة القوات في عمليات وبعثات حفظ السلام ثلاثة مبادئ أساسية حددتها الأمم المتحدة، وهي:
- موافقة الدول المتنازعة؛ وذلك لعدم اعتبار القوة الموجودة جزءًا من الصراع بين جميع الأطراف.
- الحيادية بين جميع الأطراف لمراقبة أي انتهكات والإبلاغ بها.
- عدم استعمال القوة إلا للدفاع عن النفس والمنطقة المنوط حمايتها. وفي حالات محددة، يتم استخدام كافة الوسائل لردع لأي محاولات قد تهدد المواطنين.
وقد نالت المشاركات المصرية في بعثات وقوات حفظ السلام إشادات دولية كثيرة نتيجة تفاني القوات المصرية في أداء مهامها، ومن هذه الإشادات:
في مايو 2016، تلقى قطاع الأمن المركزي إشادة دولية ومحلية للأداء الأمني رفيع المستوى لوحدات الشرطة المصرية المشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بدولة الكونغو الديمقراطية، وبكفاءة وحرفية القوات في أداء مهامها الأمنية التي تقوم بها لحفظ الأمن ومواجهة كافة أشكال الجريمة.
في يوليو 2019، أشادت الأمم المتحدة بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام، حيث لفتت شرطة الأمم المتحدة، عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، بأن مصر تظل ضمن أكبر 3 مساهمين بقوات شرطة ضمن قوات حفظ السلام. وجاءت الإشادة على هامش عقد إدارة الاختيار والتعيين في شرطة الأمم المتحدة اجتماعات في وزارتي الخارجية والداخلية المصرية، في أعقاب عقد مدير مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ السلام، دورات تدريبية بالتعاون مع الأمم المتحدة، لدعم وترسيخ الأمن والسلام في القارة الإفريقية، وذلك تزامنًا مع الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي.
في مايو 2021، احتفت الأمم المتحدة بأسماء خمسة من حفظة السلام المصريين ممن خدموا مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي “مينوسما”. وأشادت المُنسقة المُقيمة للأمم المتحدة في مصر إلينا بانوفا، بالدور الذي تلعبه القاهرة كأحد أكبر المساهمين في عمليات حفظ السلام الأممية، وقالت بانوفا: “لطالما كانت مصر شريكًا أساسيًا على الطريق إلى السلام الدائم.. وإننا في منظومة الأمم المتحدة في مصر، نُحيي شجاعة وخدمة وتضحية حفظة السلام المصريين من أجل حماية المستضعفين والمساعدة في بناء السلام”.
ختامًا، يعاني الصومال لسنين طويلة من ويلات الإرهاب، مع العديد من المحاولات المحلية والدولية للقضاء عليه دون فاعلية كبيرة. وهو ما دفع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لاستبدال البعثة الحالية وتعيين بعثة جديدة بخطط ومهام جديدة لمواجهة الإرهاب. وتحكم المشاركة المصرية في بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام بالصومال دوافع متعددة، منها تاريخ العلاقات المشتركة الكبير بين البلدين، وحرص القاهرة على دعم السيادة الوطنية للدول المعترف بها دوليًا. وستعمل القوات المصرية لحفظ السلام ضمن الضوابط والأعراف الدولية، وهي بالفعل تاريخًا طويلًا وخبرات متراكمة لتأدية هذه المهمات على أكمل وجه، بجانب المستوى الراقي للقوات المصرية المشهود لها عالميًا.