بالنظر إلى المواجهة الحادة التي شهدتها المناظرة التلفزيونية بين دونالد ترمب وكامالا هاريس، فلا بد أن الرئيس الأميركي السابق يفضل لو أنه كان ما زال في منافسة مباشرة مع جو بايدن نفسه في السباق إلى البيت الأبيض، بدلا من مواجهة بديلته مرشحة الحزب الديمقراطي. فقبل إعلان بايدن قراره بعدم السعي لإعادة انتخابه لولاية ثانية، كان ترمب قد أحرز تقدما ملحوظا في حملته الانتخابية على حساب بايدن.
وبعد الأداء الكارثي لبايدن في مناظرته التلفزيونية مع ترمب في يونيو/حزيران، حيث أظهر الرئيس تشتتا واضحا زاد من المخاوف حول قدراته الذهنية بين الناخبين الأميركيين، تمكن ترمب من تحقيق تقدم بنسبة 4 نقاط مئوية على بايدن. هذا الفارق كان كافيا ليضعه في موقع قوي لتحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وقد دفع الأداء المتعثر لبايدن، سواء في المناظرة أو في استطلاعات الرأي، عددا من كبار الشخصيات الديمقراطية، بمن فيهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، إلى الضغط عليه للتنحي لصالح نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تُعتبر أصغر سنا وأكثر ديناميكية.
وتجلى الانتعاش الذي شهده الديمقراطيون بعد تأمين هاريس للترشيح الرئاسي في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو الشهر الماضي بوضوح خلال مناظرتها التلفزيونية مع ترمب، حيث وجد الرئيس السابق نفسه يواجه تحديا جادا من منافسة قوية على الرئاسة، بدلا من تسجيل نقاط بسهولة كما كان الحال مع بايدن.
ومع أن نتيجة المناظرة ما زالت موضع جدل حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث يدعي كل طرف أن مرشحه تفوق فيها، فإن ترمب بدا أقل ارتياحا بشكل واضح خلال الحدث الذي استمر 90 دقيقة، والذي استضافته قناة “إيه بي سي” الأميركية.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها ترمب بهاريس منذ ترشيحها، ورغم أن الحدث بدأ بمصافحة ودية، فإنه سرعان ما تحول إلى منافسة شرسة لتسجيل النقاط، حيث سعى كلا المرشحين إلى التفوق على الآخر في القضايا التي تهمه.
ومنذ اللحظة الأولى، كان واضحا أن هاريس- المحامية المخضرمة التي شغلت سابقا منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا- تسعى لاستغلال أسلوبها القانوني في المرافعات لإرباك ترمب، السياسي المعروف بحساسيته الشديدة.
رغم أن الحدث بدأ بمصافحة ودية، فإنه سرعان ما تحول إلى منافسة شرسة لتسجيل النقاط
وفي عدة مناسبات، نجحت هاريس في إغضاب ترمب بوضوح من خلال انتقاداتها اللاذعة لمواقفه بشأن قضايا متعددة، أبرزها قضية الهجرة الشائكة. حيث اتهمت هاريس الرئيس السابق بأنه كان أكثر اهتماما باستخدام هذه القضية كأداة انتخابية بدلا من السعي إلى حلها بشكل حقيقي.
يمكن القول إن أكثر هجمات هاريس استفزازا على ترمب جاءت عندما زعمت أن مسيراته السياسية، التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في السابق، لم تعد تلقى نفس الدعم الجماهيري. حيث دعت متابعي المناظرة إلى حضور تجمعات ترمب، لأن ما سيلاحظونه هو أن “الناس يغادرونها مبكرا بسبب الإرهاق والملل”.
أثار هذا التعليق ردا غاضبا من ترمب، الذي سارع بالقول: “أولا، دعيني أوضح بخصوص المسيرات. تقول إن الناس يغادرون؟ الناس لا يذهبون حتى إلى مسيراتها. لا يوجد سبب للذهاب… أما مسيراتي، فلا يغادرها أحد. نحن نحظى بأكبر المسيرات، وأكثرها روعة في تاريخ السياسة”.
وعلى النقيض من ذلك، ركز ترمب هجومه الرئيس على هاريس من خلال السخرية من مواقفها حول عدد من السياسات، مثل التكسير الهيدروليكي ودعم الدعوات لتقليص تمويل الشرطة. وقال متهكما: “الجميع يضحكون عليها”، مضيفا: “لقد تخلت عن 12، وربما 14 أو 15 سياسة مختلفة”.
وواصل ترمب هجومه الحاد بوصف هاريس بأنها “ليبرالية يسارية متطرفة”، واتهمها بدعم الجهود التقدمية التي دعت إلى سحب التمويل من أقسام الشرطة في ولاية مينيسوتا بعد وفاة جورج فلويد عام 2020.
واصل ترمب هجومه الحاد بوصف هاريس بأنها “ليبرالية يسارية متطرفة”
وبينما أثبت نهج ترمب الصريح فعاليته الواضحة خلال مناظرته في يونيو/حزيران مع بايدن، حيث بدا الأخير أكثر توترا مع تقدم النقاش، حظيت هاريس بالثناء على تعاملها الهادئ والمستقر مع هجمات ترمب، رغم أنها ظلت مراوغة في الرد على بعض الأسئلة الرئيسة، مثل أداء إدارة بايدن في التعامل مع الاقتصاد.
كانت السياسة الخارجية نقطة هجوم رئيسة أخرى بين المرشحين، حيث اتهم ترمب إدارة بايدن بإنفاق 250 مليار دولار بعد غزو روسيا لأوكرانيا، دون الضغط على الدول الأوروبية لتحمل نفس العبء المالي. وردّت هاريس بأن زعماء العالم سخروا من ترمب، وأكدت أنه لو كان لا يزال في البيت الأبيض، لكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كييف الآن.
ورغم أن النقاش انتهى دون أن يحقق أي من المرشحين ضربة قاضية ضد خصمه، كما كان الحال في مناظرة ترمب مع بايدن، فإن النتيجة الواضحة الوحيدة من هذا الحدث هي أن ترمب يواجه خصما قويا في سعيه لتأمين فترة ولاية ثانية في البيت الأبيض.
وفي حين أظهرت استطلاعات الرأي تقاربا بين ترمب وهاريس في السباق الرئاسي، فإن ترمب بلا شك سيشعر بالقلق من أن زخم الحملة بدأ يميل لصالح هاريس، خاصة بعد حصولها على تأييد نجمة البوب العالمية تايلور سويفت، فور انتهاء المناظرة.
وإذا تمكنت هاريس، التي تبدو واثقة ومتزنة، من الاستمرار في جذب دعم الشخصيات البارزة مثل تايلور سويفت، فإن فرصتها في التغلب على ترمب في السباق الرئاسي ستصبح أكبر بكثير.
المصدر :https://www.majalla.com/node/322188/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D8%AE%D9%86%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3