سلسبيل سعيد
دولة يهودية في فلسطين، وتحارب دخول الفكر الصهيوني على أبناء الديانة اليهودية، ويصلي أعضاؤها يومياً لأجل التفكك السلمي والسريع لدولة الكيان الإسرائيلي.
المقدمة
تعد جماعة ناطوري كارتا (Neturei Karta) المناهضة للصهيونية وللكيان الإسرائيلي المغتصب للحق الفلسطيني، من الجماعات التي لا يكاد يعرفها كثيرون، وهي جماعة تناضل لأجل ألا تقام دولة يهودية في فلسطين، وتحارب دخول الفكر الصهيوني على أبناء الديانة اليهودية، ويصلي أعضاؤها يومياً لأجل التفكك السلمي والسريع لدولة الكيان الإسرائيلي.
ويرون فيما يسمى عيد الاستقلال الإسرائيلي (ذكرى تأسيس الكيان الإسرائيلي) يوم حداد، ويصومون فيه ويتوجهون إلى الله بالدعوات لإزالة دولة الكيان الإسرائيلي، ويحرقون الأعلام الإسرائيلية ويرفعون العلم الفلسطيني، ولا يؤمنون بقرار حل الدولتين وإنما يؤمنون بضرورة إلغاء قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة عام 1947، ويؤمنون بدولة فلسطينية واحدة فقط عاصمتها القدس الشريف.
ولا يتعاملون مع حكومة الكيان الإسرائيلي، ولا يمارسون سياستها العنصرية والاحتلالية ضد الفلسطينيين، بل ويحرِّمون الدخول إلى المسجد الأقصى، ولا يقتربون من حائط البراق، وفقاً لتعاليم التوراة التي تنص على حظر ذلك (لأن القدس فتحت بالقوة لا بالاختيار الإلهي)، ويؤمنون بأن من يفعل ذلك يستوجب أن يتلقى أشد أنواع العقاب.
ويدافع أعضاء الجماعة باستمرار عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه في كل المحافل الدولية والإقليمية التي يشاركون فيها، بل ويعتذرون باستمرار للفلسطينيين والعرب بشكل عام عن الأفعال التي تمارسها دولة الكيان الإسرائيلي، ويصفون ما تقوم به بالأفعال الإجرامية والمنافية للشريعة اليهودية.
ومع ذلك يظل تعريف الجماعة وأنشطتها لدى الأوساط الإعلامية والسياسية، الإسلامية والعربية، ضعيفاً جداً، ولذلك تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على جماعة ناطوري كارتا، ذلك الصوت اليهودي المناهض بشدة للكيان الإسرائيلي المحتل ولفكره الصهيوني المعتل؛ من خلال التعريف بها، وذكر أهم أنشطتها ومساعيها في محاربة الصهيونية وزعمائها، والتعمق أكثر في أسباب دفاعهم عن فلسطين وقضيتها، وما هي مآلات نشاطهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
ولكن قبل هذا تقدم الورقة تعريفاً بالفكر الصهيوني، وكيف أُنشئ هذا الفكر، وما هي أبرز المنظمات والجماعات التي ترفضه وتحارب نسبه إلى العقيدة اليهودية، أو تناهض الممارسات العنصرية واللاإنسانية التي يمارسها الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
أولاً: نشأة الصهيونية
قبل البدء بذكر محطات إنشاء الصهيونية لا بد من الإشارة إلى تعريفها أولاً؛ إذ تعرف الصهيونية حسب ما اعتقد به منظروها بـ”الحركة الرامية إلى إعادة اليهود إلى “وطن أجدادهم”، (إرتس يسرائيل) (Eretz Yisrael) حسب ما جاء في الوعد الإلهي والوعود المشيحانية لليهود”[1].
بدأ المشروع الصهيوني بالظهور مع أحداث حركة التحرير أو التنوير في أوروبا التي امتدت خلال القرن الثامن عشر، والتي كان لها أثر كبير في نفوس اليهود، حيث أصبح من الممكن لليهود القبول بالانصهار الكامل بين شعوب الدول الأوروبية الموجودين فيها بصفتهم مواطنين كالمسيحيين، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وهو ما عدَّه بعض اللاهوتيين اليهود جزءاً من الشتات الذي فُرض عليهم تكفيراً لخطاياهم[2].
“ولكن تحرير اليهود وتمتعهم بكافة الحقوق التي جاء بها عصر التنوير إلى الأمم الأوروبية لم يتحقق بالفعل، أو لم يتحقق كله؛ إذ أصبح التنوير ينقض مفترضاته شيئاً فشيئاً في أوروبا، وأصبحت حرية الرأي تتحول إلى تسلُّط فكري جديد، وهو ما أدى بتحول التسلط الفكري إلى تسلط سياسي اجتاح أغلب الدول الأوروبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واُضطهد اليهود من جديد وأُفرزت نظريات قومية متطرفة كنظرية الدم والأرض، والتي رفضت الوجود اليهودي تماماً على الأرض الأوروبية”[3].
نتيجة لهذا الرفض تضاعفت المواقف المعادية لليهود في أوروبا الشرقية والغربية، ولا سيما بعد قضية ألفريد دريفوس في فرنسا، وهو قائد يهودي اتُّهم بالتجسس ضد الجمهورية الفرنسية الثالثة في عام 1894، ثم نال البراءة، ولكن هذا الاتهام ضاعف من المواقف المعادية لليهود في فرنسا واتسع بعد ذلك إلى كل قارة أوروبا[4].
هنا وجد اليهود أنفسهم مضطهدين من جديد في الدول التي قبلوا الاندماج والانصهار في شعوبها، وهم الذين تمكنوا من مفردات ومبادئ الحركة التنويرية في أوروبا، وهو ما دفع بعضهم في أوروبا الشرقية إلى تبني أفكار يمكن تسميتها بـ”القومية اليهودية”، التي تعني أنه يمكن لليهود في مواقع مختلفة وخلفيات مختلفة أن يكونوا مرتبطين معاً كأمة واحدة.
ونتيجة لعصر التنوير الذي توسع فيه الأخذ بالمفاهيم الفلسفية الإنسانية بشكل كبير بين معتنقي اليهودية في أوروبا، فقد تصاعدت معدلات الحلولية على حساب المعتقدات التوحيدية داخل أتباع الديانة اليهودية. تلك الحلولية التي جعلت من وحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية مفهومين مترادفين، “وأصبح خلالها من الممكن الحديث عن المقدس بلغة الزمني، والزمني بلغة المقدس، والروحي بلغة المادي، والمادي بلغة الروحي”[5]، وهو ما أدى إلى سهولة انتشار الفكر الصهيوني وفلسفته في رفض فكرة العودة الشخصية للمسيح وإبدالها بفكرة الدولة اليهودية التي تحل محل الماشيح بالنسبة للادينيين أو التي تمهد الطريق لعودته بالنسبة للدينيين الملتزمين.
لم تُحدَّد الدولة اليهودية في بداية المشروع الصهيوني بفلسطين، بل كان الهدف فقط إيجاد أرض بديلة، فقد طرحت خيارات أخرى كالأرجنتين وأنغولا وأوغندا وليبيا[6]، ولكن فلسطين بما لديها من قدسية وارتباط وثيق بمعتقدات اليهود كانت أكثر مقترح يمكن استغلاله من قبل المشروع الصهيوني لإقامة دولته المزعومة.
ولعل أبرز منظري المشروع الصهيوني هو الحاخام ناثان بيرنياوم، الذي كان أول من استخدم مفهوم الصهيونية في مجلة الانعتاق الذاتي عام 1890، وبعدها توسع مفهوم الصهيونية ليصبح مفهوماً قومياً سياسياً نتيجة تمكن ثيودور هرتزل، عام ١٨٩٧، من عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا[7].
دعا هرتزل، في كتابه (الدولة اليهودية) الذي أصدره قبل عام واحد من المؤتمر الذي تزعمه، إلى تحويل الحلم الديني لليهود (العودة إلى أرض “فلسطين”)، الذي كان حتى نهاية القرن التاسع عشر عبارة عن انتظار لأمر إلهي بالعودة إلى فعل حقيقي على أرض الواقع من خلال تبرير الفعل السياسي الذي يطمح إلى إنشاء دولة لليهود على أرض الآخرين[8].
لم يكن للجناح الديني في بدايات الصهيونية أي دور يذكر، حيث تولى العلمانيون غير المتدينين والكارهون لتعاليم التوراة وتقاليدها حركة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتنسيق مع المحتل الغربي لإعلان إنشاء دولة يهودية[9]، إلا أن الدور الديني بدأ مع تأسيس مدرسة “مركاز هراف” على يد الحاخام أبراهام كوك، عام 1924، داخل الأراضي الفلسطينية، وقد تولى مهمة تفسير آيات التوراة وتأويلها على مقاس الرواية الصهيونية، والذي جعل منها فصلاً من فصول الخلاص الديني لا عملاً إلحادياً كما رآه اليهود المتدينون[10].
وقد ارتبطت الصهيونية بالملة المحافظة اليهودية منذ بدايتها، وهي الملة التي تأسست في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واتخذت موقفاً وسطاً بين الملتين الأرثوذكسية والإصلاحية، فلم تقدس وتحافظ على تنفيذ كل ما ورد في تعاليم التوراة، ولم توافق على الانجرار لحركة التنوير والانغماس فيه وقطع الصلة مع التعاليم اليهودية تماماً، فالمحافظون أرادوا أن يكون وحي التغيير نابعاً من الروح اليهودية لا من خارجها[11]، وكانوا يدافعون عن الصهيونية نتيجة إيمانهم باختلاف التاريخ اليهودي عن تاريخ بقية الشعوب، فهو تاريخ لديه عناصر دينية وأيضاً يتمتع الدين اليهودي من وجه نظرهم بعناصر دنيوية، وهذه الفلسفة هي جوهر الصهيونية التي جمعت بين المقدس والدنيوي في مستوى واحد[12].
كذلك فقد رأى المحافظون في وعد بلفور عام 1917 وتصويت الأمم المتحدة لإعلان دولة الكيان الإسرائيلي عام 1947 سماحاً لليهود بإعادة تأسيس الدولة من قبل حكام المنطقة غير اليهود، وهو يتجانس مع قسم اليهود للإله بعد نفيهم الثاني، الذي تعهدوا فيه بتقديم الطاعة لدول المنفى وعدم خروجهم عنه. فحكام المنطقة البريطانيون (وإن كانوا في الأصل محتلين لشعوب المنطقة لا أصحاب المنطقة) منحوا اليهود الإذن بإقامة دولتهم على أرض فلسطين، ومن ثم فإن اليهود من منظور الصهاينة لا يخالفون الأمر الإلهي، وإنما ينفذون المسيرة الصحيحة لليهود في تاريخهم الحاضر.
وعلى الرغم من رواج فكرة الصهيونية بين المحافظين واللادينيين فإنها لاقت معارضة كبيرة من الملل اليهودية الأخرى، بل ومن الاتجاهات السياسية التي رأت في الصهيونية وتبنيها للفكر الاحتلالي والعنصري حركة تستوجب الرفض والمعارضة.
معارضو الصهيونية عند إنشائها
كانت المعارضة الدينية للصهيونية، التي تكونت من حركة الإصلاحيين والأرثوذكس اليهود، هي الأبرز في مواجهة الحركة الصهيونية، لكونهم رأوا في المشروع الصهيوني طمساً وإلغاء لمعالم الدين اليهودي، فضلاً عن اعتقادهم أن الصهيونية استغلت عدم استيعاب اليهود في دول الغرب، والاضطهاد والاستبداد الذي تعرضوا له، في تحقيق أغراض سياسية مطلقة بعيدة كل البعد عن مصلحة الشعب اليهودي.
كما أنهم اعتبروا الصهيونية حركة سياسية علمانية ليس لها أي صلة بالدين اليهودي، وأن القومية التي تطالب الصهيونية بتوحيد اليهود تحت مظلتها ليس لها وجود في القانون اليهودي، وإنما ادعاء باطل وافتراء على العقيدة اليهودية.
وقد شكلت هاتان الجماعتان عقبة كبرى أمام الصهيونية ومنظريها؛ فالحركة الإصلاحية التي تؤمن “بأن اليهود ليسوا شعباً وإنَّما أقليات دينية”[13] عادت الصهيونية بشكل كبير، ورفضت ما طرحته الصهيونية من أحقية اليهود في وطن واحد يجمعهم.
ونتيجة لنفوذها السياسي الواسع في الولايات المتحدة عقدت الحركة الإصلاحية العديد من المؤتمرات الرافضة للفكر الصهيوني، كمؤتمر الحاخامات بفرانكفورت في ألمانيا، الذي أعلن الإصلاحيون فيه رفضهم الصلاة من أجل العودة إلى أرض الآباء كما تَزْعم الصهيونية، بالإضافة إلى مؤتمر آخر في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، عام 1869، الذي وضع فيه الإصلاحيون مبادئ وأسس الحركة الإصلاحية لمناهضة الصهيونية[14].
وعقدت الحركة الإصلاحية مؤتمر بتسبرج في عام 1885، الذي أعلنوا فيه أن “أمريكا هي صهيونهم”، وأعلنوا فيه رفضهم لفكرة العودة إلى وطن الأجداد وأي محاولة لإنشاء دولة يهودية. وعقدت أيضاً المؤتمر المركزي لحاخامات أمريكا، عام 1890، وصرحوا فيه “أنهم ليسوا أمة واحدة بل جماعة دينية، ولذلك ليس من المتوقع أن يدعموا العودة إلى فلسطين”[15].
الأمر ذاته تكرر لدى اليهود الأرثوذكس، “الذين حملوا الفكر التقليدي الذي يقوم على الإذعان للحاكم غير اليهودي، والتعايش السلمي مع الأغيار المجاورين”، وهو ما جعلهم من أشد المعادين للصهيونية[16]، ورأوا أن الحركة الصهيونية استبدلت بالخلاص الإلهي الفعلَ البشري السابق لأوانه ودون انتظار المسيح المخلص، وهو ما يعد خروجاً عن تعاليم التوراة.
لذلك اتفق اليهود الأرثوذكس، في مؤتمر فرانكفورت عام 1911، على رفض الفكر الصهيوني، وأنشؤوا حزب “أغودات يسرائيل” ليكون مؤسسة عالمية موحدة للمجموعات الأرثوذكسية الشرقية والغربية، بغرض تشكيل خيار بديل عن المنظمات اليهودية في مواجهة الحركة الصهيونية، إلا أن الحزب مع إعلان قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 بدأت مواقفه الحادة بشأن الصهيونية تخفت، وبدأ يتوافق مع سياسة الكيان الإسرائيلي بشأن الاستيطان والهجرة وإقامة الدولة، وتركزت معارضته للحكومة الإسرائيلية على مدى الالتزام بالشريعة اليهودية بشكل أساسي[17].
يمكن القول إن الصهيونية رأت في الدين اليهودي نصوصاً يمكنها تحريفها وإعادة تفسيرها لتعزيز غايتها حول أحقية اليهود بالهجرة إلى أرض جديدة تجمعهم في كنفها.
إن الغرب الذي رغب في التخلص من وجود اليهود على أرضه، بل وتجييش المجتمع اليهودي الأوروبي لخدمة مصالح القوى الأوروبيّة الاستعماريّة في تلك الحقبة، “أبرزُها: السيطرةُ الأوروبيّة على طرق التجارة، وتمدينُ الشعوب “البدائيّة”، بما فيها الشعوبُ العربيّة، وضمنها الشعبُ الفلسطينيّ”[18]، وجد في الصهيونية ما يمكنه من تحقيق مبتغاه، ولا سيما أن الحركة الصهيونية في جوهرها لا تختلف عن الحركات الاستيطانيّة الاستعماريّة الأوروبيّة الأخرى، ولهذا حدث التناغم بينهما لتلاقي مصالح الطرفين؛ فالأول لديه هدف إنشاء دولة خاصة لليهود، والآخر يرغب في إنهاء الوجود اليهودي على أراضيه.
ولهذا فإن الدول التي أنشأت الصهيونية وشجعتها على التحرك السياسي لتكوين دولة لليهود على أرض فلسطين تجاهلت كل الأصوات التي تعالت من بين اليهود أنفسهم بشأن رفض الحركة الصهيونية وقيام دولة الكيان الإسرائيلي عام 1948 وغيرها من المسائل، بل وعدَّت هذه الأصوات أقلية لا تمثل الديانة اليهودية. وفي خضم عمليات الشد والجذب بين الصهيونية وداعميها الغربيين، والأصوات المعارضة لإنشاء دولة قومية من اليهود، كان الخاسر الوحيد هو أرض فلسطين وشعبها الذي سُلب حقه، وشرعنة هذا السلب دولياً في المحافل الغربية والأممية.
أهم الحركات المناهضة للصهيونية
منذ ظهور الصهيونية في أوروبا بصفتها حركة تتحدث باسم اليهود وتطالب بالحق اليهودي لإنشاء وطن لهم على أرض فلسطين، تعالت الأصوات المعارضة لها من اليهود أنفسهم. وفي سبيل معارضة الفكر الصهيوني برزت ثلاثة اتجاهات رئيسية هي: “أولاً: الاتجاه الليبرالي المناهض للتفرقة، ثانياً: الاتجاه الديني الناقد للخاصية العلمانية للصهيونية (اعتبروها المسيح الدجال)، وثالثاً: الاتجاه الاشتراكي والشيوعي الناقد للمنحى الرأسمالي والقومي للصهيونية”[19].
تستعرض الورقة فيما يأتي هم الحركات المناهضة للصهيونية باتجاهاتها المختلفة (باستثناء جماعة ناطوري كارتا)، التي تنشط في الداخل المحتل والخارج، وترى في نضالها المستمد من القضية الفلسطينية نضالاً شرعياً وواجباً لإصلاح ما أفرزته الصهيونية من أوضاع غير عادلة للشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية.
1- اليهود الحريديم
للحريديم أفكاره الدينية المتشددة التي تعارض فكرة الصهيونية والثقافة العلمانية داخل الكيان الإسرائيلي؛ إذ تأسست الجماعة بدايات القرن العشرين بعدد محدود، ومع الوقت أصبح العدد أكبر[20]، وأصبحوا يشكلون نسبة 13.6% من تعداد السكان في الكيان الصهيوني، “ويتضاعف عددهم كل عشرة أعوام، ومن المتوقع أن تكون نسبتهم عام 2028 أكثر من الخمس، وعام 2059 ستتخطى نسبتهم 34.6% من إجمالي عدد السكان”[21]، وذلك نتيجة نسبة الولادة المرتفعة جداً بين أفراده، بمتوسط 10 ولادات فما فوق للمرأة الحريدية.
يتبنى الحريديم المعتقد التلمودي الذي يجعلهم لا يعترفون بالدولة ويتنكرون لشرعيتها ويعادون فكرة الصهيونية، ومع ذلك فإن هناك عدداً من جماعات الحريديم تأرجح موقفها بين عداوتها للصهيونية وبين التعامل مع حكومة الكيان الإسرائيلي[22]، لذا نجدها تشارك في انتخابات الكنيست وغيرها من الفعاليات السياسية للكيان الإسرائيلي.
كما يعتقد الحريديم، وبنص ديني في التوراة، أنه يحظر على اليهود تبني عادات وتقاليد جديدة، لذلك فإن صراع الطائفة الحريدية مع حكومة الكيان الإسرائيلي يرتكز على عنصرين رئيسين هما: “العلاقة بين الدين والدولة، ومصالح الحريديم المتمثلة في تأمين الدعم المادي لجمهورهم ومؤسساتهم الدينية والتعليمية”[23].
لذلك فأفراد الطائفة يرفضون المشاركة في الخدمة العسكرية، ولديهم هيئة خاصة بهم للطعام والشراب الحلال حسب الشريعة اليهودية، إلا أن مجموعات منهم انخرطت في الحياة السياسية وأسست أحزاباً سياسية وخاضت الانتخابات البرلمانية والمحلية.
ويمكن تمييز الحريديم بتيارين رئيسين:
1- التيار الأوسع للحريديم من اليهود الأرثوذكس الذي يشمل ثلاثة فروع:
– جماعات غربية “إشكنازيم أو الليتائيم”؛ ويشكلون 30 بالمئة من الحريديم، ويمثلون بأحزاب سياسية مثل ديغيل هاتوراه، وأغودات يسرائيل، وحزب البيت اليهودي، وحزب إسرائيل بيتنا، وحزب المفدال.
– الحسيديم؛ ويشكلّون النسبة الكبرى من المجتمع الحريدي، وهي40 بالمئة، وهذا التيار مركب من طوائف متعددة، لكل طائفة قائد روحي يعرف بالـ”أدمور”.
– جماعات شرقية “سفارديم” (من أصول عربية وشمال إفريقية)؛ ويشكلون نسبة 30 بالمئة، وتضم حزب شاس وأحزاباً صغيرة أخرى.
2- تيار خاص من الحريديم يطلق عليه الطائفة الحريدية؛ ونسبته صغيرة جداً، قرابة 5 بالمئة فقط، وتشمل عدداً من الجماعات المنعزلة، أهمها: جماعة ساتمار، وتولدوت أهرون، وتولدوت أبراهام يتسحاك، وجماعة ناطوري كارتا[24].
ولذلك، فإن الحريديم بفرقه المختلفة، وإن كانت تحمل فكراً معارضاً بعض الشيء للصهيونية وممانعة لعلمانية الكيان الإسرائيلي، فلا يمكن استغلاله لمصلحة القضية الفلسطينية، لكون الجماعة بشكل عام ترفض أي تقارب مع الفلسطينيين، أو إظهار المواقف الداعمة لحقوقهم، بل يساهم الحريديم في دور أساسي في تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية ضد فلسطينيي الضفة الغربية، وذلك من خلال منظمة ” تدفيع الثمن” الحريدية الإرهابية، ويرفضون أي مشاريع تسوية تؤدي إلى خروجهم من المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية[25].
2- جماعة ساتمار
كانت جماعة ساتمار في بدايتها على أراضي دولة المجر، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية هاجر أغلب أعضائها إلى بروكلين في مدينة نيويورك الأمريكية. أنشئت الجماعة في القرن التاسع عشر بقيادة الحاخام موشيه تيتلبوم ثم تولى ابنه الحاخام يوئيل تيتلبوم قيادة الجماعة، وبعد وفاته تولى قيادتها ابن أخيه الحاخام موشيه تيتلبوم عام 1979[26].
ترى الجماعة أن الكيان الإسرائيلي والفكر الصهيوني يصادران الصوت اليهودي الحق، لذلك يجب عليهم مجابهة الفكر الصهيوني الذي أنشأ الكيان الإسرائيلي، والعمل على محاربة هرطقاته الدينية بين أتباع الديانة اليهودية.
تعد الحركة من أقوى الجماعات المناهضة للصهيونية؛ نظراً “لسيطرة الحركة على واحدة من أكبر المنظمات اليهودية العالمية، وهي اتحاد حاخامي الولايات المتحدة، الذي أصدر بياناً في 1982 هاجم فيه الصهيونية ودولة إسرائيل”[27]، بالإضافة إلى أعداد منتسبيها المقدرين بعشرات الآلاف، وللمستوى المادي الجيد الذي تتمتع به نتيجة للنشاط التجاري الذي تمارسه في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعد جماعة ساتمار إحدى أهم الطوائف المتحالفة مع جماعة ناطوري كارتا، حيث اتخذ أعضاء ناطوري كارتا من الحاخام يوئيل تيتلبوم مرشداً روحياً لهم عام ١٩٥٣ حتى وفاته في 1979[28]. كذلك فإن جماعة ساتمار تقدم الدعم المادي لأعضاء ناطوري كارتا، وهو ما يمكنهم من تحمل دفع الضرائب لدولة الكيان الصهيوني، التي لا يعترفون بها، وتمكنهم من تجنب الحصول على أي معونات مالية من تلك الدولة، وذلك من خلال تنشيط توزيع “الهالوكا/ الهبات الخيرية” على أفراد الجماعة في الداخل الفلسطيني المحتل[29].
إلا أن جماعة ساتمار- على عكس حركة ناطوري كارتا- نادراً ما تعبر عن وجهات نظرها علناً في الدول التي تكون فيها، ونادراً ما يكون لها اتصال مع غير اليهود الحريديين، وتفضل التزام الصمت والمحافظة على التقاليد والتعاليم اليهودية الصارمة دون التفاعل مع العالم الخارجي بشأن حقيقة ما تؤمن به، في حين يعلن أعضاء ناطوري كارتا موقفهم المناهض للصهيونية بشكل واضح وعلني في كل الدول والمحافل التي يكونون فيها[30].
3- الصوت اليهودي من أجل السلام (JVP)
أُسست منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام عام 1996، وتعرف نفسها بأنها “مجموعة واسعة ومتنوعة من الناشطين في المجتمع الديمقراطي، وعملها مستوحى من التقاليد اليهودية من أجل السلام والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان لدعم تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين للأمن وتقرير المصير”[31].
تنشط المنظمة في الولايات المتحدة، ولا سيما بين الطلاب الجامعيين وفي الكنائس الأمريكية، وتسعى إلى فرض مقاطعة على المنتجات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الإسرائيلي، وتدشين حملات دعم لعودة اللاجئين الفلسطينيين. كما تسعى المنظمة من خلال أنشطتها المختلفة إلى حشد المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وللقدس الشرقية[32].
وتتبع المنظمة استراتيجية ديربان، التي نتجت عن مؤتمر ديربان عام 2001، الداعي إلى فرض عزلة دولية على الكيان الإسرائيلي بصفته دولة عنصرية، وتعد المنظمة من أبرز المنظمات المشاركة في المؤتمر، التي بلغ عددها 1500 منظمة، وأكثرها نشاطاً على المستوى العالمي في حركة المقاطعة ضد إسرائيل (BDS).
ولكون المنظمة ترى أنها تمثل “الجناح اليهودي” لحركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني، فقد أسهمت في العديد من الأنشطة العالمية البارزة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولعل أبرزها: المشاركة في أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة عام 2011، وإطلاق مدونة (MuzzleWatch) عام 2007 لفضح القمع الصهيوني للأصوات التي تنتقد سياساته، ومدونة (The Only Democracy) عام2010، التي تسلط الضوء على النضال الفلسطيني لاستعادة وطنهم[33]، بالإضافة إلى تنظيم المسيرات والمظاهرات الداعمة لفلسطين وتحشيد دعم المجتمع الغربي لفكرة الحق الفلسطيني.
4- منظمة ماتزبن اليسارية
أُسست منظمة ماتزبن عام 1962، وكان لها أنشطة داخل الكيان الإسرائيلي حتى نهاية الثمانينيات، وقد أنشأها أعضاء سابقون في الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ماكي)، الذين رفضوا التقاليد الستالينية والديمقراطية الداخلية للحزب، وقدموا فلسفتهم الرافضة للصهيونية ولممارساتها ضد الفلسطينيين؛ من مصادرة الأراضي وتقييد حرية التنقل وغيرها، وبنت سياستها على مبدأين؛ الأول محاربة الطبقية العنصرية للدولة الصهيونية، والثاني يتعلق بالوحدة القومية[34]، حيث إنها دعت إلى وحدة اليهود مع العرب، واندماج اليهود لا في فلسطين فقط ولكن في المنطقة.
كانت المنظمة معارضة للفكر الصهيوني معارضة صريحة، وعدَّت الكيان الإسرائيلي دولة استعمارية بطبيعتها، ولذلك دعت في بيانها الأول، المعنون بـ”يسقط الاحتلال”، عام 1969، إلى نضال متواصل ضد استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية بعد حرب 1967، وعمدت إلى إقامة روابط مع منظمات اليسار الجديد في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، وكذلك مع جبهة التحرير الفلسطينية؛ لتحقيق هذه الغاية[35].
لذلك، وعلى الرغم من صغر حجمها فإن الحكومات الإسرائيلية تُكِنُّ لها عداوة خاصة، وهو ما أكسبها شهرة وتفاعلاً عالمياً مع أفكارها ومطالبها؛ إذ غالباً ما يتم التواصل معها للفعاليات والمؤتمرات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين من الجهات المعارضة للفكر الصهيوني[36].
إلا أنه في السبعينيات من القرن العشرين حدث عدد من الانقسامات داخل منظمة “ماتزبن” لأسباب أيديولوجية تتعلق بمفهوم العلاقات بين الصراع الطبقي والقومية في النضال من أجل الاشتراكية، وانشقت عنها ثلاث مجموعات هي: المنظمة الاشتراكية في إسرائيل، والرابطة الشيوعية الثورية، وحزب العمال. كل المجموعات استمرت في مناهضة الصهيونية، ورفضت قرارات الحكومة الإسرائيلية وسياساتها، وطالبت المجتمع الدولي بفرض الانسحاب غير المشروط على دولة الكيان الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها عام 1967[37].
وعلى الرغم من انتهاء عملها كجماعة متماسكة معارضة للصهيونية فإن الأفراد الذين لا يزالون يعتقدون بفكر ماتزبن يقومون بالعديد من الأنشطة المعارضة لسياسة الكيان الإسرائيلي في الاستيطان؛ كمناهضة هدم المنازل وحرمان الفلسطينيين حقوقهم المدنية، وغيرها من الأنشطة الداعمة للقضية الفلسطينية.
5- منظمات جديدة تعارض الكيان الإسرائيلي من الداخل
ظهر عدد من الحركات والمنظمات التي نشطت في مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي وفكره الصهيوني مثل “منظمة يهود لمقاطعة البضائع الإسرائيلية”، و”منظمة يهود لمناهضة الصهيونية”، و”حركة يهود من أجل العدالة للفلسطينيين”، و”الرابطة اليهودية الدولية ضد الصهيونية”[38]، وكلها تنشط بهدف واحد هو رفض سياسة الكيان الإسرائيلي الصهيونية، وتعرية أفعاله العنصرية للمشاهد العام حول العالم.
هذا بالإضافة إلى المنظمات التي تنشط في مواجهة أنشطة الاحتلال والاستيطان كحركة “ترابط” وهي حركة “عربية يهودية للتغيير الاجتماعي والسياسي”، التي ترى أن دولة الكيان الإسرائيلي هي دولة تقوم على المعتقد الاستعماري قادته الحركة الصهيونية، ولذلك فهي تناضل الاحتلال وسياساته في الداخل الفلسطيني، وتنادي بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم[39].
وكذلك حركة “فوضويون ضد الجدار” المناهضة للجدار العازل وسياسة الكيان الإسرائيلي في الفصل العنصري، وجمعية “زوخروت” التي أنشئت عام 2002، والتي تنادي بضرورة تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتحمل المسؤولية عن جرائم القتل التي مورست على الفلسطينيين[40].
6- منظمات نشطت في مكافحة الصهيونية سابقاً
تأسس عدد من الحركات التي رفضت الصهيونية عند صعودها، وعارضت أنشطتها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني، إلا أن هذه الحركات لم تعد نشطة في الوقت الحالي. ولعل أبرز هذه الحركات: حركة بوند الاشتراكية (Bund) أو “حزب العمال اليهودي”، الذي تأسس كحركة معارضة للفكر الصهيوني في روسيا خلال الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وقامت على مبادئ علمانية اشتراكية ترفض فيها الفكر الصهيوني بصفته حلاً للمسألة اليهودية (التأسيس على إقليم معين) وتتبنى فكرة الاستقلال الذاتي في الشتات، مع المطالبة بحقوق اليهود كأقلية داخل البلدان التي يعيشون فيها[41].
بدأ نشاط حركة بوند يتوسع في الكيان الإسرائيلي عام 1951، بالتركيز على رفض الأساس العنصري والتهميشي للسياسة الصهيونية تجاه شعب فلسطين، إلا أن قوة الحركة اضمحلت الآن ولم يعد لديها أعضاء يتبنون الدفاع عن الفكر الاشتراكي والعيش المشترك مع الفلسطينيين.
هناك أيضاً منظمة بريت شالوم (حلف السلام)، التي أُسست عام 1925 في رد فعل على المؤتمر الصهيوني الرابع عشر الذي عقد في فيينا في ذات العام، والذي طرح أفكاراً قومية صهيونية متطرفة ودعا إلى استخدام القوة المسلحة لإقامة دولة يهودية بالقوة، في المقابل ظهرت أفكار من اليهود تعارض القومية الصهيونية المتطرفة على حساب حقوق شعب آخر، وطالبت باحترام حقوق الشعب الفلسطيني[42].
تولى قيادة المنظمة آرثر روبين ويوسف غوروفيتش، وتبنيا فكرة ثنائية القومية التي “تعني وجود مجتمعين منفصلين إثنياً وثقافياً، ولكن في إطار دولة واحدة، على أن تتبنى هذه الدولة نظاماً سياسياً توافقياً يضمن عدم طغيان الأغلبية على الأقلية، وعدم فرض قرار الأغلبية عنوة”[43]. إلا أن المنظمة ونتيجة للمشاكل المالية ونقص التمويل والرفض الصهيوني لرؤيتها، بالإضافة إلى عدم تشجع الفلسطينيين لنهجها، توقفت عن النشاط عام 1933[44].
ثانياً: ما هي منظمة ناطوري كارتا
ناطوري كارتا، أو حارس المدينة، كما تعني بالآرامية “נטורי קרתא”، وهو اسم مأخوذ من المزامير الفصل 127 تلمود القدس[45]. وترجع أصول أعضاء جماعة ناطوري كارتا إلى يهود “يشوف” (Yishouv) الذين قدموا من المجر وليتوانيا، وسكنوا فلسطين في بداية القرن التاسع عشر.
تقوم المنظمة على رفض فكرة الصهيونية التي أنشأت دولة الكيان الإسرائيلي على أراضي فلسطين، وتطالب بإعادة الأراضي الفلسطينية إلى أصحابها، انطلاقاً من عقيدتها الدينية التي تُبنى على التحريم الإلهي من حصول اليهود على دولة خاصة بهم حتى مجيء المسيح[46].
إذ ترى المنظمة أن الله أنزل عقوبته على اليهود بإزالة دولتهم في العهد القديم بسبب عدم تطبيقهم للشرائع اليهودية، وأنهم لن يتمكنوا من إعادة إنشاء دولة جديدة لهم إلا بواسطة المسيح (الماشيخ)، “لذلك فإن أي محاولة بشرية لإحياء دولة يهودية تعد معارضة لمشيئة الرب، وهو ما سيزيد من معاناة اليهود”[47].
كما أنهم يعرِّفون الشعب اليهودي بأنه جماعة دينية ظهرت إلى الوجود منذ ثلاثة آلاف سنة، وأن هذا الشعب يستمد وجوده من ميثاقه مع الخالق، وهو ميثاق يلزم اليهود بتعاليم التوراة، التي يتولى الحاخامات تفسيرها في كل جيل. كما أن أعضاء الجماعة يرون أن عقيدة “شعب الله المختار” لا تعني تمكين اليهود من السيطرة على العالم، وإنما أنهم مُصطَفَون لخدمة الإله في الدنيا، وهم بذلك يقدمون خدمة للبشرية جمعاء[48].
يتهم أعضاء الجماعة الحركة الصهيونية بأنها حركة معادية لليهود وتدعم الاتهامات المعادية لليهود، وذلك لكون الصهيونية تزدهر بازدهار معاداة اليهود، بل يتهمون الصهيونية بتقويض وضع اليهود أينما وجدوا حتى يضطروا إلى الهجرة إلى الكيان الإسرائيلي[49].
لذلك يحاول أعضاء الجماعة التعريف بالصهيونية بين الجموع غير اليهودية، سواء في أوروبا أو حول العالم، ويؤكدون مراراً أن الصهيونية تعاونت مع النازيين للقضاء على يهود شرق أوروبا، وذلك على اعتبار أنها “القاعدة العريضة التي أُسند إليها الرفض الديني للصهيونية، وأن وجود مثل هذا الرفض الكبير كان من الممكن أن يسحب الشرعية من الحركة الصهيونية”[50]، لتصبح دون قيمة وغير قادرة على تحقيق أهدافها.
لا تزال جماعة ناطوري كارتا، منذ تأسيسها إلى الآن، تناضل الصهيونية التي انتزعت من اليهود- حسب ما يرون- حقهم في الحفاظ على شريعتهم ومعتقداتهم التي التزموا بها قروناً عديدة. تحارب ناطوري كارتا في الداخل الفلسطيني وحول العالم لأجل استعادة اليهودية الحقة ممن اغتصبها واستغلها لتحقيق مصالح فردية بحتة. وعلى الرغم من قلة الإمكانات والدعم المادي، وكثرة الاتهامات والتضييق الذي تتعرض له حول العالم، لا تزال ناطوري كارتا على نفس المبادئ التي أخذتها على عاتقها منذ إنشائها.
تاريخ النشأة
كانت جماعة ناطوري كارتا جزءاً من حزب أغودات يسرائيل الذي أُنشئ في بداية القرن العشرين لمواجهة الصهيونية، ولكن بعد عام 1917، الذي أصدرت فيه الحكومة البريطانية وعد بلفور في خضم مواجهتها مع العثمانيين، وأعلنت إقامة حكم الانتداب البريطاني في فلسطين بعد هزيمة العثمانيين في الحرب، دعم حزب أغودات يسرائيل الهجرة السلمية من أوروبا وإعادة توطين اليهود في فلسطين، ولكنه مع ذلك رفض إقامة دولة يهودية[51].
إلا أن الحزب بدأ بتقديم تنازلات تدريجية للصهيونيين في ثلاثينيات القرن الماضي، فبدأ بالتنسيق مع القيادات الصهيونية في فلسطين، التي وسعت نشاطها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية لأجل الوافدين اليهود الجدد من أوروبا.
كما أجرى ممثلون عن أغودات يسرائيل مفاوضات مع المجلس الملي اليهودي التابع للقيادة الصهيونية لتشكيل حاخامية موحدة في فلسطين، وإجراء مفاوضات أخرى مع الأحزاب الصهيونية لتنسيق العمل والتعاون فيما بينهم.
انشق جزء من الحزب عنه عام 1935، نتيجة تقارب الحزب مع الحركة الصهيونية، لينشئوا فيما بعد حركة ناطوري كارتا.
بدأت جماعة ناطوري كارتا تستخدم هذا الاسم أول مرة عام ١٩٣٨ كتعريف بها بين الأوساط العالمية. وقد سعى أعضاء الجماعة بانشقاقهم عن أغودات يسرائيل إلى الحفاظ على النهج المعادي للصهيونية ورفض كل أشكال الانحلال والذوبان في الفكر الصهيوني؛ لما في ذلك من مخالفة للمعتقدات ولأحكام الدين اليهودي التي يؤمنون بها.
تأسست الجماعة في القدس على يد الحاخام أمرام بلاو[52]، بعد حصولهم على قرار الفصل عن الأحياء الصهيونية في القدس من قبل حكومة الانتداب البريطانية. تولى بلاو قيادة الجماعة منذ إنشائها حتى وفاته ١٩٧٤، وسعى مع جماعته إلى تأكيد إنكار صلاحية الكيان الإسرائيلي كدولة قومية يهودية، واعتبار الصهيونية الوكيل المزعوم لمصالح اليهود حول العالم.
ومنذ تأسيسهم أدانوا القبول الدولي بإنشاء دولة الكيان الإسرائيلي عام 1948، والوضع الذي أفضى إليه إنشاء ذلك الكيان؛ من الممارسات الإجرامية والوحشية ضد الشعب الفلسطيني بشقيه المسلم والمسيحي، وعبروا دوماً عن وقوفهم إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الظلم الصهيوني، مؤكدين أن هذه الممارسات مستهجنة في الديانة اليهودية التي تنص على تحريم القتل والظلم.
الأسباب الدافعة إلى إنشاء المنظمة
عادة ما يُذكر سببان دينيان مشتركان بين الجماعات والمنظمات الدينية المعادية للفكر الصهيوني؛ الأول أن الصهيونية هي حركة علمانية، مليئة بالتأثيرات غير اليهودية، وتفتقر إلى الميزات الرئيسية في الدين اليهودي مثل المسيح المخلص والمعبد المعاد بناؤه. والسبب الثاني يرجع إلى نص (Meseches Kesuvos، 111a) في التلمود، الذي ينص على أنه عندما ذهب إسرائيل إلى المنفى الثاني “كان هناك ثلاثة عهود بين السماء والأرض، بأن:
– إسرائيل لن تصعد “كالجدار” (بمعنى أنها تتعرض للغزو بقوة هائلة وتظل تحت ذلك الغزو).
– جعل الله الإسرائيليين يقسمون أنهم لن يتمردوا على دول العالم (يقدمون الولاء والطاعة لحكومات دول المنفى).
– جعل الله غير اليهود يقسمون على عدم ظلم إسرائيل “كثيراً”[53].
وحركة ناطوري كارتا لا تبتعد عن هذه الأسباب في معارضتها للصهيونية، فأهم سبب لإنشاء الحركة يتمثل إلى حد بعيد في المحافظة على تعاليم الدين اليهودي، الذي نص على أن العودة الجماعية إلى أرض الأجداد لن تكون إلا بعد التوبة الكاملة من كل اليهود، وتكون العودة بمعجزة إلهية ترتبط بقدوم المسيح لا قبل ذلك وأن عليهم الآن فقط المداومة على الصلاة لأجل قدوم المسيح في موعده المحدد.
وكما ذُكر سابقاً فإن الحركة أُنشئت نتيجة لتقارب حزب أغودات يسرائيل مع الحركة الصهيونية، وهو ما دفع بعض أعضائه إلى رفض سياسة التقارب والشعور بخطر التنظير الصهيوني المخالف لعقائد الملة اليهودية الأرثوذكسية، إذ إن أتباع حركة ناطوري كارتا منذ تأسيس جماعتهم يلتزمون بنفس المبادئ التي اتخذوها على أنفسهم منذ العهد القديم.
كذلك فإن مما تختلف فيه الجماعة مع الصهيونية والتابعين لها من اليهود المتدينين هو استمرار أعضائها في المحافظة على تقديم الطبقة التوحيدية داخل العقيدة اليهودية على الطبقة الحلولية الوثنية التي تدور حول ثلاثة عناصر: الإله والإنسان والطبيعة، وتحول الإنسان إلى الشعب اليهودي، والأرض إلى الأرض اليهودية، وتحول الإله إلى المبدأ الواحد الذي يحل فيهما معاً[54]، إذ ترفض ناطوري كارتا تفسير الطبقة الحلولية، وقرر أعضاؤها التمسك بمبادئ فصل الإله الخالق عن البشر المخلوق، وتأكيد العناصر البشرية المشتركة بين اليهود والأغيار، وترك تأسيس الدولة اليهودية للأمر الإلهي، ورفض أي فعل بشري في التعجيل به.
المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظمة
يعتمد فكر ناطوري كارتا بشكل أساسي على الأدب الحاخامي الذي ينص على “أنه بسبب خطايا اليهود طردوا من أرض إسرائيل”، وكذلك تعتمد على التلمود البابلي الذي يفترض أن “أي محاولة لاسترداد أرض إسرائيل بالقوة هي مخالفة للإرادة الإلهية، وأن إعادة دولة إسرائيل فقط ستأتي عندما يأتي المسيح”[55].
ترفض الجماعة أي محاولات نقدية أو اجتهادات بشرية للإضافة على (halakhah) أو القانون الديني، ويعتمدون بشكل أساسي على المصدر الإلهي فقط في تسيير أمور حياتهم الدنيوية والدينية، فهم يؤمنون بأن التوراة هي فقط التي أنزلها الله مباشرة على نبيه موسى على جبل سيناء (الكتب الخمسة الأولى من الكتاب المقدس العبري: سفر التكوين، والخروج، واللاويين، والعتد، وتثنية التثنية)[56].
اعتمدت ناطوري كارتا على عدد من المبادئ التي استنبطتها من تفسيرات الحاخام موشيه تيتلبوم، الزعيم الأول لجماعة ساتمار، التي وضعها في مؤلفه “Vayoel Moshe” (يسمح موشيه أو متفق عليه من قبل موسى). إذ عُدَّ الكتاب، المكون من أجزاء عديدة، من أمهات الكتب المفسرة للتوراة، وترجع إليه الطائفة الأرثوذكسية بشكل كبير، ومنهم أعضاء جماعة ناطوري كارتا[57].
تناول الكتاب فكرة العلم المسبق للقادة الصهاينة في فلسطين وأوروبا وأمريكا بـ “الحل النهائي”، وقد اختاروا التعجيل بحدوثه، مستفيدين من الحالة السائدة أعقاب الهولوكوست، واعتقد الحاخام تيتلبوم أن الميسرين الصهاينة المفترضين لهذه الخطة كانوا في نهاية المطاف أكثر شراً من قوات هتلر نفسها، لأنهم يخفون كراهية اليهود ويظهرون العكس؛ الاهتمام برفاهية اليهود.
وتتجلى المبادئ التي تقوم عليها المنظمة فيما يأتي:
– الفداء الإلهي وسلبية الإنسان
– تسلسل الفداء
– لا يمكن أن يكون وكلاء الفداء إلا من الأتقياء
– الثيوقراطية الكاملة للدولة اليهودية
يستند هذا المبدئ إلى النص ((Vayoel Moshe 126,7، الذي يفيد بأن الله وحده سيفدي إسرائيل بطريقة خارقة للطبيعة وخارجة عن العادة، مظهراً بذلك قوته[58].
يعني ذلك أن قيام دولة إسرائيل لن تكون بتدخل بشري، وأن على اليهود انتظار الإرادة الإلهية بإرساله للسيد المسيح، وأن يعيشوا خاضعين لدول المنفى التي يكونون فيها. كما لا يقبل أعضاء ناطوري كارتا الرأي القائل بأن المسيح سيكون له وظيفة سياسية في المقام الأول؛ تتضمن استعادة إسرائيل واستقلالها، وإنما قدومه إلى الأرض سيكون وفقاً للمعجزات الإلهية، وهذا رأي مفروغ منه لدى أفراد الجماعة[59].
ويرى أعضاء ناطوري كارتا، وكذا حركة ساتمار، في القَسَم المذكور الذي أقسم فيه اليهود بأنهم لن يستخدموا القوة في العودة الجماعية إلى أرض إسرائيل، وسيبقون موالين لدول الشتات، وأنهم لن يأخذوا زمام المبادرة في تعجيل مجيء المسيح قبل الأوان، أنه حكم رئيسي (Halakhah) لا يجوز تأويله على غير ما هو منصوص عليه في التلمود.
في حين يرى مؤيدو الصهيونية أن ذلك القسم على سبيل الحكم العابر أو القصص المذكورة في التلمود للموعظة فقط (Aggadah)، وأن نص القسم لا يمتد إلى الوقت الحالي، ولا يمكن إعطاؤه الصفة الإلزامية على اليهود في العصر الحالي[60].
ترى جماعة ناطوري كارتا أن الأرض المقدسة منحت لليهود ليسكنوا فيها بشرط إقامة الشرائع التوراتية، ولكن عندما أخلُّوا بذلك الشرط سحب منهم الحق في الأرض المقدسة وفرض عليهم الشتات بين شعوب العالم، وأقسموا على عدم إقامة أي بلد موحد لهم، سواء في الأرض المقدسة أو في أي مكان آخر، وعلى تبعيتهم للبلدان التي يعيشون تحت سلطتها.
وتؤمن الجماعة بأن هذا الوضع قائم منذ ألفي سنة[61]، وسيظل مستمراً حتى مجيء المسيح، وذلك لأن القسم الذي أداه اليهود في العهد القديم متسلسل إلى المستقبل، وأن هذا التسلسل أمر حاسم للاعتقاد اليهودي في الخلاص (Vayoel Moshe 81-83)، وأن من ينكر هذا التسلسل لا يختلف عمن ينكر الإيمان بالمسيح نفسه. وترى جماعة ناطوري كارتا أن ادعاء الحركة الصهيونية أنها مقدمة للخلاص أو وكلاء له ليس سوى إنكار لثوابت الدين اليهودي وإلحاد به[62].
ترى ناطوري كارتا أنه من غير المعقول أن يكون الخلاص بواسطة وكلاء غير ملتزمين بالدين اليهودي ومنكرين لثوابته وأحكامه الرئيسية (Vayoel Moshe 9,216)، ولهذا يرفض أعضاء الجماعة الفكر الصهيوني وزعماءه، ويعدونهم وكلاء غير واعين بالخلاص الإلهي[63].
يرى أعضاء ناطوري كارتا أن الديمقراطية صالحة لكل المجتمعات السياسية غير اليهودية، فالديمقراطية عند اليهود غير مقبولة على الإطلاق، وإنما يجب عليهم اتباع قوانين التوراة فقط (Vayoel Moshe 164). ولذلك فالدولة الصهيونية، التي أغلبها غير متدين، وحتى المتدينون فها يقبلون بالديمقراطية، هي دولة لا تنتمي إلى الديانة اليهودية ويجب رفضها ومحاربتها[64].
أهم قادة الجماعة وزعمائها
تنظم الجماعة أنشطتها الداخلية من خلال مجلس إداري، موجود في بروكلين، مكون من سبعة أشخاص يتولون إدارة شؤون الجماعة الدينية والدنيوية. ولها ثلاثة معابد رئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية هي: منظمة أصدقاء القدس في نيويورك، وميثاق الحقوق، وبارك وليامزبرج[65].
أما بالنسبة لنشاط الجماعة في مواجهة الصهيونية وكشف جرائمها بحق الفلسطينيين فهناك عدد من الشخصيات والرموز التي تتصدر ناطوري كارتا لتعبر عن رؤية الجماعة وموقفها من الاحتلال الصهيوني والقضية الفلسطينية، وفيما يأتي نذكر أبرز هذه الشخصيات:
– الحاخام أمرام بلاو
كان بلاو أحد زعماء حزب أغودات يسرائيل البارزين، إلا أنه ترك الحزب نتيجة مواقفه مع الصهيونية ليؤسس حركة ناطوري كارتا في القدس مع الحاخام أهارون كاتزنيل بوغين[66]، ويصبح زعيمها الأول حتى وفاته. حارب الصهيونية منذ بداية شبابه، ونجح بالتعاون مع الحاخام سوننفلد في الحصول على قرار فصل جماعة اليهود الأرثوذكس عن أحياء الصهاينة من حكومة الانتداب البريطانية[67].
ومع إعلان قيام دولة الكيان الإسرائيلي قاد مظاهرة مع الآلاف من اليهود الأرثوذكس رفضاً لقيامها، وبعد أن قامت أعلن بلاو رفضه التعامل مع حكومة الكيان الصهيوني، ورفض الخضوع لقوانينها، ولذلك فقد تعرض وأتباعه للمضايقات الأمنية العديدة، واعتقلته سلطة الاحتلال الإسرائيلية عشرات المرات نتيجة ذلك[68].
– الحاخام موشيه هيرش
تولى زعامة ناطوري كارتا بعد وفاة الحاخام أمرام بلاو عام 1974، وسار على نهج سلفه في رفض التعامل مع الحكومة الصهيونية ودعم القضية الفلسطينية، كما تولى منصب وزير الشؤون اليهودية في حكومة ياسر عرفات عام 1995، حيث اعتبرت المنظمة الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيساً لجميع سكان أرض فلسطين، ومن ضمنهم اليهود[69].
– الحاخام مئير هيرش
قائد جماعة ناطوري كارتا في الداخل الفلسطيني الموجودة في القدس، وتولى تنظيم أمور جماعته الدينية والدنيوية بعد وفاة الحاخام موشيه هيرش عام 2010، بالإضافة إلى تنظيم مظاهرة شهرية ضد الحكم الصهيوني، ورفع الأعلام الفلسطينية لتأكيد التضامن والتعاطف مع الفلسطينيين. فضلاً عن توفير احتياجات الحياة للسكان الفلسطينيين القاطنين في أحياء شرقي القدس، الذين يعانون الاضطهاد والقمع الصهيوني مثلهم مثل أعضاء جماعة ناطوري كارتا في القدس[70].
– الحاخام دوفيد فيلدمان
المتحدث باسم الجماعة ومسؤول العلاقات الخارجية فيها، ويتولى تنظيم الأنشطة والمحاضرات والمظاهرات العامة المناهضة للصهيونية، وذلك بهدف نشر الوعي بشر الصهيونية وتحريفها لليهودية[71]. كما أنه يشارك في المحافل والمؤتمرات الدولية معبراً عن رؤى جماعته وصلواتها المستمرة لأجل السلام والعيش المشترك بين اليهود والفلسطينيين تحت حكم دولة عربية فلسطينية.
– الحاخام يسرويل دوفيد وايز
المتحدث باسم الجماعة في أمريكا الشمالية، وهو ابن أحد الناجين من المحرقة، حيث قُتل أجداده والعديد من أقاربه الآخرين خلال الهولوكوست[72]. ومن خلال منصبه في الجماعة يكشف وايز عن عدم شرعية الصهيونية وفق الديانة اليهودية، فضلاً عن بناء جسور الصلة بين المجتمعات اليهودية والمسلمة. ودائماً ما يؤكد في تصريحاته للوسائل الإعلامية العالمية والعربية أن دولة الكيان الإسرائيلي هي دولة ضد الله، وأن السلام في الشرق الأوسط لن يكون إلا بزوال دولة الاحتلال الإسرائيلي.
أعداد أعضاء المنظمة وأماكن تمركزها
على الرغم من أن بدايتها الأولى كانت في القدس فإن الحركة يتركز وجودها بشكل أساسي في الوقت الحالي في بروكلين بنيويورك، بالإضافة إلى جماعات صغيرة في لندن والقدس ومونتريال وأنتويرب.
حصل التغيير في ديمغرافية وجود أعضاء الحركة نتيجة المضايقات التي يتعرضون لها، فقد هاجر العديد من أعضاء ناطوري كارتا على مر السنين إلى مدن متعددة، ولا سيما إلى لندن ونيويورك، إذ أصبح تمركزهم في الولايات المتحدة في بروكلين خاصة في حي وليامزبرج، ويبلغ عدد الجماعة هناك حوالي ستين ألفاً[73]، وفي المملكة المتحدة استقروا في منطقة استامفورد هيل، ويبلغ عددهم حوالي عشرين ألفاً[74].
أما في القدس فيبلغ عدد الجماعة حوالي خمسة آلاف، وهم في الجانب الشرقي لحي ميا شعاريم ذي الأغلبية المتدينة، ويحافظ أعضاؤها على أسلوب حياة أرثوذكسي صارم ينطوي على عزلة شبه مطلقة عن أنماط الحياة الحديثة. كما يعيش مجتمع ناطوري كارتا بشكل معادٍ ومعزول عن الجماعات الحريدية الأخرى الساكنة في نفس المنطقة، لموقفهم المناهض تماماً للحكومة الصهيونية[75]. وهم كذلك موجودون في تل أبيب في حي بناي براك، ولكن بنسبة ضئيلة جداً.
وعلى الرغم من قلة أعداد المنتسبين الرسميين للمنظمة، فإن المنظمة لا تزال قائمة منذ إنشائها عام 1938، بل وتوجد في البلدان التي أنشأت الفكر الصهيوني؛ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والسبب يعود إلى “أتباع الفكر الديني اليهودي الذين يستندون في مواقفهم من إنشاء “إسرائيل” إلى التلمود البابلي، فالمؤمنون بهذا التلمود ليسوا قليلي العدد، فهؤلاء منتشرون بين الطوائف اليهودية أينما وجدت في العديد من الدول”[76].
ثالثاً: نشاط منظمة ناطوري كارتا ودورها
تعد ناطوري كارتا من أهم الحركات المناهضة للصهيونية وأكثرها ديمومة، وعلى الرغم من ضآلة حضور المنظمة في الإعلام الخارجي، فإن صوتها ظل حاضراً ومتفاعلاً مع كل الأحداث المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وبالدفاع عن حق شعبها في مواجهة المحتل الصهيوني.
إلا أن نشاط ناطوري كارتا غالباً ما يشوَّه في الإعلام الغربي، ويُربَط بمعاداة السامية أو بالتعاون مع الحركات المقاومة للكيان الإسرائيلي، التي توصف في الإعلام الغربي بـ”المنظمات الإرهابية”.
كما أن هذا النشاط لم يدعمه مناصرو القضية الفلسطينية بشكل كافٍ، سواء الدعم المادي أو المعنوي إعلامياً وسياسياً، وهو ما جعل تأثير الجماعة محدوداً جداً مقارنة بالصوت الداعم للصهيونية ولأنشطتها المدمرة على التراب الفلسطيني.
النشاط داخل الأراضي المحتلة
تحرِّم منظمة ناطوري كارتا على منتميها الموجودين داخل القدس التعامل مع حكومة الكيان الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال، ولذلك فأعضاء المنظمة يرفضون التعامل بالعملة الإسرائيلية “الشيكل الإسرائيلي”، ويرفضون أي نوع من المساعدات المالية من الضمان الاجتماعي للحكومة الإسرائيلية، وكذا يمتنعون عن دفع الضرائب، فضلاً عن مقاطعتهم الانتخابات، وكذا المشاركة في المؤسسات التابعة للكيان الإسرائيلي.
كذلك فإنهم يرفضون وبشكل قاطع أداء الخدمة العسكرية لأجل دولة لا يعترفون بها، ويتظاهرون باستمرار ضد التجنيد الإجباري في جيش الكيان الإسرائيلي، ولا يشاركون في أي نشاط تعسفي ضد الفلسطينيين، بل على العكس تجمعهم صلات قوية مع فلسطينيي القدس المحتلة، ويقدمون الدعم المادي للمحتاجين منهم.
النشاط الإقليمي
تنطلق جماعة ناطوري كارتا، في كل مشاركاتها وأنشطتها الإقليمية، من شعار يمكن تلخيصه في: “اليهودية لا تساوي الصهيونية”، لذلك تؤكد مبدأ أن دعم الشخص اليهودي للصهيونية يجرده أساساً من يهوديته، وتستمر في مواقفها الحادة من الصهيونية والدولة التي خلفتها على أرض فلسطين.
يتجلى نشاط المنظمة إقليمياً في المشاركة في المؤتمرات الداعمة للقضية الفلسطينية، والزيارات الميدانية لمقاومي الكيان المحتل، وإظهار المواقف الداعمة لكل الأنشطة التي تصب في مناهضة الصهيونية ومخططاتها الإجرامية، وتأكيد التعايش السلمي مع العرب والمسلمين الذين سكنوا بجوارهم قروناً عديدة، وفتحوا أبوابهم لليهود الفارين من المذابح والاضطهاد الغربي في العصر الحديث.
وفي سبيل هذه الغاية التقى عدد من قادة المنظمة قادة حماس في غزة وحزب الله في لبنان في عدة مناسبات، واجتمعوا مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في عدة مناسبات في نيويورك وطهران، وكذا مع الرئيس التركي في مقر إقامته في لندن.
كذلك شاركت المنظمة في مؤتمر “مراجعة الهولوكوست” في طهران، في ديسمبر/كانون الأول 2006، الذي هدفت منه إيران لا إلى “إنكار أو إثبات الهولوكوست، وإنما إتاحة الفرصة لباحثين أوروبيين لعرض وجهة نظرهم بشأن هذه الظاهرة التاريخية”[77]. وقد تعرض المؤتمر لهجوم لاذع عالمياً، كما تعرضت جماعة كارتا للانتقاد الشديد حتى من قبل اليهود الأرثوذكس المؤيدين لها؛ لاعتباره مؤتمراً لإنكار الهولوكوست.
وشاركت المنظمة في قافلة تحيا فلسطين الثانية في منتصف عام 2009، وقابل أربعة أعضاء منهم حركة حماس وقيادييها برئاسة إسماعيل هنية، وقد عبَّر هنية عن شكره للجماعة لمعارضتها الاحتلال، وصرح أن “حركة حماس ليست ضد اليهود، ولكن ضد الاحتلال الإسرائيلي القائم على الصهيونية”[78].
وفي مارس/آذار 2012 شارك عدد من قادة المنظمة في “المسيرة العالمية إلى القدس”، ووضعوا إكليلاً من الزهور على ضريح عماد مغنية، القيادي العسكري في حزب الله، الذي اغتاله الكيان الإسرائيلي في فبراير/شباط 2008، ثم في يونيو/حزيران من نفس العام حضر بعض قادة المنظمة مؤتمراً في لبنان حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتقوا بالشيخ نبيل الكوك، أحد قادة حزب الله[79].
نتيجة لذلك تتهم حكومة الكيان الإسرائيلي، وكذلك الإعلام العالمي، أعضاء المنظمة بممارسة أجندة متطرفة ومعادية للسامية، فضلاً عن اتهامهم بالتخابر مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و”حزب الله”، وغيرها من الاتهامات الساعية إلى تغيير موازين الحقيقة في جعل المحتلِّ الصهيوني هو صاحبَ الحق، والمدافع عن أرضه هو المتهم بالإرهاب والعنف.
النشاط العالمي
بدأت الجماعة نشاطها في مواجهة الفكر الصهيوني منذ تأسيسه، فبعد وعد بلفور قدم شخص من هولندا يدعى يعقوب دهان، وأجرى اتصالاً مع ملك الأردن وعدد من الزعماء والسياسيين لدولة بريطانيا العظمى للضغط عليهم لإلغاء وعد بلفور، وبيان أنه لا يتناسب مع تعاليم التوراة ومعتقدات الشعب اليهودي، وعندما شعر منظرو الفكر الصهيوني بأن تحركات دهان باتت تشل خطرا عليهم وعلى التوقيع على وعد بلفور، أرسلوا ثلاثة من الصهاينة لقتله في القدس عام 1924، وهو ما حدث بالفعل، ليكون أول اغتيال يحصل على أرض فلسطين[80].
وأعلنت الجماعة رفضها قيام دولة الكيان الإسرائيلي، فغداة إعلان قيام دولة الكيان الإسرائيلي عام 1948 أرسل الحاخام هيرش رسالة تتضمن رفض الجماعة قيام دولة الكيان الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة، ودعت إلى تدويل القدس بغية عدم إخضاعها لحكم الكيان الصهيوني، بل إنهم طلبوا من الأمين العام للأمم المتحدة جعل حي ميا شعاريم إمارة مستقلة عن دولة الكيان الجديدة[81].
وقد كان للجماعة عضو مراقب في هيئة الأمم المتحدة، وهو ما جعلها تسهم بدور فعال أثناء مناقشة قرار الأمم المتحدة رقم 3379 عام 1975، الذي عدَّ الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية[82].
حالياً يستمر نشاط الجماعة على مستوى العالم في تنظيم المظاهرات ونشر الكتب والمطبوعات، والتفاعل مع المؤسسات الإعلامية المختلفة، والمشاركة في المؤتمرات العالمية الداعمة لفلسطين، وكذلك المشاركة البرامج والأنشطة المناهضة لدولة الكيان الإسرائيلي في عدد من المؤسسات التعليمية ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولذلك بهدف التعريف باليهودية الحقة المناهضة تماماً للحركة الصهيونية، حيث ذكر الحاخام دوفيد فيلدمان، وهو أحد قادة الحركة، في لقاء تلفزيوني له عام 2012 مع قناة الجزيرة، أن دور المنظمة على المستوى العالمي بشكل أساسي يرتكز على “تقديم المعرفة لليهود لمساعدتهم على فهم معتقداتهم وفلسفتهم بشكل صحيح”[83].
أيضاً تشارك الجماعة في المؤتمرات والحملات الداعمة للقدس، ففي عام 1992 حضر قادة من ناطوري كارتا مؤتمر السلام في الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، وأكدوا فيه، في بيان صادر عنهم وتُرجِم ونشر في صحيفة نيويورك اليديشية الأسبوعية (Di yidishe vokhnshrift) في 4 سبتمبر/أيلول 1992، أن الشعب اليهودي مكلف بالقسم الإلهي بعدم السعي للاستقلال والتخلص من نير المنفى الذي فُرض عليه، وأن الصهيونيين تمردوا على هذا المرسوم الإلهي بأخذ أرض من سكانها الأصليين وأقاموا “دولتهم” عليها، ولذلك فإنهم استحقوا العقاب الإلهي المنصوص عليه في التلمود (نشيد 2: 7)[84].
كما شاركت ناطوري كارتا في مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس عام 2018. وقد عبر زعيم الحركة، يسرويل دوفيد وايز، عن امتنانه لإقامة مثل هذه الفعاليات، وصرح بقوله: “نحن نعلن أنه ليس هناك حق إسرائيلي، ولا يوجد ارتباط لهؤلاء، حيث هم ليسوا يهوداً على الإطلاق، ويجب على قادة العالم الإسلامي ألا يلقبوا هؤلاء باليهود أو الإسرائيليين، حتى لا يعطوهم الشرعية على حساب المسلمين القدماء”[85].
وبالنسبة للقرار الأمريكي عام 2018 بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، فقد عبَّر الحاخام يسرويل دوفيد وايز، في حديثه إلى وكالة الأناضول، عن أسفه للقبول بالرواية الصهيونية التي لا يمكن أن تكون شرعية بأي زمان، وقال: “هذه الخطوة لا تضر فقط بالمسلمين، بل باليهود أيضاً”[86].
مصادر التمويل
في تقرير لرابطة مكافحة التشهير (Anti-Defamation League) عام 2013، فندت نشاطاً لأكثر عشر مؤسسات مناهضة للكيان الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث شمل التقرير عدداً من المنظمات الحقوقية والإسلامية، بالإضافة إلى اليهودية، المناهضة للصهيونية. ومن الملاحظ في التقرير أن مصادر التمويل لمنظمة ناطوري كارتا، وعلى الرغم من أنها أقدم المنظمات من حيث تاريخ النشأة، كانت غير محددة، في حين أن المنظمات الأخرى كانت تحدد بمئات الآلاف سنوياً، فعلى سبيل المثال قُدِّرت إيرادات حملة أمريكية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لعام 2011 بحوالي 400.000 دولار[87]، ومؤسسة الصوت اليهودي لأجل السلام بحوالي 875.000 دولار لعام 2012[88].
مصادر التمويل غير المحددة تعود إلى أسباب كثيرة، ولعل أهمها انصراف أفرادها عن العمل لأجل التفرغ لتعلم التلمود وتعليمه للأطفال، كما أن جزءاً كبيراً منهم يشتغلون بالحِرَف البسيطة التي لا تتطلب تعليماً أكاديمياً، ولا يشتغلون بالتجارة بشكل كبير، بل يعتمدون على المنح والهبات من المجتمع الأرثوذكسي ذي الدخل المرتفع القاطن في الولايات المتحدة وغيرها.
كما أنه ليس هناك أي معلومات حول دعم مادي يوجه لها من قبل الجهات العربية والإسلامية سواء الحكومية أو الخاصة، ولا معلومات أيضاً حول تلقيها دعماً من قبل الجهات الأممية أو وجود تنسيق بينها وبين المنظمات الحقوقية الناشطة حول العالم لأجل تأمين الدعم المادي للجماعة.
لذلك يمكن القول إن جماعة ناطوري كارتا تقوم على مصدر دخل محدود، وهو أقل بكثير مما تقوم عليه الجماعات الصهيونية أو حتى الحركات والمنظمات الدولية المناهضة للكيان الإسرائيلي، وهذا ما يجعل مدى تأثيرها أقل بكثير مما يطمح إليه أعضاؤها.
أبرز التحديات التي تواجهها
أبرز تحدٍّ للجماعة هو النظرة القاصرة تجاههم داخل الكيان الإسرائيلي وخارجه في البلدان التي يقطنون بها، حيث ينظر إليهم على أنهم أقلية من اليهود المتشددين الذين لا يمثلون الشعب اليهودي، وأن دعوتهم بحرمة العودة إلى الأرض المقدسة هو معتقد خاطئ؛ بدليل تشجيع الحاخامات على الهجرة إلى فلسطين قبل ظهور الحركة الصهيونية، وأن تمسك الحركة بالوعود التي اتخذها الشعب اليهودي على نفسه بطاعة الأمم غير اليهودية تشدد، وأن هذا الوعد انتهى بحصول محرقة الهولوكوست[89].
كذلك تسعى حكومة الكيان الإسرائيلي إلى التضييق عليهم، وتصغير حجمهم، وإنكار معتقداتهم التي يقوم عليها فكرهم. أيضاً يتعرض أعضاء المنظمة للعديد من الاعتقالات التعسفية والمضايقات الأمنية التي تطول أفراد أسرهم، بالإضافة إلى نفيهم من قبل الجهات الرسمية للكيان الإسرائيلي[90].
ويُعَدُّ حي “ميا شعاريم”- موقع تمركز الطائفة بالإضافة إلى الجماعات الحريدية الأخرى- أفقر الأحياء في المدينة وأسوأها في توفير الخدمات والمرافق الحكومية، بل تُقتَحم منازلهم ويُعتدى على قبورهم، ويتعرضون للضرب بالهراوات في كل مظاهرة يقومون بها في يوم السبت.
ونتيجة لرفضهم تلقي مساعدات من الحكومة الإسرائيلية وكذا الانخراط في مؤسساتها، فإن أغلب اعتمادهم في مصادر قوتهم على التبرعات الخارجية. لهذا، سعت حكومة الكيان الإسرائيلي إلى تجفيف منابع الدعم الخارجي لأعضاء المنظمة وأسرهم؛ لإبقائهم في حالة العسر المادي والضيق المعيشي؛ كنوع من العقاب الجماعي عليهم لمواقفهم المناهضة للكيان المحتل.
ونظراً لرفض أعضاء المنظمة حمل الجنسية الإسرائيلية فإنهم يلاقون صعوبة كبيرة جداً في مغادرة حدود الأحياء التي يقطنون فيها، وحتى يتمكنوا من الخروج فإنهم غالباً ما يسلكون طرقاً غير شرعية في الهجرة.
ومن التحديات التي يتعرض لها أعضاء ناطوري كارتا خارجياً في نشاطهم المدافع عن القضية الفلسطينية غياب الدعم المالي والسياسي مقارنة بالمجموعات المؤيدة للكيان الإسرائيلي، والتهديد بالقتل والتحرش والعنف اللفظي، بالإضافة إلى الاتهامات بمعاداة السامية وحملات تشويه يتعرضون لها من قبل الساسة والقنوات الإعلامية تحت تأثير من اللوبي الصهيوني وجماعات الضغط اليهودية المؤيدة للكيان الإسرائيلي في الخارج[91].
إن المشاهد العادي لا يرى لناطوري كارتا أي نشاط مؤثر، ولا يلحظ أن لهم صوتاً يُسمع، وذلك ما يثبت قوة السيطرة الإعلامية للصهيونية التي تصم كل منتقد للكيان الإسرائيلي بمعاداة السامية، وتجعل الأمر مستحيلاً ومشوباً بالتخويف والترهيب ضد كل صوت مدافع عن فلسطين وحقها.
رابعاً: مستقبل المنظمة
تتميز ناطوري كارتا عن غيرها من الحركات المناهضة للكيان الإسرائيلي بعراقة تأسيسها السابق لإعلان إنشاء دولة الكيان المحتل، وبثبات مواقفها التي ظلت ملتزمة بها بخلاف غيرها من المجموعات التي تبدلت وتغيرت مواقفها بتغير المصالح والأهواء. فمنذ تأسيسها حتى الآن ظلت جماعة ناطوري كارتا محافظة على موقفها في رفض دولة الكيان الإسرائيلي بوصفه مشروعاً صهيونياً لا يمت للدين اليهودي بأي صلة.
ولم تستجب ناطوري كارتا للمتغيرات التي أدت إلى تثبيت الوجود الصهيوني وإسباغ الشرعية على حكومة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية؛ كانخراط جزء كبير من الجماعات الدينية اليهودية في دولة الكيان الإسرائيلي والاعتراف بشرعية هذا الكيان، والتنازلات العربية المستمرة في تصفية الحق الفلسطيني، وكذلك التحركات الأممية في تثبيت شرعية الكيان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية حتى وصل إلى شرعية كاملة على القدس الشريف.
فلم تتأثر بمعاهدات السلام بين العرب والكيان المحتل السابقة، كمعاهدة كامب ديفيد عام 1978، لإقامة علاقات ودية بين مصر والكيان الإسرائيلي، واتفاقية أوسلو المرتبة لحكم ذاتي للفلسطينيين على الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1993، ومعاهدة وادي عربة بين الأردن والكيان الإسرائيلي عام 1994، بل ظلت مواقفها ثابتة: لا شرعية لدولة الكيان المحتل، ولا تقسيم لأرض فلسطين، ولا مساومة في تعاليم ومبادئ التوراة التي تنص على انتظار المسيح المخلص.
وهذا الموقف استمرت ثابتة عليه مع الاعتراف الأمريكي بالقدس الشريف عاصمة لدولة الكيان عام 2017، وكذلك مع علاقات التطبيع الجديدة بين عدد من الدول العربية مع حكومة الكيان، وربما تستمر الجماعة في المحافظة على هذا الموقف مستقبلاً إلى اليوم الذي ترى فيه زوال دولة الكيان الصهيوني وتحقيق شريعة اليهودية حسب ما تؤمن جماعة ناطوري كارتا.
كل هذا ينبع من الاعتقاد اللاهوتي القوي للجماعة ورفضهم المساومة على أي بند فيه، وهو ما عزز استمرار نضالهم على نفس المستوى؛ لما يرون أنه الحق الواجب الدفاع عنه، وكشف كل الافتراءات الكاذبة التي بررت احتلال أرض فلسطين وطرد شعبها واستباحة ثرواتها.
فهم لا يزالون يرون في الكيان الإسرائيلي الذي أنشأته الحركة الصهيونية الخطيئة الكبرى التي تجلب العقاب الإلهي على الشعب اليهودي بأسره، وسيستمرون في رفض الخطأ الأخلاقي الذي يرتكبه الكيان الإسرائيلي تجاه شعب فلسطين، وتأكيد أنهم ليسوا جزءاً منه، والتصريح باستمرار النضال حتى إعادة فلسطين إلى أصحابها.
أما عن مستقبل الوسائل التي تستخدمها المنظمة لنشر رؤيتها بشأن الدولة الصهيونية، فإنه يرجح استمرار ناطوري كارتا على نفس الأدوات؛ من المظاهرات، والمشاركة في المؤتمرات، ونشر الكتب والمطبوعات، إذ إنه ليس من المرجح أن يتوسع نشاطها أكثر؛ لمحدودية مصادر تمويلها، بالإضافة إلى طبيعة النهج السلمي الذي تسلكه في مجابهة الكيان الإسرائيلي.
كما أن صوتها في العالم الغربي سيظل خافتاً جداً في ظل الغلبة العليا للإعلام الصهيوني، أما بالنسبة للعالم العربي والإسلامي فإن صوتها سيظل في دوائر الإعلام العربي- الرسمي والخاص-ضعيفاً كما هو في المرحلة الماضية، وسيظل نشاطها في مناهضة الدولة الصهيونية لا يحظى بالاهتمام الكافي، وذلك لضعف رؤية صناع القرار العربي، ولقلة الاهتمام الإعلامي والوعي الشعبي للعالمَين العربي والإسلامي في الوقت الحالي بمحورية القضية الفلسطينية وحق شعبها في العودة إلى أراضيه.
الخاتمة
تعيش الأمة العربية والإسلامية في الوقت الراهن حالة من الوهن الفكري والسياسي سمحت لعدد من الدول العربية أن تدخل في علاقات تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وأدت إلى توسع ثقافة التسامح مع الكيان الإسرائيلي وشرعية وجوده في قلب منطقة الشرق الأوسط لدى مجموعة محدودة من وسائل الإعلام العربية والإسلامية.
هذا التوسع في تطبيع العلاقات وإن كان مزدهراً في الوقت الحالي فإنه وضع استثنائي سيتغير لا محالة، ولا سيما أن الشعوب العربية والإسلامية بأغلبيتها لا تعترف بشرعية المحتل وتؤمن بمناهضته والدفاع عن فلسطين وقضيتها.
إن حالة الصراع الداخلي والأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية المختلفة التي تعيشها الدول العربية والإسلامية أبعدت فلسطين وقضيتها المركزية عن أجندة الدول وسياساتها الخارجية، ليصبح الشعب الفلسطيني المناضل الثابت على أرضه حتى يسترد حقه.
ومع ذلك فإن سماع أي صوت مناهض للمحتل الإسرائيلي ولجرائمه بحق الشعب الفلسطيني يقوي الرؤية الحق تجاه القضية الفلسطينية ويحافظ على موقعها لدى الشعوب والجهات المؤمنة بها، وصوت ناطوري كارتا خير مثال على ذلك، إذ ظل حاضراً في كل النكسات التي منيت بها القضية الفلسطينية.
أن مقاومة الفكر الاحتلالي الصهيوني يجب ألا تنحصر على شعوب المنطقة العربية فقط وانما تمتد لكل مناهض للفكر العنصريّ الذي يحدّد تفوّقَ عرق أو أصل معين على الشعوب الأخرى. وينبغي أن تظل هذه المقاومة محافظة على مسارها الثابت فلا تساوم ولا تقبل بأي حلول براغماتية وتسامحية مع المحتل الصهيوني ولا تمنحه أي تنازلات أو شرعية لوجوده على أرض فلسطين.
وقبل المقاومة العسكرية والاقتصادية للمحتل الصهيوني يجب أن يكون هناك مقاومة إيديولوجيّة، بمعنى أنه يجب أن يظل تعريف الكيان الإسرائيلي بأنه المحتل والمغتصب للأرض والحق، دون تجاوز هذا التعريف بأي حال من الأحوال إلى حين جلاء الاحتلال وخروجه من أرض فلسطين.
المراجع
[1] عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، مرجع سابق، المجلد السادس، ص13.
[2] إسماعيل الفاروقي، الملل المعاصرة في الدين اليهودي، مكتبة وهبة، القاهرة، 1988، ص102-105.
[3] إسماعيل الفاروقي، المرجع السابق، ص107.
[4] Shanon Shah, Neturei Karta, Critical Dictionary of Apocalyptic and Millenarian Movements, January 2021, pp.2.
[5] عبد الوهاب المسيري، الصهيونية والحضارة الغربية، دار الهلال، القاهرة، 2003، ص207.
[6] محمد منير، جوزيف مسعد… كيف نقاوم “إسرائيل” أيديولوجياً، العربي الجديد، 9/12/2020، تاريخ الاطلاع: ((13/04/2021. https://cutt.ly/tvi07y3
[7] يونس أبو جراد، الحركات الرافضة للصهيونية (1897 -1948)، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بغزة، فلسطين، 2013، ص3.
[8] عبد الوهاب المسيري، الصهيونية والحضارة الغربية، مرجع سابق، ص282.
[9] عبد الغني سلامة، إسرائيل والصراع على هوية الدولة والمجتمع، مجلة قضايا إسرائيلية، عدد 72، يناير 2019، ص97.
[10] فايز رشيد، جماعات ويهود معادون للصهيونية، القدس العربي، 30/5/2018، تاريخ الاطلاع: 1/4/2021. https://cutt.ly/pcoaQie
[11] إسماعيل الفاروقي، مرجع سابق، ص87.
[12] عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، مرجع سابق، المجلد الخامس، ص398.
[13] عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، مرجع سابق، المجلد السادس، ص408.
[14] سامح عودة، بين اليهودية والصهيونية… هل تحمل إسرائيل عوامل فنائها في داخلها؟، الجزيرة نت، 24/1/2021، تاريخ الاطلاع: (1/4/2021). https://cutt.ly/XcoTmvR
[15] يونس أبو جراد، الحركات الرافضة للصهيونية (1897 -1948)، مرجع سابق، ص10.
[16] يونس أبو جراد، المرجع السابق، ص14، مقتبس عن خالد القشطيني، اليهودية اللاصهيونية، الموسوعة الفلسطينية، المجلد 6، بيروت، لبنان، 1990، ص.768
[17] سامح عودة، بين اليهودية والصهيونية…، مرجع سابق.
[18] جوزيف مسعد، لماذا “إسرائيل” عدو إيديولوجي؟، موقع العرب، 5/1/2021، تاريخ الاطلاع: (13/4/2021). https://cutt.ly/xviVyrw
[19] كوثر قديري، المعارضة اليهودية للصهيونية بين مناهضة العنصرية ومناهضة الاستعمار، مجلة السفير العربي، 28/4/2018، تاريخ الاطلاع: (25/3/2021). https://cutt.ly/NxAoE6w
[20] زهراء مجدي، 6 منظمات يهودية ترفض الدولة الإسرائيلية وسياسة المحتل، موقع نون بوست، 28/2/2015، تاريخ الاطلاع: (20/3/2021). https://0i.is/v4l0
[21] اليهود الحريديم … كراهية تاريخية لدولة إسرائيل والعلمانيين عززها كورونا، الجزيرة نت، 11/5/2020، تاريخ الاطلاع: (1/4/2021). https://cutt.ly/4ci3FlT
[22] شاكر فاضل، العنصر الديني ودوره في السياسة الإسرائيلية، مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد السابع، العدد الأول، 2018، ص43.
[23] صالح النعامي، هل يمكن توظيف المواجهة بين الحريديم والكيان الصهيوني؟، الخليج الجديد، د.ت، تاريخ الاطلاع: (1/4/2021).https://cutt.ly/AciSmmr
[24] قراءة. الحريديم “مجتمع” غير متجانس يُجسد بداخله عدة اختلافات، وكالة قدس برس للأنباء، 17/10/2017، تاريخ الاطلاع: (12/4/2021). https://0i.is/BdVy
[25] صالح النعامي، هل يمكن توظيف المواجهة بين الحريديم والكيان الصهيوني؟، مرجع سابق.
[26] جعفر هادي حسن، اليهود الحسيديم نشأتهم تاريخهم عقائدهم عاداتهم، الدار الشامية، بيروت، 1994، ص245.
[27] سامح عودة، بين اليهودية والصهيونية…، مرجع سابق.
[28] جعفر هادي حسن، اليهود الحسيديم نشأتهم تاريخهم عقائدهم عاداتهم، مرجع سابق، ص249.
[29] Zionism: Neturei Karta, Jewish Virtual Library, Access on (21/03/2021) https://cutt.us/fkNRA
[30] Shanon Shah, Ibid, 11.
[31] الصوت اليهودي من أجل السلام –Jewish Leadership Council، موسوعة ويكيبيديا، د.ت، تاريخ الاطلاع: (9/4/2021). https://0i.is/sWFT
[32] معاريف: منظمة يهودية أمريكية تنشط لفرض المقاطعة على إسرائيل ولعودة اللاجئين، موقع عرب إسرائيل، 10/7/2013، تاريخ الاطلاع: (25/3/2021). https://cutt.l/IxOf8mq
[33] الصوت اليهودي من أجل السلام، مرجع سابق.
[34] S. Shamir Hassan, The Anti-Zionist Movement Within Israel: Its Origin, Travails and Growth, Proceedings of the Indian History Congress, Vol. 57 (1996), pp. 891-899: 893.
[35] Matzpen, Wikipedia Encyclopedia, (-), Accessed on (08/04/2021) https://en.wikipedia.org/wiki/Matzpen
[36] كوثر قديري، المعارضة اليهودية للصهيونية بين مناهضة العنصرية ومناهضة الاستعمار، مرجع سابق.
[37] S. Shamir Hassan, Ibid, 898.
[38] تحديات المنظمات اليهودية المعادية لإسرائيل، الجزيرة نت، 12/3/2012، تاريخ الاطلاع: (1/4/2021). https://cutt.ly/tcoewSY
[39] بلال ضاهر، حركات مناهضة للرواية الصهيونية، موقع فلسطين، (نوفمبر/تشرين الثاني 2013)، تاريخ الاطلاع: (1/4/2021). https://cutt.us/0tAqt
[40] زهراء مجدي، 6 منظمات يهودية ترفض الدولة الإسرائيلية وسياسة المحتل، مرجع سابق.
[41] كوثر قديري، المعارضة اليهودية للصهيونية بين مناهضة العنصرية ومناهضة الاستعمار، مرجع سابق.
[42] يونس أبو جراد، الحركات الرافضة للصهيونية (1897 -1948)، مرجع سابق، ص 146، 147.
[43] صخر أبو فخر، الدولة ثنائية القومية في فلسطين… واقع الحال والمحال، العربي الجديد، 22/10/2018، تاريخ الاطلاع: (13/4/2021). https://cutt.ly/QvioGRb
[44] يونس أبو جراد، الحركات الرافضة للصهيونية (1897 -1948)، مرجع سابق، ص166.
[45] محمد المدني، يهود ضد الصهيونية، دار الحديثة، دمشق، 2007، ص56.
[46] ناطوري كارتا –Neturei Karta، موسوعة ويكيبيديا، د.ت، تاريخ الاطلاع: (10/4/2021). https://ar.vvikipedla.com/wiki…
[47] منظمة ناطوري كارتا اليهودية، الجزيرة نت، 5/7/2009، تاريخ الاطلاع: (19/3/2021). https://cutt.ly/ax4xQWd
[48] محمد المدني، يهود ضد الصهيونية، مرجع سابق، ص43.
[49] محمد المدني، المرجع السابق، ص45.
[50] عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، مرجع سابق، المجلد السادس، ص417.
[51] Shanon Shah, Ibid, 4.
[52] Andrew Coldrick, Contrasting Motives, Comparable Rationales: A Constructivist Examination of Haredi and Palestinian Dis/Engagement in the Israel Defense Forces, Master degree, University of San Diego, 2018, pp.15.
[53] Zionism: Anti-Zionism Among Jews, Jewish Virtual Library, Access on (21/03/2021) https://cutt.us/iPfgd
[54] عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، مرجع سابق، المجلد السادس، ص417.
[55] برنامج زووم: ناطوري كارتا، قناة الغد، يوتيوب، 27/1/2016، تاريخ الاطلاع: (21/3/2021). https://cutt.us/c8ham
[56] Shanon Shah, Ibid, 5.
[57] Andrew Coldrick & Others, Ibid, 17.
[58]Norman Lamm, The Ideology of the Neturei Karta: According to the Satmarer Version, A Journal of Orthodox Jewish Thought: Vol. 12, No. 2 (FALL 1971), pp. 38-53: 40.
[59] محمد المدني، يهود ضد الصهيونية، مرجع سابق، ص51، 52.
[60] Norman Lamm, Ibid, 42.
[61] يونس أبو جراد، الحركات الرافضة للصهيونية (1897 -1948)، مرجع سابق، ص60.
[62] Norman Lamm, Ibid, 46.
[63] Norman Lamm, Ibid, 46.
[64] Norman Lamm, Ibid, 47.
[65] محمد المدني، يهود ضد الصهيونية، مرجع سابق، ص53.
[66] ناطوري كارتا –Neturei Karta، مرجع سابق.
[67] يونس أبو جراد، الحركات الرافضة للصهيونية (1897 -1948)، مرجع سابق، ص105.
[68] محمد المدني، يهود ضد الصهيونية، مرجع سابق، ص143.
[69] الجزيرة نت، تحديات المنظمات اليهودية المعادية لإسرائيل، مرجع سابق.
[70] أسيل الجندي، زعيم منظمة “ناتوري كارتا” اليهودية: الانتخابات الإسرائيلية مهرجان كذب، ولهذه الأسباب ندعم الفلسطينيين، الجزيرة نت، 15/3/2021، تاريخ الاطلاع: (10/4/2021). https://cutt.ly/Tc2cvRe
[71] Neturei Karta International Organization Website, Accessed on (10/04/2021) https://www.nkusa.org/index.cfm
[72] Ibid, (10/04/2021).
[73] محمد المدني، يهود ضد الصهيونية، مرجع سابق، ص47.
[74] Alex Klaushofer, The unorthodox orthodox, The Guardian, (21/07/2002), Accessed on (07/04/2021) https://cutt.us/sPX2u
[75] Nurit Alfasi, Shlomit Ashery and Itzhak Benenson, Between the Individual and the Community: Residential Patterns of the Haredi: Population in Jerusalem, International Journal of Urban and Regional Research, Vol: 37, No. 6, November 2013, 2152–76, pp 2157.
[76] عبد الله الأيوبي، شـهـود حـق مـن الـبـيت اليهودي، أخبار الخليج، د.ت، تاريخ الاطلاع: (20/3/2021). https://cutt.us/lv4gl
[77] مؤتمر الهولوكوست ينطلق بطهران ويهود إيران يستنكرون، الجزيرة نت، 11/12/2006، تاريخ الاطلاع: (15/4/2021). https://cutt.ly/YvsONKL
[78] نوران شرف، ماذا تعرف عن ناطوري كارتا؟، نون بوست، 7/12/2015، تاريخ الاطلاع: (20/3/2021). https://cutt.us/nKAXI
[79] Extremism, Terrorism & Bigotry Neturei Karta, ADL Website, (No date), Accessed on (20/03/2021) https://cutt.us/mJog7
[80] برنامج زووم: ناطوري كارتا، مرجع سابق.
[81] محمد المدني، يهود ضد الصهيونية، مرجع سابق، ص58.
[82] محمد المدني، المرجع السابق، ص46.
[83] نوران شرف، ماذا تعرف عن ناطوري كارتا؟، مرجع سابق.
[84] Daniel Boyarin and Jonathan Boyarin, Diaspora: Generation and the Ground of Jewish Identity, Critical Inquiry, Chicago Journal, Vol. 19, No. 4 (Summer, 1993), 693-725, pp.724.
[85] زعيم “ناطوري كارتا اليهودية”: الإسرائيليون ليسوا يهوداً بل صهاينة مجرمون، المصري اليوم، 17/1/2018، تاريخ الاطلاع: (20/3/2021). https://cutt.us/B9Cek
[86] Ali Abo Rezeg, Israel has hijacked the word Judaism’: NY-based rabbi, Anadolu Agency, (10/05/2018), Accessed on (07/04/2021) https://cutt.us/DbhCS
[87] The 2013 Top Ten Anti-Israel Groups in the US, Anti-Defamation League, Report, New York, US, 2013, pp.21.
[88] Ibid, 13.
[89] قناة الغد، برنامج زووم: ناطوري كارتا، مرجع سابق.
[90] نوران شرف، ماذا تعرف عن ناطوري كارتا؟، مرجع سابق.
[91] الجزيرة نت، تحديات المنظمات اليهودية المعادية لإسرائيل، مرجع سابق.
رابط المصدر: