مرتضى معاش
تواجه العاملين في المؤسسات الاجتماعية والسياسية مشكلة معقدة هي كيفية إدارة هذه المؤسسات بأسلوب يتوافق مع التطور العصري، إن مجرد إدارة المؤسسة باسلوب كلاسيكي قد لا يحمل في داخله الاستعداد الكافي للتطور والتكامل. ولذلك فإن شكل الإدارة وأسلوبها يؤثر في العمق بعمل المؤسسة ومستوى أهدافها.
وإذا كانت المؤسسات التقليدية تنحصر إدارتها بأشخاص ذوي خبرات شخصية معينة تحمل طابع الفردية والارتجالية أحياناً، فإن هكذا مؤسسة في عالم اليوم لا تستطيع أن تخوض غمار التقدّم العالمي الكبير الذي تغيرت أساليب الإدارة فيه وأصبحت جماعية. فاليوم لا يدير المؤسسات المتفوقة أفراد بل يديرها جماعات وبأساليب تعتمد على تعميق روح العمل الجماعي وتوزيع الأدوار والمشاركة في القرار والتنظيم الديمقراطي الحر.
وكل هذا يسير مع تقدم التكنولوجيا المذهل الذي قرّب المسافات، حيث انفتحت الآفاق أمام الإنسان لينال كل المعلومات التي يرغب بها بدون موانع سلطة أو قانون. لذلك لابد أن نبحث عن مفهوم جديد في إدارة المؤسسات يضمن لها البقاء والتطور والاستمرارية في ظل العالم الجديد.
الإدارة: عملية مستمرّة تستند إلى مفاهيم وأساليب علمية مدروسة، تهدف إلى تحقيق نتائج معينة باستخدام الطاقات والموارد المتاحة للمؤسسة بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية في ظل الظروف الزمانية والمكانية المحيطة بالمؤسسة وأفرادها.
ومن هذا التعريف نعلم أن مفهوم الإدارة الحديث يتداخل مع مجموعة علوم كعلم السياسة والاقتصاد والنفس والسلوك الإنساني وحتى مفاهيم العلوم الطبيعية، وهذا يدل على أن الإدارة ليست مجرد قوانين موضوعة تستهدف إيجاد آلية ثابتة للمؤسسة، أو نظام خاص تفرضه طبيعة العمل أو طبيعة المدير وإنما الإدارة المتفوقة مجموعة من القواعد والأساليب المنطقية الحكيمة التي توازن بين الأهداف والقدرات والممارسات…
خصائص الإدارة الناجحة
1 – التركيز على الجانب الإنساني في العمل والاهتمام بتطوير العامل ليتطور العمل.
2 – جدولة برامج المؤسسة وأساليبها ومطابقتها مع عناصر النجاح.. وأهم هذه العناصر:
تحديد الأهداف: حتى لا تستنزف المؤسسة طاقاتها ومواردها في أهداف خارجة عن طبيعة وجودها.
التخطيط المدروس: حيث يجعل سير المؤسسة من المبدأ إلى المنتهى هدفياً لا عشوائياً.
التنظيم: الذي يحدّد وظائف كل فرد ودوره وعمله ونوعية ارتباطه بالمؤسسة وتأثيره في اتخاذ القرار.
تنمية الموارد: فلكي تستمر المؤسسة لابدّ من نمو الموارد الإنسانية والمالية التي تشكل العصب الحيوي لاستمرارها.
بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الوظائف مثل التنسيق مع المؤسسات الأخرى، والتوجيه، والرقابة والمحاسبة، وتقييم الأداء.
كل هذه العناصر تشكل نهجاً مدروساً لمفهوم الإدارة الناجحة الذي يعتمد على التخطيط لا الإرتجالية وقراءة المستقبل ثم ضمانه بحكمة وبروية.
3 – تكاملية الوظائف الأساسية وترابطها: أي أن لكل عنصر من هذه العناصر يتكامل مع بقية العناصر ويرتبط بها ارتباطاً وثيقاً «من باب انتقاء الجزء يعني انتقاء الكل».
وهذا يعني أن نجاح أداء الإدارة الناجحة يتوقف على الالتزام بهذه العناصر المقومة؛ فهي عبارة عن نظام متكامل يعمل كل جزء فيه عملاً يسهم بدرجة ما في تحقيق الهدف العام للنظام، وبالتالي فإن القصور في أداء أحد الأجزاء بمقداره سينعكس على النظام كله ويصيبه بالضعف والخلل. فلو ضعفت على سبيل المثال وظيفة تنمية الموارد المالية أصيبت وظيفة التخطيط أو التنظيم بالضعف أو الشلل الجزئي وهكذا..
4 – إن النشاط الإداري الناجح لايهتم فقط بالمشاكل الحاضرة، بل يمتد أفق العمل الإداري إلى فترات مستقبلية تحتاج المؤسسة فيها إلى التنبؤ كأساس لاتخاذ القرارات واختيار أساليب العمل الأفضل أخذاً في الاعتبار الاستفادة من الخبرة الماضية.
وإذا استطاعت المؤسسة أن تستطلع المستقبل وتبرمج خطتها على ضوئه فإنها تستطيع أن تواجه العراقيل بسهولة وتفوز بالمستقبل. أما المؤسسات التي تركن إلى خلفيات وتعيش مشكلات الحاضر فقط فإنها تدلف إلى المستقبل بغموض وقلق وخوف من القادم، وهذا أمر يفقدها الثقة ويصيبها بالهزيمة.
5 – إن العمل الإداري الممتاز لا ينفصل عن ظروف البيئة المحيطة بالمؤسسة، حيث تؤثر البيئة في الغالب تأثيراً مباشراً على إمكانيات المؤسسة وأسس اختيارها لسبل العمل.
فالمؤسسة التي لا تأخذ في الاعتبار البيئة والظروف الزمانية والمكانية لا تستطيع أن تستمر في أدائها بشكل جيد، فالمؤسسة التي تعيش في بلاد ذات أجواء ديمقراطية لا تستطيع أن تعمل بالنظام الدكتاتوري داخل المؤسسة. والمؤسسة التي تعمل في بلاد ديكتاتورية تعاني كثيراً إذا أرادت أن تعمل بطريقة منفتحة لذلك كان على أصحاب المؤسسات أن يوجدوا أساليب للموازنة بين الأهداف التي يحملونها والبيئة التي يعايشونها ليضمنوا لأنفسهم النجاح.
إن بعض المؤسسات لا تريد أن تتبع تغيرات الظروف فتظل متمسكة بالأجواء القديمة التي كانت تعيشها من دون إجراء موازنة منطقية بين ضرورة التغيير وضرورة الحفاظ على بعض الثوابت لذا تتعرض في الغالب إلى الانهيارات تلو الانهيارات، لأن التغيير إذا صار ضرورة يعني أن هناك خللاً في الأفكار أو الأساليب وهناك حاجة إلى التغيير فإذا لم نعدله نحن ونتعامل معه بمرونة فإنه سوف يُفرض علينا من خارج المؤسسة بعد نزف خسائر فادحة.
6 – لا يمكن للمؤسسة أن تعمل بمنأى عن المؤسسات الأخرى، فهي تحتاج إليها ويتأثر عملها وإدارتها بما تفعله الإدارة في المؤسسات الأخرى. ولهذا فإن الإدارة الناجحة تمتاز بأنها قادرة على إيجاد الاعتماد المتبادل بين المؤسسات وإيجاد حالة التكامل فيما بينها. حالة التكامل هذه يمكن أن تنبثق عنها مجموعة من العناصر الإيجابية التي لها دور كبير في التقدم، منها:
– إلغاء أو تجميد حالة الصراع والصدام التي يمكن أن تستنزف طاقات وموارد المؤسسة.
– الإقتصاد في صرف أو توفير الموارد حيث يمكن الاستفادة من موارد المؤسسات الأخرى.
– الاستفادة من تجارب وخبرات تلك المؤسسات عبر برنامج تبادل الخبرات.
– مضافاً إيجاد حالة التلاحم الاجتماعي التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على نمو وبناء المجتمع بشكل عام، هذا بالإضافة إلى الكثير من الإيجابيات الأخرى.
ومن كل هذا تظهر حقيقة أساسية مهمّة وهي أن الإدارة الناجحة هي الإدارة المدروسة الناظرة للإنسان بما هو كائن مبدع وخلاّق مضافاً إلى إنسانيته فتطبق روح الإدارة لا قوانينها الآلية وهياكلها الجامدة، وتعمل مع الإنسان كمسؤول ومع المؤسسة كمسؤولية جماعية مشتركة لا فردية مفروضة قسراً.
إن الإدارة المتفوقة تعبر عن ماهية الإنسان وطبيعته التي تتطلع نحو الحرية والاختيار والاستقلال والاعتماد على الذات ضمن إطار الإعتماد على المؤسسة، حيث يجد الإنسان قوته ونمو شخصيته في المؤسسة كما تحقق المؤسسة بإرادة أفرادها المبدعين وحسهم الاجتماعي والجماعي أقصى أهدافها وغاياتها…
رابط المصدر: