نحو مزيد من الردع والدفاع.. ما هي الأولويات المُتوقعة لقمة فيلنيوس لحلف الناتو؟

  آية عبد العزيز

 

دفعت الحرب الروسية-الأوكرانية دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى إعادة النظر في الخطط الدفاعية للحلف لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، استجابةً للتهديدات التي تواجههم من قبل روسيا، خاصة بعد شنها الحرب على أوكرانيا، في الرابع والعشرين من فبراير 2022؛ حيث احتلت تبعات الحرب صدارة أولويات الحلف، وهو ما تمثل في اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في الناتو خلال يومي 15-16 يونيو 2023 لوضع مقاربة دفاعية استباقية تجاه أي هجوم روسي مُحتمل على خلفية التوافق بينهم على أن روسيا أصبحت تهديدًا للأمن الأوروبي-الأطلسي، يتطلب ردعه والاستعداد لمواجهته إذا تتطلب الأمر.

وبالرغم من عدم قدرتهم على التوصل إلى موافقة نهائية بشأن هذه الخطط وحدود ونطاق تنفيذها جغرافيًا، فإنه من المُرجح أن تكون على أجندة أعمال القمة السنوية للحلف التي من المُقرر عقدها في العاصمة الليتوانية فيلنيوس خلال يومي 11-12 يوليو الجاري، التي تشارك فيها فنلندا لأول مرة بعد انضمامها للناتو؛ حيث ضاعفت حدود الحلف مع موسكو بنحو 2500 كيلو متر، ووسعت نطاق انتشار عملياته بالقرب من روسيا.

يأتي هذا التوجه في سياق الجهود التي يقوم بها الحلف لتعزيز قدراته الدفاعية، استنادًا إلى التحولات في البيئة الأمنية الدولية التي دفعت إلى تطوير الثقافة الاستراتيجية، تمهيدًا لوضع تصور مُتوافق عليه للتعاطي معها، وهو ما تجلى في المفهوم الاستراتيجي للناتو 2022، وذلك بالتوازي مع تقديم الدعم لأوكرانيا على كافة الأصعدة؛ لمواجهة روسيا، وتعزيز قدراتها لاستعادة أراضيها التي سيطرت عليها موسكو.

توقيت حرج

تتزامن قمة فيلنيوس مع عدد من التطورات المتلاحقة التي ستكون لها تبعات على واضحة على النقاشات التي ستدار بين الدول الأعضاء في الحلف؛ علاوة على نتائج القمة، تأتي في مقدمتها ما يلي:

أحداث الرابع والعشرين من يونيو: في الوقت الذي تعمل فيه روسيا على صدّ الهجوم المضاد الأوكراني، شهدت البلاد محاولة تمرد مسلح قادها “يفجيني بريجوزين” زعيم مجموعة “فاجنر”، وتم إحباطها بوساطة بيلاروسية، وبالرغم من ذلك كشفت هذه الواقعة عن التحديات التي يواجهها الرئيس الروسي، مثل تداعياتها على مسار الحرب، فضلًا عن ذلك أثارت تساؤلات بشأن مصير المصالح الروسية التي يدورها “بريجوزين”، داخل روسيا وخارجها، وكيف ستستفيد أوكرانيا من هذا الوضع في ضوء هجومها المضاد؟

تباطؤ الهجوم المضاد الأوكراني: بالرغم من شن كييف هجومًا مضادًا لاستعادة أراضيها خلال شهر يونيو 2023 وفقًا لتصريحات الرئيس الأوكراني، إلا أنها واجهت مُقاومة روسية كثيفة أدت إلى صعوبة تقدم القوات الأوكرانية، تمثلت في استخدام القوات الروسية للألغام المضادة للدبابات، وتعرضهم لهجمات من المدفعية، والمروحيات، والطائرات الروسية، وذلك وفقًا لوزارة الدفاع البريطانية؛ لإعاقة تقدم القوات في شرق البلاد. الأمر الذي قد تتجلى تبعاته خلال القمة، فالوضع الحالي في أوكرانيا يُعد سلاحًا ذا حدين إما أن يسهم في تعهد دول الحلف بتسريع وتيرة تسليم الأسلحة بما يضمن نجاح الهجوم، أو قد يُشكل مُبررًا لتراجع الدول عن التزاماتها بشكل نسبي لأن استمرار الحرب يعني استنزافها دفاعيًا.

جولة الرئيس الأوكراني الخارجية: قام الرئيس “زيلينسكي” بجولة خارجية جديدة قبل أيام من انعقاد القمة شملت كلًا من: بلغاريا، وجمهورية التشيك، وتركيا؛ في محاولة لتسريع عمليات تسليم الأسلحة اللازمة للبلاد في سياق الهجوم المضاد، وأيضًا مناقشة مسألة انضمام كييف للناتو، بجانب مناقشة آليات تمديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية مع تركيا. ومن الواضح أن الرئيس الأوكراني يسعى إلى الحصول على دعم الدول الأعضاء في الحلف قبل القمة؛ تمهيدًا لضمان تأكيد التزامهم بدفاع عن أوكرانيا، التعهد بضمها للحلف.

الإبقاء على الأمين العام للحلف؛ تم الموافقة من قبل الدول الحلفاء على تمديد ولاية الأمين العام للناتو “ينس ستنولينبرج” –رئيس الوزراء النرويجي السابق- حتى أكتوبر 2024؛ بعد أن كان من المفترض أن تنتهي في أكتوبر المقبل؛ لضمان استمرار النهج الراهن تجاه القضايا، مما يعزز من قدرتهم على المواجهة عبر التوافق على آليات الاستجابة التي أضحت ترتكز على الردع والدفاع طويل المدى.

ضرورة استكمال إجراءات الردع والدفاع: تأتي هذه القمة بعد عام من قمة مدريد التي عقدت نهاية شهر يونيو العام الماضي، ووضعت الأسس الاستراتيجية لمواجهة التهديدات المتنامية والمحتملة وفي مقدمتها التهديد الروسي، فضلًا عن تقوية القدرات الدفاعية لدول الجناح الشرقي للحلف، وأكدت على أهمية دعم أوكرانيا ومنحها المزيد من المساعدات العسكرية. وشددت على سياسة الباب المفتوح للحلف، بالإضافة إلى إصدار المفهوم الاستراتيجي للحلف لعام 2022. والجدير بالذكر، أن هذه القمة قد سبقها إعلان الناتو المزيد من الإجراءات مثل: تنشيط الخطط الدفاعية للحلف بما في ذلك قوات الرد السريع التي كانت تبلغ حينها ما يقرب من 40 ألف جندي، وتم زيادتها فيما بعد لنحو 300 ألف، بالإضافة إلى مضاعفة المجموعات القتالية متعددة الجنسيات في أوروبا الشرقية. 

أولويات مُلحة

فرض استمرار الحرب على جدول أعمال القمة مجموعة من الأولويات الضرورية التي تحمل في طياتها رسائل مُوجهةً لروسيا تحديدًا، وتعكس مدى تماسك الدول الحلفاء لمواجهة التحديات والتهديدات المُتصاعدة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

عضوية السويد المرهونة بتصديق تركيا والمجر؛ من المُتوقع أن تكون القمة فرصة للوصول إلى تسوية نهائية بشأن عضوية السويد، بالتوازي مع احترام المخاوف التركية. وعلى الرغم من أنه كانت هناك تحركات استباقية بين الجانبين التركي والسويدي تجلت في إعلان الأمين العام للناتو “ينس ستولينبرج” أن السويد أوفت بالتزاماتها تجاه تركيا عقب لقائه مع الرئيس التركي في 4 يونيو 2023، بالإضافة إلى عقد اجتماع في أنقرة في 14 يونيو بين مسؤولين من الحلف، وفنلندا، والسويد، وتركيا بشأن عضوية ستوكهولم؛ فإن تصريحات الرئيس التركي يوم 10 يوليو الجاري بشأن اشتراط عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي مقابل الموافقة على عضوية ستوكهولم في الناتو قد تزيد الأمر تعقيدًا.

وسيتوقف حدوث صدى إيجابي للخطوات السابقة على مدى قبول تركيا لهذه الخطوات، وخاصة إنها القمة الأولى التي يحضرها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بعد فوزه في الانتخابات التركية الأخيرة التي أجريت في مايو الماضي. وقد ترتبط موافقة تركيا على عضوية السويد بحجم التعهدات المُحتملة التي سوف يحصل عليها، مثل الحصول على الطائرات من طراز (إف-16) من الولايات المتحدة الأمريكية، أو عضوية الاتحاد الأوروبي.

وإلى حين التمكن من أخذ التزام من واشنطن بشأنها، من الممكن أن تستمر أنقرة في اعتراضها بزعم عدم احترام ستوكهولم للأديان على خلفية الحوادث المتكررة لحرق القرآن، بالإضافة إلى عدم تسوية مسألة حزب العمال الكردستاني والجماعات الموالية له، بشكل نهائي، وقد يكون هناك تطور في مستوى المطالب؛ إذ يتم رهن عضوية السويد، بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وقد يكون هذا المطلب مدفوع بالتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد داخليًا.

وبالانتقال إلى عضوية أوكرانيا في الناتو؛ ما زالت هناك حالة من الغموض بشأن الموعد المُحدد لانضمامها، وهو ما أشار إليه الأمين العام للحلف خلال زيارته لفنلندا في فبراير 2023، قائلًا إنّ: “دول حلف شمال الأطلسي موافقة على أن تصبح أوكرانيا عضوًا في الحلف، ولكن في الوقت ذاته هذا احتمال على المدى الطويل”. وذلك بالرغم من المطالبات المستمرة من كييف بضرورة الانضمام بوصفه الضمان الأمني لها.

وهنا يمكن الإشارة إلى عدد من التحديات التي تعرقل عملية الانضمام؛ يأتي في مقدمتها استمرار الحرب وتداعياتها على السيادة الوطنية لأوكرانيا، وهو ما سيؤثر على الوفاء بالتزاماتها على غرار باقي الدول الأعضاء. وقد سبق أن نوه إليه الرئيس الأمريكي في السابع عشر من يونيو قائلًا: “أعتقد أنهم فعلوا كل ما يتعلق بإثبات القدرة على التنسيق عسكريًا، ولكن هناك مشكلة كاملة تتعلق بـ هل نظامهم آمن؟ هل هي غير فاسدة؟ هل تفي بجميع المعايير التي يلتزم بها الجميع، وكل دولة أخرى في الناتو؟ أعتقد أنها ستفعل. أعتقد أنه يمكنها. لكن (انضمامها) ليس أوتوماتيكيًا”.

لذا لن تسفر القمة بجديد فيما يتعلق بإعطاء وعد بموعد مُحدد لعملية الانضمام، ولكنها ستؤكد على ضرورة مواصلة دعم أوكرانيا؛ حيث أظهرت حالة من التنسيق والتعاون مع الحلفاء خلال الحرب، فضلًا عن أن كييف لديها علاقات تعاون وشراكة تاريخية مع الحلف منذ تسعينيات القرن الماضي، يمكن مواصلة البناء عليها.

هذا بجانب الإعلان عن بعض الإجراءات السياسية التي تسهم في تقوية هذه العلاقة، تتجسد في الإعلان عن مجلس للناتو-أوكرانيا يستهدف إجراءات مشاورات بين الجانبين فيما يتعلق بالقضايا الأمنية. الأمر الذي أشار إليه الأمين العام للناتو في السابع من يوليو الجاري قائلًا: “أتوقع أن يوافق قادة الحلفاء على حزمة من ثلاثة عناصر، لتقريب أوكرانيا من الناتو، تتضمن برنامجًا متعدد السنوات للمساعدة لضمان التشغيل البيني، وتحسين العلاقات السياسية – مع حضور الرئيس زيلينسكي الاجتماع الافتتاحي لمجلس الناتو وأوكرانيا الجديد، وإعادة التأكيد على أن أوكرانيا ستصبح عضوًا في الناتو، مع الوحدة حول كيفية تقريب أوكرانيا من هدفها”.

وفيما يتعلق بالخطط الدفاعية، فمن المُقرر أن يتخذ الحلفاء خطوات جدية بشأنها عبر اعتماد ثلاث خطط دفاعية إقليمية لمواجهة التهديدات الناجمة عن روسيا والإرهاب؛ حيث نوه “ستولتنبرج” لهذا قائلًا إنه: “للمرة الأولى منذ الحرب الباردة، أن يربط الحلفاء بشكل كامل التخطيط لدفاعنا الجماعي بالتخطيط لقواتنا وقدراتنا وقيادتنا وسيطرتنا وأن الناتو سيكون لديه أكثر من 300 ألف جندي في حالة تأهب قصوى، مدعومة بقدرات جوية وبحرية كبيرة للدفاع عن أراضي الحلفاء ضد أي تهديد”.

ويُذكر؛ أن وزراء الدفاع الدول الأعضاء في الحلف قد وافقوا على التوجيهات السياسية لعملية التخطيط الدفاعي للعام الجاري خلال شهر فبراير؛ تمهيدًا لتحديث الخطط الدفاعية. وعليه تُعد هذه الخطوة تحولًا نوعيًا وترجمة عملية للمفهوم الاستراتيجي للحلف لعام 2022، للرد على التهديدات الناجمة من روسيا والمنظمات الإرهابية. وبناءً على ذلك، ستتضمن القمة الإعلان عن تفاصيل هذه الخطط، الأمر الذي سيتطلب موافقة دول الحلف لأنها ستزيد من التزاماتهم الدفاعية سواء على المستوى الوطني أو الحلف، لتعزيز مستوى جاهزية القوات، والقابلية للتشغيل البيني، ونتيجة لذلك قد يكون هناك تخوف من اعتراض بعض الدول على غرار تركيا.

اتصالًا بذلك، ستتضمن القمة أيضًا مناقشة الإنفاق الدفاعي؛ حيث يرغب الأمين العام للناتو أن يكون الحلفاء أكثر التزامًا بشأن الاستثمار الدفاعي على أن يكون نسبة 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي أساس يمكن البناء عليها وليس الحد الأقصى. وقد يكون هذا الأمر محل جدل أيضًا خلال القمة لأن الخطط الدفاعية التي سيعتمدها الحلف ستتطلب زيادة الانفاق الدفاعي، لتحديث قدراتهم العسكرية.

ويُذكر في هذا السياق أن القوى الأوروبية بجانب كندا قد استثمرت بشكل إضافي أكثر من 450 مليار دولار منذ عام 2014، وزادت نسبة إنفاقهم بنحو 8.3% خلال عام 2023 مُقارنة بعام 2022 الذي بلغت فيه 2%. ويوضح الشكل التالي -وفقًا لتقرير صادر من الحلف في السابع من يوليو الجاري، تحت عنوان: “الإنفاق الدفاعي لدول الناتو (2014-2023)“- نفقات الدفاع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (%) بناءً على أسعار عام 2015 وأسعار الصرف.

ختامًا؛ من المتوقع أن تُناقش قمة فيلنيوس جُملةً من الملفات المثارة التي لا يزال التعاطي معها محل نقاش، في الوقت الذي يسعى فيه الحلفاء لإظهار الوحدة أمام التحديات والتهديدات، بالتوازي مع الحفاظ على مصالحهم، وتجنب الانخراط في حرب مباشر خلال السنوات المُقبلة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78404/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M